دول الملاذ الآمن: توجه جديد يظهر داخل الاتحادات القارية
هذه العبارة مرّت على أذاني في أحد برامج الراديو في يوم افتتاح بطولة أفريقيا للشباب، التي احتضنتها أرض الكنانة، مؤخراً في 2023، والحقيقة أنها أكثر من مجرد جملة قالها أحد المحللين، بل هو اتجاه حقيقي بدأ في الظهور داخل أكثر من اتحاد قاري، والمقصود بها الدول التي تظهر كخيار بديل في حالات الطوارئ بسبب تعذر دولة عن استضافة حدث ما لسبب أو لآخر.
وأتت هذه الجملة تعبيراً عن دور مصر كخيار طوارئ مهم، بخاصة في عام 2019 بعد استضافتها لكأس أمم أفريقيا تحت 23 عام المؤهلة للأولمبياد، التي كان من المفترض أن تُقام في زامبيا، بيد أن تلك الأخيرة اعتذرت عن التنظيم بسبب الظروف الاقتصادية في البلاد. جاء ذلك بعد أشهر قليلة من تنظيم بلاد النيل لكأس أمم أفريقيا للكبار بعد سحب تنظيم البطولة من الكاميرون، أو تأجيلها لمدة عامين بمعنى أدق، بسبب مشاكل في بناء ملاعب البطولة.
وإذا عدنا لما قبل عام 2019 أو بعده، سنجد أن هذه الظاهرة بدأت تنتشر بقوة في مختلف القارات ولمختلف الأسباب، سواء لسحب التنظيم من دولة، أو إعادة منحه إلى أخرى أكثر جاهزية لتنظيم الحدث، وهي ظاهرة قد تُغيِّر من شكل استضافة الأحداث الرياضية مُستقبلاً، بخاصة بعد سحب تنظيم بطولة كأس العالم للشباب من إندونيسيا، ومنحها إلى الأرجنتين.
غينيا الاستوائية أولاً
لم تكن مصر أول الخيارات الآمنة للكاف، ولا حتى غينيا الاستوائية، ولكنها كانت جنوب أفريقيا التي لجأ إليها الكاف لتنظيم كأس أمم أفريقيا 2013 بعد سحب تنظيم البطولة من ليبيا، بسبب الأحداث السياسية التي عصفت بالبلاد حينها، والحقيقة أن جنوب أفريقيا لم تحتج أي مجهود لتنظيم الحدث، فالبنية التحتية كانت موجودة بالفعل، بعد استضافتها لكأس العالم قبلها بثلاث سنوات، وقد نظّمت الحدث على أراضي خمسة ملاعب من أصل العشرة المستضيفة لمونديال 2010.
وعاد الخيار الآمن للظهور مجدداً في أروقة الكاف في عام 2015، بعد اعتذار المغرب عن استضافة نفس البطولة، ولكن بسبب تفشي فيروس «إيبولا» في القارة الأفريقية حينها، ولجأ الكاف هذه المرة إلى غينيا الاستوائية، التي سبق لها استضافة الحدث فقط قبل ثلاث سنوات مناصفةً مع الجابون، ونظمت البلد الأفريقية الوحيدة الناطقة بالإسبانية الدورة وخرجت بالكاف إلى بر الأمان.
وربما يذكر الآن أغلب الجماهير العربية المباراة بين تونس وغينيا الاستوائية، وما حدث من الحكم الموريشي «راجيندرابارساد سيتشورن» من احتساب ركلة جزاء ليست صحيحة في الدقيقة الـ90، أعادت غينيا للمباراة بعد تقدم تونس، ومن ثَمَّ الوصول إلى الوقت الإضافي، الذي خطفت فيه الدولة المضيفة هدفاً ثانياً، أمّن وصولها إلى المربع الذهبي للبطولة.
واعتبر كثيرون حينها ما حدث من الحكم القادم من موريشيوس يحمل محاباة واضحة لأصحاب الأرض من الكاف، الذي أراد أن يردّ لغينيا الاستوائية دين إنقاذ البطولة، ليرسل رسالة مفادها:
قطر استعدت ولكن
بعد النجاح المنقطع النظير الذي حقّقته قطر في استضافة بطولة كأس العالم 2022 قبل أقل من ستة أشهر، رجّحت التقارير أنها ربما تكون ملاذاً آمناً جديداً للفيفا، في ظل المشكلة التي طُرحت مؤخراً، حيث لم ترغب إندونيسيا مُستضيفة كأس العالم للشباب تحت 20 عاماً 2023 في استضافة منتخب الكيان الصهيوني، الذي تأهل من ضمن المنتخبات الأوروبية المُشارِكة في مونديال الشباب، بل وإن هذا الأمر قد تسبّب في تأجيل مراسم قرعة البطولة، قبل أن يتم سحب تنظيم البطولة من إندونيسيا.
وقد فرضت قطر نفسها بقوة خلال السنوات الأخيرة كخيار مهم للفيفا لاستضافة بطولاته، حيث استضافت نسختين من مونديال الأندية عامي 2019 و2020، فضلاً عن استضافتها لبطولة كأس العرب عام 2021، قبل سنة واحدة من استضافتها التاريخية للمونديال.
