السر وراء ثورة تشيلسي في ميركاتو 2020
قوانين صارمة للتعاقد مع الناشئين، ثم قانون اللعب المالي النظيف للتدقيق في دفاتر الأندية المالية، ثم ظروف اقتصادية غير مسبوقة بسبب جائحة كورونا، ليقف الجميع في سوق الانتقالات تمامًا كما تقف داخل أحد محلات الملابس باهظة الثمن التي لا تقدر على أسعارها، فتسأل عن السعر ثم تسأل عن باب الخروج لتغادر.
وبينما يعيش الجميع الظروف نفسها، إذا بنادي تشيلسي ينفق ما يقارب الـ 200 مليون جنيه إسترليني في الميركاتو الصيفي لعام 2020، وكأنهم وجدوا كنزًا تحت أرض ستامفورد بريدج. كاي هافيرتز، تيمو فيرنر، حكيم زياش، بين شيلويل، وأخيرًا تياجو سيلفا ومالانجا سار كصفقات انتقال حرة، في انتظار التعاقد مع حارس مرمى.
بالطبع، لا يمكن استباق الأحداث وتوقع النتائج، لكننا سنتفق على أمرين، الأول هو نجاح تشيلسي في ضم مواهب واعدة، والثاني أن جماهير الأندية الأخرى تتساءل من أين لتشيلسي هذا؟ ونحن سنحاول تبسيط الأمور لعلنا نكتشف السر.
الوضع المالي
التعرف على الوضع المالي لتشيلسي قد يزيد من حيرتك في البداية، حيث انخفضت عوائد البث التلفزيوني من 204.1 مليون باوند في 2018 إلى 200.2 مليون باوند في 2019، وكذلك انخفضت عوائد تذاكر المباريات من 73.9 مليون باوند في 2018 إلى 66.6 مليون في 2019.
ولكي تزيد الحيرة سنخبرك أن الأزرق اللندني أعلن عن خسائر (Pre-tax Loss) بقيمة 101.8 مليون باوند في حسابات السنة المالية لموسم 2018/2019، وهي الخسارة الأكبر منذ 2005، حينما كان أبراموفيتش ينفق ببذخ -قبل وجود قانون اللعب المالي النظيف- لبناء فريق الأحلام لجوزيه مورينيو في حقبته الأولى.
حسب ما نشره موقع «The Athletic» فإن مالك النادي، الروسي رومان أبراموفيتش قد ضخ من أمواله الخاصة 247 مليون باوند لدعم حسابات النادي في تلك السنة المالية، عبر شركة «Fordstam Limited» وهي الشركة الأم لشركة «Chelsea FC plc» المالكة للنادي.
يعد تدخل أبراموفيتش خطوة إيجابية -بعيدًا عن موقف قانون اللعب المالي- على الأقل بالنسبة لمشجعي الفريق الذين ظنوا أن الرئيس قد فقد شغفه. والآن لنبدأ بوضع بعض النقاط فوق الحروف.
ما تحصل عليه تشيلسي من صفقتي بيع إيدين هازارد لريال مدريد، وألفارو موراتا لأتلتيكو مدريد (أكثر من 100 مليون باوند) لم يتم إضافته لحسابات موسم 2018/2019، وتم إضافته لحسابات السنة المالية الجديدة. وما زاد إيجابية الموقف هو عقوبة إيقاف الفريق عن إبرام الصفقات، والتي أجبرته على الاكتفاء بإنفاق 40 مليون باوند لضم كوفاسيتش.
وبنفس الطريقة سيتم إضافة الصفقات الجديدة لميركاتو 2020 لحسابات السنة المالية التالية، والتي وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية، سيتم تعطيل قانون اللعب المالي النظيف فيها بسبب ظروف كورونا. دون أن ننسى أن تكاليف الصفقات الجديدة باتت تقسم على عدد سنوات العقد «amortization»، وبالتالي يمكن الاستنتاج أن تشيلسي لم يجد كنزًا، لكنه يحاول المخاطرة بذكاء.
المرأة الحديدية
خلف كل ما يحدث في تشيلسي، شخصية غامضة تحافظ على خصوصيتها دون الظهور إعلاميًا إلا عبر بضع لقطات وتصريحات، كلها تقريبًا عبر موقع النادي الرسمي، وهنا دعنا نقدم لكم المدير التنفيذي للنادي «مارينا جرانوفسكايا»، أقوى امرأة في عالم كرة القدم.
