شراكةٌ استراتيجية تلك التي تربط واحدة من أكثر الديمقراطيات ازدهارًا في حاضرنا بواحدة من أعتى الملكيات في محيطنا. شراكةٌ استراتيجية وليس تحالفًا، والشراكة قد تنتهي في أي لحظة إذا ما رفضت البقرة الحلوب أن تُدر المزيد من اللبن لصاحبها.بتمرير قانون جاستا في عهد الرئيس الأمريكي السابق «باراك أوباما» أصبحت السعودية في مرمى القضاء الأمريكي، وأصبح من حق المواطنين الأمريكيين مقاضاتها على مشاركتها -المزعومة- في تقديم الدعم المادي واللوجستي لمختطفي الطائرات، وليست السعودية وحدها التي أصبحت في دائرة الضوء، لكن أيضًا الإمارات العربية المتحدة التي ينتمي اثنان من منفذي الهجمات إليها، بينما ينتمي أربعة عشر آخرون إلى المملكة.ومع حلول ذكرى هجمات مانهاتن هذا العام. أُعيد فتح الملف مرة أخرى، يحاول أهالي الضحايا الوصول إلى المتسبب الرئيسي وراء وفاة أبنائهم أو ربما يبحثون عن خزائن السعودية، لا يهم، ما يهم حقًا هو أننا هذا العام بصدد وثائق جديدة تربط السفارة السعودية بمتورطين في أحداث منهاتن.


متى بدأت كرة الثلج في التدحرج؟

خمسة عشر سعوديًا من أصل تسعة عشر هم منفذو هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وإذا أضفت إليهم أسامة بن لادن فسيكون من الطبيعي جدا أن تصل أصابع الاتهام إلى شخص ما في السعودية، لكن مع عمق العلاقات بين البلدين كان لزامًا أن تمر الأزمة وأن يُغلق ملفها. لكن الأمر الذي أجبر الساسة الأمريكيين على توجيه أصابع الاتهام للحكومة السعودية نفسها هو تورط زوجة الأمير بندر بن سلطان -السفير السعودي في واشنطن حينها- في تقديم دعم مالي للمجموعة المتورطة في التفجيرات.حيث نشرت صحيفة «ذي إندبندنت» البريطانية تقريرًا عن ملف الهجمات التي طالت بُرجي التجارة العالمية في نيويورك في العام 2001، وأشارت الصحيفة إلى أن سعوديًا يُدعى «أسامة بسنان»، كان يعيش في «سان دييغو» إبان الهجمات. أمضى وقتًا مع اثنين من المنفذين وهم «نواف الحامزي» و«خالد المحضار». وأضافت أن «بسنان» تلقى حوالى 75 ألف دولار من الأميرة «هيفاء» زوجة الأمير «بندر بن سلطان»، السفير السعودي في الولايات المتحدة آنذاك.وبحسب الصحيفة، فإن تلك الأموال كانت لعلاج زوجة «بسنان»، في حين أنها وصلت بالنهاية ليد «عمر البيومي»، الذي ساعد الحامزي والمحضار في الحصول على أوراق الأمن الاجتماعي والمعلومات بشأن دورات الطيران في الولايات المتحدة.

اقرأ أيضًا:هل نرى آل سعود في المحاكم الأمريكية قريبًا؟ كما ذكر تقرير آخر لنفس الصحيفة عن خيوط أخرى تربط «بندر بن سلطان» بمنفذي الهجمات، حيث ورد في تقرير سري كشفت عنه الحكومة الأمريكية العام الماضي عن أن الهاتف الذي كان يحمله عضو بارز في تنظيم القاعدة، وهو «زين العابدين محمد بن حسين» أو «أبو زبيدة» كشف عن تواصله مع شركة في كولورادو مرتبطةً أيضًا بالأمير «بندر بن سلطان»، وبينما لا تبدو هذه القرائن حاسمة، لكنها كافية لإثارة الرأي العام وتوجيه أصابع الاتهام للحكومة السعودية.استمرت أصابع الاتهام تتوجه من وقت لآخر إلى المملكة لكن دون نتيجة واضحة على العلاقات السعودية-الأمريكية إلى أن أقر الكونجرس الأمريكي قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب المعروف إعلاميا بـ «جاستا »، حيث أتاح هذا القانون للمواطنين الأمريكيين ملاحقة المتسببين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، ورغم الفيتو الذي أشهره الرئيس «باراك أوباما» بوجه مشروع القانون إلا أنه وفي سابقة على عهد «أوباما» استطاع الكونجرس بأغلبية الثلثين تخطي فيتو الرئيس، وذلك رغم التحذيرات التي تلقاها الكونجرس عن أثر هذا المشروع على موقف الولايات المتحدة دوليًا.


