سيف الفرات: المحطة التركية القادمة في سوريا لدحر الأكراد
بدأ الجميع يبحث الآن اقتسام غنائم الحرب في سوريا والعراق، فمع سقوط تنظيم الدولة في الموصل، تجهزت الولايات المتحدة ووكلاؤها على الجانب الآخر في سوريا معركة تحرير الرقة السورية عاصمة التنظيم، وذلك من أجل تقسيم وتثبيت مناطق النفوذ والاستعداد لسيناريوهات التقسيم، وبين هذا وذاك تقف تركيا متحفزة بقواتها ووكلائها لمنع إقامة دولة كردية على حدودها، فكما أطلقت من قبل عملية «درع الفرات» لتطهير الشريط الحدودي مع سوريا من الأكراد، تستعد الآن لدخول مدينة عفرين وبعض المناطق الكردية المجاورة لإيقاف ما يتم الإعداد له الآن.
لماذا تريد تركيا عفرين الآن
توصيف للحدود السورية التركية
أعلنت تركيا في نهاية مارس/آذار 2017 انتهاء عملية «درع الفرات» والتي بدأتها في أغسطس/آب 2016، لتطهير المنطقة الحدودية مع سوريا من «جميع الإرهابيين» وطردهم نحو عمق سوريا، ولكن تركيا هدفت من هذه العملية بالأساس إلى طرد الأكراد بجانب مسلحي داعش، فقد سيطرت على مدينة جرابلس وريفها، ثم انتزعت المناطق الواقعة بين مدينتي أعزاز والراعي، وكذلك دابق والباب.
بالإضافة إلى ذلك أرادت تركيا من عملية «درع الفرات» دعم سيطرة فصائل المعارضة التابعة لها وخاصة «الجيش السوري الحر»، والذي يتولى إلى جانب فصائل أخرى إدارة المناطق التي سيطرت عليها تركيا، كما استهدفت أنقرة أيضا دعم موقف المعارضة التفاوضي في المحافل الدولية إلى جانب الترويج لإقامة منطقة آمنة على حدودها لتسهم في الحد من تدفق اللاجئين، وهو ما لاقى رفضًا واسعًا من روسيا.
عندما بدأت تركيا «درع الفرات» أرادت إخلاء شمال سوريا بالكامل من أي تنظيمات كردية مسلحة وكادت تحقق ذلك بالوصول إلى عمق الأكراد في عفرين ومنبج، لكن أوقف التدخل الأمريكي والروسي كذلك العملية عند مدينة الباب، ولم يسمح لها بأبعد من ذلك، وكانت العملية بالتفاهم مع موسكو بعد استجابة أنقرة لإخلاء المعارضة من أجزاء واسعة بحلب، وكذلك حاولت واشنطن استيعاب الغضب التركي عن طريق السماح له بتطهير بعد المناطق الحدودية من الأكراد.
أما الآن فهناك إصرار تركي على دخول عفرين، وخاصة بعد موافقة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تسليح الأكراد ودعمهم، للمشاركة في تحرير الرقة، وتتخوف أنقرة من استغلال الوحدات الكردية الدعم الأميركي لها وخاصة من قبل «قوات سوريا الديمقراطية» و«وحدات حماية الشعب» والعمل على تثبيت دولة كردية في سوريا يتم الاعتراف به بعد الانتهاء من داعش.
ولمنع ذلك هددت تركيا بدخول عفرين وشن عملية جديدة تحت مسمى «سيف الفرات»، وحشدت قواتها في مدن أعزاز والباب إلى جانب التعاون مع فصائل المعارضة لمواجهة الميليشيات الكردية، وهدد الرئيس طيب أردوغان أكثر من مرة بدخول عفرين، ووجه ذلك في رسالة إلى المجتمع الدولي، ففي كلمة له خلال قمة العشرين بألمانيا قال إن منطقة عفرين تشكل تهديدًا على أمن تركيا، وتعهد بمواجهة التنظيمات الإرهابية هناك ويقصد بالتأكيد التنظيمات الكردية المسلحة.
روسيا تنضم لتركيا
سعت روسيا إلى التفاهم مع التنظيمات الكردية في عفرين لإخراجهم منها وتسليمها إلى النظام السوري، لكي لا يتعرضوا إلى هجوم من قبل تركيا، ويبدو أن ذلك تم بطلب من أنقرة بالتفاهم مع روسيا، والتي لها مصلحة في ذلك وخاصة بعد الدعم الأمريكي المتزايد وبأسلحة متقدمة للتنظيمات الكردية مما سيشكل معضلة وتهديدا كبيرين للنظام السوري وخاصة بعد الانتهاء من داعش في الرقة.
