رغم اقتراب الأزمة الخليجية من إتمام شهرها الرابع، إلا أن «سعود القحطاني»، المستشار بالديوان الملكي السعودي والمشرف العام على مركز الدراسات والشؤون الإعلامية، يواصل دون كلل أو ملل مهاجمة قطر وأميريها السابق «حمد بن خليفة آل ثاني»، والحالي «تميم بن حمد»، وتلميع خصومهما من آل ثاني، ولا يتوقف عن أداء هذه المهمة إلا لكيل المدح لولي العهد السعودي «محمد بن سلمان».
بالطبع لا يمكن التقليل من أهمية الأزمة الخليجية وتأثيرها على الأوضاع وموازين الصراع في المنطقة، لكن أن يصل الأمر بوزير إلى تخصيص حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، على مدى ما يقرب من 4 أشهر، لأجل مهمة واحدة؛ مهاجمة قطر، وقذف حكامها والتحريض عليهم، فهذا أمر مثير للانتباه، ويطرح العديد من التساؤلات؛ ما الذي يدفع «القحطاني» إلى مهاجمة قطر بهذا الشكل؟ وهل لما يكتبه أهمية؟ الإجابة على هذه التساؤلات تستدعي مزيدًا من التدقيق في سيرة الرجل.
رحلة الصعود وتبديل الولاء
يمكن التأريخ لحياة «سعود القحطاني» العملية بدءًا من العام 2003، عندما عمل كمستشار قانوني في سكرتارية ولي العهد حينها، والملك لاحقًا، «عبد الله بن عبد العزيز آل سعود».
بعد أقل من عام من ولوج القحطاني إلى الدائرة المقربة من «عبد الله بن عبد العزيز»، أسندت إليه إدارة الدائرة الإعلامية لسكرتارية ولي العهد، رغم أن سيرته الأكاديمية كلها لم يكن لها علاقة بالإعلام، فالرجل –بحسب كلامه– لم يحمل درجات علمية سوى في القانون.
مع تولي الملك «عبد الله» مقاليد الحكم في العام 2005، انتقل سعود إلى العمل بالديوان الملكي كنائبٍ لمدير عام مركز الرصد الإعلامي، ومستشارٍ بمكتب نائب رئيس الديوان الملكي، ثم سرعان ما ترقى ثانيةً فعمل مستشارًا بمكتب رئيس الديوان الملكي، «خالد التويجري»، الرجل الذي كان يوصف بأنه الأقوى في المملكة في ذلك الحين.
يبدو أن إدارة القحطاني للشؤون الإعلامية لاقت استحسان التويجري، فأسند إليه إدارة مركز الرصد الإعلامي للديوان الملكي بالكامل، في العام 2008، ثم رقاه مرة أخرى، في العام 2012، إلى منصب مستشار بالديوان الملكي، بجانب المهام التي كان مكلفًا بها.
رحل «خالد التويجري» وتبددت سلطته مع تولي الملك سلمان لمقاليد الحكم مطلع العام 2015، لكن «سعود القحطاني» بقي وغيّر ولاءه، فأصبح تابعًا لرئيس الديوان الملكي الجديد، الأمير محمد بن سلمان، وبدأت مرحلة جديدة من حياته.
ملمّع ابن سلمان
أسس ابن سلمان خليّة إعلامية جديدة داخل الديوان الملكي للترويج لمبادراته على الصعيدين الداخلي والخارجي، وأطلق عليها اسم «مركز الدراسات والشؤون الإعلامية»، ولم يجد لإدارتها أفضل من «سعود القحطاني»، الذي حظي برضاه وثقته.
تقول صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير لها عن صعود نجم «محمد بن سلمان»، إن الخلية الجديدة التي تولى إدارتها القحطاني: «لم تدّخر جهدًا في التركيز على تقديم صورة إيجابية لحرب اليمن في واشنطن، كما وظّفت عددًا من جماعات الضغط والشركات المتخصصة في الشؤون العامة في واشنطن للمساعدة في تحقيق تلك الغاية.
