تفاصيل أزمة صلاح: مشكلة عارضة أم بداية مواجهة مع الدولة؟
تغريدة أطلقها النجم المصري «محمد صلاح» في الرابعة عصر يوم 29 أبريل/نيسان، تغريدة كانت كفيلة بأن تجعل جميع صفحات التواصل الاجتماعي بتعدد تطبيقاتها لا تتحدث إلا عن شيء واحد فقط، ما الذي أغضب صلاح؟ صحيح أن الأمر ليس بالجديد، بل إنه مُثار من مدة تقارب الشهر، إلا أن تغريدة «The Egyptian King» كانت كالقشة التي قصمت ظهر البعير.
ثار أغلب المتابعين على السوشيال ميديا لنجمهم الأوحد مهاجمين اتحاد الكرة وشركة WE للاتصالات بل ومسؤولي البلد بأكملهم، وفي أقل من ساعتين كان هاشتاج #ادعم_محمد_صلاح التريند الأول عالميًا على تويتر. ما هو أصل المشكلة؟ وما الذي حدث من مسؤولي اتحاد كرة القدم المصري فأثار النجم الهادئ لهذه الدرجة؟ وهل الأمر يقتصر على اتحاد كرة القدم فقط أم أن للأمر أبعادًا أُخرى؟
من أين أتت الأزمة؟
دعني أخبرك عزيزي القارئ بتفاصيل حقوق صور محمد صلاح. الأمر ينقسم لشقين، خارج وداخل إنجلترا. فداخل إنجلترا تكون حقوق صور محمد صلاح من اختصاص شركة إنجليزية المسؤول الأول عنها هو محمد صلاح ذاته. أما خارج إنجلترا، فحقوق الصور تكون خاضعة لشركة «MS Commercial LTD» والمسؤول عنها هو وكيله الكولومبي ذو الأصول اللبنانية «رامي عباس». هذه الشركة مسؤولة عن تحقيق أكبر ربح مادي ممكن لنجم ليفربول الأول من خلال صوره والحملات الدعائية التي يشارك بها وغيرها من الأمور التسويقية.
أصبح من المفهوم الآن أن على من يرغب الاستفادة من حقوق صورة صلاح أن يعقد اتفاقًا مع شركة «MS Commercial LTD»، لكن ما حدث أن وكالة Presentation للتسويق الرياضي والراعي الرسمي للاتحاد المصري لكرة القدم قد استخدمت صورة صلاح في حملة دعائية لشركة WE للاتصالات كأحد الرعاة للمنتخب المصري، ليس فقط بتخصيص مساحة كبيرة لصورة صلاح في طائرة المنتخب المصري التي أزيح عنها الستار في حفل كبير نظمته Presentation يوم 20 مارس/آذار من العام الحالي، بل وفي العديد من اللوحات الإعلانية في أشهر شوارع مصر.
الأمر لم يمثل انتهاكًا لحقوق ملكية صورة صلاح فقط، بل وتعارض مع إعلانات شركة فودافون التي قد وقعت عقد رعاية بقيمة 4 ملايين دولار مع أفضل لاعب في البريميرليج هذا الموسم منذ أشهر قليلة بشرط جزائي لم يفصح عنه اللاعب أو الشركة، ولكن بعض التقديرات الصحفية قد توقعت بأن يكون بقيمة ضخمة.
هل كان Presentation والاتحاد المصري لكرة القدم يعلمان أن ذلك يمثل انتهاكًا لحقوق محمد صلاح؟ولماذا اختاروا شركة WE للاتصالات تحديدًا لتستفيد من صورة محمد صلاح دونًا عن غيرها من رعاة المنتخب المصري؟ دعنا نستقصي الأمر من بدايته.
ضربة البداية
في ديسمبر/كانون الأول من عام 2017 استقبل محمد صلاح مكالمة هاتفية من هاني أبوريدة رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم يطلب منه فيها التنازل عن حقوق صورته خارج المملكة المتحدة لرعاة المنتخب المصري لكرة القدم وفقًا لخطاب رامي عباس للاتحاد المصري لكرة القدم يوم 20 مارس/آذار من العام الحالي.
