بعد إصابته في فخذه بإحدى الرصاصات الرسمية يوم الأحد الثامن من يوليو بالعام 2012 أعلنت وزارة الداخلية السعودية القبض على العالم الشيعي نمر باقر النمر بتهمة أنه قام وهو ومجموعة من أتباعه بمقاومة رجال الأمن وإطلاق النار على إحدى الدوريات. ومع بداية الاحتفال برأس السنة الجديدة من العام 2016 أعدمت السلطات السعودية النمر تنفيذا للحكم الذي صدر في الخامس عشر من أكتوبر من العام 2014

من هو باقر النمر ؟ شرق المملكة العربية السعودية تحديدا بمدينة العوامية بمحافظة القطيف في العام 1959 ولد العالم الشيعي نمر باقر النمر، وبعدما أتم الحادي والعشرين من عمره سافر في العام 1980 إلى إيران ملتحقا بالحوزة العملية، استمر بإيران قرابة عشر سنوات وسافر بعدها إلى سوريا.

لم يختلف النمر عن غيره من هؤلاء الذين يرون في المملكة العربية السعودية وسياساتها معاداة للشيعة وتهميشا لهم، فقد بدأ نشاطه السياسي بمعارضة آل سعود داعيا إلى انفصال القطيف والأحساء عن السعودية وإعادتهم للبحرين، كما كان من قبل عصر قبل الإسلام في إطار إقليم البحرين الذي شمل آنذاك القطيف التي عرفت باسم كاتيوس باليونانية والخط عند العرب والأحساء التي عرفت باسم أحساء بني سعد، والكويت وقطر والإمارات وجزء من عمان.

خريطة إقليم البحرين

بمجرد ما وطئت قدم النمر السعودية في مايو من العام 2006 قادما من البحرين لحضور مؤتمر دولي؛ قامت السلطات السعودية بالقبض عليه، كانت تلك هي المرة الأولى التي يعتقل بها النمر، في الثالث والعشرين من أغسطس من العام 2008 نتيجة لاستفزازات البعض للسلطات السعودية وخاصة “عبد الحليم آل كيدار” عمدة القطيف آنذاك الذي قال نصا: أيادي الدولة على النمر بيضاء”، قامت السلطات السعودية باعتقال النمر مجددا وعليه قال النمر قبيل اعتقاله ” أنا على يقين من أن اعتقالي أو قتلي سيكون دافعا للحراك”

في السادس والعشرين من يونيو 2012 بدأ النمر موجة أخرى من الصدام مع الدولة السعودية، حيث ألقى خطبة في القطيف ضمن الاحتفالات التي قام بها الشيعة لموت الأمير نايف قائلا ” بأي حق يعينسلمانولي عهد ونحن ساكتون نتفرج؟”


لماذا حكم عليه بالإعدام:

صدقت الأحكام من قِبل محكمة الاستئناف المختصة وكذلك من المحكمة العليا، كما صدر أمر ملكي بإنفاذ ما تقرر شرعًا وصدق من مرجعه بحق الجناة المذكورين”

أعلنت المحكمة الجزائية بالمملكة العربية السعودية في أكتوبر من العام 2014 الحكم بالقتل تعزيزا على نمر باقر النمر، على خلفية اتهامه بإثارة الفتنة الطائفية والخروج على ولي الأمر وتشكيل مجموعة إرهابية وتكفير الحكام والتستر على مطلوبين أمنيا والإساءة لدول الجوار.

شقيق النمر بجوار السيارة التي اعتقل منها

ذكر شقيقه عقب القبض عليه في 2012 أن ما أعلنته السلطات السعودية كذبا وزورا حيث قال نصا: تلقيت خبر اعتقال الشيخ وأنا في مكتبي، فتوجهت لمكان الحادث لأرى بقعة دم على الأرض والسيارة مصطدمة بالحائط، وتخلو السيارة من الداخل من أي دماء وهذا دليل على أن إصابته تمت بعد الاعتقال وبعد سحبه خارج السيارة، كما أنه اصطدم بالحائط لمضايقة الدورية له ولم يصطدم بأي سيارة من سياراتهم”.

عقب الحكم عليه بالإعدام تنوعت ردود الأفعال الدولية حول ذلك، فمن ناحية وجه الأمين للأمم المتحدة بان کی مون الأمين في التاسع والعشرون من أكتوبر 2015 رسالة إلى السعودية تطالب بعدم تنفيذ الإعدام بحق النمر، وبعده بشهر تقريبا أرسل “مهدي الصميدعي” رئیس هيئة الإفتاء في العراق رسالة إلي الملك سلمان بن عبد العزيز قال فيها نصا: “إن السعودية لو نفذت حكم الإعدام في الشيخ نمر النمر، فهي قطعا ستجلب أضرارا كبيرة عليها وعلى دول الجوار“.من ناحية أخرى خرجت علينا حركة أنصار ثورة 14 فبراير بالبحرين ببيانٍ رافضةً الحكم بالإعدام على النمر جاء فيه: “صدور هذا الحكم الجائر أثار ردود أفعال واسعة في شتى أنحاء العالم، وقد نددت به العديد من الشخصيات والهيئات والمؤسسات السياسية والحقوقية والدول الإسلامية، إلا أن النظام السعودي تجاهل كل النداءات وصادقت محكمة الاستئناف الخاصة به على حكم الإعدام وتم رفع الحكم إلى الملك للمصادقة عليه”، كذلك رفض مساعد وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان الحكم قائلا: “إن انتشار خبر الموافقة على إعدام الشيخ النمر أمر مقلق وإن طريق التحريض الطائفي ليس لمصلحة الحكومة السعودية”.


