حقائق العلم عن «الطب البديل»
لا بد أنك سمعت بهذه الوصفات من الجدة أو الوالدة، بل ربما كنت أنت منْ تَعاطَى هذه الوصفات السحرية على يديهما، فمن أين أتينَ بتلك الخبرات؟
من المؤكد أن الجدات لم يكنَّ يتبادلن الحديث مع جاراتهن عن مضادات الأكسدة الموجودة في البصل، والتي تساهم بالفعل في علاج السعال، كما أن أمهاتنا بالتأكيد يعرفن عن البصل دموعهن التي يذرفنها عند تقطيعه، وربما لا يدرين عن المطهر الطبيعي في مائه ذي الفاعلية الحقيقية في تطهير الحلق.
هل كانت صدفةً أم تجربة؟ وما موقف العلم منها بعد أن وصل إلى ما وصل إليه؟ وكيف نشأ الطب البديل؟ وإلى أين وصل؟ وما هي أسراره؟
أصل الطب البديل
الطب البديل، الطب المكمل، الطب العربي، الطب النبوي، العلاج الطبيعي؛ كلها مصطلحات، وإن اختلفت في بعض الجزئيات، تشترك في أنها أساليب علاجية أو وقائية قائمة على ثقافة متوارثة اكتُشفت بالتجربة وتُستخدم فيها عدة أساليب، كالعلاج بالأعشاب والإبر الصينية والتنويم المغناطيسي، أو حتى بالتأمل والتدليك، وبهذا يختلف عن الطب التقليدي الذي يتخذ من البحث العلمي قاعدةً له، ويعتمد على أساليب وأدوات مختلفة تماماً عن الطب البديل.
جذور الطب البديل موغلة في القدم، إذ تعود إلى ما يقارب 5 آلاف عام، حيث كانت الدول الآسيوية (الصين والهند خصوصاً) منبعاً له، وربما كان هذا سبباً مباشراً في أن تحظى الأعشاب والتوابل الهندية والصينية بشعبيتها حتى يومنا هذا.
وكانت لكل حضارة ثقافتها وطقوسها في الوقاية والعلاج، لم تلبث أن انتقلت إلى الدول الأخرى، وأصبح كل مجتمع ينقل إلى الطب البديل جزءاً من موروثه الثقافي والاجتماعي، بل الديني أحياناً، ليصبح العلاج الطبيعي جزءاً لا يتجزأ من تقاليد الشعوب.
إلا أن مصطلح الطب البديل لم يلقَ الرواج الحالي حتى فترة سبعينيات القرن الماضي.
ليس مجرد بابونج وزنجبيل
يظن العامة أن العلاج الطبيعي قائمٌ فقط على المواد التي تُنبِتها الطبيعة والموجودة في كل منزل، فالثلاجة صيدلية وخزانة التوابل علبة أدوية ضخمة.
وهذا صحيح، فهناك مئات الوصفات المذهلة، بعضها فرضت نفسها كحلٍّ فعَّال، وبعضها كانت موضع شك، وهناك العديد من المؤلفات التي تحوي الكثير من هذه الوصفات، لعل من أبرزها «موسوعة الطب الشعبي والعلاج البديل» للدكتور «أيمن الحسني».
لكن الطب البديل يهتم بالأشخاص ككل، وليس فقط بأمراضهم، أي أنه يفحص التركيب العقلي للمريض وله قدرة فعَّالة في التأثير على الحالة النفسية وتخفيف مشاكلها كالقلق والاكتئاب، وهذا ما نجده في كثير من أنواع الطب البديل، كاليوغا والتنويم المغناطيسي، بل قد يكون الموضوع أبسط من ذلك. حيث يقول المعالج الفرنسي «إميل كوي»: «ردد لنفسك أنا لست مكتئباً». فتصوَّر أن جملة تُردِّدها داخلك باستمرار وتؤمن بها قد تعمل عمل جرعة «سيتالوبرام».