وقد توقّع البعض -مع تبقي أقل من شهرين على انطلاق البطولة- أن يلجأ الفيفا إلى قطر، بخاصة مع عدم توفر الوقت، فضلاً عن أن قطر بدت في وضع استعداد كامل لاستضافة البطولة من حيث البنية التحتية أو الملاعب. ولكن جاء إعلان الفيفا، في 18 أبريل/نيسان 2023، عن استضافة الأرجنتين لهذا الحدث، ليُنهي كافة هذه الترجيحات والتخمينات.
«إستاد فرنسا»: ملاذ جديد للفيفا
بعد استضافته لنهائي دوري أبطال أوروبا العام الماضي، 2022، بدلاً عن ملعب سانت بطرسبرج الروسية، بسبب الأزمات السياسية مع أوكرانيا، يُفكِّر رئيس الفيفا «جاني إنفانتينو» في شراء ملعب فرنسا «ستاد دو فرانس»، ليكون تابعاً للفيفا خلال الفترة المقبلة، وعلى الرغم من نفي الفيفا لتلك الأنباء، لكن الفكرة تدور بقوة بين أروقته، لامتلاك ملعب يمكنه احتضان أي تظاهرة كبرى حال تعذر المستضيف الأصلي، أو في حالة إقامة مباريات على ملاعب محايدة، مثلما يتم مع أوكرانيا حالياً على سبيل المثال، بسبب حالة الحرب.
ولا تعد القارة الأوروبية محل استثنائات من خيارات الملاذ الآمن، فيكفي أن نهائيات النسخ الثلاثة الأخيرة من دوري الأبطال جميعها تم نقلها سواء بسبب جائحة كورونا، في أعوام 2020 و2021، عندما نُقل النهائي من إسطنبول إلى البرتغال بمدينتيها لشبونة وبورتو على الترتيب، أو خلال الموسم السابق من روسيا إلى فرنسا كما أسلفنا بسبب الحرب الروسية مع أوكرانيا.
مقومات الملاذ الآمن
والآن ستبدأ بسؤال نفسك، كيف إذاً يتم تحديد خيارات الملاذ الآمن. والجواب هو إمّا أن تكون هذه الدولة جاهزة دائماً من حيث المرفقات والبنية التحتية، كما الحال في قطر حالياً في أسيا، وهي التي تستعد لاحتضان كأس أممها بعد اعتذار الصين بسبب جائحة كورونا؛ أو البرتغال في أوروبا؛ أو تكون مدينة ذات تاريخ طويل من استضافة أهم الأحداث مثل باريس، التي لعب على أراضيها نهائي كأس العالم ونهائي دوري الأبطال واليورو، وهي تستعد حالياً أيضاً لاستقبال دورة الألعاب الأولمبية في العام القادم.
وهناك أيضاً أسباب أخرى، مثل أن تكون تلك الوجهة لا تزال تعيش على وقع استضافة حدث كبير مؤخراً، مثل جنوب أفريقيا عام 2013، عندما استضافت بطولة أمم أفريقيا، في أعقاب تنظيمها لمونديال 2010؛ أو البرازيل التي احتضنت كوبا أمريكا عام 2020 بدلاً من الأرجنتين وكولومبيا، بسبب الجائحة، وهي التي نظمت المونديال ثم الأولمبياد أعوام 2014 و2016 على التوالي؛ أو تكون الوجهة على علاقة وطيدة بالجهة التي تُنظِّم الحدث، مثل الحال في مصر التي تحتضن مقر الكاف، ولذلك دائماً تكون وجهة استضافة مثالية في حالات الطوارئ.
وربما يبدأ الفيفا في التفكير في إجراءات أخرى قبل منح استضافة أي حدث لأي دولة، في ما يتعلق بالقضايا والتوجهات السياسية التي تنتهجها الدولة المترشحة، لضمان تجنب أي مشاكل، مثلما حدث مع إندونيسيا حالياً أو ما حدث مع أذربيجان خلال استضافتها لنهائي اليوروباليج عام 2019، والجدل الذي صاحب وجود اللاعب الأرميني «هنريك مخيتاريان» في العاصمة الأذارية، رفقة فريقه أرسنال، إبان الحرب بين الدولتين.
كما غيّرت حالات الطوارئ من خارطة تنظيم المسابقات في الفيفا، التي باتت أكثر انفتاحاً على ملفات التنظيم المشترك لكأس العالم، مثلما سيحدث في عام 2026 بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، فضلاً عن استعدادها لإقامة المونديال الذي يليه عام 2030 بنفس الفكرة، وتظهر خيارات كثيرة بملفات مشتركة، مثل إسبانيا والبرتغال والمغرب من جهة، ومصر والسعودية واليونان من جهة، فضلاً عن أمريكا الجنوبية التي تستعد لدخول هذا السباق بملف رباعي بين الأرجنتين وتشيلي وأوروجواي وباراجواي.
وربما تكون فكرة الملف المشترك هي التوجه الذي سيسير به الفيفا مستقبلاً، لضمان وجود أكثر من وجهة متاحة بالفعل حال تعذرت أي دولة عن استضافة أحداثه لأي سببٍ كان، أمّا في حال رغب في ترشيح الدول لتنظيم بطولاته بملف فردي، فمن المؤكد أنه سيفتح أيضاً الباب أمام دول أخرى، بعثت بملفاتها، لتكون على قائمة الانتظار، أو بالأحرى تظل كملاذ آمن مُحتمل.