شيعة السعودية بين القوس الرافضي وجباية الخمس:

ربما الحديث حول علاقة شيعة المملكة العربية السعودية بإيران أمر لابد من طرحه خاصة في ذلك الوقت، عمليا وعلميا لا يرتبط شيعة السعودية بإيران إلا من ناحية العلاقات الدينية والثقافية، وربما يكون هذا أمرا مقبولا ومتعارفا عليه بين المذاهب والعقائد المختلفة، إلا أن السعودية وطبيعة النظام السياسي الخاص بها يجعل الأمر مختلف قليلا حيث إن الخلط بين الانتماء الديني والسياسي في عين المواطنين يجعل أتباع النظام ينظرون لغير السلفي بعين الشك والريبة؛ الأمر الذي ربما دفع بعض علماء الشيعة السعوديين للولاء لإيران.

باستثناء تلك النظرة النابعة عن الخلط الديني والسياسي هناك بعض الأمور التي ربما تشرح تقرب شيعة السعودية من إيران ترتبط بـ “جباية الخمس” حيث أنه يذكر في مواضع وتقارير عدة أن شيعة إيران والعراق ولبنان استولوا على ملايين من الدولارات من أموال الأخماس من قبل السعوديين، كذلك ربط البعض شيعة السعودية بإيران فيما يعرف باسم “القوس الرافضي”.


تداعيات إعدام النمر

لم تهتم المملكة العربية السعودية بالتصريحات الرافضة لتنفيذ حكم الإعدام على نمر النمر، ونفذت في صباح اليوم الحكم عليه، هذا الأمر ربما لا يمر مرور الكرام على المملكة ولا على المنطقة بأسرها خاصة في ذلك التوقيت الذي تمر فيه المنطقة نحو صدام طائفي سني وشيعي، وهذا ما يظهر في ردود الأفعال حول حكم الإعدام.

رد الفعل الإيراني:

“لا يراودني شك في أن هذه الدماء الطاهرة ستلطخ أسرة آل سعود وستمحوها من صفحات التاريخ”

اتخذت إيران خطابا شديد اللهجة تجاه تنفيذ حكم الإعدام بحق نمر النمر، إلى جانب أنها قامت باستدعاء القائم بالأعمال السعودي بطهران للاحتجاج على الإعدام، ولعل الموقف الإيراني في وجهة نظرنا يرتبط بشكل كبير بإعلان نفسها وصيا على الشيعة في كافة مناطق العالم، ولعل حدة الموقف الإيراني يرتبط بصورة كبيرة بالتحركات السعودية في الفترة السابقة ضد النفوذ الإيراني والتي اُختُتمت بالتقارب السعودي التركي وإعلان مجلس التعاون الإستراتيجي بين تركيا والسعودية والتي تشير كافة المؤشرات إلى أنه بهدف مواجهة التمدد الإيراني بالمنطقة.

ردود أفعال الموالين:

نعى الحوثيون نمر النمر واصفين إياه بالمجاهد حيث قالوا نصا: أعدم آل سعود اليوم السبت العلامة المجاهد نمر باقر النمر عقب جلسات محاكمة صورية لم يحضرها أي من المحامين عن المتهم في نظر آل سعود”، من ناحية أخرى وصف زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر قرار إعدام النمر بأنه تأجيج طائفي، من ناحية أخرى حذر نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق من كون قتل النمر سيؤدي إلى الإطاحة بالعائلة المالكة السعودية، تبع ذلك خروج تظاهرات بالبحرين منددة بالإعدام وتعاملت مع الشرطة بالغاز المسيل للدموع.

الموقف السني من إعدام النمر:

الصراع السني الشيعي ممتد من قديم الأزل ولكنه يسكن من وقت لآخر، في تلك الأوقات تعاني المنطقة من إرهاصات صدام سني شيعي، ما تفعله الحكومات اليوم في خطوات غير محسوبة تدفع إلى تأجيج ذلك الصراع.

ردود الأفعال السنية وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي اتسمت في غالبيتها بنوع من الشماتة في إعدام النمر تستفز الشيعة خاصة تلك التي صورت إعدام النمر كردٍّ على مقتل زهران علوش قائد جيش الإسلام في سوريا، الأمر الذي يدفع شيعة المنطقة في الوقت الحالي إلى الصدام أكثر مع الحكومات السنية.

…..

نهاية ربما يكون الإعدام أمرا له دوافعه وحججه من الجانب السعودي إلا أن توقيت إعدامه من شأنه تأجيج الصراع السني الشيعي في المنطقة التي أصبحت بمثابة غابة يتصادم الجميع بها ويسعى كل طرف للتحالف مع البعض ضد البعض، وجلب ويلات على السعودية ودول الجوار خاصة مع التقارب السعودي التركي ومساعدة السعودية وتركيا للفصائل السورية المقاتلة ضد الأسد ونظامه من ناحية والحوثيين من ناحية أخرى مما يشير إلى احتمالية تحرك شيعة السعودية نحو الولاء لإيران سياسيا بعدما كان مقتصرا فقط على البعد الديني والثقافي.