خلاف السعودية والإمارات: معركة تحديد ملك الغابة
بين السعودية والإمارات جميع الخلافات تُحل بتكتم شديد، يمكن أن تظهر للعلن على هيئة تسريبات، لكن أن تظهر للعلن رسميًا فهذا منعطف غير معتاد، يمكن وصفه بالسلبي، اتخذته العلاقات السعودية الإماراتية في الآونة الأخيرة.
تجلى هذا الخلاف في تعليق السعودية جميع الرحلات الجوية مع الإمارات. المملكة أخطرت مواطنيها بمنع السفر دون إذن مسبق لثلاث جهات فيتنام وإثيوبيا وأفغانستان وبنجلاديش والإمارات. طيران الإمارات بدورها ردّت بتعليق الرحلات الجوية من وإلى السعودية حتى إشعار آخر.
السبب الرسمي المعلن هو الاحتياط من تفشي وباء كورونا، لكن الواقع يؤكد أن السبب الحقيقي غير ذلك، ربما ليس معلومًا على وجه اليقين، لكن تدور تكهنّات كثيرة ليست الجائحة الوبائية واحدةً منها.
فمن الواضح أن الإمارات تحديدًا هي المستهدفة بحزمة قرارات سعودية أقل صراحةً من قرار تعليق الطيران، كقرار القيادة السعودية تغيير قواعدها بخصوص الواردات القادمة من مجلس التعاون الخليجي والمستخدم فيها قطع غيار إسرائيلية أو المصنّعة في المناطق الحرة.
يبدو القرار عامًا لكن في باطنه يمثل تحديًا واضحًا للإمارات ولطموحها بالتحوّل لمركز تجاري إقليمي. خاصةً وأن السعودية أعلنت، أو هدّدت كما يتداول الإعلام السعودي، الشركات متعددة الجنسيات أنها لن تمنحها أي عقود مُريحة ما لم تنقل تلك الشركات مقراتها إلى الرياض، ما يعني هجومًا مباشرًا، أو ضمنيًا، على سيادة الإمارات كمركز إقليمي لكبرى الشركات العالمية.
التناطح بين الدولتين يشير إلى أن هناك إعادة ترسيم للحدود بين الطرفين، وإعادة لضبط ميزان القوى بينهما. فرغم أن الإمارات والسعودية كانتا رفيقتين في غالب القرارات الإقليمية والدولية، إلا أن سباقهما في التسلح بأعتى الأسلحة الحديثة يكشف عن رغبة كلٍ منهما بالتفوق على الآخر عسكريًا.
صراع حدودي قديم
وتناطحهما ليس جديدًا، ففي عام 2009 انسحبت الإمارات من مشروع الاتحاد النقدي لدول مجلس التعاون الخليجي بسبب عدم اختيارها لتكون مركزًا للمصرف الخليجي المركزي المستقبلي. والمفاجأة أن المجلس اختار السعودية، لكن سجلت الإمارات اعتراضها لأنها هي أول من بادر بالترشح.
ويمكن القول بأن الخلاف أقدم من عام 2009، قديم قدم نشأة المملكة ذاتها، فحين بدأت المملكة تضع حدودها من قبل مؤسسها عبد العزيز آل سعود فإنه تمدد تجاه أراضي الإمارات وقطر وعمان، فنشأ الخلاف. أصل الخلاف كان واحة البريمي، وحُل الخلاف بأن أخذت الإمارات 6 قرى منها، ومُنحت سلطنة عمان 3 قرى.
أما السعودية فقد أجبرت الإمارات عام 1974 بتوقيع اتفاقية جدة، بموجب تلك الاتفاقية اعترفت السعودية بالإمارات كدولة، وفي المقابل حصلت السعودية على مجموعة من الأراضي الغنية بالنفط في الحدود بين البلدين. فمثلًا حصلت على ساحل بطول 50 كيلو مترًا يفصل بين قطر والإمارات، وحصلت على حقل شيبة الذي يمتد جزء منه لداخل الإمارات، وحصلت على جزيرة الحويصات.
وحين استفاقت الإمارات بعد عقود وحاولت تصحيح الأمور تعنّتت السعودية، لدرجة أنها منعت دخول الإماراتيين للأراضي السعودية لأن بطاقة الهوية التي يحملونها تُظهر أراضي سعودية باعتبارها إماراتية. فعام 1999 قاطعت الإمارات، بدعم عماني، مؤتمر وزراء الخارجية والنفط لمجلس التعاون في السعودية، لتعلن للمجلس أن السعودية لا تقاسمها في عائدات حقل شيبة.
وحين مات الشيخ زايد، وتولى خليفة بن زايد، أثار موضوع الاتفاقية مرة أخرى عام 2004 قائلًا إن بلاده اضطرت لتوقيعها في ظرف استثنائي، وإنها اتفاقية ظالمة، لكن الجانب ردّ بالتمسك بها. وتوترت العلاقات لاحقًا لدرجة أن السعودية أوقفت آلاف الشاحنات الإماراتية من دخول أراضيها، وأطلق زورقان إماراتيان النار على زورق سعودي واحتجزوا طاقمه السعودي.
