سر فرق السرعات: كوكب ألمانيا لكرة القدم
في الوقت الذي شاءت فيه الأقدار رؤية صدام مصري ألماني غير متكافئ في بطولة كأس العالم للأندية 2020، حل اللاعب السابق والمدرب الحالي «رضا عبد العال» ضيفًا على «إبراهيم عيسى» بقناة «القاهرة والناس» في محاولة لتفسير ظاهرة فرق السرعات بين الألمان والمصريين، وتوجيه أنظار الجميع لأحد عيوب منظومة الكرة المصرية.
هيأ «إبراهيم عيسى» مساحة جديدة لكابتن «رضا» ليفعل ما يبرع فيه، وهو الهراء. ليتحدث الثنائي عن جماعة سياسية تسيطر على قطاعات الناشئين، بنشر مدربين منتمين لها، بين المنتخب والأهلي وأندية أخرى. عماد النحاس، وربيع ياسين، ومختار مختار، ومحمد عامر، وآخرين، ما زالوا يمنعون المنظومة من التطور وإنتاج مواهب أكثر كفاءة، أو يمنعون الكفاءات من أمثاله لنيل المراكز التي تستحقها، لكن أكثر ما استغربه «رضا» هو ردة فعل هؤلاء عند سماع النشيد الوطني!
الهراء السابق هو غيض من فيض تقدمه لنا البرامج التلفزيونية كلما كانت كرة القدم محور حديثهم؛ لأن الإثارة تأتي أولاً والمضمون قد لا يأتي أساسًا. لكن مع ما رأيناه في لقاء الأهلي وبايرن ميونخ قررنا أن نخبرك بالقليل عن زملاء «رضا عبد العال» في كوكب ألمانيا لكرة القدم.
التخطيط يبدأ من الصدمة
بدأت قصة ألمانيا مع تطوير اللعبة بعد صدمة الخروج من دور المجموعات في كأس أمم أوروبا 2000. حيث احتل منتخب المانشافت المركز الأخير، بعد تعادل مع رومانيا، وهزيمتين من إنجلترا والبرتغال. فقرر الاتحاد الألماني اتخاذ إجراءات صارمة والعمل على إصلاح المنظومة من الأسفل إلى الأعلى.
كان الهدف هو اكتشاف أكبر كم من المواهب، ووضعها على الطريق الصحيح، وقد تطلب ذلك تعاونًا من الأندية لخدمة نفس الهدف. بعد 14 عامًا، فازت ألمانيا بكأس العالم 2014 معلنةً وصول خطتها طويلة الأجل إلى مبتغاها، لكن من جهة أخرى كان عام 2020 علامة أخرى على نجاح المنظومة.
لكي تحصل على ناشئ موهوب وذي عقلية، ويحظى بكل المواصفات التي تسمعها من محللي البرامج الرياضية، يجب أن تمنحه معلمًا بارعًا. لذا، اهتم الألمان بتعليم المدربين، حتى أصبحوا على قمة العالم، وإليك حصيلتهم في 2020.
كان نهائي دوري أبطال أوروبا بين فريقين يقودهما مدربين ألمانيين، وثلاثة من الدوريات الخمس الكبرى فاز بها نادٍ يقوده مدرب ألماني، وأخيرًا احتل الألمان المراكز الأربعة الأولى في اختيارات الاتحاد الأوروبي «Uefa» لأفضل مدربي العام، وهم بالترتيب: هانز فليك، يورجن كلوب، يوليان ناجلزمان، توماس توخيل.
وفقًا لقناة «دويتش فيله»، فإن السر وراء تفوقهم هو امتلاك خليط مثالي من المميزات؛ لم يحظوا بمسيرة ناجحة كلاعبين، اكتسبوا خبرات تدريبية مبكرًا، شخصيات محبوبة وقادرة على التعامل مع عقليات اللاعبين الحاليين، إلى جانب المعرفة التكتيكية الهائلة. تلك المواصفات المثالية لم تكن وليدة الصدفة، لأن ألمانيا تمتلك خطًّا لإنتاج هؤلاء المدربين.
فصل المتفوقين
قبل الحديث عن مدربي الصفوة في ألمانيا، دعنا أولاً نخبرك عن النظام المعتاد هناك. بحسب تصريحات المدير التقني السابق لبايرن ميونخ «مايكل ريشكي» كان عدد كبير من الأندية يكتفي بتعيين مدرب فريق «تحت 19 عامًا» بدوام كامل، أما بقية الأعمار فيتولاها مدربون بدوام جزئي، لكن الآن أصبحت معظم أندية البوندسليجا تعتمد على مدربين محترفين بدوام كامل بدايةً من فريق «تحت 11 عامًا»، حتى فريق الشباب.
ومع الخطوة السابقة، كانت عملية رفع جودة المدربين أكثر سهولة. وفقًا للأرقام التي نشرها موقع البوندسليجا، في عام 2013 امتلكت ألمانيا (28400) مدرب حاصل على الرخصة «B»
، (5500) مدرب حاصل على الرخصة «A»
، (1000) مدرب حاصل على «Uefa Pro»، بينما كانت الأرقام في إنجلترا 1759، 895، 115، على الترتيب.