توابع إعصار جاستا

أسامة بسنان، سعودي تقول ذي إندبندنت البريطانية إنه كان حلقة الوصل بين الأمير بندر بن سلطان واثنين من منفذي الهجمات

أتى إعصار جاستا على تبرم وضيق من كل الأطراف، ابتداءً من أوباما وانتهاء بممالك الخليج. رأى آل سعود الخير في قدوم ترامب وكانت زيارته للمملكة حدثًا استثنائيًا، توقعوا بعده أن ينتهى الإعصار كزوبعة في فنجان، ولكن مجيء ترامب أو رحيله لن يغير الكثير في واقع السعودية الآن، وهي أنها تحديدًا وإلى حد ما أيضًا الإمارات أصبحتا في مرمى حجر شركات المحاماة الأمريكية، طلبًا للتعويضات التي ستصل إلى المليارات إذا ما تمكن أحد ما من إثبات خيط يصل السفارة في واشنطن بطائرات منهاتن، وهو ما يبدو أنه على وشك الحدوث.

دفعت السفارة السعودية لشابين رحلتهما من فينكس إلى واشنطن وتم توقيفهما للارتياب بشأنهما على متن الطائرة، لكن أُخلي سبيلهما لعدم وجود قرائن أو أدلة للإدانة

وفقا لتقرير نشرته جريدة «نيويورك بوست» عن محام أمريكي موكل عن ضحايا الحادث، ظهرت حديثًا أدلة تشير إلى تورط السفارة السعودية في تحضيرات تتعلق بهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. فقبل سنتين من الحادث، دفعت السفارة السعودية لاثنين من مواطنيها نظير رحلة من «فينكس» إلى «واشنطن»، وتحديدًا في نوفمبر/تشرين الثاني 1999، فيما بدا أنه «بروفة» لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأثناء الرحلة ووفقًا لجهاز التحقيقات الفيدرالي فإن الشابين حاولا مرات عدة الوصول إلى كابينة الطيار في محاولة لاختبار أنظمة الأمان على سطح الطائرة.تقول إحدى المضيفات وفقًا لأوراق التحقيق إن الشابين كانا يسألان عن تقنيات الطائرة وتفاصيلها وتفاصيل رحلتها، فيما طلب منها أحدهما الذهاب إلى الحمام وعندما أشارت إلى مؤخرة الطائرة نهض وذهب إلى قمرة القيادة محاولًا دخولها.وفقًا للأورق كذلك، فإن تصرفات الشابين أثارت الخوف لدى قائد الطائرة مما أدى به إلى الهبوط اضطراريًا في مطار «أوهايو»، قيدتهما الشرطة وخضعا للتحقيق لكن لم تستطع الشرطة إيجاد أساس قانوني للاتهام، فأخلت سبيلهما. ولاحقًا اكتشف جهاز التحقيقات الفيدرالي أن الشابين كانا قد حصلا على تدريبات متطورة في «أفغانستان»، وكانا على علاقة بأحد المطلوبين على قائمة مكافحة الإرهاب.تشير نتائج التحقيقات أن الشابين كانا موظفين في الحكومة السعودية لسنوات، وتشير تكهنات إلى أن أحدهما عميل للمخابرات السعودية بناءً على تواصله الدائم مع المسئولين الأمنيين بالسفارة. وقال «شون كارتر» المحامي الرئيسي للمدعين في الهجمات إنه تم التأكيد منذ وقت طويل على أن هناك علاقات طويلة الأمد ووثيقة بين تنظيم القاعدة وأشخاص مرتبطين بالحكومة السعودية. وأضاف «هذا دليل آخر على ذلك».أما على الجانب الآخر فقد طلبت السعودية رفض 25 دعوى قضائية تشير إلى مساعدة المملكة في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر/أيلول وتطالبها بدفع تعويضات للضحايا. وقالت الرياض في أوراقٍ قُدمت للمحكمة الجزئية الأميركية بمانهاتن إن مقيمي الدعاوى لا يمكن أن يبرهنوا على أن المملكة أو أي منظمة خيرية تابعة لها مسؤولة عن الهجمات. وقالت أيضًا إنها تستحق الحصانة السيادية.السؤال الآن ليس فقط عن المال، ولكنه أيضًا عن السياسة و الاستراتيجية، هل كان حقًا للمملكة مصلحة في هجمات منهاتن، هل رأت أن تعيد أمريكا بالقوة إلى ساحة الشرق الأوسط بعد أن استشعرت أن المستقبل لا يبشر بخير أم أن الحرب الشعواء التي تخوضها شركات المحاماة وأهالي الضحايا هي فقط من أجل التعويضات التي ستصل إلى مليارات الدولارات في حال ثبوت صلة بين الحكومة وبين المنفذين؟