طلب صلاح من أبوريدة التواصل مع رامي عباس ممثلًا لشركة «MS Commercial LTD» والمالكة الحصرية لحقوق صوره خارج المملكة المتحدة. لكن طلب أبوريدة قد قوبل بالرفض من الشركة نظرًا لعدم مهنيته وتعارضه مع عقد صلاح مع فودافون، فخرج أبوريدة من المشهد تمامًا وبدأت المحادثات بين محمد كامل رئيس شركة Presentation من جهة ورامي عباس من جهة أخرى منذ بداية عام 2018.
يبدو أن تلك المحادثات لم تأت بجديد بل فاقمت من سوء الوضع؛ نظرًا لادعاء شركة Presentation بعض الحقوق التي لم يفهمها الوكيل الكولومبي أهمها هي:
1. ادعاؤها بامتلاك حقوق صور لاعبي المنتخب وتسويقها، بل وحماية الرعاة الذين يتعاملون معها.
2. طلب من شركة «MS Commercial LTD» إخبارها بأي عقود رعاية يتم توقيعها مع صلاح.
استمرت الأمور على ما هي عليه لمدة شهرين تقريبًا، حتى النصف الأخير من شهر مارس/آذار والذي اشتعلت فيه الأزمة خاصة بعد ظهور شركة WE للاتصالات كمستفيد وحيد من صورة صلاح على طائرة المنتخب المصري من ضمن العديد من الرعاة للمنتخب مثل شركة Lactel وشركة النيل للطيران وشركة Shell وبنك SAIB، فلماذا تلك الشركة تحديدًا؟ ولماذا زادت حدة اللهجة بعد ظهورها في المشهد وفقًا لتأكيدات رامي عباس في أحد خطاباته لاتحاد كرة القدم؟ لدرجة أنه قال في أحدها، إنه لم يعد يعلم من يخاطب شركة Presentation أم شركة WE ولكن هذا لا يهمه، ما يهمه هو حقوق لاعبه في المقام الأول.
أرسل عباس عدة خطابات للاتحاد المصري يعترض فيها على وضع صورة صلاح على الطائرة واستغلال صورته في فيديو دعائي للشركة قد تم تصويره في معسكر المنتخب في سويسرا. فكان رد شركة Presentation مفاجئًا حين قالت إن من حقها الاستفادة من صور أي من لاعبي المنتخب بشرط الاتفاق معه وتواجده بجانب زملائه بنفس الحجم وتعويضه ماليًا. شروط لم تنفذ Presentation أو بالأحرى شركة WE أيًا منها، بل والأغرب أنها شروط وفقًا للوائح غير موجودة بالأساس في قوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم.
جزء من خطاب رامي عباس لاتحاد كرة القدم المصري يوم 2 أبريل/نيسان.
زادت حدة الخطابات المرسلة بين الطرفين دون جدوى، ولكن ثمة شيئًا هامًا يجب أن ننتبه إليه في خطاب رامي عباس لاتحاد الكرة المصري يوم 2 أبريل/نيسان يقول فيه إن خطاب اتحاد الكرة السابق لتلك الرسالة حمل ضمنيًا كلامًا مفاده: «أن اللاعب عليه المجيئ عند استدعائه للمنتخب لأن مخالفة ذلك هو مخالفة للوائح الفيفا». رسالة تحمل تهديدًا ضمنيًا للاعب بأن عليه الحضور وقبول استغلال صورته أو التخلف وإمكانية شكواه للفيفا. تحول ملحوظ في نبرة الحوار!
استمر الوضع على ماهو عليه حتى قرر صلاح ووكيله لعب المباراة على ملعب السوشيال ميديا. تغريدة تلو الأخرى من اللاعب ووكيله تقول إنهما يتعرضان لتجاهل ومعاملة غير لائقة من الاتحاد المصري حتى صار الإعلام المصري لا حديث له إلا قضية صلاح وتفاصيلها. يبدو أن التفكير كان سليمًا من صلاح ووكيله لأن الأمر نجح بالفعل.
موقف الإعلام المصري
انقسم الاعلاميون المصريون في هذه الأزمة إلى نوعين، أولهما، يدعي جهل مسؤولي الاتحاد المصري لكرة القدم باللوائح والقوانين؛ نظرًا لأن مصر تمر بحالة هي الأولى من نوعها من تألق أحد لاعبيها بهذا الشكل الملحمي. أهم هؤلاء الإعلاميين هم عمرو أديب وإبراهيم فايق على قناة dmc شديدة الصلة بالمؤسسة العسكرية في مصر.
