دجاجة ودب وعنزة: سر وجود الحيوانات في شعارات الأندية
الأول من مارس/آذار عام 2015، تويتر يعج بمئات التغريدات التي تسخر من نادي توتنهام. السبب؟ خسارته نهائي الكأس بنتيجة 2/0. طبعًا النتيجة ليست كبيرة أو ثقيلة بأي حال، لكن ما يجعلها خسارة مريرة هي أنها جاءت على يد العدو اللدود: تشيلسي، وهو ما فتح المجال أمام كل من يكره توتنهام كي يشمت ويسخر كيفما أراد.
كان العيار ثقيلًا، لدرجة أن توم أوليفر -المحرر بصحيفة مترو- نشر تقريرًا يجمع فيه بعض هذه التغريدات. على رأسها كانت تغريدة يسخر صاحبها من شعار النادي اللندني المكوَّن من دجاجة تقف فوق إحدى الكرات. طبعًا هذه لم تكن المرة الأولى أو الأخيرة، بل إن صفحات الكوميكس الجماهيرية نالت من هذه الدجاجة المسكينة بكل وسيلة ممكنة، لكن هل تساءلت يومًا عن سر وجودها في شعار توتنهام؟
فكر في الأمر قليلًا وستجد كم هو غريب بالفعل، خصوصًا حين تكتشف أن توتنهام ليس الحالة الوحيدة، بل هناك أندية تستخدم الدب والعنزة وفرس النهر والخفاش في شعاراتها دون أن تعرف السبب الحقيقي وراء ذلك. ما الذي يدفع أحدهم أصلًا ليتخذ من العنزة رمزًا؟ وكيف يمكن أن يكون الدب أيقونة تاريخية لنادٍ عريق؟ في هذا التقرير سنحاول العثور على بعض إجابات.
دجاجة توتنهام ليست دجاجة
مبدئيًّا ينبغي أن تعرف أنها ليست دجاجة، بل ديك، أو بالأحرى ديك صغير كما هي ترجمة الكلمة الإنجليزية Cockerel. أما ثانيًا فدعني أؤكد لك أن الأمر أكبر من مجرد ديك، بل إنه يعود لرواية تاريخية تخص المملكة البريطانية. حيث بدأت الحكاية عندما شرع بعض طلاب مدرسة القديس جون الواقعة بالقرب من شارع توتنهام في تأسيس نادٍ جديد عام 1882.
كان الطلاب صغارًا، وتتوسط أعمارهم بين الثالثة عشرة والرابعة عشرة، لذلك لم يستقروا على اسم معين إلا بعد عامين كاملين. وقد وقع اختيارهم على الاسم الذي نعرف به الفريق الإنجليزي حاليًّا: Tottenham Hotspur. ما يهمنا هنا هو المقطع الثاني من الاسم، أي هوتسبير، وهو يشير للسيد هاري هوتسبير (1364-1403).
أنا مثلك لم أكن أعرف عنه أي شيء، حتى قرأت عن المعارك التي خاضها بشجاعة في العصور الوسطى، قائدًا لجيوش إنجلترا بحروب الاستقلال الأسكتلندية وهو في الثلاثين من عمره، حتى دفع حياته ثمنًا لها وهو لم يبلغ الأربعين بعد.
مات هاري، لكن سيرته ظلت تتردد بين الأجيال من بعده كأحد الأبطال الشعبيين، حتى وصلت لمؤسسي النادي الذين ألصقوا اسمه باسم ناديهم الوليد.
لكن ما دخل قائد عسكري مثل هاري هوتسبير بطائر كالديك؟ الرابط بينهما ظريف للغاية، وهو يتعلق بهواية هاري المفضلة. كان هوتسبير مفتونًا برياضة صراع الديوك، ويزور باستمرار حلبات المصارعة كي يراهن على نجاح ديك في القضاء على الآخر.
وهو ما ألهم لاعب توتنهام ويليام سكوت في أن يتخذ من هذا الطائر شعارًا لناديه بعد 500 عام من وفاة هوتسبير، فاقترح وضع تمثال برونزي للديك داخل ملعب وايت هارت لين التاريخي، قبل أن يتحوَّل لشعار رسمي يطبع على صدر كل من يمثل النادي.
هل تأكل الدببة الفراولة؟
بصراحة لا أدري، لكن إذا زرت ساحة بويرتا ديل سول في قلب العاصمة الإسبانية مدريد، فستتفاجأ بتمثال ضخم لدب يحاول قطف ثمار تشبه الفراولة من إحدى الأشجار.
الآن تأمل التمثال جيدًا، لأنها ليست المرة الأولى التي تراه فيها، بل لعله مر أمام عينك عشرات المرات كلما ظهر شعار نادي أتلتيكو مدريد على شاشة التلفاز، واستعدت كتيبة دييجو سيميوني لخوض إحدى المباريات.
