العلاقات الإيرانية السعودية: بين التحالف والصراع
تحتل العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية إيران الإسلامية والمملكة العربية السعودية مكانة هامة لدى المحللين والخبراء في العلاقات الدولية في معظم تحليلاتهم بخصوص الشرق الأوسط، المنطقة الأكثر إثارة للجدل في العالم. العلاقات بين اثنتين من أكبر القوى الإقليمية تعتبر أكثر تعقيدًا وتختزل وراء ذلك تاريخًا من التوتر والصراع، كان له تأثيرات وتداعيات خطيرة على المنطقة. ورغم كل الصراع والاختلاف الظاهر بين إيران والسعودية، إلا أن ذلك لا يعني غياب تشابه بين الدولتين. سنحاول من خلال هذه الأسطر مقاربة تاريخ العلاقات بين البلدين ومختلف المحطات التي انفردت وتميزت بها.
ما قبل الثورة الإيرانية
أول اتفاقية رسمية بين الطرفين يعود تاريخها إلى سنة 1929، عندما وقع الطرفان اتفاقية الصداقة بينهما وتوجت بافتتاح أول سفارة إيرانية بمدينة جدة، وتلتها زيارة وفد سعودي يرأسه الأمير فيصل إلى طهران. لقد كانت هناك رغبة لدى الملك السعودي في توطيد العلاقة مع إيران والتحالف معها آنذاك، إلا أن ذلك لم يكتب له أن يتحقق خصوصًا مع عدم رغبة الشاه رضا بهلوي في ذلك.
بدأت العلاقة في التوتر مع وقوع حادثة إعدام السلطات السعودية لحاج إيراني سنة 1943 بتهمة رمي القاذورات على الكعبة وشتم النبي والصحابة، وهو ما أثار احتقانًا كبيرًا لدى الإيرانيين وغضبًا سرعان ما تحول إلى قطيعة دبلوماسية دامت عامين، بعد ذلك تواصل التوتر في الخمسينيات مع اعتراف إيران بإسرائيل كدولة وهو ما شكل خلافًا جديدًا مع السعودية؛ الأمر الذي دفع بالشاه الإيراني إلى محاولة تبرير موقف طهران، ثم عاد التوافق إلى العلاقات بينهما.
مع نهاية الخمسينيات تعززت العلاقات السعودية-الإيرانية موازاة مع الخطر الذي شكّله نجاح ثورة الضباط الأحرار في مصر ووصول عبد الناصر إلى السلطة، وهو الذي عمل على تصدير ثورته للقضاء على الملكيات المجاورة. واعتُبر سقوط الملكية المتوكلية في اليمن عام 1962 إنذارًا بقرب زحف الثورة نحو الممالك المتواجدة في المنطقة، فتحالفت إيران مع السعودية واعتبرت أن الخطر يتطلب تحالفًا وتعاونًا مشتركًا بين البلدين وهذا ما تحقق فعليًا، إذ أرسلت طهران قواتٍ إيرانية لحماية حدود السعودية بعد اجتياح عبد الناصر لليمن وقصف قواته الجوية مواقع إستراتيجية بها. ومن أجل تعزيز التحالف المشترك ضد عبد الناصر، قام الشاه بهلوي بطلب الدعم من الأردنيين واستطاع إقناعهم بالانضمام للتحالف.
و قد كان تواجد الملك فيصل على عرش الملكية السعودية دافعًا كبيرًا في توطيد علاقات بلاده مع إيران، فقد كانت له زيارات لطهران أهمها في عام 1965، حيث سعى إلى ضمان استمرار التنسيق والتعاون العسكري مع السلطات الإيرانية للقضاء على زحف قوات عبد الناصر. وتعزز هذا التنسيق مع زيارة وفد إيراني للرياض عام 1966 للوقوف على آخر التطورات بالمنطقة وتقوية التفاهم المشترك حول القضايا التي تهم البلدين. هذه المحادثات الثنائية، التي أثمرت تعاونًا مشتركًا شكّل تطورًا لافتًا في تاريخ العلاقات الإيرانية-السعودية، كانت وراء انسحاب قوات مصر من اليمن سنة 1967 بعد ما تكبدته الأطراف المتقاتلة من خسائر فادحة. وفي ديسمبر/كانون الثاني من نفس العام زار الملك فيصل طهران رغبة منه في توثيق العلاقات بين البلدين، وألقى خطابًا في البرلمان الإيراني دعا فيه إلى تعميق التعاون والترابط بينهما، واتفق الطرفان على زيارة شاه إيران للرياض في العام التالي.