الخليج لا يحتمل أستاذين
كما يبدو أن الدولتين باتتا تتنافسان على الحصول على نفوذ أكبر في البيت الأبيض الأمريكي. خاصة مع انحراف البوصلة المشتركة بخصوص المصالحة مع قطر، إذ لا تبدو الإمارات راغبةً حقيقةً في المصالحة ولا حتى قادرة على إظهار القبول، على عكس ما يفعل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
فكأن سرعة المصالحة وكيف بادر بها ابن سلمان أمر غير مريح للإمارات، خاصة أن ابن سلمان بدأ أيضًا في تحسين علاقاته مع تركيا، عدو الإمارات اللدود، كما بدأ يغازل سلطنة عمان، التي ظلت دائمًا محتفظة بحياديتها وبموقفها الخاص من الأزمات الخليجية.
السعودية والإمارات لا أحد فيهما يرى نفسه شريكًا للآخر، فكل دولة تريد نفسها مركزًا إقليميًا ودوليًا، وترى من حولها شركاء صغارًا. لذا من المنطقي أن يصل الطرفان إلى نقطة تتعقد فيها الأمور وتصبح الطرق المتقاطعة أمرًا سيئًا، وعلى أحدهما أن يحتل المركز الأول، بينما يقنع الآخر بالمركز الثاني، أو الوجود على هامش المركز الأول. وبما أن الأيام تقترب من تولي بن سلمان السلطة ليصبح ملكًا لا أميرًا، فإنه يريد أن يضبط إعدادات المنطقة مبكرًا.
الخلاف تجلى أيضًا فيما يتعلق بالنفط، الإمارات تريد زيادة إنتاجها لأنها تخطط لمشاريع شديدة الطموح باهظة التكلفة فتحتاج أموالًا أكثر تأتي بزيادة الإنتاج. ففي مشاورات مؤخرًا بين أعضاء أوبك بلس حول تمديد اتفاق خفض الإنتاج مع إدخال بعض التعديلات، أعربت الإمارات عن رغبتها ودعمها لزيادة الإنتاج اعتبارًا من شهر أغسطس/ آب القادم.
وأعلنت كذلك أنها ترى الاستمرار في خفض الإنتاج غير عادل لها. لذا فشل أوبك بلس في الحصول على الموافقة على الاقتراح السعودي الروسي بتمديد خفض الانتاج. وأكد وزير الطاقة السعودي هذا الأمر موضحًا أن الاقتراح تمت الموافقة عليه من الجميع باستثناء الإمارات.
الخلاف أوسع من النفط
كذلك في اليمن، دخل الطرفان حربًا سويًا، أحدهما ورّط الآخر، لكنهما في النهاية دخلاها سويًا، أمّا حاليًا فكل دولة تدعم طرفًا مختلفًا في جنوب البلاد. فالسعودية تدعم جماعة الرئيس المعترف به دوليًا، عبد ربه منصور هادي، بينما تدعم الإمارات بشكل واضح وقوي المجلس الانتقالي في الجنوب.
كما أنه يمكن القول بأن تطبيع الإمارات العلاقات رسميًا مع إسرائيل قد أفسد المزاج السعودي وساهم في تفاقم الوضع. لهذا نجد القرار السعودي بالاستثناء من التفضيلات الجمركية لدول مجلس التعاون الخليجي ينص على استثناء أي مكوّن صنعته شركة إسرائيلية أو شركة مملوكة جزئيًا للإسرائيليين أو أي شركات مدرجة في قوائم المقاطعة العربية.
كما أن السعودية، عبر منصتّها قناة العربية، استضافت خالد مشعل، رئيس مكتب حماس، ما يعني أن السعودية تفتح أبوابها أمام حماس، في الوقت الذي تتخذ فيه الإمارات موقفًا شديد التشدد من حماس، والقضية الفلسطينية عمومًا.
معكوس ذلك الأمر نجده في الموقف من إيران، السعودية شديدة الوضوح والصرامة في معاداتها، تتخذ الإمارات موقفًا يميل للانفتاح والمرونة نوعًا ما. فالسعودية تتحرك بنهج طائفي يرى إيران دولة شيعية يجب سحقها بأي ثمن، ودعم كل من يعاديها. لكن الإمارات لا ترى العالم بنفس النظرة، ولا يشغلها أنها دولة سُنية أو شيعية.
سقف الخلاف منخفض
البيت الأبيض، محط آمال الطرفين، لن يصمت وهو يرى شرخًا يزداد في جدار الصداقة بين دولتين تتحكمان في نفط العالم. وقد عانى العالم من تبعات الخلاف بين روسيا والسعودية العام المنصرم أدى لجعل النفط الخام دون صفر للمرة الأولى في التاريخ، لذا فالخلاف بين الإمارات والسعودية يهدد بفوضى عالمية سوف تطال الجميع، كما يُهدد بانهيار أوبك بلس، فقد تنسحب الإمارات، وهو ما لا يمكن أن تسمح به الولايات المتحدة.
قد تصبح العلاقات هشةً، قد تصير أكثر حساسيةً، لكنها لن تفشل، فالإمارات والسعودية جارتان وحليفتان، مصالحهما المشتركة وشعورهما بأن مصيرهما متشابك، كل ذلك سوف يمنع انهيار العلاقة تمامًا أو حتى الدخول في فترة خصومة طويلة.
بل ستظل الأمور دائمًا في نطاق المناورات الكلامية والسياسية، وستبقى صورة المُحمديّن يتصافحان ويبتسمان للكاميرات هي الشعار للعلاقة بين البلدين.