فيلم «الزوجة الثانية»: عن حفيظة العاشقة المسكينة
هل تتذكر هذه الكلمات؟ لابد وأن قفزت في ذهنك صورة سعاد حسني وهي تتدلل وتمكر ثم تنتقم بمنتهى البراءة، قفز في ذهنك حديث عن الفقر والقهر٬ وتتابعت في مخيلتك أحداث فيلم «الزوجة الثانية». تقف فاطمة بطولها في مواجهة طغيان عتمان وحفيظة لتنتصر عليهما، لذا فأنت تكره عتمان، وتكره بالتبعية حفيظة٬ ولا تتعاطف سوى مع فاطمة المظلومة التي احتالت حتى كسبت كل شيء.
في هذا المقال نحرك الكاميرا قليلاً لنرى حفيظة٬ ونثبت الكادر دقائق فقط٬ لنتمعن فيها مرة واحدة وأخيرة.
بتعزني يا عتمان زي ما انا بعزك؟
هي زوجة العمدة، المرأة من أصل ثري تملك فدادين خاصة بها بعيدًا عن ملكية زوجها٬ الرجل الظالم الذي يستولي على أملاك الفلاحين القليلة٬ فيأخذ الأرض والبهائم ويضيق على الخلائق حياتهم. حفيظة امرأة صعبة المراس٬ عالية الصوت٬ تشاكس الغفير وتعقد حاجبيها دائمًا٬ ولكنها امرأة عاشقة.
حفيظة لا تنجب٬ تلتصق بالخالة نظيمة الداية وتجرب كل شيء، وكل حيلة تقترحها عليها حتى تأتي لعتمان بابن يحمل اسمه٬ ويرث الأرض والأملاك والعمودية. حفيظة تفعل كل وأي شيء حتى تنجب٬ للدرجة التي تجعلها تنام تحت القطار حتى تساعدها الخضة في أن تحمل. قصة عادية وتتكرر كثيرًا جدًا خاصة في الريف٬ المختلف هنا أن حفيظة بالذات لا تفعل ذلك من منطلق الضعف٬ هي تفعله من منطلق الحب.
حفيظة تحب عتمان٬ تعشقه رغم كل شيء٬ ورغم أن الحب ليس شيئًا معتادًا في ثقافة الريف خاصة في هذا الزمن٬ إلا أن حفيظة تعبر عن حبها لعتمان٬ تقول له وهي تحتضنه «بتعزني يا عتمان زي ما انا بعزك؟» وترضى بإجاباته الباهتة٬ بل تفرح بها.
حفيظة قوية وثرية وتعرف أن عتمان لا يستطيع الاستغناء عنها. عندما يلوح عتمان بإمكانية الفراق ويستخدم كارت العقم٬ تطلب منه حفيظة أن يعيد لها فدادينها٬ فيعود عتمان لقواعده ويتراجع. هي تعرف أنه لن يتركها لأنه جشع٬ ولذلك فهاجس العقم لا يشكل في ذاته مشكلة٬ وإنما مشكلة حفيظة الحقيقية أنها تحب عتمان٬ المرأة المتكبرة الثرية المغرورة سليطة اللسان تحب٬ وهذا هو النوع الذي يغرق تمامًا في الحب ويفعل أي شيء من أجله. يمكنك أن تستدل على هذا الحب من كل حواراتها مع الداية نظيمة٬ هذه ليست امرأة عاقرًا فقط٬ هذه امرأة تتعذب ليس لأنها غير ذات رحم٬ بل لأنها ذات قلب.
حصان للولد.. عصفور للولد
كانت حفيظة تبدو سليطة وشريرة ليس في قلبها أي رحمة٬ ولكنها في الحقيقة كانت «غلبانة» لا تستطيع الرد على إهانات سلفتها التي تعيرها بكونها عاقرًا لا تنجب٬ وتتباهى دومًا بأولادها. كانت تطل عليها من شباك عالٍ يفصلها عن حفيظة٬ وكأنها تنظر لها من عليائها ومجدها كامرأة تنجب وحفيظة في الأسفل تشب برأسها ولا تستطيع النظر إلى سلفتها التي تفوقت عليها.
