جرائم حرب سعودية في اليمن: القصة كاملة
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
أخيرًا، وصلت أخبار ما يحدث في اليمن إلى عناوين الصحف الكبرى بالمملكة المتحدة… لماذا الآن؟
منذ بداية العام الجاري، حذرت الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى العاملة باليمن من اقتراب اليمن نحو مجاعة غير مسبوقة. نوقشت هذه الاحتمالية في وقت سابق كجزء من النقاش حول المجاعات محتملة الحدوث بأفريقيا عامةً. وفي الشهور الأخيرة، لم نسمع إلا أقل القليل عن تلك المجاعات، بينما الوضع اليمني يزداد سوءًا.
في البداية، يجب أن نتذكر أن خطة استجابة الأمم المتحدة تجاه اليمن لعام 2017 قد عزمت على تقديم المساعدات العاجلة لحوالي 7 ملايين شخص، بينما يُقدر عدد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية عاجلة بحوالي 21 مليون شخص؛ مما يعنى أن أقصى آمالها الوصول إلى ثلث عدد الذين بحاجة إلى مساعدتهم. يرجع هذا، جزئيًا، إلى نقص التمويل؛ فاعتبارًا من منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، أي على بعد شهر ونصف من نهاية العام، لم تحصل الأمم المتحدة إلا على 57% من التمويل المطلوب لمساعدة هذه النسبة الضئيلة من اليمنيين اليائسين.
الفشل العسكري يقود إلى حرب إنسانية
منذ سبتمبر/أيلول 2015، يستمر المأزق العسكري على حاله، باستثناء تمكن قوات التحالف من فرض سيطرتها على ميناء المخا جنوب البحر الأحمر في بداية العام الجاري. خلال تلك الفترة، لم يكن هناك الكثير من القتال المباشر بين متمردي صالح والحوثي وبين قوات التحالف بقيادة السعودية، والذي تضم قواته الجيش اليمني الرسمي، والعديد من السلفيين، إلى جانب إصلاحيين وميليشيات متعددة بمساندة قوات سودانية وإمارتية.
نادرًا ما تجد الضربات السعودية الجوية اليومية طريقها إلى الإعلام، رغم مسئوليتها عن تدمير البنية التحتية بما فيها آلاف المدارس والمنشآت الطبية، إلى جانب إصابة ومقتل المدنيين نتيجة «أخطاء استهداف» على الرغم من حصول قوات التحالف على مساعدات تحديد الهدف من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى تزويد الأخيرة لطائراته المقاتلة بالوقود في الهواء، وهو تدخل بدونه لم يكون في وسع السعودية القيام بأغلبية ضرباتها الجوية.
من التدخلات العسكرية الأخرى التي نادرًا ما تُناقش في وسائل الإعلام؛ غارات قوات صالح والحوثي المتكررة داخل مقاطعات مدن نجار وجازان وعسير السعودية، لتتسبّب في مقتل وإصابة مئات الجنود السعوديين منذ بداية هذه الحرب.
في الأغلب ما تتحدث وسائل الإعلام عن صواريخ سكود المعدلة التي يطلقونها على الأراضي السعودية أحيانًا، والتي نادرًا ما تصيب وجهتها. أُسقط آخر هؤلاء، في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني، على ميناء الرياض الجوي الدولي. مُصادفًة في الأغلب مع نفس اليوم الذي طبق فيه ولى العهد الأمير محمد بن سلمان المراحل الأخيرة لسيطرته على كل القوى بالمملكة.
منح الصاروخ النظام السعودي عذرًا آخر للوم إيران كعدو حقيقي في اليمن. بينما في الواقع، هذه الحرب في المقام الأول هي حرب بين الفصائل اليمنية من أجل السيطرة السياسية. تغير الخطاب السعودي من أيام الصراع الأولى في 2015، عندما كان الهدف المعلن هو إعادة الرئيس منصور هادي إلى قصر الرئاسة بصنعاء. أما الآن، فالخطاب السعودي يركز على زعمهم أن الهدف من الحرب منع سيطرة إيران على اليمن، واصفًا تنظيم الحوثيين كمجرد واجهة لإيران، مُنكرًا كونه حركة تنظيمية مستقلة بذاتها. لا يؤدي هذا التحريف المستمر في طبيعة الصراع إلا مد عمر الحرب والمعاناة.