وعلى الصعيد الداخلي، نجحت الحكومة في إبقاء الانتقادات الموجهة للأمير ومشاريعه بعيدًا عن الرأي العام. فأسرة الأمير تهيمن على الشركة المالكة لمعظم الصحف السعودية التي تسابقت في تغطية مبادراته، وقد حصل عدد من كبار المحررين والصحفيين السعوديين الذين رافقوا الأمير في رحلاته إلى الخارج على مبالغ تصل إلى 100 ألف دولار نقدًا، حسبما أفاد شخصان كانا ضمن الوفد المرافق للأمير. في الوقت نفسه، تم إسكات بعض الصحفيين السعوديين كثيري الانتقاد من خلال مكالمات هاتفية تخبرهم بمنعهم من النشر، بل ومن السفر خارج البلاد في بعض الأحيان».
أصبحت هذه إذًا مهمة «سعود القحطاني» الجديدة؛ تلميع «محمد بن سلمان» إعلاميًا، خارجيًا وداخليًا، عبر شراء الولاءات وإسكات المعارضين، وهي مهمة يبدو أن القحطاني نجح فيها إلى حد كبير، ففي النهاية وصل ابن سلمان إلى منصب ولي العهد بأقل الخسائر الممكنة.
كيف يصفّي القحطاني خصومه؟
يقول الكاتب السعودي ومؤسس صحيفة «الوئام»، «تركي الروقي»، في مقال له عن «القحطاني»، بعد أن أجبره الأخير على الاستقالة من جريدته، إنه «رجل يسيء استخدام السلطة ويتعسف ليرضي بها ذاتًا غير سوية داخله، وثقافته التشهير بخصومه عبر وسائل الإعلام، ويقمع رؤساء تحرير الصحف، ولا يوقر صغيرًا أو كبيرًا، ولغته بذيئة بكل معنى للبذاءة».
ويتحدث الروقي عن «تجنيد القحطاني لشباب متخصصين في التقنية لإدارة حسابات في تويتر، للغو في أعراض الناس بالشتائم والقذف، وإطلاق الهشتاجات المستفزة حتى يبدأ الشباب المتحمس في إبداء رأيه».
تتطابق شهادة الروقي بشكل شبه كامل مع ما يكتبه القحطاني على «تويتر»، إذ لا يتوانى الرجل عن إهانة خصومه ونعتهم بأبشع الألفاظ، وهو الأسلوب ذاته الذي استخدمه مع قطر وحكامها منذ بداية الأزمة الخليجية، وهو ما يشير إلى أنه يتولى الشق الإعلامي من مهمة التشنيع على قطر والحط منها، بجانب مهمته الأصلية؛ تلميع محمد بن سلمان.
يدعم هذا الافتراض وجود عشرات الحسابات على تويتر التي ليس لها مهمة سوى إعادة تغريد ما يكتبه القحطاني، وتداول الوسوم التي يطلقها. كما تقوم العديد من المواقع الإخبارية السعودية والعربية كذلك بترويج ما يكتبه بشكل شبه دائم. لذا يمكن اعتبار ما يقوله سعود القحطاني عن أن حسابه على تويتر “حساب شخصي لا يمثل إلا وجهة نظره الشخصية” دربًا من دروب الفكاهة غير المضحكة.
في الأزمة الخليجية
خلافًا لما ورد أعلاه من دورٍ واضحٍ للقحطاني في تلميع الأمير الشاب ورؤيته الاقتصادية اللامعة التي ما تزال مناط جدلٍ واسعٍ في الأوساط الاقتصادية، يؤكد وزير الخارجية الإماراتي الدكتور «أنور قرقاش» الدور المؤثر للقحطاني في الشقاق الخليجي، وهو الدور الجلي لكل من يتابع حساب القحطاني على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، من خلال تجريحه المتواصل في أمراء قطر وبيان عوار الحكم في الدوحة، لكن للقحطاني قصةٌ أخرى أكثر تأثيرًا تحتاج لشيء من التفصيل.
