حقيقة أم خرافة: هل بيع القمصان يعوض قيمة الصفقة؟
بخلاف جميع التفاصيل وبغض النظر عن كل المعطيات الخفية والمعلنة في أي مجال تجاري أو تسويقي،فإن هناك بعض الأخبار والحقائق التي يمكن للجميع تقصي صدقها من عدمه، سواء من حيث التحري عن صحة المعلومة من مصادر معروفة بدقة أخبارها، أو سواء بترك المجال لفضولك الداخلي من خلال التفكير في منطقية ما تقرأ وما تسمع. وفي كرة القدم هناك الكثير من المعلومات التي تصنف على أنها تقديرية وتقريبية، وعلى وجه الخصوص تلك الأرقام التي تروي تفاصيل عمليات بيع اللاعبين بين الأندية وأجورهم وراوتبهم السنوية.
فبسبب الملكيات والاستثمارات التجارية للكثير من الأندية حول العالم، أصبحت تفاصيل حسابات الأندية وشئونها المالية أقرب إلى بيئة العمل الخاص، وتفتقد للشفافية في الكثير من الأحيان، فأصبحنا لا نرى صفقة إلا ويكون فيها خلاف في الأرقام بين مصدر وآخر، والأمر نفسه فيما يخص رواتب اللاعبين السنوية وصفقات الرعاية التي تجمعهم بالشركات العالمية، على عكس الشفافية المطلقة الموجودة في ألعاب أخرى ككرة السلة ودوري الـ NBA ولعبة الرجبي الأمريكية.
وفي الآونة ذاتها أصبحت طريقة الإعلان عن صفقات التعاقد مع نجوم اللعبة مغايرة لتلك التي اعتدناها في سنوات قريبة خلت، فيما سبق كنا ننتظر تلك الصور التي تظهر اللاعب وهو يحمل قميص ناديه الجديد، أو يداعب الكرة أمام الجماهير كما يفعل لاعبو ريال مدريد، أما الآن فتحولت إلى دعايات ومقاطع مصورة بطريقة تشبه الإعلان الترويجي للأفلام الهوليودية مع موسيقى تصويرية مشوقة لجذب الاهتمام الجماهيري والإعلامي، مثل إعلان انتقال بوجبا إلى مانشستر يونايتد مع المغني ستورمزي، أو إعلان إشبيلية عن عودة لاعبه السابق خيسوس نافاس إلى النادي بطريقة مستحدثة في عالم اللعبة.
وشاهدنا هذا الأمر مؤخرًا في إعلان نيمار ووصوله إلى باريس، حيث اكتسى برج إيفل بألوان النادي الباريسي وبصور النجم القادم من بلاد السامبا وكأن به بطل منقذ للمدينة. بكل تأكيد أن الأندية والشركات الراعية لها مثل أديداس ونايكي وبوما تسعى لخلق مثل هذه الضجة حول الصفقات بهدف كسب المزيد من الأموال من خلال بيع القمصان، لأن الجميع يعرف أن الجمهور الحالي للعبة يراها من زاويتها التجارية البراقة بجانب المنظور الرياضي لها. لكن هل لمبيعات القمصان هذا التأثير الكبير في السجل المالي للأندية؟
الدجاجة التي تبيض ذهبًا
في إحصائية نشرها موقع ميرور البريطاني مطلع العام الحالي تصدر فيها مانشستر يونايتد قائمة النوادي العالمية في بيع القمصان، ووصل عدد القمصان المبيعة إلى ما يقارب 2,850,000 قميص في عام 2016، متفوقًا على كل من ريال مدريد وبرشلونة.
ويرى البعض أن عملية بيع القمصان ما هي إلا دخل إضافي للنادي بجانب المداخيل الأخرى كبيع التذاكر وعوائد البث التلفزيوني والرعايات، وهذا الأمر واقعي بالطبع، فبجانب الرعاية الرسمية للقميص من قبل الشركات المُصنعة كأديداس ونايكي وبوما التي تدفع مبالغ طائلة سنويًا للأندية، هناك نسبة مقتطعة من سعر القميص تعود إلى النادي، وأصبحت عملية رعاية القمصان وبيعها موردًا تسويقيًا لا يمكن الاستغناء عنه في الأندية الكبرى.
المثال الأبرز على ذلك كان الإنجليزي دافيد بيكهام الذي انتقل إلى ريال مدريد قادمًا من مانشستر يونايتد عام 2003، بكل تأكيد لم يكن هاجس بيريز الأبرز عند التعاقد مع بيكهام هو أداؤه الفني داخل الرقعة الخضراء؛ لأن هناك من يفوقه موهبة بلا أدنى شك، بل كان رجل الأعمال الإسباني مهتمًا بالفوائد التجارية والتسويقية التي سيجلبها نجم الشباك الإنجليزي إلى سانتياجو بيرنابيو. وسعى بيريز إلى تكرار الأمر ذاته من خلال التوقيع مع كل من كاكا، رنالدو، جاريث بيل وخاميس رودريجيز، وهذا ما جعل ريال مدريد يحتل مكانة عليا في المجال الإعلاني، وسهل له الحصول على كمية أكبر من عوائد البث التلفزيوني مقارنة بالأندية الأخرى.
