سامح أبو عرايس: سر اعتذار «نبي الإله حورس» للإخوان
حالة تمرد فريدة يحياها سامح أبو عرايس، نبي «الإله حورس»، كما كان يحب أن يطلق على نفسه، والمنسق السابق لحملة عمر سليمان في انتخابات الرئاسة، ومؤسس حركة «أبناء مبارك»، وأحد أعتى مؤيدي السيسي، وألد أعداء الإخوان المسلمين قبيل 30 /6، والذي تدرج في معارضة السيسي، بداية من الاحتجاج على إساءة معاملة مبارك وأولاده، ثم إدانة البطش الأمني، انتهاء بإعلان اعتذاره للإخوان، مؤكدًا أنها حركة وطنية كان لها دور عظيم في محاربة الاحتلال الإنجليزي .
هل تحقق الإخوان من صدق موقف «عرايس»؟
على الرغم من احتفاء قناة «مكملين» إحدى منابر جماعة الإخوان الإعلامية باعتذار أبو عرايس، ورصده في إحدى نشراتها باعتباره اعترافا ووثيقة تأييد من معسكر مبارك والسيسي لصالح الإخوان وموقفهم قبل الذكرى السادسة من ثورة 25 يناير، فإن الذين احتفوا بالبيان لم يمكنهم قراءة مدلولات حالة المصالحة الفردية التي أقدم عليها عرايس مع الإخوان، بمعزل عن «أولاد مبارك»، هذا التيار العريض من أتباع النظام، الذي أسقطه الشعب المصري في ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.
المتابع لعرايس سيجد أنه بات يتحين الفرصة لمكايدة النظام الحالي، بداية من رفض الإساءة إلى مبارك، مرورا بانتقاد الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مصر، ورفض اتفاقية «تيران وصنافير»، إلى الوقوف في صف الإخوان، أو الاصطفاف معهم، إن كان هذا في مصلحة مكايدة السيسي، لاسيما وأن اعتذار أبو عرايس للجماعة، لاقى استنكار وإدانة أبرز مؤيديه .
وقال «عرايس» في بوست جديد بعد أن قدم اعتذاره لهم إن الإخوان المسلمين، جماعة وطنية نشأت في مصر، وكان لها دور عظيم في مقاومة الاحتلال الإنجليزي في مصر، وعمليات فدائية ضد الاحتلال، وشاركت في حرب فلسطين، وكانت شريكا في ثورة يوليو، وساهمت في تحرير مصر من الاحتلال البريطاني.
وأضاف: اتهامهم بالإرهاب في العهد الملكي كان لتشويههم لأنهم كانوا مقاومين للإنجليز، وانتمى إليهم جمال عبد الناصر والسادات وكثير من الضباط الأحرار لفترة، وفكرهم وحدوي مقاوم للاستعمار، ودورهم في المقاومة بفلسطين من خلال حركة حماس لا ينكره منصف، فضلا على دورهم الكبير في مصر، للحفاظ على الدين الإسلامي والعمل الاجتماعي والخيري، وكانوا داعمين للدولة في عهد السادات ومبارك في السياسة الخارجية والتصدي لمؤامرات الصهيونية والغرب.
وأردف: جزء رئيسي من أهداف المؤامرة الأخيرة على المنطقة كان تدمير جماعة الإخوان وتشويهها، خاصة أنهم كان لهم دور وطني عظيم في إحباط المؤامرة على مصر، سيعرفه المصريون فيها بعد .
من نبوة الإله حورس إلى الدفاع المطلق عن الإسلام؟
واكب ظهور سامح أبو عرايس في المجال العام إسقاط مبارك، وتدشين مجموعة من الحملات التي تطالب بالاعتذار له، كان أبو عرايس على رأس أحد هذه الائتلافات، ثم تزعم حملة غير رسمية، لترشيح اللواء عمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات العامة الأسبق والأشهر، ومن وقتها وهو يظهر على رأس كل عام، بأيديولوجيات فكرية جديدة، سواء كانت معتقدات دينية أو سياسية .
قبل عامين كثف «أبو عرايس» من مجموعة تدوينات غريبة في نوعها، تدعو لعبادة «الإله حورس»، وسخر نفسه في سبيل معتقده الجديد، الذي يعتبره من عظماء الفراعنة، بل الدين الأصلي للمصريين، للسخرية من الإسلام والمسيحية واليهودية، وأصبغ على نفسه المعجزات، قال في إحداها إنه أسري به من الأقصر إلى الأهرامات، ثم تحدث عن معجزات حدثت له، مماثلة تماما لما شهدها كل الأنبياء الرسل.
