انفصال نيمار ونايكي: واقعة جنسية أم هروب جديد من الظل؟
بالنسبة إلى متابع كروي يتراوح عمره حول الثلاثين، كانت هنالك فترة ذهبية لمتابعة كرة القدم الأوروبية، ورغم أن المتابعة لم تكن بنفس القدر المتاح حاليًا، إلا أن متابعي تلك الحقبة ارتبطوا بشدة بنجومهم، وكان المعيار الوحيد لذلك الارتباط هو الموهبة والمهارة.
كانت البساطة هي ما جعلها حقبة ذهبية، يحن الكثيرون إليها بين الحين والآخر،حيث لا مكان للحديث عن التكتيك والضغط العالي والأدوار المركبة، بل إن نجوم هذه الحقبة حصلوا على حصانة لعدم العودة والمشاركة في الدفاع، دون أن يتهمهم أحد من المشجعين بالتقصير.
ازدهر في تلك الفترة مقاطع اليوتيوب التي تجمع لقطات لأبرز مهارات هذا وذاك، وحصل عدد من اللاعبين على شعبية أكبر من المستحقة بفضل ما حملته هذه المقاطع من إبهار وصخب موسيقي. وعلى نفس المنوال، ظهرت حملات دعائية تحمل نفس النمط ممزوجًا بالفانتازيا المقبولة في ذلك الوقت، وكان أشهرها إعلانات شركة «نايكي».
وبفضل تلك الإعلانات، كان التعرف على نوع حذاء نجمك المفضل، إلزاميًا وليس اختياريًا. ورغم مرور الزمن، وانتهاء هذا النوع من الحملات الدعائية، احتفظ البعض باهتمامهم، على الأقل لمعرفة واجهة كل شركة؛ رونالدو مع «نايكي»، ميسي ومحمد صلاح مع «أديداس»، ونيمار؟ كعادته قرر إثارة الجدل.
صراع موازٍ
قبل أن نطلعك على تفاصيل إثارة نيمار للجدل، دعنا أولاً نخبرك عن الصراعات الأخرى في كرة القدم، والتي يدور صراعها الرئيسي دائمًا حول الفريق الفائز على أرض الملعب، لكن بفضل تمدد اللعبة اقتصاديًا وتجاريًا، ظهرت عدة صراعات موازية، من بينها صراع عملاقي الألعاب الإلكترونية «FIFA» و«PES»، وشركات الملابس والأحذية «أديداس» و«نايكي» و«بوما».
قبل كل بطولة دولية كبرى، ستجد تقارير عدة عن المنتخبات ولاعبيها وطرق اللعب وصولاً لأبرز المرشحين، لكن من بين هذه التقارير، يجب أن يعرج أحد لصراع شركات الملابس والأحذية؛ كم منتخب يرتدي «أديداس»؟ وكم لاعب يرتدي حذاء «نايكي»؟ وفي نهاية البطولة سيخبرونك عن الفائز «الخفي» من هذا الصراع الكروي التجاري.
قبل كأس العالم 2014، باعت «أديداس» مليوني قميص للمنتخب الألماني، وبعد نجاحه بحصد اللقب، باعت مليونًا أخرى. ولأن الأمر يتعلق بالمبيعات والسيطرة على السوق، تتصارع الشركات للفوز بحقوق رعاية المنتخبات واللاعبين.
في عام 2006 عرضت شركة «نايكي» على الاتحاد الألماني خسمة أضعاف ما سيتحصل عليه من «أديداس» في العقد الجديد بينهما، لكن بفضل التاريخ الطويل بين «أديداس» الألمانية والمنتخب، رفُض العرض. وفي عام 2011، نجحت «نايكي» في خطف منتخب فرنسا من «أديداس»، وإلى آخره من الصفقات التي قادتنا في الأخير لقنبلة مدوية فجرها نيمار بترك «نايكي» والانضمام لـ«بوما».
نيمار المثير .. للجدل
في سبتمبر من عام 2020، ترك نيمار «نايكي» ليوقع عقدًا خياليًا مع شركة «بوما»، تحت شعار «the King is back». فالشركة الألمانية أرادت تذكير جمهور اللعبة بأن الملوك مارادونا وكرويف وبيليه كانوا أبرز نجومها، وها قد أتى نيمار ليخلفهم بعقد هو الأضخم تاريخيًا بقيمة 23 مليون باوند سنويًا (مع العلم أن رونالدو يحصل على 15 مليون باوند سنويًا من نايكي، بينما يتقاضى ميسي 18 مليون باوند من أديداس).
كان نيمار بالنسبة لـ«نايكي» أحد أضخم مشاريعها، فقد وقعت معه الشركة الأمريكية وهو في عمر الثالثة عشر، واستمرت الشراكة بينهما لمدة 15 عامًا، حصل اللاعب البرازيلي خلالها على علامته الخاصة، وتصدر العديد من الحملات الإعلانية، فضلاً عن كونه أول لاعب كرة قدم يضع شعار «air jordan» على حذائه. والأهم من ذلك، كان تبقى عامان على نهاية العقد، فما الذي حدث؟
في تقرير لصحيفة «Wall Street Journal»، تم الكشف عن أن شركة «نايكي» قد قطعت علاقاتها مع نيمار لأنه رفض التعاون مع تحقيق في ادعاء اعتدائه جنسيًا على موظفة بعد حدث تسويقي في عام 2016، تحديدًا في الفترة بين الفوز بالثنائية المحلية مع برشلونة في 2015-16 وقيادة البرازيل للفوز بالميدالية الذهبية الأولمبية في ريو دي جانيرو.
