رغم تصدره الانتخابات: الصدر لن يعيد العراق إلى حظيرة العرب
انتهت الانتخابات البرلمانية العراقية في الثاني عشر من مايو/ آيار الجاري، محدثةً العديد من الصدمات والتغيرات. وبغض النظر عن الظروف التي أجريت فيها ومدى تنافسيتها، كانت الأنظار تتجه صوب قائمة النصر التي يقودها رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، إلا أنه وفقًا للأرقام المبدئية حل ثانيًا، على الرغم من الترويج الواسع لدوره في هزيمة تنظيم داعش. يمكن القول بأن مصيره كمصير ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني الذي ربح الحرب العالمية الثانية، ولم يفز حزبه في انتخابات ما بعد المعركة.
أرقام متقاربة وتحالفات معقدة
أعلن العبادي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي الانتصار على داعش، منهيًا بذلك فشل سلفه نوري المالكي، ثم جاءت الانتخابات البرلمانية لتضع الخطوط النهائية في حياة داعش، ورسم ملامح عراق ما بعد سقوط تنظيم الدولة، وكيفية إعادة ترتيب أوضاع السنة لمنع نشوء تنظيمات متطرفة، إلى جانب التعامل مع القوات الأجنبية التي ما زالت موجودة بالعراق، سواء الغربية أو الإيرانية بعد انتهاء الحرب على داعش، بخلاف إعادة ترتيب العراق لعلاقاته الخارجية.شهدت الانتخابات مشاركة متدنية، بلغت نسبتها حوالي 44.52%، مقارنة بالانتخابات السابقة التي تخطت الـ 70%، وهي رابع انتخابات منذ سقوط نظام صدام حسين، وذلك لانتخاب البرلمان المكون من 329 مقعدًا، إلا أن هذا الانخفاض له ما يبرره، سواء من حيث إجرائها بشكل إلكتروني لأول مرة، بجانب وجود حركة كبيرة من النازحين والمهجرين، سواء بالداخل أو الخارج، إلى جانب مقاطعة جانب كبير من العراقيين لفساد النخبة الحاكمة.وفقًا للنتائج المبدئية المعلنة حتى الآن ما زال تكتل «سائرون على طريق الإصلاح» بقيادة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، متصدرًا للنتائج بـ 54 مقعدًا، يليه قائمة الفتح بـ 47 مقعدًا، بزعامة هادي العامري قائد ميلشيا بدر ذراع إيران العسكرية بالعراق، بينما حل تحالف النصر بقيادة العبادي ثالثًا بـ42 مقعدًا. لم يغب نوري المالكي عن الساحة فحل رابعًا بقائمته «ائتلاف دولة القانون»، بـ 26 مقعدًا، ثم الحزب الديمقراطي الكردستاني 25 مقعدًا، بينما فازت قائمة الحكمة بقيادة عمار الحكيم بـ 20 مقعدًا، أما ائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي فاقتنص 21 مقعدًا، وما زال الاتحاد الوطني الكردستاني حاضرًا على الساحة السياسية ليفوز بـ 15 مقعدًا، إلى جانب حصص صغيرة لأحزاب وائتلافات أخرى.
لن تغيب إيران عن العراق
شكل فوز مقتدى الصدر بالانتخابات، مصدر أمل للكثيرين لاسيما المناوئين لإيران، وذلك لتبنيه القومية العربية منهجًا للعراق، بعيدًا عن التعصب الإيراني، ففي مايو/ آيار 2016 قاد تظاهرات بالعاصمة بغداد احتجاجًا على فساد الحكومة، تخللتها شعارات مناوئة لإيران مثل «إيران بره بره بغداد تبقى حرة».
سرّت وقتها هذه الشعارات الكثير من دول الإقليم، لكن هرول الصدر سريعًا إلى إيران بعد استدعائه مقدمًا الاعتذار، وعاد أدراجه لينهي التظاهرات بأمر إيراني وليس من حكومة بلاده، فهو من تعلم على أراضيها ومكث بها ولا يمكنه الفكاك عنها إلى جانب أنه لن يتمكن من البقاء في الداخل إذا لم يتوافق مع وكلاء إيران.أما بالنسبة للعبادي الذي حل ثانيًا، فكان يعول عليه أن يأخذ العراق بعيدًا عن خط المالكي الذي جعل بلاده محافظة إيرانية، لكن العبادي هو من أدخل ميلشيات إيران إلى بلاده تحت ستار الحرب على داعش، ومارست انتهاكات طائفية بحق السنة في المناطق التي خضعت لداعش. ولم يكتف العبادي بهذا ليدخل في تحالف استخباراتي رباعي مع روسيا وإيران وسوريا بشأن الحرب على داعش للتنسيق مع طهران ومنحها ستارًا قانونيًا للتدخل في بلاده، وإلى جانب ذلك قنن ميلشيات الحشد الشعبي رسميًا، ليصدر في مارس/ آذار الماضي قرارًا بمساواة عناصر الحشد البالغ عددهم حوالي 100 ألف بالجيش، لقطع الطريق على محاولات حله ومنع تصنيفه إرهابيًا، وبهذا أضحى جهازًا رسميًا يوازي الحرس الثوري الإيراني، لكنه لن يكون خاضعًا حتى لمرجعية العراق الشيعية، بل سيكون مفككًا، والجزء الأكبر منه في يد إيران.
