كيف دفعت المواجهة السعودية الروسية أسعار النفط إلى الانهيار؟
في مُحاولة لإعادة التوازن لأسواق النفط العالمية، لجأت المملكة العربية السعودية، أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، لاتخاذ قرار مفاجئ بزيادة المعروض النفطي في الأسواق العالمية، كرد فعل لانهيار تحالف قائم بين منظمة أوبك، بقيادة المملكة، وروسيا، وذلك بعد أن اجتمعت الدولتان لتشكيل ما يسمى تحالف «أوبك+» في عام 2016 بعد انخفاض أسعار النفط إلى 30 دولارًا للبرميل.
ومنذ ذلك الحين، قام المصدران الرئيسيان بتنظيم تخفيضات في الإمدادات بقيمة 2.1 مليون برميل يوميًا. وأرادت السعودية زيادة هذا الرقم إلى 3.6 مليون برميل حتى عام 2020 لمراعاة الاستهلاك الضعيف على مستوى العالم، لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رفض الالتزام بهذا المُقترح. وامتدت الخلافات حول أفضل السبل لإدارة أسواق النفط العالمية إلى العلن في اجتماع عُقد بين أوبك وروسيا في فيينا 6 مارس الجاري، بعد أن قالت روسيا إنها تتخلى عن التحالف.
وإذا كانت روسيا وبقية الدول الحلفاء لأوبك ليس لديهم النية لخفض الإنتاج لموازنة الأسواق ودفع الأسعار إلى أعلى، فليس لدى السعودية الكثير من الحوافز لتقييد إنتاجها. ولجأت المملكة إلى هذه الطريقة لتجنب ما حدث في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي؛ حيث انخفضت الأسعار بشكل كبير، على الرغم من أن السعودية خفضت 70% من إنتاجها، وخسرت الكثير من حصتها السوقية لصالح روسيا والمنتجيين الآخرين من خارج أوبك.
لماذا قررت السعودية التحرك بخُطى سريعة هذه المرة، رغم تراجع الطلب إثر أزمة «كورونا»؟
اقترحت أوبك بقيادة المملكة العربية السعودية تخفيضات إضافية في الإنتاج حتى نهاية عام 2020، لكن روسيا رفضت الاتفاق وحذرت من أنها ستنتج كما تريد بدءًا من الشهر المقبل في محاولة لاستعادة حصتها السوقية التي خسرتها لصالح الشركات الأمريكية الصخرية في السنوات الأخيرة. وفتح الخلاف الباب أمام قتال للعملاء، حيث تواجه صناعة النفط أكبر تحد لها منذ الأزمة المالية العالمية، فمن جانب يدمر فيروس «كورونا» الطلب على الوقود مع تراجع السفر الجوي، ومن جانب آخر يستعد كبار مُنتجي النفط لزيادة الإمدادات دون حدود قُصوى، مما سمح لأسعار النفط بالانهيار التاريخي الحالي.
وبالفعل أبلغت السعودية عملاءها المفضلين أنها ستخفض أسعار البيع الرسمية بمقدار 6 إلى 8 دولارات للبرميل من خلال زيادة المعروض، حيث قررت المملكة الكفاح من أجل زيادة حصتها في السوق العالمية. وبعد يوم واحد فقط من التأكد من أنها سترفع الإنتاج بنحو 2.5 مليون برميل يوميًا بدءًا من 1 أبريل المُقبل، في معركة للحفاظ على حصتها في السوق من روسيا والمنتجين الأمريكيين، قالت شركة النفط الحكومية أرامكو السعودية إنها ستزيد طاقتها «القصوى المستدامة» بمقدار مليون برميل إلى 13 مليوناً في اليوم.
