سعيد زغلول: البطل المنسي لثورة 1919
هو واحدٌ من أبطال ثورة 1919، التي انفرد بأضوائها كلها خاله الزعيم الرئيس للثورة المصرية سعد زغلول، تربّى صغيرًا في كنف سعد، وعاش في خدمته كما لو كان ابنه الذي لم يُنجبه وتنبّأ له كثيرون بمستقبل زاهر في القضاء وفي السياسة لكن المنية وافته مبكرًا، إنه سعيد زغلول.
سعيد في معية سعد
بحسب كتاب «آثار الزعيم سعد زغلول» لمحمد الحريري، فإن سعدًا كان له 6 إخوة ذكور، هم: عبدالرحمن ومحمد، وأحمد وشلبي، وفتحي والشناوي، أما من الإناث فكان له: ستّهم، ورتيبة، وشقيقة أخرى حملت اسم سِتّهم أيضًا أنجبت ابنًا اسمه سعيد.
تُوفي والد سعيد مبكرًا تاركًا سعيدًا وشقيقته يتيمين فتبنّاهما سعد وترعرعا في منزله منذ الطفولة حتى رحيله عن الدنيا.
في كتابه «من واحد لعشرة» قدّم مصطفى أمين وصفًا دقيقًا لسعيد زغلول، قائلًا «طويل القامة، عريض المنكبين، جميل الصورة، له عينان جميلتان، وكان الذين يعرفون سعد زغلول في شبابه يقولون إن سعيدًا كان في تلك السنوات صورة طبق الأصل من خاله».
تشي مذكرات سعد بعدة تفاصيل عن حياة سعيد معهم واعتبار الزعيم لابن أخته واحدًا من أهل داره، في يناير 1902 ترك سعد بيته في منطقة «الضاهر» وعاش لفترة في منزل نسيبه مصطفى باشا فهمي ريثما تنتهي تجهيزات البيت الجديد.
حكى سعد أنه خصّص غرفة لنوم سعيد في منزل حميه حتى انتقل إلى منزله الجديد كاشفًا عن استمتاعه بأول وجبة أكلها في بيته الجديد بصحبة زوجته صفية وسعيد ورتيبة (وصفها في النص بأنها ابنة أخته).
وهكذا نشأ سعيد في معيّة خاله سعد باشا حتى تخرج في مدرسة الحقوق، فعُيّن مساعدًا للنيابة ثم التحق بالديوان السُلطاني في عهد السُلطان حسين كامل.
وبحسب كتاب «الملكة نازلي: غرام وانتقام» للصحفي رشاد كامل، أن سعيدًا قدّم استقالته من منصبه في القصر فور تولّي فؤاد العرش، قائلًا «إني قبلت بهذه الوظيفة بناءً على أمرك بعد إلحاح السُلطان حسين الذي كان يعاملني كاِبنه ولهذا تحملت، ولكني لا أقبل أن أعمل خادمًا لسُلطان أكرهه»!
عاد سعيد إلى النيابة مُجددًا وعمل فيها حتى عُيّن قاضيًا في محكمة الزقازيق، وهو المنصب الذي كان يشغله خلال اندلاع ثورة 1919.
مع الملكة نازلي
وفقًا لكتاب «الملكة نازلي: بين سجن الحريم وكرسي العرش»، فلقد أحبّت الملكة نازلي (زوجة الملك فؤاد) سعيدًا خلال ترددها المستمر على بيت الأمة بحُكم الصداقة المتينة التي جمعت بين أمها وبين صفية زغلول.
وبحسب ما رواه الصحفي مصطفى أمين في كتابه «من واحد لعشرة: «كان سعيد الصغير قد أحب الفتاة الصغيرة نازلي وملأت قلبه وفكره وحواسه».
وأضاف أمين: «كانت صفية ترسل باستمرار العربية الحنطور إلى بيت نازلي في الجيزة فتحضرها وتمضي اليوم كله مع رتيبة وسعيد ووهيبة ابنة شقيقة صفية، وهكذا بدأ بين الولد الصغير والبنت الصغيرة تفاهُم وصداقة تطوّرت مع الأيام إلى حب».
ووفقًا لرواية أمين فلقد تقدّم سعيد رسميًا للزواج من نازلي لكن الملك كان قد طلبها للزواج في الوقت نفسه، وبالطبع كان مستحيلًا رفض عرض الملك فحُرم سعيد من محبوبته وعاش من دون زواج حتى مات.
حلقة الوصل السرية
بعد نفي سعد زغلول لعب سعيد دور حلقة الوصل السرية بين سعد وباقي قيادات الوفد وتحديدًا عبدالرحمن فهمي وأحمد ماهر زعيمي التنظيم السري الذي كان يدير الثورة وينظّم المظاهرات ويدبّر الاغتيالات طيلة غياب سعد عن مصر.