هذا الدب هو جزء من شعار النادي الإسباني، ولا شك أنه من الغريب أن يكون رمزًا يدافع عنه رفاق أوبلاك، خصوصًا حين تعلم أنه رافق الأتليتي خلال أغلب تاريخه، فما هي قصته؟
القصة ببساطة تعود للقرن الثالث عشر، حين رأى قائد أحد الجيوش الإسبانية أن يتخذ منه شعارًا لحملاتهم العسكرية. لماذا؟ لأنه كان الحيوان البري الأكثر انتشارًا في الغابات التي تحيط بمدريد.
كما أضاف سبعة نجوم حول الدب، وهناك تفسيران لهذا الرقم بالتحديد؛ الأول يقول إنه نسبة للأقاليم السبعة التي تجاور العاصمة جغرافيًّا، والثاني يشير لأمر فلكي وهو النجوم السبعة التي تكوِّن كوكبة الدب الأكبر في السماء.
سواء كان التفسير الأول هو الأصح أم الثاني، فقد حارب الإسبان تحت هذه الراية حتى عام 1222 حين أضيف لها عنصر جديد، كان ذلك هو شجرة الميدرونهو. وهي ثمرة تشبه الفراولة والتوت، لكنها غير منتشرة بكثافة؛ لذلك يلقبها البعض: شجرة الفراولة.
وقد أُضيفت في هذا العام تحديدًا عندما تم حل النزاع القائم بين الكنيسة والحكومة على ملكية الغابات والحقول في إسبانيا، وصار الدب الذي يتسلق الشجرة هو رمز المملكة الإسبانية.
طبعًا لم يكن أحد يعرف حينها أنه بعد 700 عام سيؤسس ثلاثة طلاب باسكيين نادي أتلتيكو مدريد، ويقع اختيارهم على نفس ذلك الشعار ليعبر عن الهوية التي أرادوها للنادي، ثم يصبح الأتليتي أحد الثلاثة الكبار في إسبانيا تحت قيادة مدرب وُلد في الأرجنتين، البلد الذي احتلته إسبانيا تحت راية الدب!
عنزة كولن: فعلًا؟
في نفس التوقيت الذي خسر فيه توتنهام الكأس عام 2015، كان نادي كولن الألماني هو الآخر يمر بظروف صعبة. يدخل الآن لاعبوه المباراة السابعة على التوالي دون تحقيق الفوز، آملين في فك النحس أمام آينتراخت فرانكفورت. تقدم كولن أولًا، لكنهم لم يتمكنوا من الحفاظ على تقدمهم، خصوصًا مع إهدار مهاجمهم النيجيري أنتوني أوجا الفرص بغرابة شديدة.
لكن قرب نهاية الشوط الثاني، نجح أوجا في صناعة هدف لفريقه، ثم همَّ بتسجيل هدف الحسم. انفجر عندها في احتفال صاخب، راكضًا خارج خط الملعب باتجاه تميمة ناديه: العنزة هانس، ليمسك بقرونها ويسحبها بشدة، وكأنه أراد أن يرقص معها. لكنه تفاجأ بصيحات استنكار عالية من بعض الجماهير، ثم صافرات استهجان تدين ما فعل لتوه.
لم يفهم أنتوني المشكلة إلا في صباح اليوم التالي، حين اكتشف موجة عارمة من الغضب الجماهيري ضد ما اعتبروه إهانة لتاريخ ورمز كولن. ذهب النيجيري صوب ناديه، وهناك وجد أن المسئولين استقروا على ضرورة أن يتوجه أوجا بالاعتذار لهانس في حضور وسائل الإعلام.
كل تلك الأسئلة التي تجول في خاطرك الآن كانت تملأ رأسه، وهو يقف ليعبر عن أسفه لعنزة لم يكن يعرف أنها بكل تلك الأهمية مطلقًا.
لا بد أن أوجا أحب معرفة السر وراء هذه الهالة حول هانس، ولا بد أنهم أخبروه بأن الأمر يعود لخمسينيات القرن الماضي، وتحديدًا مع الاحتفال بالذكرى الثانية لتأسيس النادي الذي يحمل اسم المدينة. حيث اصطحب رئيس النادي عنزة صغيرة معه خلال الحفل، وحين سُئِل عن السبب قال إنه يتفاءل بها كثيرًا.
نالت العنزة استحسان كل الحضور؛ من جماهير وإداريين ولاعبين، حتى إن مدرب الفريق آنذاك هانس ويسويلير اقترح على الرئيس أن يتبنى العنزة، وقام على رعايتها بشكل شخصي، ثم منحها اسمه الأول: هانس، قبل أن تظهر معه أكثر من مرة على عشب ملعب كولن. ونتيجة لكل ذلك، فكر الرئيس في تغيير شعار النادي ليتكوَّن من تلك العنزة التي وقع الكل في حبها.
بقِي أن تعرف ماذا يحدث حين تموت هانس، عندها تصاب المدينة بالاكتئاب ويتم انتخاب عنزة جديدة من قبل الجماهير والسكان، وتنال سعيدة الحظ مرافقًا شخصيًّا يقوم على خدمتها بصورة لائقة، وطبعًا إن تعرض لها أحد بأي سوء فهناك من سيتصدى له بكل عزم وسيلقى الجاني مصير أوجا الذي غادر كولن نهاية ذلك الموسم.