وانضم آخرون في أوبك للاستراتيجية السعودية الرامية إلى زيادة الإمدادات، في مُقدمتهم الإمارات العربية المُتحدة. وقالت أدنوك، منتج النفط الإماراتي، إنها مستعدة لتوريد 4 ملايين برميل يومياً في أبريل المُقبل، ارتفاعاً من 3 ملايين في الوقت الحالي، مُعلنة أنها ستعمل بالإضافة إلى ذلك على تسريع الهدف المستهدف البالغ 5 ملايين برميل يومياً. كذلك من المرجح أن تسحب الإمارات من المخزون الاستراتيجي لتزويد العملاء براميل إضافية إذا كان هناك طلب كاف على براميل الإمارات النفطية.
بتخفيض السعودية أسعار صادراتها النفطية، يُحتمل أن يكون هذا بداية لحرب أسعار تستهدف إجبار روسيا على العودة للمفاوضات ولكن مع تداعيات مدمرة محتملة لفنزويلا الحليفة لروسيا وإيران وحتى شركات النفط الأمريكية. وسرعان ما شعرت الأسواق العالمية بالآثار الجانبية لحرب الأسعار، حيث انهار سعر نفط برنت القياسي العالمي بنحو 11 دولاراً للبرميل، بما يُعادل 25%، في أشد انخفاض يومي منذ عام 1991 على الأقل.
تستمر أسعار النفط في التراجع بعد أن ضاعفت السعودية تهديدها بإغراق العالم بملايين البراميل من الخام على الرغم من صدمة فيروس كورونا للطلب العالمي على الطاقة. وانخفضت العقود الآجلة لخام القياس العالمي بنحو 28% منذ 5 مارس الجاري، وبنحو 48% منذ الذروة في أوائل يناير 2020. ومددت أسعار النفط تراجعاتها بحلول منتصف مارس الجاري، بعد انهيار أسواق الأسهم العالمية التي أثارها وباء «كورونا»، لتشهد الأسواق أكبر خسائر أسبوعية منذ أكثر من عقد. وانخفض مؤشر غرب تكساس الأمريكي دون 30 دولارًا للبرميل، ونزل مؤشر برنت القياسي العالمي إلى حدود 30 دولاراً للبرميل.
هل تتأثر دول الخليج بانهيار أسعار النفط؟
بسبب انتشار فيروس «كورونا»، تضررت اقتصادات منتجي النفط في الشرق الأوسط بالفعل بسبب انخفاض الطلب على النفط في سوقهم الرئيسية، الصين. وشعرت دول الخليج بالآثار السلبية لفقدان الكثير من الطلب على النفط في آسيا وتراجع أسعار النفط؛ حيث تخشى الأسواق من تباطؤ كبير في النمو الاقتصادي العالمي. وبسبب انتشار الفيروس، تعاني القطاعات النفطية وغير النفطية في اقتصادات الشرق الأوسط.
والآن تُضيف حرب أسعار النفط المزيد من الضغوط على دول الخليج بعد انهيار أسعار النفط في ضوء انهيار اتفاق «أوبك+»، حيث خفضت السعودية أسعارها بشكل كبير، ومن المُقرر أن تُعزز كل من السعودية وروسيا إنتاج النفط ابتداءً من أبريل المقبل. بينما الدول التي تعتمد على النفط والتي عانت من سنوات من الصراع أو الانتفاضات أو العقوبات ستدفع الثمن الباهظ، وينتمي كل من العراق وإيران وليبيا وفنزويلا إلى هذه الفئة. فإيران، على سبيل المثال، التي تعرضت لصدمات اقتصادية متتالية بسبب العقوبات الأمريكية، تحتاج نظريًا إلى أسعار 195 دولارًا للبرميل لموازنة إنفاقها، وفقًا لأرقام صندوق النقد الدولي، بينما تحتاج الجزائر 109 دولارات للبرميل.
وبحسب تقرير نُشر مؤخراً لوكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، فإن انخفاض أسعار النفط بمقدار 10 دولارات للبرميل يخفض الإيرادات المالية لمنتجي النفط في الشرق الأوسط بنسبة تتراوح بين 2 و4% من الناتج المحلي الإجمالي. وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، سيكون هناك ألم في الإيرادات المالية لأن سعر النفط المتوازن في المملكة يتجاوز 80 دولاراً للبرميل. أما البحرين وعمان، المنتجان من خارج أوبك، سيعانيان أيضاً، في حين أن كلاً من الإمارات والكويت وقطر يمكن أن تُخفف جزءاً من الآثار السلبية بفضل احتياطيات صناديق الثروة السيادية الضخمة.
