سيف زاهر: أن تحصد كل شيء دون أن تقدم أي شيء
كان هذا جزءًا من حوار الإعلامي سيف زاهر مع هادي خشبة منذ أيام. استوقفني كثيرًا هذ الجزء من الحوار، تحديدًا إجابة سيف زاهر على سؤال لاعب النادي الأهلي السابق.
كيف هداه تفكيره إلى هذه الإجابة؟ لماذا أرجع الإصابة بالعضلة الضامة إلى الجري من العمق؟ هل الجري من على الأطراف يختلف عن الجري من العمق؟ وإذا كان الجري من العمق هو سبب إصابة اللاعبين في العضلة الضامة، فلماذا لاعبو وادي دجلة على وجه الخصوص دونًا عن باقي لاعبي الدوري المصري الذين يجرون بالتأكيد في عمق الملعب؟
الإجابة عشوائية بكل تأكيد، تمامًا مثل الإعلام الرياضي في مصر. ولأني أعلم تمامًا أنك قرأت مصطلح «عشوائية الوسط الرياضي في مصر» كثيرًا من قبل، فلن أسير معك في هذا المسار الذي قد مللت القراءة فيه في أغلب الظن. سنكتفي بالمحاولة سويًا للوصول إلى معرفة ما الذي دفع سيف زاهر إلى هذه الإجابة الغريبة للغاية!
تميز حتى أراك
في أعقاب كارثة بورسعيد ماتت الكرة المصرية إكلينيكيًا. أصبح الجمهور الكروي في مصر أكثر اطلاعًا على الدوريات الأوروبية. توجه الجمهور للصحافة العالمية لمعرفة أخبار اللاعبين، ومواقع الإحصائيات لتحليل أدائهم. أصبح الشباب المصري أكثر وعيًا بالكرة من إستوديوهات مودرن سبورت التي تربوا عليها.
أدرك الإعلاميون الرياضيون في مصر أنهم صاروا في مأزق حقيقي الآن. هم يدركون حقيقة الأمر، لكنهم لن يصرحوا به. فصار كل منهم يبحث عن مساحة تميزه والتي ستضمن له بقاءه.
فتجد مدحت شلبي يعتمد في التسويق لنفسه بتألقه في مساحة التعليق بلزماته وخفة دمه. مدحت شلبي وإن اختلفت معه كما هو متوقع، لكنه يبقى كما قال لي أحد الأصدقاء من قبل: «راجل قعدته حلوة». وتجد شوبير يستغل علاقاته الكبيرة بالوسط الرياضي في انفراداته التي تفوق بها على الجميع.
على الجهة الأخرى، تجد خالد الغندور يستغل انتماء شريحة عريضة من الشباب لناديهم الأبيض ليلعب على هذا الوتر، وتر الدفاع عن الكيان.
إسلام الشاطر هو الآخر سيلعب على الوتر ذاته، حتى وإن كان بدأ مشواره الإعلامي بالدفاع عن رئيس النادي الأبيض مرتضى منصور بعد حادثة الدفاع الجوي، ثم فتح الهواء له لمدة ساعات كأي إعلامي يستغله المستشار المصري للغرض ذاته. فلا ضرر الآن أن يذهب الشاطر لقناة النادي المنافس للعب الدور ذاته والدفاع عن كيان النادي الأهلي طالما أنه سيضمن مساحة تواجده على الساحة.
هم سيتحدثون عن كل شيء حول كرة القدم، إلا كرة القدم ذاتها. حتى وإن حاول جيل جديد من الإعلاميين الشباب سحب البساط منهم لأجل كرة القدم، سيمنعونهم. ولكن ما علاقة سيف زاهر بكل ذلك؟
الإجابة هي أن سيف زاهر قد فشل في حجز أي مساحة من تلك المساحات. هو بالطبع كزملائه لن يتحدث في صلب كرة القدم؛ لأنه لن يستطيع، لكنه أيضًا لا يملك خفة الدم والقبول، أو المصادر القوية داخل الأندية. يتجنب صراعات القطبين ويتغاضى دائمًا عن أخذ موقف محدد، وحين قرر أخذ هذا الموقف يومًا ما قال للجمهور المصري خلال كأس الأمم الأفريقية: «إحنا مش شايفينكم، ولا شايفين انتقاداتكم».
الشاهد في الأمر أن سيف زاهر كرفاقه في الإعلام المصري لا يستطيع التحدث عن كرة القدم بشكلها المجرد، ولم يستطع أيضًا أن يجد له أي مساحة في «حواشي كرة القدم» إن صح التعبير.
لماذا التأخير دائمًا؟
لعل الانطباع الأسرع الذي ستأخذه عن سيف زاهر بمشاهدته هو وجود تأخير نسبي في فهم ضيوفه في أحيان كثيرة. مقطع شهير انتشر له بعد مونديال روسيا 2018 في حلقة كان ضيفاه فيها محمد فضل وسيد معوض.
حاول محمد فضل أن يحكي عن ظهير نادي غزل المحلة الشهير محسن هنداوي، وكيف كان بمثابة العقدة لسيد معوض بالرغم من تألق معوض في بطولات كأس الأمم الأفريقية عام 2008 وكأس القارات 2009، بطولات لم يترك فيها سيد معوض المصحف من يده وفقًا لتصريح محمد فضل.