من عباءة الجدات إلى مدرجات الجامعات
نعم، لم يعد الطب البديل عاداتٍ متوارثة من الأجداد تتناقلها الأجيال، فقد حجز تخصص العلاج الطبيعي مكانه بين العلوم، إذ إن أسلوب البحث العلمي للطب التقليدي أكد ويؤكد باستمرار أهمية قسم كبير من فروع الطب البديل ونجاحه.
ولا انتصار أعظم للمذهب الطبي هذا من دخوله التعليم الأكاديمي الجامعي جنباً إلى جنب مع الكليات الطبية، حيث أكَّدت منظمة الصحة العالمية بعد إحصاءٍ أجرته على 129 دولة من الدول الأعضاء فيها أن عدد الدول التي باتت تُدرِّس الطب البديل ضمن كليات جامعاتها قد ارتفع من بضع دول إلى 39 دولة بحلول العام 2012، أي نسبة 30٪ من الدول التي شملها الإحصاء.
حيث أضيف تخصص العلاج الطبيعي في تركيا جامعياً إلى القطاع الطبي، بل الذهاب أبعد من ذلك حيث أُدرج الطب المكمل في عدة جامعات في الولايات المتحدة الأمريكية، وتم إنشاء مركز للطب المكمل في هارفارد، إحدى أكبر الجامعات في العالم.
انطلاقاً من هذه النقلة النوعية للطب البديل، أصبح يُلقَّب بهندسة الطب أو فيزياء الطب، خصوصاً مع تطور الأساليب المُتبعة لتصل إلى استخدام التيار الكهربائي كما في العلاج بالإبر الصينية واستخدام الليزر والأشعة.
دوره في محاربة أمراض العصر
إن التطور الذي صاحب الطب البديل انعكس على قدرته على مواجهة كمٍّ أكبر من الأمراض، فلم يعد مقتصراً على أمراض بسيطة كالزكام والصداع، بل تطور ليثبت فاعليته في العلاج والحد من آثار الكثير من الأمراض، التي قد يتطلب بعضها تدخلاً جراحياً، كالديسك.
فبعد أن انتصر الطب البديل في معركته مع التهاب الجيوب الأنفية وتقلُّصات الدورة الشهرية والصداع النصفي والغثيان والقلق والاكتئاب، قام بتعزيز قواته في حربه مع أمراض العصر كالديسك وعرق النسا، بل حتى العقم.
حيث أكدت الدراسات فاعلية نبتة مخلب الشيطان في الحد من آثار آلام أسفل الظهر والرقبة، وأشارت الدراسات إلى فاعلية النبتة التي تضاهي مضادات الالتهاب غير الستيرويدية، فهذه النبتة عديمة الرائحة مُرَّة الطعم لها فاعلية في تسكين الآلام بأثر قد يتجاوز الشهر أكثر من أدوية تم سحبها من الأسواق بسبب آثارها الجانبية الخطرة على بعض المرضى.
كما أن الصفصاف هو شجرةٌ من مضادات الالتهاب، حيث إن فاعليته كبيرة في تسكين الآلام والقضاء على الالتهابات، صحبة الفلفل الحار الغني بمضادات الأكسدة والفيتامينات والمعادن، وتزداد فاعليته مع التدليك أو التحفيز الكهربائي.
كما أن التدليك بالثلج أو الحرارة والقيام بتمارين مخصصة، له فضل في تقوية العضلات وتحسين مرونتها وتحفيز تدفق الدم إلى مناطق الألم ومحاربته. وهذا ما أكده الكثير من الدراسات.
حول العلاج بالإبر الصينية
قد يبدو مشهد الإبر الكثيرة المغروزة في الجسم، جاعلةً من الشخص أشبه بصبارةٍ بشرية في بعض الأحيان، مشهداً مؤلماً، لكن المفاجأة تكمن عندما نعلم أن تلك الإبر لا تُسبِّب إلا وخزاً خفيفاً، ويعود ذلك إلى إبرتها الرفيعة جداً التي لا يتجاوز قطرها ربع الميليمتر.