كشف مصطفى أمين في مؤلَّفه «الكتاب الممنوع»، أن تعليمات سعد زغلول كانت تصل مشفّرة إلى سعيد زغلول حينما كان يعمل قاضيًا في محكمة الزقازيق، في مكتبه كان يفك شفرتها ثم نقلها بخطه إلى عبدالرحمن فهمي ثم إلى أحمد ماهر.
ولم تكن جميع الرسائل المتبادلة بين سعد وابن شقيقته تركز على «النضال الثوري» وحسب، وإنما تضمّنت في كثيرٍ من الأحيان تفاصيل إنسانية ثرية مثل التي وردت في رسالة بعثها سعد من جبل طارق في 22 سبتمبر 1922 قائلًا «عزيزي سعيد، أرجو أن تلتفت بدقة لأعمال الزراعة.. قبّل وجنات شقيقتك وأنجالها، أما قرينها فهو في لندن يخابرني من وقتٍ لآخر ويقول إن صحته تتحسن وإن أعماله سائرة في طريق النجاح».
خلال نفيه في جبل طارق، سَئِم سعد من الوحدة وانعدام الصُحبة فأرسل في زوجته صفية لتُشاركه غربته، وفي أكتوبر 1922 سافر سعيد مع صفية زغلول إلى جبل طارق ليصحبا الزعيم في منفاه.
وفي نهاية ديسمبر 1922 تقرّر أن يقوم سعيد بزيارة سريعة إلى القاهرة، كتب عنها سعد في مذكراته قائلًا «يسافر سعيد غدًا، وقد أوصيته أن يعطي لكل من مصطفى لطفي المنفلوطي وعائلة مصطفى النحاس مبلغ 20 جنيهًا مصريًا، وأن يزور المسجونين السياسيين من إخواننا وأن يبلغهم سلامنا وأسفنا، وأن يمرُّ بعائلاتهم واحدة واحدة».
خلال عودته إلى القاهرة خبّأ سعيد في كعبي حذاءَيه تعليمات سرية عهد سعد بتسليمها إلى قادة الجهاز السري، نجح سعيد في تجاوز أجهزة الأمن البريطانية ووصل بالخطة كاملة إلى قادة الوفد، وللتأكيد على النجاح أرسل برقية متفق عليها مع سعد جاء فيها «وصلنا بالسلامة»!
وفي فبراير 1923 بعث سعد إلى سعيد برسالة جاء فيها «صحتي على ما تركتها من الضعف، خصوصًا الجهاز الهضمي، أما الجو فمتقلب بين البرد الشديد والخفيف… بلّغ سلامي لشقيقتك وقرينها وأنجالها».
في نفس الشهر هاجمت فيه السلطات البريطانية بيت سعد زغلول، الذي تحوّل إلى بؤرة لتجمّع الوطنيين المعارضين للاحتلال، صادرت السُلطات البريطانية جميع الأوراق الموجودة في البيت وكذلك طردت رتيبة زغلول وولديها من البيت، عن هذه الواقعة بعث سعدًا رسالة لابن أخته قال فيها: «أسفت لقفل بيت الأمة، وأرجو ألا يكون قد أزعجكم هذا القفل، وأن تكون شقيقتكم خرجت من المنزل بهدوء وسكون، فسلّم عليها وعلى أنجالها وعلى زوجها، ولله عاقبة الأمور».
وفاة مفاجئة
في 10 يوليو 1923م تُوفّي سعيد بشكلٍ مفاجئ بعد مرض داهمه أيام معدودة، ونعاه الشاعر أحمد شوقي قائلًا «داس الحمام عرين خالك\ وهو مرهوب مهيب.. يا سعد كيف قضى سعيد\ وهو من سعد قريب؟.. يا آل زغلول ذوَى\ من روضكم غصن رطيب».
وعقب وفاة سعد زغلول بأيام، نقلت جريدة «المسرح» تصريحًا عن صفية زغلول، إن سعدًا كان يكره النحيب حتى أنه منعها عنه عند وفاة «ابنهما» سعيد، عندها طالَب بأن يجري معه ما جرى مع ابنه وألا ينتحب عليه أحد عقب وفاته.
بعد 4 سنوات من رحيل سعيد توفّي سعد بعدما أوصى بثلث ثروته إلى رتيبة (أم الصحفيين مصطفى وعلي أمين) وإلى سعيد، الذي حرمته ميتته المبكرة من الزواج أو الإنجاب فعهِد بثروته كلها إلى الأخوين أمين، لاحقًا لعبت هذه الثروة دورًا أساسيًا في تأسيس جريدة أخبار اليوم، وفقًا لما ذكره شريف اللبان في كتابه «أخبار اليوم: مسيرة صحفية في نصف قرن».