هل ترى؟ الأمر بسيط ووصفه فضل بالبساطة ذاتها، لكن سيف زاهر كان له رأي آخر. ما علاقة كأس الأمم في 2008 بكأس القارات 2009؟ وما العلاقة بين المصحف وكأس الأمم الأفريقية؟ أسئلة غريبة تطلبت من الضيوف توضيحًا خاصًا للمقدم وجعلت موقفًا صغيرًا كهذا يتطلب شرحًا تجاوزت مدته الدقيقتين.
الأمر ذاته تكرر في لقاء الإعلامي المصري مع بطلة التايكوندو هداية ملاك منذ أيام، تكبدت البطلة المصرية عناءً شديدًا في شرح أمور في غاية البساطة والفروق بين شركة روابط ووزارة الشباب والرياضة وطبيعة المدرب الصربي الذي تتدرب معه.
يجبرك سيف زاهر في أحيان كثيرة أن تغالط المنطق وتحدثه وأنت أمام التلفاز لتقسم له أن الأمر سهل ولا يحتاج هذا الكم من التأخر وسوء الفهم.
صديق ميدو وحازم إمام
بدأت دورة حياة أغلب الإعلاميين الرياضيين في مصر من الملعب، لكن سيف زاهر كانت بدايته مختلفة عن الجميع. لن نتحدث عن ظهوره المفاجئ في الإعلام في وقت بزغ فيه نجم عمه سمير زاهر رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم، هذا الموضوع قُتل بحثًا.
سنتناول الأمر من زاوية أخرى وهي بزوغ نجم سيف زاهر في الإعلام لأنه صديق ميدو وحازم إمام، فقط! يُسأل حازم إمام عن المذيع الذي يفضل أن يشاركه الإستوديوهات التحليلية بعد عودته من قنوات beIN Sports فيجيب بدون تردد: «في مصر أحب سيف زاهر وميدو، القعدة بتكون لذيذة».
ما قاله حازم إمام هو التوصيف التدقيق لدور سيف زاهر في الإستوديوهات التحليلية التي تجمع النجمين أو أحدهما، يجعل الإستوديو «لذيذًا». لا يفوّت سيف أي إستوديو دون أن يسأل ضيفه والذي يكون عادة حازم إمام أو ميدو ومؤخرًا صار محمود فتح الله: «منين البدلة دي؟ بكام؟ من فلوس فيلا الساحل؟» أما باقي الحلقة فتكون نقل الميكروفون من ضيف لآخر دون إضافة أي شيء له علاقة بكرة القدم.
هل تشاهد حلقات الفانتازي التي يقدمها الثلاثي بالتعاون مع موقع يلا كورة؟ تكرار للسيناريو ذاته. ميدو وحازم إمام يعرض كل منهما تشكيلة الفانتازي الخاصة به كل أسبوع مع شرح لأسباب اختياراتهم للاعبين وبعض التفاصيل الفنية للمتابعين؛ أما سيف زاهر فيقتصر دوره على بعض المشاركات الصغيرة مثل: «حازم راح روّق دماغه في الساحل وجاي فايق» أو «ميدو ربنا هيكرمه جامد عشان صلى معايا الجمعة» أو «ميدو جاي النهاردة باللامبورجيني عشان ينتقم».
إن كنت ترى بعض المبالغة في هذا التوصيف وأن الأمر لا يمكن أن يكون بهذه السطحية في دوري بحجم الدوري الإنجليزي الممتاز، أدعوك لمشاهدة حلقات نجوم الفانتازي على اليوتيوب.
مفيد فوزي الجديد
واحدة من أهم فوائد السوشيال ميديا في السنوات العشر الأخيرة هي زيادة الوعي لدى المتابعين وتطور قدرتهم على المتابعة والتحليل. قديمًا كانت تُقدم عشرات البرامج التي يراها عدد محدود من الجمهور، كانت الهفوات يشاهدها عدد أقل والتحليل والربط بما قاله الإعلامي من قبل يمارسه عدد أقل وأقل.
أما الآن زاد عدد المتابعين، وزادت قدرتهم على التحليل وتضاعفت معدلات اطلاعهم على المحتوى الغربي، مما جعلهم يدركون بسهولة المحتوى الجيد من المحتوى الفارغ.
ولعل هذا السبب الذي يجعلهم ينفرون الآن من لقاءات مفيد فوزي مع نجوم الزمن الجميل حين يُعاد نشرها على صفحات السوشيال ميديا هذه الأيام. هم يشعرون بالغرابة حين يرون أن هذا الأسلوب هو الذي احتل صدارة المشهد في الإعلام المصري لسنوات طويلة!
ربما لو جاء سيف زاهر منذ عشرين عامًا أو أكثر لكان مفيد فوزي جديدًا. فبالرغم من الفارق الهائل بينهما في الإيقاع إلا أنهما يتفقا في ضعف الأداء وعدم مواكبته لثقافة ضيوفهم.
في عصرنا الحالي إما أن تطور من نفسك كإعلامي وإما أن تنجح في إيجاد مساحة لك في «حواشي كرة القدم» كزملائك. أما الفشل في المسارين فلن يجدي نفعًا في زمن انعدمت فيه ظاهرة مفيد فوزي!