يُعد القحطاني المروّج الأول لخلافات العائلة الحاكمة في قطر «آل ثاني»، ولا يتواني عن تمجيد كل من هو مخالف لأميرها الحالي «تميم بن حمد»، وهو من أوائل من أعلنوا عن لقاء الأمير ابن سلمان بسليل الأسرة الحاكمة القطرية «عبدالله بن علي آل ثاني» للاتفاق حول أزمة الحجاج القطريين، ملمحًا لانقلاب جد تميم، الأمير الأسبق «خليفة بن حمد» على ابن عمه الأمير «أحمد بن علي»، أخو الأمير «عبدالله بن علي» الذي استقبله الملك سلمان وابنه الملك المنتظر، وهو ما تعتبره الدوحة دفعًا من الدول الخليجية الثلاث نحو انقلاب قصر، وأكد على ذلك مندوب الدوحة «سلطان بن سعد المريخي» في اجتماع للوزراء العرب في جامعة الدول العربية منتصف الشهر الحالي.
على جانبٍ آخر، كانت السعودية والإمارات قد حجبتا شبكة قنوات «beIN Sport» الرياضية مع بداية الأزمة، وتوالت وعود الجانبين بإيجاد بديلٍ لاحتكار القناة القطرية للدوريات الأجنبية، وهو ما تبدد مع بدء انطلاق هذه الدوريات في موسمها الجديد.
غير أن الأمر انتهى على حالين؛ حيث اضطرت الإمارات لرفع الحجب عن القناة القطرية نزولًا على رغبة قاطنيها من الأجانب ممن لا علاقة لهم بالأزمة ولا بمجريات الأحداث، غير أنهم قصدوا دبي وأبو ظبي للترفيه أو العمل، أما السعودية فعمدت على لسان عدد كبيرٍ من إعلامييها إلى الترويج لقناة جديدة تكسر الاحتكار القطري للمباريات، وكان في طليعة هؤلاء المروجيّن «سعود القحطاني».
لكن بانطلاق الدوريات الأجنبية قبل ما يقارب الشهر من الآن، تبددت وعود القحطاني وشبكة المروجين التي يديرها، حيث تبيّن للمشاهد السعودي أن القناة المزعومة «beoutQ» ما هي إلا قرصنة للقناة القطرية، غير أنها حذفت شعار القناة واستبدلته بشعار القناة الوهمية. ما يزيد الأمر سوءً ان القناة الجديدة كان لها اشتراكًا ماليًا يدفعه المواطن السعودي نظير الخدمة المحلية (300 ريال تكلفة جهاز الاستقبال و130 ريالًا للاشتراك)، وهو ما انتهى بكارثة انقطاع البث بإيقاف أعمال القرصنة ومطالبة شبكة «beIN Sport» بتعويضات مالية نظير أعمال القرصنة التي تعرضت لها، كما طالبت السلطاتِ السعودية بإغلاق القناة الوهمية.
وكانت حسابات الإعلام السعودي وفي مقدمتها حساب «القحطاني» قد أزالت تغريداتها الحماسية حول القناة الجديدة بعدما تكشفت حقيقتها.
تدفعنا القرصنة السعودية على قنوات «beIN Sport» للتساؤل حول بداية الأزمة الخليجية، التي كان فتيلها الأول عملية قرصنة مشابهة، وخطابٍ نُسب للأمير القطري، اعتبرته دول الخليج الثلاثة ومعها مصر خطابًا عدائيًا يهدد مصالحها، وعلى إثره كانت الأزمة التي تدخل شهرها الرابع ولا يلوح في الأفق أي حلٍ سياسي، هل كان القحطاني خلف القرصنة الأولى إذن والثانية؟ أم أن دوره لا يعدو كونه بوق إعلامي ولسان السلطة «السليط»، الذي تحارب به أعداءها؟