لكن هل تصمد السعودية أمام انهيار أسعار النفط؟
بعد الفشل في إقناع روسيا بالموافقة على تخفيضات إضافية في إنتاج «أوبك+» قدرها 1.5 مليون برميل يومياً لتعويض تأثير وباء فيروس كورونا على الطلب العالمي على النفط، قررت السعودية رفع إنتاج النفط وتقديم تخفيضات سعرية كبيرة لعملائها من النفط. وتُشير هذه الخطوة إلى أن قيادة المملكة قد تكون على استعداد للذهاب إلى أبعد الحدود لإجبار روسيا على تغيير موقفها والموافقة على التخفيضات المقترحة لإعادة توازن الأسواق، أو دفع المنتجين ذوي التكلفة العالية في الولايات المتحدة وأماكن أخرى إلى صعوبات مالية تُجبرها على الخروج من صفوف المنتجين على المدى القصير.
وتستعد المملكة لتبني سيناريوهات الميزانية القائمة على أساس انخفاض أسعار خام برنت العالمي في نطاق يتراوح بين 12 و20 دولاراً للبرميل. ومع ذلك، نظراً لأن النفط يمثل 65% – 70% من إيرادات الموازنة السعودي، فإن انخفاض الأسعار نتيجة لزيادة الإنتاج العالمي سيكون له تأثير كبير على ميزانية المملكة مع توقعات بالدخول إلى منطقة العجز المالي مرة أخرى. لكن المملكة بدورها استطاعت خلال الفترات الماضية أن تراكم احتياطيات مالية كبيرة تسمح لها بمواجهة فترة طويلة من الأسعار المنخفضة للنفط.
وتتمتع المملكة العربية السعودية باحتياطيات أجنبية تبلغ 500 مليار دولار ونسبة منخفضة من الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 25% مما يمنحها مجالًا كبيرًا للاقتراض الخارجي لمواجهة تأثير انخفاض الأسعار على الاقتصاد المحلي. كذلك تمتلك شركة أرامكو السعودية، أكبر طاقة احتياطية من النفط الخام، مما يعني أنها يمكن أن تزيد الإنتاج أكثر من أي مُنتج آخر. كما أنها تنتج النفط بأقل تكلفة، مما يعني أنها تحقق أرباحاً حتى عندما تكون الأسعار منخفضة.
وفي الوقت نفسه، تتوقع السعودية قيام المصافي الصينية، بالإضافة إلى مستوردين آخرين، باستغلال هذه الفرصة لشراء كميات كبيرة من النفط الخام للتكرير أو للتخزين. مُرجحة أن يعمل انخفاض أسعار النفط خلال الأشهر القليلة المقبلة بشكل أساسي كحزمة تحفيز للاقتصاد الصيني المتعثر، وهو ما ستظهر في التقارير الصينية كأرقام طلب أعلى، وهذه البيانات بدورها ستساعد على رفع أسعار النفط.
وفي الواقع، يبدو أن هذه هي استراتيجية السعودية. فالمملكة تخفض الأسعار، وتُزيد الإمدادات المتاحة للتصدير، وتبيع المزيد للصين والعملاء الآخرين، وترى ارتفاع أرقام الطلب العالمي. ويعتمد هذا النهج السعودي على افتراض محفوف بالمخاطر مفاده أن الأسواق ستتفاعل مع بيانات الطلب المرتفع وترفع أسعار النفط بشكل ملحوظ.