في ذلك التوقيت، زار نيمار مدينة نيويورك في حملة دعائية مع أسطورة كرة السلة مايكل جوردان، وكانت الضحية متواجدة بصفتها مديرة تسويق بالشركة، وقد عملت رفقة زملائها مع البرازيلي في مجال الخدمات اللوجستية لإطلاق المنتج.
في الساعات الأولى من يوم 2 يونيو، طلب موظفو الفندق منها وزميلها مساعدة نيمار في غرفته. بدا أن اللاعب كان مخمورًا بعد أمسية في ملهى ليلي. تقول المرأة إنها تُركت وحيدة لفترة وجيزة في الغرفة مع نيمار وفي ذلك الوقت خلع ملابسه الداخلية وحاول إجبارها على ممارسة الجنس. عندما حاولت مغادرة الغرفة، منعها من الخروج ثم طاردها نصف عارٍ في الممر.
لم تتقدم الضحية بشكوى حتى عام 2018، عندما كانت نساء أخريات في نايكي يتقدمن لمشاركة التجارب السلبية كجزء من استطلاع حول معاملة النساء في الشركة. خلال هذه العملية، أخبرت رئيس الموارد البشرية والمستشار العام.
لم يحدث أي شيء حتى مايو 2019، حتى اتهمت عارضة أزياء برازيلية نيمار باغتصابها بأحد فنادق باريس، لكن تلك القضية التي انتهت لعدم إدانة اللاعب لنقص الأدلة، عجلت من تحركات شركة نايكي داخليًا، وتم استدعاء شركة خارجية متخصصة لاجراء التحقيق، الذي رفض نيمار التعاون معه، لتسدل ستار النهاية.
الخطة الكبرى
لكن مهلاً، قبل أن يسدَل الستار كاملاً، فقد تذكرت لتوك أن كريستيانو رونالدو قد تعرض لحادثة مشابهة، أينعم كانت ضحيتها من خارج الشركة، لكن يظل التشابه حاضرًا. هل مر الأمر بسلام لأن رونالدو هو واجهة نايكي الأولى في كرة القدم؟ نيمار أيضًا يحظى بمكانة تسويقية كبيرة، فهو الرقم اثنين في «نايكي» بعد البرتغالي والمرشح لخلافته. لذلك توجد حلقة مفقودة، أو بالأحرى خطة غير واضحة، وبفضل رحيل نيمار، بدأت بالوضوح.
لنعد بالوراء قليلاً، تحديدًا إلى كأس العالم 2018 في روسيا، حيث أوضح تصنيف موقع «CIES Football Observatory»، أن من بين أغلى 200 لاعب شاركوا بالبطولة، كان 132 منهم يرتدون أحذية «نايكي»، وهو ما يعني تفوقًا واضحًا على مستوى الجودة والعدد. في ذلك الوقت كان رونالدو ونيمار هما واجهة الشركة، ومن ورائهما ليفاندوفسكي وهاري كين وسترلينج وراموس.
لكن إن نظرت إلى أقدام هؤلاء اللاعبين الآن، ستجد أن نايكي قد تخلت عن: راموس وليفاندوفسكي وسترلينج، بالإضافة إلى فاران وتياجو ألكانتارا وليروي ساني وبوكايو ساكا، ورغم ذلك، ما زالت أحذية «نايكي» تستحوذ على 53% من لاعبي الدوريات الخمس الكبرى في عام 2021.
ارتكزت «نايكي» على موقعها في ريادة السوق، وبدأت بتسريع خططها المستقبلية بعد الخسارة التي ضربت الجميع بسبب جائحة كورونا. لم تقاتل الشركة للاحتفاظ بنيمار، وفضلت توفير بعض الأموال، في مقابل منح كيليان مبابي مكانة أكبر خلف رونالدو.
كذلك، رحل سترلينج ليظهر سانشو وراشفورد، والأخير تحديدًا يوزاي رحيم من حيث الدور المجتمعي خارج المستطيل الأخضر. بنفس الطريقة رحل ليفاندوفسكي، ليصبح الطريق خاليًا أمام هالاند. وهنالك أيضًا أسماء أخرى مثل أنسو فاتي وفرينكي دي يونج وكاي هافيرتز وآخرين.
هذه الخطة الكبرى قد تضمن لـ«نايكي» استمرار سيطرتها على السوق في المستقبل، ورغم وضوح الإستراتيجية، كان يمكن لنيمار أن يكون جزءًا منها، لكن الانفصال حدث في الأخير ليبدو وكأن البرازيلي على موعد دائم مع الهروب من الظل، في المرة الأولى كان ظل ميسي في برشلونة، وفي الثانية كان ظل رونالدو في «نايكي».
اقرأ أيضًا: الألعاب الإلكترونية: حرب لا تعلم عنها شيئًا