وتدرك روسيا أيضًا خطورة وجود تنظيمات كردية تابعة لواشنطن في عمق محافظة حلب تمثل تهديدًا للنظام، فكما اتفقت مع أنقرة على خروج المعارضة من شرق حلب إلى الريف الغربي للمدينة أو إلى إدلب، تريد أيضًا طرد المنظمات الكردية من هناك، ومع رفض التنظيمات الكردية الخروج يبدو أن هناك تعاونا روسيا تركيا لحسم هذه المسألة.
ومع رفض الفصائل الكردية تسليم مناطقهم للنظام، أثيرت معلومات حول تقديم روسيا اقتراحات أخرى أوائل الشهر الجاري حول عفرين وريف حلب، تقضي بخروج مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية «بي واي دي» وقوات سوريا الديمقراطية من البلدات الواقعة قرب مدينة مارع ومنطقة دير جمال، مع إنشاء قواعد عسكرية تركية في عفرين، وتسليم إدارتها لمجالس مدنية بعد إخراج المقاتلين إلى خارج المدينة، مع نشر شرطة عسكرية روسية أو شرطة مدنية تابعة للنظام.
ورفض الأكراد أيضًا هذا المقترح، وبالتالي أعطت روسيا الضوء الأخضر لتركيا للتوجه نحو عفرين، فالآن يوجد تقارب روسي تركي في سوريا في ظل اختلاف كليهما مع واشنطن والتي رفضت مشاركتهما في عملية تحرير الرقة واستعانت بالتنظيمات الكردية، وهو ما سيسمح بتوسيع مناطق سيطرتهم، وسيهدد النظام السوري ذاته، وقد يُفشل الخطط الروسية وما حققته حتى الآن في سوريا.
هل تتخلى أمريكا عن أكراد عفرين؟
بخلاف الدعم الأمريكي المستمر للتنظيمات الكردية،تخلت هذه المرة عنهم في عفرين، فهي من ناحية تحاول امتصاص غضب تركيا التي اعترضت على تسليح الأكراد إلى جانب رفض مشاركتها في تحرير الرقة، ومن ناحية أخرى تريد الولايات المتحدة استغلال الوحدات الكردية التي سيتم طردها في عمليات طرد داعش من الرقة والبادية السورية.
وكانت القوات الأمريكية قد استهدفت بشكل مباشر أكثر من مرة قوات تابعة للنظام السوري أرادت التقدم ناحية المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الكردية، فمثلًا أسقط الطيران الأمريكي في 19 يونيو/حزيران الماضي طائرة حربية سورية استهدفت «قوات سوريا الديمقراطية» في مدينة الطبقة.
وردًا على ذلك أوقفت روسيا العمل بمذكرة التفاهم الموقعة مع الولايات المتحدة بشأن تجنب وقوع حوادث جوية فوق سوريا، وحذرت أيضًا بأن الدفاعات الروسية ستتعامل مع أي جسم طائر غربي نهر الفرات بمثابة هدف مشروع، وكانت واشنطن مدركة لتبعات هذه الخطوة في علاقاتها مع روسيا، لكنها لم تكن لتسمح بتهديد خططها في معركة الرقة من قبل النظام السوري، أما بالنسبة لعفرين فلا توجد مصالح حقيقة لها وبالتالي ليس هناك داع لتوتير علاقتها أكثر مع تركيا حتى لا تنحرف بشكل كامل تجاه التحالف مع روسيا.
كذلك تقع عفرين في منطقة النفوذ الروسي، وذلك وفقًا لاتفاق بين واشنطن وموسكو بأن شرق نهر الفرات للأميركيين وغرب نهر الفرات للروس، وهذا يفسر عدم تدخل الولايات المتحدة في قضية عفرين، لكنها قد تؤثر على عملية تحرير الرقة التي تقودها واشنطن، فالمقاتلون الأكراد قد ينسحبون من المعركة ويتوجهون إلى عفرين للدفاع عن أهلهم وأرضهم، ولهذا قد تعمل الولايات المتحدة على تهدئة الأمور هناك حتى تفرغ من تحرير الرقة.
ويمكن القول إن عمليات تقسيم ورسم النفوذ بدأت بشكل واضح، مع بداية اندحار داعش وخسارته أكثر من 70 % من مناطق سيطرته بالعراق، وفقدانه حوالي 50% من مناطقه بسوريا، فالتنافس القائم الآن على من سيحل محل التنظيم في المناطق المحررة، وتركيا إحدى هذه الدول؛ فمنطقة شمال سوريا بمثابة أمن قومي لها ولن تقبل بنشوء دولة كردية على حدودها أو وجود تنظيمات مسلحة قوية تمثل امتدادًا للجماعات الكردية داخلها.