لو كانت حفيظة شريرة فعلاً لم تكن زوجة الأخ لتسلم من لسانها٬ خاصة وأن حفيظة وزوجها أغنى وأكبر مكانة وأكبر في السن أيضًا. السلطة تغري حفيظة بأن تأذي زوجة الأخ ولكنها في الحقيقة ليست امرأة شريرة٬ تسكت على التنمر والمعايرة٬ تشتكي للخالة نظيمة٬ وحتى عندما أراد عتمان الولد لم يتفتق ذهنها عن أي فكرة شريرة٬ الفكرة كانت لعتمان٬ والخطة كانت خطته.
وعندما تطور الأمر وفقد عتمان هيبته وسطوته وأصبحت فاطمة المتحكمة في كل شيء٬ لم تستطع حفيظة أن تمارس شرًا حقيقيًا ضدها٬ رغم أنها تستطيع ورغم أنه لم يتبق شيء لتخسره٬ ورغم أن الوضع ينبئ بأنها لن تكسب أي شيء أيضًا٬ ولكنها ليست امرأة سيئة لتؤذي.
في المجتمع الذي يدور فيه الفيلم٬ وفي الزمن الذي تحدث فيه قصته٬ كانت حفيظة تملك كل الصلاحيات لتكون شرًا مستطيرًا٬ الزوجة الأولى الثرية ذات الأصل الرفيع٬ الأكبر في السن والتي تسيطر على مقاليد الأمور٬ ولكنها لا تمتلك أي مكر أو دهاء٬ هي في الحقيقة أغلب من فاطمة٬ ليست أغبى ولا أقل ذكاء بل هي فقط أكثر طيبة من اللازم.
يا خراب بيتك يا حفيظة
في المشهد الذي تلد فيه فاطمة٬ ورغم أن حفيظة لا تعرف أي شيء إلا أنها تقف متقطعة الأنفاس تستند على عامود يخفق صدرها بانفعال وترتجف شفتاها٬ لا تقف مسيطرة في غرفة الولادة في أقصى لحظات وهن فاطمة٬ هي لا تستطيع أن تكون بتلك القوة أصلاً.
كانت حفيظة دومًا الطرف الأضعف٬ تسكت حين تهينها زوجة الأخ٬ وتسكت حين تعيد فاطمة الحقوق لأصحابها٬ تسكت حين تصرخ فيها فاطمة أمام الغفر والخدم. حفيظة سليطة اللسان قوية الشخصية هي في الحقيقة امرأة هشة كانت تحب عتمان فتسكت على مساوئه ولكنها لم تكن شريرة في الأصل.
حبها لعتمان يتجلى في ليلة دخلته على فاطمة٬ وفي كل ليلة تكيدها فيها فاطمة بصوتها المتدلل٬ لو كانت حفيظة شريرة لتركت عتمان يقوم بالمهمة لتحمل فاطمة وينتهي الأمر٬ لو كانت تأبه للأمومة وللولد المنتظر كانت سوف تصبر على غيظها ولن ترى أمامها سوى طفل مكتوب باسمها يضمن مكانها ومكانتها للأبد٬ ولكنها لم تكن تهتم سوى بحبها لعتمان وبرغبتها في أن يحبها في المقابل٬ فآثرت أن يبيت معها ليلة دخلته على فاطمة وكانت تغتاظ في كل مرة يخيل لها أنه وفاطمة يقضيان وقتًا ممتعًا معًا.
حفيظة التي لا يلتفت لها أحد سوى ليشير لها كارهًا٬ كانت في الحقيقة أضعف حلقة في القصة٬ أضعف من عتمان وحبها له٬ وأضعف من فاطمة وحقها ودهائها٬ كانت حفيظة غلبانة ولكن لم يعرف أحد٬ لأن حفيظة لم يكن يراها أحد.