ماذا يعني انهيار الأسعار لصناعة النفط الصخري الأمريكية؟
فشلت أوبك وحلفاؤها بقيادة روسيا في الاتفاق على تخفيضات إنتاج جديدة مما سمح للإنتاج بالارتفاع بمعدلات قياسية في وقت قصير. ومن شأن هذه الخطوة أن تُعرقل صناعة النفط الصخري الأمريكية سريعة النمو التي حولت الولايات المتحدة إلى دولة مصدرة للنفط في السنوات الأخيرة. ويمكن أن ينتشر الألم إلى الاقتصاد الأمريكي بأكمله، إذا استمرت الأسعار المنخفضة لأشهر أو سنوات، فمن المحتمل أن تكون هناك حالات إفلاس وعمليات اندماج في قطاع النفط، وربما خفض الناتج المحلي الإجمالي أو تفاقم انخفاض سوق الأسهم في وول ستريت.
وبالفعل بدأ منتجو النفط الصخري الأمريكي في تعميق استراتيجيات خفض الانفاق الرأسمالي والإنتاج المستقبلي للنفط مع تراجع أسعار النفط بعد قرار أوبك بضخ المزيد من الإمدادات في السوق العالمية المُتضررة بالفعل بسبب تقلص الطلب بسبب تفشي الفيروس «كورونا». فانهيار الأسعار لفترة طويلة سيزيد من الضغوط المالية على شركات النفط الأمريكية المثقلة بالديون، والتي انقطعت العشرات منها عن العمل في السنوات الأخيرة، مع احتمال انخفاض الإنتاج النفطي الأمريكي.
وتُظهر البيانات التي جمعتها شركة Rystad Energy، وهي شركة استشارية مقرها أوسلو، أن الآبار التي تم حفرها من قبل شركة إكسون موبيل كورب، وأوكسيدنتال بتروليوم كورب، وشيفرون كورب و كراون كويست كورب، في حوض بيرميان الصخري الأمريكي، الذي يمتد عبر غرب تكساس وجنوب شرقي نيو مكسيكو، يمكن أن تحقق أرباحاً عند 31 دولاراً للبرميل. لكن هذا ليس هو الحال بالنسبة لبقية صناعة النفط الصخري الأمريكية، التي تتضمن أكثر من 100 مُشغل في اثني عشر مجالاً، حيث إن حفر مزيد من الآبار الجديدة عند الأسعار الحالية يعني الدخول إلى منطقة الخسائر الرأسمالية.
ظهرت تخفيضات الإنفاق من عدد قليل من الشركات الصخرية على الفور، حيث قالت شركتا Diamondback Energy Inc (FANG.O) وParsley Energy Inc (PE.N)، وهما من أكبر المنتجين للنفط الصخري الأمريكي، إنهما خفضتا عمليات الحفر في الآبار للحفاظ على التدفق النقدي أعلى من النفقات الجارية. وتُخطط «دياموند باك» لخفض ميزانية إنفاقها الرأسمالي لعام 2020 بمقدار لم يتم الكشف عنه.
وكشف تحليل نُشر، مؤخراً، لـ«ريستاد إنرجي» أن إجمالي رأس المال والإنفاق التشغيلي لشركات الاستكشاف والإنتاج من المحتمل الآن أن يتم تخفيضه بمقدار 100 مليار دولار في عام 2020 و150 مليار دولار أخرى في عام 2021 إذا ظلت أسعار النفط عند مستوى 30 دولاراً. وهو ما يؤثر بشدة على عائدات شركة الخدمات، مما يدفع البعض للخروج من السوق.
كذلك من المتوقع أن ينخفض الإنفاق على خدمات حقول النفط الشاملة (OFS)، التي توقعت ريستاد للطاقة سابقاً استقراره على أساس سنوي، بنسبة 8% خلال عام 2020 إذا ظل متوسط سعر النفط عند 40 دولاراً للبرميل وبنسبة 15% في سيناريو البقاء عند 30 دولاراً للبرميل. وإذا استمرت «أوبك+» في حرب الإمدادات الحالية ولم توافق البلدان على التخفيضات في عام 2020، فقد نشهد تخفيضات إضافية في الإنفاق لعام 2021 بنسبة 7% عند سعر 40 دولاراً و11% عند سعر 30 دولاراً.