بالإضافة لما سبق، يزيد ألمانيا تميزًا امتلاكها ما يشبه فصل المتفوقين، الذي كانت تكونه بعض المدارس للتركيز على الطلاب الأفضل، وهنا نحن نتحدث عن أكاديمية «هينس فايزفايلر» بمدينة «كولن». تعتبر الأكاديمية – التي أنشئت في عام 1947 – واحدة من أهم مراكز تطوير المدربين على مستوى العالم.
حيث يتقدم للالتحاق بها 80 مدربًا كل عام، يتم اختبارهم لمدة 3 أيام لاختيار أفضل 24، والذين سيدرسون في الأكاديمية لمدة 11 شهرًا، للحصول على رخصة «Uefa Pro» مع لقب «Football Teacher» الفخري.
على سبيل المثال، إن أردت الحصول على نفس الشهادة في إنجلترا، فعليك إتمام 240 ساعة من الدراسة، أما في أكاديمية «هينس فايزفايلر» فعليك إتمام 800 ساعة! بين دراسة علم النفس، والعلاج الطبيعي، والنظريات التكتيكية وأصول التدريس.
بجانب حضور واحدة من بطولات الناشئين (كأس عالم أو يورو) لتعلم العمل كالكشافة المحترفين، حيث تصوير المباريات وتسجيل الملاحظات، والعمل في مجموعات لتدوينها، ومن ثم عرضها على البقية. بالإضافة إلى إتمام فترة معايشة لمدة 8 أسابيع مع أحد أندية البوندسليجا.
من أبرز خريجي الأكاديمية: يواكيم لوف، هانز فليك، يورجن كلوب، توماس توخيل، دومنيكو تيديسكو، يوليان ناجلزمان (أول من وضع شاشة عملاقة في ملعب التدريب، لعرض التدريبات وشرح التعليمات التكتيكية) وكان الثنائي الأخير ضمن خريجي عام 2013، الذين أُطلق عليهم جيل اللابتوب.
جامعة رانجنيك
وبينما كانت ألمانيا تبني ما سبق، كان الحظ يحالفهم بظهور أحد المجددين في أفكار اللعبة؛ العراب «رالف رانجنيك». ليجد المدربين الشباب مصدرًا ملهمًا للأفكار، تمامًا مثل المدرب الأرجنتيني المخضرم «مارسيلو بيلسا»، وبالطبع يشترك الثنائي في انخفاض الشعبية بين الجماهير التي لا تعترف إلا بالنتائج.
حظي «رانجنيك» بمسيرة متواضعة كلاعب، في نادي «أولم SSV Ulm»، ثم أصبح لاعبًا ومدربًا لفريق صغير يسمى «Viktoria Backnang»، حينها مر على معسكر لفريق «دينامو كييف» في عام 1983، وانبهر بأفكار المدرب «فاليري لوبانوفسكي»، على مستوى الضغط.
وبالاشتراك مع زميله «هيلموت جروس»، بدأ الثنائي دمج أفكار الفريق الأوكراني مع أفكار «أريجو ساكي» في ميلان، مع الاستغناء عن الليبرو المقدس في ألمانيا، لتنطلق رحلة العراب الألماني من نادي «شتوتجارت»، إلى أن غير وجه البوندسليجا الحالي.
يمكن تلخيص الخطوط العريضة لفلسفة «رانجنيك» في الآتي: إيقاع مرتفع بالكرة وبدونها، البحث عن التمريرات العمودية للوصول للمرمى في أسرع وقت، ضغط متقدم، الاعتماد على مصيدة الضغط بترك خيار تمرير متاح في العمق أو الطرف، كما يعد أحد المخترعين الأوائل للضغط العكسي المعروف باسم «gegenpressing»، ويعتبر «رالف» ثاني أكثر المؤثرين على أفكار مواطنه «يورجن كلوب».
ترك «رانجنيك» بصمته بالعمل كمدرب في أندية شتوتجارت، هوفنهايم، هانوفر، شالكه، ثم كمدير رياضي بمجموعة أندية ريد بول، وبالنظر لأبرز المدربين الحاليين داخل وخارج ألمانيا، سنجدهم قد عملوا مسبقًا تحت قيادته.
توماس توخيل(لاعبًا في أولم ومدربًا للشباب في شتوتجارت)، يوليان ناجلزمان (مدربًا للشباب في هوفنهايم ثم مدربًا لريد بول لايبزج)، وداني روهل مساعد هانز فليك في البايرن (محلل أداء ومدرب مساعد في لايبزج)، ورالف هايزنهوتل مدرب ساوثهامبتون (مدربًا في لايبزج)، ولارس كورنيتكا مساعد مدرب أيندهوفن الحالي (محلل أداء في شالكه).
بالإضافة لقائمة من المدربين الذين عملوا تحت إشرافه في ريد بول سالزبورج: أوليفر جلازنر مدرب فولفسبورج الحالي، هوتر مدرب إنتراخت فرانكفورت، مارك روز مدرب مونشنجلادباخ، روجر شميدت مدرب أيندهوفن، جيسي مارش مدرب سالزبورج الحالي.
الثورة التي أحدثها تلامذة «رانجنيك» كانت سببًا فيما تراه الآن في الدوري الألماني من تطور الأداء وتشابه بعض الأفكار. لكن بالتأكيد، الصورة النهائية توضح أن زملاء رضا عبد العال هناك يعيشون في كوكب آخر، لا يمكننا الاقتراب منه، طالما ظل المسئولون الحاليون واللاعبون السابقون يملئون أسماعنا بالهراء.