عندما أصبح التحالف العسكري بقيادة السعودية وجهًا لوجه مع المأزق العسكري، اضطر إلى تبني استراتيجيات جديدة؛ لم يكن من بينها التوسع في الضربات الجوية، كالنموذج السوري، وذلك بسبب ضغط حلفائه في الغرب، الذين يواجهون سخط الرأي العام لدورهم المساهم في الوضع الكارثي باليمن.
لذا اختارت السعودية استراتيجية فشلت أينما تمت تجربتها، وهي جعل ظروف معيشة المواطنين غير محتملة على أمل أن يدفع ذلك بالمواطنين للانقلاب على حكامهم. جاء ذلك على هيئة حصار شديد منع وصول الاحتياجات الأساسية إلى الشعب اليمني.
الحصار يمنع الموارد الأساسية
منذ بدايات 2015، فرضت قوات التحالف بقيادة السعودية حصارًا على ميناءي اليمن الرئيسيين: الحُديدة والصليف، الخاضعين لسيطرة صالح والحوثي. يمثل الميناءان خط الإمداد الرئيسي لحوالي 71% من مُحتاجي المساعدات الإنسانية، و82% من حالات الكوليرا.
تستورد اليمن حوالي 80% من احتياجاتها الأساسية، في ظل الأوضاع الطبيعية، على الرغم من كونها أمة زراعية وقروية بالأساس. تصل أغلبها من خلال ميناء الحُديدة، الذي جُهِزَ بالبنية التحتية اللازمة، كرافعات لتفريغ السفن ومرافق تخزين، كما أنه الأقرب الكثافة السكانية.
ويقع ميناء عدن، ثالث الموانئ الرئيسية باليمن، تحت سيطرة قوات التحالف بقيادة السعودية. لكنه يواجه مشاكل لوجيستية في التخزين ونفقات النقل الإضافية، دون ذكر عدائية الانفصاليين الجنوبيين لمن يعتبرونهم في أفضل الأحوال «أجانب شماليين» أو في أسوئها «غزاة/محتلين شماليين».
جاء التبرير الرسمي للحصار في هيئة قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216، الذي تضمن حظرًا لتوريد الأسلحة لنظام صالح والحوثي. لكن على أرض الواقع، هذا مجرد عذرًا لمنع توصيل الاحتياجات الضرورية (الغذاء والوقود). بعد تفعيل لجنة الأمم المتحدة للتفتيش والتحقق في أوائل 2016 – على الرغم من التأخير المتعمد والعرقلة الواضحة – تم السماح لبعض السفن بتفريغ حمولتها. إلا أن السعة العملية لميناء الحُديدة مقيدة إلى حد كبير بسبب التفجير المُمنهج لرافعاته ومرافقه الأخرى في أغسطس/آب 2015، مما حدّ من عدد وأنواع السفن التي بإمكانه استقبالها. وعلى الرغم من تمويل الولايات المتحدة الأمريكية إصلاحه، إلا أن قوات التحالف منعت أعمال الإنشاء.
جاءت ضربة أخرى للوضع الإنساني في سبتمبر/أيلول 2016، عندما قرر نظام هادي أحاديًا نقل البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، لم يتمكن أيما البنكين المتنافسين منذ ذلك الحين من العمل بفاعلية. أعاق ذلك بالأخص استيراد الأغذية التجارية (توفر 80% من احتياجات الدولة الغذائية)، حيث لم يتمكن التجار من الحصول على خطابات الاعتماد اللازمة للشراء من السوق العالمي.