بعد أن توقعت الحكومة الأمريكية، مؤخرًا، أن يرتفع الإنتاج المحلي بمقدار مليون برميل يوميًا إلى أكثر من 13 مليون برميل يومياً، ففي ضوء انخفاض الطلب وارتفاع إنتاج أوبك، فإن نمو إنتاج النفط «سيكون صفرًا تقريبًا» مقارنة بعام 2019. فالطلب العالمي المنخفض يعني أن الطلب على النفط الصخري الأمريكي سينخفض من 2 إلى 3 ملايين برميل يومياً، وذلك سيعني تخفيضاً إضافياً بنسبة 20% في إنفاق شركات النفط خلال عام 2020.
من المستفيد الأكبر من انهيار الأسعار؟
عادةً ما تُقسم صدمات أسعار النفط اقتصادات العالم إلى رابحين وخاسرين، ومن غير المرجح أن تكون هذه المرة مختلفة. ويتزامن أكبر انخفاض يومي للنفط الخام في ثلاثة عقود مع انتشار فيروس كورونا، وبطء النمو في الصين، وموجة من العولمة التي تؤثر على مستويات التجارة العالمية، وظهور الولايات المتحدة كأكبر منتج للنفط في العالم. ويعتبر انخفاض سعر النفط أمراً إيجابياً للدول المستهلكة للنفط، فهذا يعني انخفاض تكاليف الوقود للأسر والشركات، ولكن الانخفاض الهائل في أسعار النفط يمكن أيضًا أن يؤثر بطرق أقل إيجابية من خلال التأثير السلبي على توقعات الاستثمار في قطاع الطاقة، مضيفًا عائقًا آخر للنمو وسط عدد من الصناعات والبلدان بسبب انتشار فيروس كورونا.
ومن الناحية النظرية، يعد النفط الأرخص أيضاً مُفيداً للاقتصاد العالمي. فكلما كان النفط أرخص، كان من المرجح أن تشتريه الشركات وتشارك به في نشاط اقتصادي منتج، وبالتالي ترتفع معدلات النمو، لذلك من المفترض أن يساعد هذا الانخفاض في الأسعار في تعزيز أي انتعاش عالمي. وبرغم ما تُعانيه الصين من وباء عالمي أضعف من نموها الاقتصادي، تعد بكين من أكبر المستفيدين من انخفاض أسعار النفط كمستورد رئيسي، ولكن هذه المرة قد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تتحقق الآثار الإيجابية من انخفاض الأسعار؛ ذلك لأن لديها بالفعل مخزونات عالية من النفط والغاز الطبيعي السائل، في حين أن الفيروس يعوق السفر والتصنيع ويخلق حالة من عدم اليقين مما يُبقي على مخزوناتها دون استهلاك.
كذلك يعتبر انخفاض أسعار النفط بمثابة فُرصة مثالية للهند لتعزيز نموها الاقتصادي، وذلك لأن انخفاض أسعار النفط يمكن أن يخفض التضخم في الهند ويُقلل تكلفة فاتورة الواردات- وهذا يمكن أن يساعد بدوره على تضييق العجز التجاري والحساب الجاري في البلاد. وذلك بعد أن فقدت الهند مكانتها كواحدة من أسرع الاقتصادات الرئيسية نمواً في الأرباع الأخيرة، نظراً لعدد من العوامل الداخلية والخارجية التي هبطت بنمو الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 5%. وفي الأشهر الثلاثة التي انتهت في ديسمبر 2019، توسعت الهند بنسبة 4.7%، تماشياً مع توقعات السوق.