تلك المرأة التي عملت مع أبراموفيتش منذ عام 1997، كمساعدة شخصية له أثناء امتلاكه لشركة «Sibneft» للنفط قبل بيعها لشركة «Gazprom»، والذي ترتب عليه تحوّل رومان إلى أحد أثرى أثرياء العالم. حازت مارينا على ثقته الكاملة، حتى استعان بها في النادي وأصبحت الآمرة الناهية فيه.
كانت مارينا وراء العديد من القرارات المؤثرة في تاريخ النادي، مثل: صفقة رعاية نايكي، إعادة مورينيو مرة أخرى لتدريب البلوز، وعدم بيع دروجبا بعد احتجاجه غير اللائق أمام برشلونة في نصف نهائي دوري الأبطال 2009.
بالإضافة إلى تطوير الأكاديمية، والاعتماد على جيش المعارين، والاستعانة بنادي «فيتيسه» الهولندي لاستقبال غالبيتهم، لكن الأهم من ذلك كان تحول النادي تحت إشرافها لعدم الاعتماد الكامل على أموال أبراموفيتش.
وهنا بدأت مارينا تفرض نفسها بفضل قدرتها الجيدة على التخطيط بجانب قدرتها الفائقة على التفاوض، والأخيرة تحديدًا هي ما أكسب تشيلسي ميزة إضافية في سوق الانتقالات. في ميركاتو 2020، تبدو أسعار صفقات تشيلسي مقبولة، حتى أن البي بي سي ذكرت ضم الموهبة الأمانية كاي هافيرتز بسعر أقل مما طلبه باير ليفركوزن بـ 18 مليون باوند.
لكن الصفقة التي تسببت بهطول المديح عليها كانت بيع هازارد لريال مدريد. تخيل لاعب بعمر الـ 28 عامًا، ويتبقى موسم واحد في عقده ويتم بيعه بـ 88.5 مليون باوند بالإضافة لـ 41.5 كإضافات! وكأنها تفاوض بيراميدز وليس ريال مدريد.
حبة الذكاء + حبة الخبث
ما ذكرناه سلفًا لا يعني أن الحياة في تشيلسي وردية دائمًا، لأن المثالية ليس لها مكان في عالم كرة القدم. لذلك فإننا نظن أن مسئولي النادي اللندني قد تناولوا شيئًا زاد من ذكائهم. فالـ 200 مليون باوند التي أنفقها تشيلسي ليبهرنا في 2020، كان قد أنفقها منذ سنوات قريبة للتعاقد مع موراتا، باكايوكو، درينكواتر، زاباكوستا، إيميرسون، روس باركلي.
تدراك الأخطاء ورفع الجودة بهذا الشكل هو أمر يستحق الإشادة، لا سيما أنه أتى مرتبطًا بفكر تجاري استغلالي بحت. لأن تشيلسي قرر المخاطرة في وقت الكورونا بالذات لاستغلال عدم وجود منافسين، وكذلك عدم قدرة البائعين على المبالغة في طلباتهم.
ضرب موقع «The Athletic» مثالاً بصفقة بين شيلويل التي حسمت بـ 50 مليون باوند، والتي لولا الظروف الحالية لجعلها ليستر سيتي شبيهة بصفقة هاري ماجواير (أغلى مدافع في العالم).
أما بالنسبة لحبة الخبث فهي الأكثر إبهارًا، لأنك مثلي تمامًا -دون أن نشعر- لم تمتعض من إنفاق تشيلسي المبالغ فيه في مثل هذه الظروف الصعبة، التي جعلت الأندية تخفض أجور لاعبيها كبداية.
قام تشيلسي بعدد من التصرفات لتوفير الغطاء اللازم لتمرير ثورته في الميركاتو، أولها كان وضع فندقي «Millennuim» و«Copthorne» خارج ستامفورد بريدج تحت تصرف وزارة الصحة البريطانية. إلى جانب تقديم أبراموفيتش لـ 200 ألف باوند للملجأ الخيري الوطني للعنف المنزلي، وهو نفس الرقم الذي تبرع به مشجعو النادي.
ثم ضمن تشيلسي ذلك الجانب الأخلاقي عندما لم يقدم على فصل موظفيه كما فعله جاره أرسنال، عندما تخلى عن 55 موظفًا، وبذلك ضمن مشجعوا البلوز الفوز بالنقاش عندما يهاجمهم مشجعو أرسنال.
في الأخير وبعد سرد هذه الأسباب، نذكركم بأنها قائمة جميعها على حسن الظن بتشيلسي وأنه أذكى من التلاعب بالدفاتر المالية كما فعل منافسه مانشستر سيتي. لكن إن ثبت فيما بعد أن تشيلسي قد كرر الفعلة نفسها، فإننا سنضطر لحذف هذا المقال.