بالأدلة العلمية: الرياضة تُحسِّن حالتك المزاجية
الاكتئاب من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا، ويختلف عن التقلبات المزاجية العادية والانفعالات العاطفية، التي لا تدوم طويلًا، كاستجابة لتحديات الحياة اليومية، وقد يصبح الاكتئاب حالة صحية خطيرة لا سيما على المدى الطويل.
وحين تواجه تحديًا ما أو شيئًا يُرهِق الذهن، تُفرِز الغدة الكظرية هرمونات التوتر كـ «الكورتيزول» و«الإيبينفرين» والذي يُعرف أيضًا باسم الأدرينالين، ما يُسبب تسارعًا في نبضات القلب مُسببًا ارتفاع ضغط الدم، كما يبدأ بتغيير دماغك، ويمكن له أن يسبب تلفًا في كل جزء من الجسم.
لكن، ماذا لو أخبرتكم أن هناك ما يمكنكم تطبيقه في هذه اللحظات وله فائدة فورية وإيجابية لدماغك، بما في ذلك مزاجك وتركيزك؟ ماذا لو أخبرتكم أن نفس هذا الأمر يدوم تأثيره طويلًا ويحمي دماغك من مختلف الاضطرابات المزاجية كالتوتر والقلق والاكتئاب؟
مزاج أفضل… انتباه أفضل
للرياضة فوائد عِدة على صحتنا الجسدية، بدءًا من فقدان الوزن وتقوية العظام والحد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والحصول على مظهر جذّاب، كما أنها من أكثر الأشياء القادرة على تغيير وتحويل دماغك.
فأداء تمرين واحد (حِصة تدريبية واحدة) يزيد من تركيز النواقل العصبية ما يُحسِّن مزاجك مُباشرة بعد التمرن. كما أن ممارسة الرياضة تُحسِّن من عملية الانتباه المنوطة بالقشرة الجبهيّة، ما يُحسِّن من تركيزك وانتباهك. وإذا نظرت إلى دماغك على أنه عضلة، فكلّما تدرّبت أكثر ازداد حجم وقوّة الحُصين والقشرة الجبهيّة لديك.
وقد توصّل الباحثون من كلية «الصحة العامة بجامعة هارفارد» إلى أنه قد «أصبح بإمكاننا التغلب على الاكتئاب»، وذلك عن طريق تحليل البيانات الجينية لقاعدتي بيانات تحتويان البيانات الجينية لآلاف المتطوعين، ما سمح للباحثين بدراسة الاختلافات الجينية genetic variations للإجابة على أهم الأسئلة:
ولقد توصل الباحثون إلى أن ممارسة الجري لـ 15 دقيقة يوميًا أو الجري لساعة يُقلِّل من خطر إصابتك بالاكتئاب بنسبة 26%.
الرياضة أم المال؟
يرى الباحثون من جامعتي ييل وأوكسفورد أن للرياضة تأثيرًا أكبر على سعادتنا من المال، فالأشخاص الذين يواظبون على ممارسة الرياضة يكونون أقل تعاسة من الآخرين. فالرياضة لا تقلل من إصابتنا بأمراض القلب وداء السكري فحسب، بل إنها تساعد على رفع الحالة المعنوية للفرد، كما أن هناك علاقة وثيقة بين الرياضة والصحة العقلية.
هذا وفقًا لدراسة أجريت على 1.2 مليون متطوع، طُلب منهم تقييم حالتهم المزاجية على مدار ثلاثين يومًا، وتحديد الدخل المادي لهم سنويًا ومقدار النشاط البدني الذي يزاولونه.
كما أن ممارسة الرياضة أكثر أهمية لصحتك النفسية من وضعك الاقتصادي، إذ إن مستوى سعادة الأشخاص الذين يُمارسون الرياضة مُقارب لمنْ لا يمارسون الرياضة ويجنون ما يُقارب 25 ألف دولار سنويًا. فكلما ازداد النشاط البدني ازدادت بالمقابل نسبة السعادة، وذلك بسبب إطلاق الجسم لهرمون «الإندورفين» الذي يُطلق عليه الأطباء اسم «هرمون السعادة»، والذي يفرزه الجسم أثناء ممارسة التمارين الرياضية.
حتى مُجرد القيام بالأعمال المنزلية يُقلل من تدهور حالتنا النفسية بنسبة 10%. ليس هذا فحسب، بل إن تأثير الرياضة على تحسن حالتنا النفسية أفضل من تأثير الدرجة العلمية (الشهادة الجامعية)، فالحصول على درجة جامعية يُقلل من تدهور حالتنا النفسية بنسبة 17.8%.
لكن حذار من الإفراط في ممارسة الرياضة أو ممارسة الرياضة بعنف. إذ يرى الطبيب النفسي «آدم شكرود» أنه من الأمثل أداء 5 جلسات تدريبية أسبوعيًا، على أن تتراوح الجلسة الواحدة بين 30 إلى 60 دقيقة، موضحًا أن زيادة مدة التمارين يمكن أن تكون ضارة بالجسم.
علاج نفسي!
حين يتعلق الأمر بعلاج حالات الاكتئاب والتوتر والفصام ونوبات الذهان الحادة acute psychotic episodes، فإن أول ما يخطر على بال الأطباء هو استخدام العقاقير الطبية (النفسية) لتخفيف حِدة الأعراض، ما يُقلل من الوقت الذي يقضيه المريض داخل مرافق الطب النفسي. إلا أنه ثمة أدلة تشير إلى حجب البيانات المتعلقة بالمخاطر الخفية لمضادات الاكتئاب، منها السلوكيات العدوانية والانتحار.
حيث أجرى الباحثون دراسة على 100 متطوع من وحدتي الطب النفسي بالمركز الطبي بجامعة فيرمونت. وتم تصميم برنامج مُخصَّص لهم مُدته 60 دقيقة يشمل حِصة تدريبية تليها ندوة تثقيفية عن التغذية السليمة. على أن تشمل الحِصة التدريبية ممارسة تمارين القوة وتمارين التمدد، وأن تتحدث الندوة عن التغذية السليمة وتحديد السلم الغذائي، والأطعمة الصحية وكيفية إعداد وجبة غذائية متكاملة تناسب الميزانية وتتوافق معها، والتحدث عن ومناقشة التحديات التي نواجهها في اتباع نمط حياة صحي.
حين سُئل المتطوعون: «هل كان من المفيد حضور ندوة التغذية؟»، أجاب 68.8% بالإيجاب.
وإليكم مُقارنة للحالة المزاجية للمتطوعين قبل وبعد الجلسة.
لا يتطلب الأمر الاشتراك في الجيم أو أن تُصبح بطلًا أولمبيًا، يكفي أن تمارس المشي أو تمارين الصباح يوميًا، أو على أقل تقدير استخدام الدرج. إلا أنه من الأمثل ممارسة الرياضة من ثلاث إلى أربع مرات أسبوعيًا لمدة 30 دقيقة، وأن تُنوِّع بين تمارين القوة والتمارين الهوائية التي ترفع من معدل نبضات القلب.