وقد أكَّد العلم الحديث فائدة العلاج بالإبر للكثير من الأمراض أو تخفيف أعراضها، إذ إن غرزها في المواضع المناسبة (التي تقارب 700 نقطة للعلاج) قد يقوم بدور المُسكِّنات، بتحفيز المخ على إفراز المورفين، كما أن لهذا العلاج القدرة على إفراز المضادات عن طريق تحفيز النخاع الشوكي ليُوقِّع بذلك صك التصديق للأسطورة الصينية التي كانت تدعي أن هذا العلاج يقوم بتحرير طاقة الحياة (تشي)، ليعمل الجسم بالطاقة القصوى. كما تُستعمَل الإبر الصينية كمخدر في حالات الحساسية من التخدير.
تجدر الإشارة إلى أن كثرة عدد الإبر لا يرمز إلى تكثيف العلاج أو خطورة الحالة، إنما يكون تحرياً للدقة. ويتم اللجوء إلى هذا العلاج بشكل مستقل أو متوازٍ مع العلاج التقليدي، وقد بات يشهد إقبالاً كبيراً بعد أن أكدت الدراسات فاعليته في علاج آلام الظهر والعنق، بل حتى العقم، عن طريق توزيع الدم ورفع وظيفة الإباضة.
وقد حرَّك هذا الإقبال الكبير حماة السلامة العامة لإخضاع جلسات العلاج لشروط تضمن السلامة، إذ لا يسلم العلاج بالإبر من الانتقادات، حيث يمكن أن تكون ناقلةً للعدوى إن لم تُراعَ الإجراءات التعقيمية، كما أن ضعف الخبرة قد يؤدي في حالات نادرة إلى كسر الإبرة وإحداث تلف في الأعضاء، كما أن غرزها بعمق غير مناسب سبَّب – في حالات قليلة – انثقاباً في الرئة، مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى إنشاء لجنة التصديق الوطنية للوخز بالإبر والطب الشرقي، وتطلب معظم الولايات أن يجتاز الممارسون لهذا العلاج اختبارات تُجريها لجنة NCCAOM.
وكما أن كل بداية تكون بسيطة، كان قَدَرُ العلاج بالإبر أن يتطور، فأصبح يُجرَى باستخدام التحفيز الكهربائي، حيث تُربَط 2-4 إبر بمحفزات كهربائية تساعد في الاسترخاء والقضاء على آلام العضلات.
ليتوصل العلم في النهاية إلى ابتكار وسيلة للوخز دون إبر، ألا وهي الوخز بالليزر، حيث يُستخدَم ليزر الهيليوم-نيون باستطاعة 100 مللي وات لتحفيز النقاط المراد تحفيزها بدل الإبر، خصوصاً أن بشرة الإنسان بطبيعتها تسمح بتمرير الأشعة الحمراء، حيث يتغلغل الليزر بعمق 3-10 ميليمترات في البشرة، اعتماداً على عدة عوامل، حيث إن البشرة الفاتحة تُمرِّر الأشعة أكثر من البشرة القاتمة، كما أن الأبحاث أظهرت أن هناك نقاطاً في الجسم تسمح بتمرير الأشعة أكثر من غيرها، مما يجعل الليزر متفوقاً على الإبر، إذ لا يمكن التحكم بدقة في الإبر كما الليزر.
العلاقة بين الطب البديل والطب المُكمِّل
إن الطب البديل والطب المكمِّل ابنان لمدرسة واحدة، لكنهما يختلفان لدرجة يرفض فيها أنصار الطب البديل إدماجهما كعلم واحد، حيث إن الطب البديل قائمٌ بذاته بعيداً عن الطب التقليدي، بينما يعمل الطب المُكمِّل جنباً إلى جنب مع الطب التقليدي، فنجده في المستشفيات، كالمعالجين الفيزيائيين، أو في العلاج عن طريق الروائح، حيث يُستخدم بعد العمليات لتخفيف آثارها، كالغثيان.
ختاماً، مهما كان نوع طرق العلاج التي نلجأ إليها، بديلاً أم مكملاً أم تقليدياً، يجب أن نحرص على أخذها من ذوي الاختصاص، واستشارتهم دائماً قبل الخضوع لأي علاج.