ليس هناك شك أن بعض المواد الغذائية تصل بالفعل إلى اليمن عن طريق شبكات التهريب، إلا أن كمياتها لا تقارن بالاحتياجات الفعلية. ارتفعت أسعار التجزئة لدرجة أن القليلين يستطيعون تحمل تكلفة شراء احتياجاتهم الغذائية الأساسية في وقت انهيار الاقتصاد. لم يتلق معظم الموظفين الحكوميين (حوالي 1.2 مليون مواطن مسئولين عن إعالة ثلث سكان الدولة تقريبًا) رواتبهم لأكثر من عام.
لذا بحلول بدايات 2017، واجه مواطنو اليمن الجوع، والأكثر فقرًا منهم واجه الموت جوعًا. مما يُفسّر ما صرحت الأمم المتحدة به بأن حوالي 7 ملايين منهم على حافة المجاعة.
بمنتصف العام الجاري، حققت اليمن رقمين قياسيين عالميين مأساويين: أسوأ كارثة إنسانية بالعالم، وأسوأ تفشٍ مُسجل لوباء كوليرا بالعالم. كما صرح مسئولو الأمم المتحدة الأعلى مركزًا مرارًا وتكرارًا، بأن هذه الكارثة حدثت بسبب الإنسان، وسببها الأساسي الحصار.
فكما منعت المواد الغذائية من الوصول، تأثرت الإمدادات الطبية أيضًا. وعلى الرغم من توقف رواتبهم، ما زال العديد من موظفي الطاقم الطبي يعملون ويقدمون أفضل ما بوسعهم في ظل الظروف اليائسة لـ45% الباقية من المرافق الطبية، التي تعمل طالما تمكنت على الرغم من غياب الوقود اللازم للمولدات الكهربائية والكهرباء واللوازم الطبية والأدوية.
بينما تقع مسئولية الكارثة على كل من تحالف صالح – الحوثي والتحالف العربي بقيادة السعودية، إلا أن الأخير يتحمل الجزء الأكبر منها بما أنه المسئول عن القيود المفروضة على الواردات التجارية والحصار المفروض على الموانئ الرئيسية. على الرغم من تمكنها من تحقيق هذه الأرقام القياسية الصادمة إلا أن التحالف فشل في تحقيق هدفه المعلن، ما زال الرئيس هادي مختبئًا في الرياض بينما يحكم الحوثيون في صنعاء.
الخسائر
ظلت تقديرات الأمم المتحدة للخسائر البشرية بسبب الحرب ثابتة، لفترة تعدت العام بكثير، مما يجعلها أبعد ما تكون عن الواقعية؛ حيث سجلت لجنة حقوق الإنسان 13,504 خسارة بشرية بين مارس/آذار 2015 ويونيو/حزيران 2017 (4,971 وفاة و8,533 إصابة). بالإضافة إلى الآلاف التي فشلت الأمم المتحدة في تسجيلهم. فقد الكثير حيواتهم نتيجة الحرب، بسبب الجوع والأمراض بالأساس.
وإذا ما صح تقدير اليونيسف بوفاة طفل كل عشرة دقائق، فهذا يعني وفاة 4300 طفل شهريًا أو 52 ألف طفل العام الماضي. البالغون أيضًا يسقطون يوميًا ضحية أمام الجوع والكوليرا والأمراض الأخرى، فقد بدأ مؤخرًا وباء «الدفتيريا» في التفشي هناك.
التطورات الأخيرة والمجاعة القادمة
بالإضافة إلى منحه وقودًا للخطاب السعودي المعادي لإيران، كان لصاروخ الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني تأثيرًا سلبيًا شديدًا على الوضع الإنساني باليمن. فقد تسبّب في ردة فعل عنيفة من النظام السعودي كما هو متوقع. فقام بمضاعفة الغارات الجوية باليمن خاصة صنعاء (حيثما قُتل قرابة الـ 100 شخص في غضون أيام قليلة)، كما أعلن في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني إغلاق جميع الموانئ والمطارات اليمنية، حتى تلك الخاضعة نظريًا للحكومة اليمنية، مبررًا ذلك بمحاولة منع إيران من نقل المزيد من الصواريخ إلى اليمن.