المثير في «أبو عرايس» أنه دائما ما يعتبر نفسه مرجعا للتاريخ وقارئا شغوفا له، لكن ذلك مرتبط فقط بعمر البوست الذي يكتبه على «فيس بوك»، لأنك لو بحثت فيما يكتب، فستجد أن القضية الواحدة التي يطرحها محل اختلاف جوهري في نظرته لها، من تدوينة لأخرى، حتى لو كانت المدة الزمنية الفارقة بينهما عدة أسابيع، وكأنه يقرأ كتابا فيعتنق ما فيه، ثم يعود عنه بكتاب آخر، يهدم ما ترسخ فيه من ثوابت .
ففي الوقت الذي يمجد فيه حاليا تاريخ الإخوان مع الاحتلال الإنجليزي، أي تاريخ مضى عليه أكثر من 70 عاما، ولا مجال لمراجعته الآن، أو استكشاف حقائق جديدة فيه للمؤيدين والمعارضين للجماعة على السواء، كان أبو عرايس ينتقد الإخوان بشدة، ويتهمهم بالتآمر وبمصطلحات قاسية، لا يمكن وضعها في خانة النقد منذ أشهر قليلة.
واتهم أبو عرايس «الإخوان» بالفرح في زيادة قيمة الدولار بمصر، وبالمقابل هبوط قيمة الجنيه، وكال لهم الاتهامات بلغة لا تخلو من سخرية، واتهامات بالعمالة لتركيا، معتبرا أن هبوط الجنيه ضد مصلحة أردوغان، ورجال الأعمال الأتراك، لأن السياحة المصرية ستكون أرخص من نظيرتها في تركيا.
ولم تكن نظرته عن عمالة الإخوان مجرد لحظة غضب من تصرفاته، بل كل منشوراته تجاه الجماعة تخدم نفس النظرة، وعلى الرغم من نشره عدة تدوينات لدعم ضحايا اعتصام رابعة والنهضة، فإنه قال نصا في بوست له على فيس بوك قبل عدة أشهر: «ما تفرحوش قوي بالبنت الإخوانجية اللي من أوائل الثانوية العامة.. بكرة تدخل صيدلة أو هندسة قسم كيمياء وتتعلم تصنع قنابل ».
واعتبر في تعليقاته أسفل البوست أن صفحة «شاومينج» من صنع الإخوان، كما أيد اتهام أحد أصدقائه لأتباع الجماعة الذين يعملون في وزارة التربية والتعليم بتزوير المجاميع لصالح أبناء الإخوان.
كما يضم متحف «أبو عرايس» تحولات في الفكر الديني شديدة الغرابة، فمن الدعم المطلق للإله حورس، والتشكيك في كل ما هو دون ذلك، إلى الدفاع الشرس عن الإسلام، هكذا دون مراجعات لفكر أو منطق، أو إعلان عودته عما كان عليه.
واعتبر مؤسس حركة أبناء مبارك أن قتل عشرات الملايين في حروب عالمية وإبادة السكان الأصليين لأمريكا وعمل مذابح لليهود في أوروبا، وارتكاب الجرائم في المستعمرات، لم تكون من أفعال المسلمين، لكن كانت من القوى الأوروبية، ورصد بدايات العمليات الانتحارية التي اخترعها اليابانيون في الحرب العالمية الثانية، وتبنتها والشيوعية وحتى اليوم في مصر، معتبرا أن الذي يتجاهل التاريخ ويتهم المسلمين وحدهم بالإرهاب إما جاهل أو مغرض.
ولم تخرج هذه التدوينة عن نفس التناقض في مفاهيم أبو عرايس عن كل شيء، فقبل أسابيع من دفاعه عن الإسلام تهكم مدير حملة عمر سليمان على كل رجال الدين، مسلمين ومسيحيين، وطالبهم باستعمال بركاتهم في استخراج بترول جديد لمصر، يضاهي الموجود بالسعودية، وانتشال الاقتصاد المصري.
لا يمكن لعاقل أن يعتبر ترهات «أبو عرايس» تراجعا عن موقف تياره من الإخوان، أو حتى يمكن اعتباره مبادرة شخصية منه، لتيقنه من صدق موقف الإخوان وقضيتهم، ما جعله يصطف معهم، ربما يكون الانتظار وحده لما ستحمله الأيام من تقلبات كفيل بإثبات حقائق ثابتة عن الجميع وللجميع، ولا يمكن وقتها أن يماري فيها إنسان.