اقرأ أيضًا:مقتدى الصدر: القائد الشيعي الذي يغرد بعيدًا عن السرب الإيراني
أما قائمة الفتح برئاسة العامري قائد ميلشيا بدر ، فلن تعمل أبدًا ضد إيران، فهي تقود الآن تحركات لتكوين تكتل مع قائمة العبادي والمالكي وآخرين لقطع الطريق على الصدر، فيما تتخوف إيران من ميل العبادي لقائمة الصدر، ويشكلا تكتلًا يحظى بالأغلبية في البرلمان، ومن ثم تشكيل الحكومة أو يدخل كل منهما في ابتزاز الآخر ومنع الموافقة على الحكومة إلا باشتراطات معينة.ورغم ما يُروج عن أن الصدر أقرب للدول العربية منه لإيران، فإن العراق سيظل لسنوات مقبلة في فلك المرشد الإيراني، فتأثير طهران ليس سياسيًا فقط الآن، وإنما عسكريًا أيضًا عبر وكلائها من الميلشيات المسلحة، كذلك قوائم العبادي والمالكي وعمار الحكيم وقوائم شيعية أخرى ما زالت مؤيدة لإيران، وحتى الصدر لا يمكنه أن يعادي إيران ولن يحكم بدون موافقتها.وإن حدث وحاول الصدر أخذ العراق بعيدًا، ما زالت الميلشيات الموجودة لا يمكن القضاء عليها أو تحييدها، فنموذج حزب الله اللبناني الذي حصل فقط على 13 مقعدًا في الانتخابات الأخيرة بجانب فوز حلفائه يمنحه قوة سياسية تعطل كامل لبنان، فما بالنا بأكثر من ميلشيا مدربة حظيت بشرعية محاربة داعش كما حظي حزب الله بشرعية مواجهة دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا يظهر أن إيران نجحت في شرعنة وكلائها سياسيًا وليس عسكريًا فقط، سواء بالانتخابات العراقية أو اللبنانية.
https://www.youtube.com/watch?v=p6WXLtjk9Co
متى يعود العراق عربيًا؟
زار الصدر نهاية يوليو/ تموز 2017 السعودية، توجه بعدها للإمارات، سارع الكثيرون بالقول إن الصدر يريد من الخليج دعم عروبة العراق في مواجهة إيران وسيكون معهم، خاصة أنها جاءت بعد احتجاجات سابقة قادها ضد الحكومة المؤيدة لإيران، لكن الصدر خرج بعدها، وأكد أن اللقاء ليس دعمًا للسعودية أو معاداة لإيران، وإنما يريد وقف صراعهما لتأثيره على استقرار المنطقة، ومنها بلاده.ومع ظهور النتائج بتقدم الصدر، كشف الصدر ملامح الحكومة التي يعتزم تشكليها، مستبعدًا أي تحالف مع قوائم الفتح ودولة القانون والاتحاد الوطني الكردستاني، لكنه ألمح إلى المشاركة مع قوائم مثل النصر والحكمة والقرار والوطنية.
التقط سامر الثبهان، وزير الدولة السعودي، والسفير المطرود من العراق بسبب تجاوزه بحق الحشد الشعبي، تصريحات الصدر ليعبر عن دعمه له، وليقطع الطريق على محاولات إيران للهيمنة المطلقة على الحكومة الجديدة، حيث تم الكشف عن إجراء إيران لقاء بسفارتها جمع بين المالكي والعامري وإياد علاوي وسليم الجبوري رئيس البرلمان، لتشكيل الكتلة الكبيرة وإعلان تشكيل حكومة أغلبية سياسية، ومحاولة جذب العبادي إليهم للإطاحة بالصدر.وردًا على السبهان قال الصدر إن قراره عراقي وداخل الحدود، وهذا إن كان حتى توجهه فإنه لا يمكنه مقاومة الضغوط والترتيبات الأخرى، فالولايات المتحدة لا زالت المتحكم الأكبر بالعراق، وهو كان على عداء معها وقاومها. بالتالي ليس مرحبًا بحكومته في واشنطن، وهناك حاجة لشخصية تستطيع الموازنة بين نفوذ إيران وتحكم واشنطن، وهو ما يتحقق في شخص العبادي.
لهذا التعويل على عودة العراق عربيًا وبعيدًا عن هيمنة أو تدخل إيران لن يتم ما دام نظام المرشد الأعلى يحكم طهران، فالدول الخليجية السنية ليس لها أوراق ضغط قوية على نخبة العراق، ولا تملك سوى العباءة المالية التي فشلت في كسب فصيل شيعي قوي معها منذ 2003، أو حتى دعم فصيل سني قوي.