ولا يمكن الجدال مع التبعات الكارثية لهذه القرارات. لقد جعل وضعًا مأساويًا أكثر سوءًا، يدق مسئولو الأمم المتحدة ناقوس الخطر يوميًا منذ ذلك الحين؛ حيث تم إيقاف رحلات الطيران التابعة للأمم المتحدة مما جعل عاملي الإغاثة والإمدادات الإنسانية عالقين، كما تتراكم تكاليف التأخير على السفن المنتظرة، بينما شحناتها من الأغذية والأدوية تفسد وتقترب من عدم الصلاحية للاستخدام. كذلك مُنعت منظمة الصحة العالمية من توصيل 250 طناً من الإمدادات الطبية الأساسية.
أدى الغضب الدولي نتيجة قرار المملكة العربية السعودية بإغلاق جميع موانئ ومطارات اليمن إلى تراجع قادتها جزئيًا. أعلنت السعودية في الثاني 12 نوفمبر/تشرين الثاني، إعادة فتح المرافق الواقعة ضمن نطاق الحكومة المُعترف بها دوليًا، مع استمرار إغلاق مينائي الحُديدة والصليف؛ الموانئ الرئيسية الواقعة تحت سيطرة نظام الحوثيين. ربما من المهم الإشارة هنا إلى أنه ليس هناك أي دليل على تهريب أي من تلك الأسلحة عبر ميناءي الحُديدة والصليف منذ بداية الصراع أو على عدم فاعلية لجنة الأمم المتحدة للتفتيش والتحقق.
مناشدة إنسانية
البدائل التي يقترحها النظام السعودي لميناءي الحُديدة والصليف غير واقعية ولا تعكس إلا تصميمه على منع وصول احتياجات المعيشة الضرورية إلى الشعب اليمني. فكما وضّحت الأمم المتحدة:
فمنطقة جازان بالمملكة العربية السعودية، تتعرض لهجمات متكررة من نظام الحوثيين، بينما تبعد مدينة صلالة بعمان 1900 كيلو متر من صنعاء، مما يعني حوالي 100 نقطة تفتيش، تديرها تنظيمات معادية للطرفين، تفرض أغلبها «جباية» مرور خاصة على الشاحنات التي تحمل البضائع.
أما مطار صنعاء، فقد أغلق منذ أغسطس/آب عام 2016 أمام كل رحلات الطيران ماعدا تلك التابعة للأمم المتحدة وبعض المنظمات الإنسانية الأخرى، مما منع مغادرة المواطنين اليائسين للخارج بحثًا عن علاج طبي أو لأي سبب آخر. أمام غضب المجتمع العالمي والمطالبات المتكررة لإعادة فتحه، وجد التحالف بقيادة السعودية طريقة فعّالة للرد على المناشدات الإنسانية لقادته:
مما يجعل النتيجة الوحيدة التي يمكن الوصول لها، هي أن السلطات السعودية قررت التعجيل بمصرع ملايين اليمنيين في سبيل حربها بالوكالة ضد إيران. فيبدو أنها غير راضية عما أنجزته من حصار للبلد، وتحقيق رقمين قياسيين مُفزعين، فتحاول الآن ضمان تحقيق الثالث: أعلى تعداد قتلى جراء مجاعة.
يظل الأمل أن شخصاً ما، في مكان ما، وسط صانعي القرارات يحمل ما يكفي من الرحمة والتعاطف ليعكس تلك القرارات، ويُعيد فتح الموانئ البحرية والجوية أمام المدنيين والواردات الغذائية والوقود والإمدادات الطبية وضروريات الحياة الأخرى، سواء عن طريق منظمات تجارية أو إنسانية، لتمكين الشعب اليمني من عيش حياة طبيعية قدر المستطاع في ظل الحرب.
لا تطمح الأغلبية الشاسعة من اليمنيين إلا إلى حياة آمنة، ويُرحّبون بسعادة بالخلاص ممن يُسمون بالقادة، الذين لم يُظهروا حتى أقل درجات الاعتبار لحيواتهم في السنوات الأخيرة.