ولكن هذا الادعاء أثبت بطلانه بما لا يدع مجالًا للشك بعد ظهور مراسلات رامي عباس والاتحاد المصري لكرة القدم والتي يقول فيها إن هاني أبو ريدة قد قام بالاتصال بمحمد صلاح قبل بداية الأزمة وطلب منه التنازل عن حقوق بيع صوره للاتحاد المصري لكرة القدم بشكل استثنائي. أبوريدة هو واحد من أهم أعضاء اللجنة التنفيذية بالاتحاد الدولي لكرة القدم، وعضو اللجنة التنفيذية بالاتحاد الإفريقي لكرة القدم. بالتأكيد لن تفوته تفصيلة بتلك الأهمية للاعب هو الأبرز في تاريخ مصر. المعطيات تقول إن أبوريدة كان يعلم من البداية أن حقوق صور صلاح ليست من حق الاتحاد المصري لكرة القدم.
أما النوع الثاني، من الإعلاميين كان يقوده الإعلامي أحمد شوبير، وهو الاتجاه الذي تغنى بمدى وطنية صلاح وعشقه لبلده وأنه سيتنازل بالتأكيد من أجل بلده، محاولًا إظهار الخلاف على أنه بسبب سوء طريقة الحوار من جانب وكيل الأعمال رامي عباس. لكن صلاح لم يدع لذلك الاتجاه سبيلًا حين قام بنشر صورته مع وكيله وكتب عليها «Full Support» بالإضافة إلى أن المراسلات التي خرجت للإعلام أظهرت احترافية كاملة من جانب الوكيل الكولومبي في ردوده.
شوبير قد تراجع نسبيًا عن تصريحاته موضحًا أن الجلوس والتفاوض قد كان الحل الأمثل، وأن صورة صلاح على الطائرة وعلى الإعلانات في الشوارع كانت خطأ يجب التراجع عنه، مؤكدًا في الوقت ذاته أن موجة الضغط على السوشيال ميديا كانت عالية للغاية وجعلت العديد من مسؤولي الاتحاد المصري لكرة القدم يتراجعون.
انفراجة الأزمة
بعد ست ساعات فقط من تغريدة صلاح المثيرة للجدل خرج علينا وزير الرياضة المصري خالد عبدالعزيز معلنًا انتهاء الأزمة وتلبية كافة طلبات صلاح وممثله رامي عباس. طلّ علينا بعد ذلك صلاح بساعة واحدة بتغريدة يقول فيها إنه أخذ وعدًا بحل الأزمة بشكل نهائي ويشكر فيها جمهوره على دعمه الذي فاق توقعاته.
انتهت تلك الأزمة ولكنها فتحت الباب للعديد من التكهنات عن مستقبل صلاح مع الدولة المصرية. لا يخفى على الجميع أن صلاح آثر عدم الصدام مع الدولة المصرية في العديد من المواقف حتى الآن ومحاولته أن يمسك العصا من المنتصف. فلم يعترض على مفاجأة إيهاب لهيطة مدير المنتخب المصري له في معسكر المنتخب قبل السفر إلى الجابون حين طلب منه أن يجهز نفسه لمقابلة رئيس الجمهورية، فذهب وتبرع بخمسة ملايين جنيه مصري لصالح صندوق تحيا مصر، لكنه في الوقت ذاته لم يعلق على الأمر ولم يهتم بنشر صورته مع عبدالفتاح السيسي على صفحته الشخصية.
لم يتخذ صلاح موقفًا حاسمًا من دعم أبوتريكة كغيره من اللاعبين في ظل أزمته الشديدة مع الحكومة المصرية بالرغم من العلاقة الوطيدة بين اللاعبين والتي لا تخفى على أحد. لكن يبقى السؤال قائمًا، هل يستطيع صلاح الحفاظ على حالة اللاسلم واللاحرب هذه مع الدولة المصرية طويلًا؟ وهل إن أراد صلاح ذلك ستسمح له الحكومة المصرية بذلك؟ أم أنه سيكون مضطرًا لأخذ مواقف أكثر انحيازًا مستقبلًا؟