توقعات قاتمة لأسعار النفط المُستقبلية
تقع أسعار النفط العالمية في الوقت الراهن تحت ضغط شديد بسبب علامات تباطؤ الاقتصاد في الولايات المتحدة وخارجها، وانخفاض الطلب على الطاقة بشكل كبير مع توقف الرحلات من وإلى الصين وتباطؤ المصانع في الإنتاج، وذلك فضلاً عن القرارات الأخيرة بزيادة الإمدادات النفطية في الأسواق العالمية. لكن آمال التحفيز الاقتصادي، إلى جانب الإعلانات الفورية عن التخفيضات في استثمارات النفط الصخري، يُمكنها أن تُساعد في وقف انخفاض أسعار النفط، مؤقتاً على الأقل.
وبالفعل أدى اندماج حرب أسعار بين عمالقة إنتاج النفط روسيا والسعودية والقلق بشأن صدمة الطلب المحتملة من وباء فيروس كورونا إلى التأثير على أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة. ويجرى تداول خام برنت القياسي العالمي بالقرب من 31 دولاراً للبرميل، بينما انخفض خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي إلى ما دون 30 دولارًا للبرميل.
ويظل التنبؤ بسوق النفط أشد وطأة في ظل حرب الأسعار الأخيرة، حيث وصلت السوق إلى ذروتها مع الانهيار الكبير في الطلب على النفط بسبب فيروس كورونا. ويعادل الوضع الحالي صدمة الطلب في الربع الأول من العام 2009، في ظل الأزمة المالية العالمية، وسط زيادة إنتاجية أوبك. فمن المحتمل أن يكون الطلب على النفط سلبياً في عام 2020 – وهو أمر نادر الحدوث – بدلاً من مجرد النمو بمعدل أبطأ مما كان متوقعًا في السابق، مما يضيف المزيد من الضغط الهبوطي إلى انخفاض الأسعار.
وتظل الآمال في انتعاش أسعار النفط على المدى القصير قائمة على القدرة على احتواء انتشار فيروس «كورونا» بشكل أسرع مما هو متوقعاً. ولكن مع احتمال تطور الفيروس إلى وباء عالمي، تبدو آفاق النفط الخام على المدى القصير قاتمة. كذلك ربما كانت السعودية تأمل في أن يُجبر هبوط الأسعار روسيا على العودة إلى طاولة المفاوضات، ولكن يبدو أن ذلك غير مرجح. وبالتالي، سيكون الأمر صعباً في الأسابيع القليلة المقبلة، حيث لا تزال توقعات سوق النفط ضعيفة بعد أن شهدت أسعار النفط أدنى مستوياتها منذ خمس سنوات.
وتُرجح بيوت المال العالمية حدوث تدهور حاد في أسعار النفط العالمية، حيث يُحذر «جولدمان ساكس»، مؤسسة خدمات مالية واستثمارية أمريكية متعددة الجنسيات، من أننا قد نرى النفط عند 20 دولاراً للبرميل في الربع الثاني من عام 2020، فيما يقول «ستاندرد تشارترد»، وهي شركة بريطانية متعددة الجنسيات للخدمات المصرفية، إن متوسط خام غرب تكساس الوسيط سيبلغ 32 دولارًا للبرميل فقط في عام 2020، وخفضت شركة ING المالية توقعات خام برنت في الربع الثاني إلى 33 دولارًاً للبرميل من 56 دولاراً، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. ومن جانب آخر؛ إذا استمرت الأسعار منخفضة للغاية، فسيضطر منتجو النفط الآخرون في النهاية إلى تقليص خطط التوسع أو قد ينخفض إنتاجهم بسبب نقص الاستثمار، وهو ما يدفع الأسعار للارتفاع مرة أخرى. لكن ذلك قد يستغرق وقتًا طويلاً، في ظل الانتشار السريع لفيروس كورونا القادر على تقليص الطلب العالمي على النفط بمستويات غير مسبوقة. وبالنهاية، عندما تبدأ الأسعار في الاستقرار، حيث يتوقع أن يأتي الانتعاش في مراحل تدريجية، من المحتمل أن تكون توقعات الأسعار لخامي تكساس الأمريكي وبرنت العالميCrude حول 40 و45 دولاراً لكامل العام 2020.