إلا أن التوتر عاد إلى الظهور مجددًا مع انسحاب الإنجليز من البحرين سنة 1968 واستقبال الرياض زيارة الشيخ عيسى آل خليفة، وهو ما اعتبرته طهران اعترافًا سعوديًا بالمملكة البحرينية الجديدة. ووصل الأمر إلى حد تهديد إيران باجتياح البحرين واعتبارها تابعة لطهران، غير أن الرد السعودي كان شديد اللهجة، إذ رد الملك فيصل بأن أي هجوم على البحرين سترد عليه الرياض عسكريًا.
بسبب هذه الأزمة ألغيت زيارة الشاه التي كانت مقررة إلى الرياض وتبادل البلدان الاتهامات فيما بينهما، إلا أن العلاقات تحسنت مع نهاية العام بوساطة مغربية، وزار محمد رضا بهلوي الرياض بعد ذلك لإعادة التعاون الثنائي. استمرت العلاقات والتفاهم الإيراني-السعودي إلى أواخر السبعينيات حينما انهار نظام الملكية في إيران ونجحت الثورة وأعلن عن قيام النظام الجمهوري الإسلامي سنة 1979.
ما بعد الثورة الإسلامية الإيرانية
تعد سنة 1979 حاسمة في تاريخ العلاقات السعودية-الإيرانية، فرغم تذبذب العلاقات الثنائية في ما قبل الثورة إلا أنها كانت في أغلب الفترات يغلبها التعاون والتنسيق المتبادل بحكم تشابه طبيعة النظام السياسي القائم في كلا البلدين آنذاك. إلا أن سقوط النظام البهلوي المونارشي وقيام نظام جمهوري ديني مكانه يستند على المرجعية الدينية الشيعية كشرعية للحكم جسّد بديلاً منافسًا للنظام القائم في السعودية المستند للمرجعية السلفية الوهابية، هذا ما أدى إلى قطيعة دبلوماسية مستمرة خصوصًا مع رغبة قادة الثورة الإيرانية في نشرها للإطاحة بالملكيات الخليجية وتعمق الصراع بتوالي خطابات المرشد الإيراني آية الله الخميني التحريضية ضد آل سعود وحلفائهم، وتحول الصراع من السياسة إلى الاستعانة بالمرجعية الدينية في مهاجمة الطرفين فيما بينهما. وقد كان الحج أهم موقع في التوتر الثنائي، وافتعلت أزمات متكررة في مواسم الحج سواء في سنة 1986 و 1987 و 1988 وآخرها حادثة تدافع منى سنة 2015.
ومع بداية سنة 2016، شهدت العلاقات الثنائية تصعيدًا في التوتر والصراع حينما أقدمت السلطات السعودية في يناير/كانون الثاني على إعدام 47 شخصا من بينهم أربعة سعوديين شيعة أبرزهم عالم الدين الشيعي المعارض للنظام السعودي نمر النمر، وخلفت هذه الحادثة غضبًا واسعًا لدى الشيعة في الشرق الأوسط وإيران على الخصوص، حيث هاجم محتجون إيرانيون مقر السفارة السعودية بطهران وأدانت الحكومة الإيرانية عملية الإعدام. ولم يمضِ وقت طويل حتى أعلنت الرياض قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وشهد التوتر أوجه من خلال الاتهامات والتهديدات المتبادلة التي ترجمت إلى صراع في اليمن وسوريا.
أصبح الشرق الأوسط رقعة صراع بين القوتين الإقليميتين عبر التدخل العسكري في شئون دول تعيش فوضى وحروب أهلية، كما هو الشأن في العراق وسوريا واليمن وقبلهم لبنان، زيادة على تمويل الميليشيات والجماعات المتحالفة مع كلا الدولتين وهو ما أضحى يسميه المحللون الإستراتيجيون بحرب «الوكالة».
أختم بالقول: لقد رأينا نتائج الصراع بين البلدين على المنطقة. أليس أوْلى الآن أن نرى نتائج تحالف ثنائي مستقبلي يكون إيجابيًا للعالم الإسلامي بعيدًا عن كل سياسات التفرق والانقسام والمعاداة؟