حقيقة أم خرافة؟
التعاقد مع هذه الأسماء يستهدف أسواقاً جديدة ودولاً يسعى فيها النادي لزيادة المبيعات داخلها، بالإضافة إلى زيادة مشجعي النادي فيها بسبب وجود لاعب محلي من الدولة. وهذا الأمر أصبحت بعض الأندية تتجه إليه في الفترة الماضية، وخاصة في السوق الآسيوية من خلال التعاقد مع لاعبين من الصين التي تعد سوقًا مهمًا بسبب حداثة الاهتمام باللعبة هناك. لكن هل التوقيع مع نجوم اللعبة وبيع قمصانهم كافٍ لاسترداد القيمة المالية للصفقة كما يشاع؟
نيمار والظهور الإعلامي الأول كلاعب لباريس سان جيرمان
بالعودة إلى نيمار وباريس سان جيرمان الذي يببع ما يقارب 526 ألف قميص في العام بشكل وسطي، ويبلغ متوسط سعر القميص ما يقارب 90 يورو بحسب التقديرات،فإن إيرادات مبيعات القمصان ستصل إلى ما يقارب 47 مليون يورو، وإذا فرضنا أن صفقة نيمار ستزيد من المبيعات بنسبة 25٪، وهي نسبة عالية جدًا إن حدثت بالفعل، فهذا معناه بأن باريس سيبيع 131 ألف قميص إضافي على مجموع معدل بيعه السنوي، أي ستزداد حصيلته من الملايين 12 مليون يورو إضافية لتصل إلى إلى 59 مليون يورو، وهذا رقم هزيل جدًا مقارنة بالـ 222 مليون يورو التي دفعها باريس لفسخ عقده مع برشلونة. لكن هل يدخل خزينة النادي هذه الأرقام بالإضافة إلى مبلغ الرعاية السنوية التي يدخلها من الشركة الراعية؟
الأمر منافٍ للعقل والمنطق، فكيف لشركة مثل أديداس أو نايكي أن تدير تجارة خاسرة تدفع فيها كل هذه الأموال على التصنيع والرعاية والتسويق، ولا تحصل على عوائد مالية من عملية البيع. حقيقة الأمر أن النادي لا يدير متجره الرسمي، بل الشركة هي المسئولة عن جميع عمليات التصنيع والتسويق والبيع والشحن والتوزيع، وليس بمقدرة النادي تشغيل المتجر بنفسه لأنه ببساطة نادٍ لكرة القدم ويفتقد القدرة على إدارة العملية بأكملها من شبكات التوزيع والشحن.
ما هي الحقيقة؟
الأندية بطبيعة الحال تبيع حقوق إدارة شعارها لإحدى الشركات المختصة في تصنيع المستلزمات الرياضية، مثل نايكي وأديداس ونيو بالانس وغيرها، يحصل النادي وفق هذا البيع على عائد سنوي له مقدار ثابت وهو ما نسميه بالرعاية السنوية، بالإضافة إلى نسبة من المبيعات تختلف نسبتها بين نادٍ وآخر بحسب الشهرة وحجم المبيعات. ونسبة المبيعات التي يحصل عليها النادي لا تعد العامل الأبرز خلال المناقشات التي تجمع الطرفين خلال المفاوضات، لأنها ليست بتلك الأهمية التي يعتقدها المشجعون والمتابعون، لأن النسبة التي تحصل عليها الأندية تتراوح بين 8-13 % من المبيعات بحسب شهرة النادي، وفي بعض الأحيان تصل إلى 15% في حال تجاوز رقم متفق عليه من المبيعات.
التعاقد مع نجم ما سيزيد من المبيعات بكل تأكيد، لكن إن طبقنا النسبة التي يحصل عليها النادي فلن يدخله الكثير من الأموال كما يردد البعض، وفي حال طبقنا النسبة على مبيعات قمصان نيمار مع باريس، فإن النادي سيحصل فقط على 1,800,000 يورو من بيع قمصان البرازيلي.
يحصل باريس على ما يقارب 24 مليون يورو سنويًا من شركة نايكي ضمن عقد الرعاية الذي يجمعهما، مقارنة بـ 82 مليون يورو يحصل عليها مانشستر يونايتد من أديداس سنويًا، وهذا التفاوت عائد إلى قوة الدوري المحلي وشهرة الشياطين الحمر التي تتخطى بكل تأكيد شهرة الباريسيين، وعلى وجه الخصوص في السوق الآسيوية والأمريكية.باريس حاول سابقًا تحسين عقده مع نايكي الذي ينتهي في عام 2022، ولكن لم تكلل مساعيه بالنجاح بسبب عدم امتلاك بي إس جي لورقة ضغط مقنعة لزيادة مبلغ الرعاية. لكن في الآونة الحالية ومع وصول نجم عالمي رياضيًا وتسويقيًا بمكانة نيمار، يمكن لباريس أن يدخل مفاوضاته بقوة مع نايكي لتحسين مبلغ الرعاية السنوية، والذي يمكن أن يتجاوز 40 مليون يورو سنويًا على أقل تقدير.
بالعودة لشراكة اليونايتد وأديداس، فإن هيربرت هاينر الرئيس التنفيذي السابق لشركة أديداس الألمانية، توقع أرباحًا قد تبلغ 1.5 مليار جنيه إسترليني خلال مدة العقد التي تربط الناديين والبالغة 10 أعوام. والتعاقد مع بوجبا والطريقة التسويقية الذكية التي تم التسويق بها ترينا أن أديداس استطاعت حبك القصة بالشكل الأمثل لتحقيق الفائدة العظمى من هذا التعاقد، أديداس لم تسوق للقميص، ولم تسوق لشعار اليونايتد ولا شعارها، بل سوقت ماركة عالمية تحت اسم بوجبا، والأمر نفسه بالنسبة لنيمار الذي سينقل بي إس جي إلى مكانة أكبر تسويقيًا، وهذا ما قصده الخليفي عندما قال بأن نيمار لم يكلف الكثير؛ لأن القيمة السوقية للنادي الباريسي ستزداد نصف مليار يورو بعد التعاقد مع البرازيلي.