السادات وافق على كل شيء إلا أن يتنازل عن «تيران» المصرية
تأتي هذه الحلقة ضمن تغطية إضاءات المستفيضة للوثائق المفرج عنها مؤخرًا من الخارجية الأمريكية، حول اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية، المعروفة تاريخيًّا باتفاقية كامب ديفيد.
للاطلاع على الملف المجمع للتغطية اضغط هنا.
الوثيقة الأولى
في حواره مع الإدارة الأمريكية أكد وزير خارجية الاتحاد السوفيتي غروميكو أن وجهات نظرهم مختلفة تمامًا عن واشنطن، مضيفًا أن السوفيت لن يشاركوا في صفقات منفصلة. وأضاف أن كامب ديفيد حققت كل ما تحلم به تل أبيب، في حين أنها لم تحقق شيئًا للعرب، بل إنها لعبت على الأردنيين والسوريين والفلسطينيين، وجعلت العرب يعيشون حالة من الفوضى، ستؤثر حتمًا على الاستقرار في الشرق الأوسط، متعجبًا: «هل هذا هو السلام الدائم والعادل الذي تريده واشنطن في المنطقة؟».
الوثيقة الثانية
بذات القدر لم يكن الملك حسين – ملك الأردن – راضيًا عن مخرجات التفاوض المصري الإسرائيلي. وأشارت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في تقريرها حول هذا الأمر إلى محدودية الحركة المتاحة أمامه للتصرف. سيواجه حسين طريقًا محفوفًا بالمخاطر، سواء دخل في المفاوضات أو أعلن رفضه لها. ذكر قائد القوات المسلحة الأردنية الفريق بن شاكر أنه خلال زيارته للولايات المتحدة في يونيو/ حزيران 1978 ، أخبره مستشار رئاسي أمريكي أن الأردن كان «سلبيًا». اعتمدت واشنطن على حليفها السعودي في الضغط على الملك حسين، لذا شعر حسين أن ولي العهد السعودي الأمير فهد غير فعال وغير حاسم؛ إذ طلب منه تعيين لجنة من اثنين لطرح البدائل الممكنة للتعامل مع ذهاب السادات بمفرده إلى تل أبيب، لاسيما وأن الوقت ينفد. وعندما سأل حسين فهد متى يبدأ العمل، أخبره أنه سيتحدث أولًا مع الملك خالد، وهو ما أدى لاشتعال حسين غضبًا. أضاف تقرير المخابرات المركزية أن فهد لم يعطِ حسين جوابًا ولن يعطيه أبدًا. شعر حسين بالأسى على رحيل الملك فيصل، لو كان فيصل حيًّا اليوم، لكان رد الفعل السعودي على كامب ديفيد حاسمًا ومختلفًا. قاد هذا حسين لنظريات المؤامرة، حيث كان ينطق بصوت عالٍ لماذا قُتل فيصل وإذا ما كان هذا جزءًا من خطة أكبر! هو يرى أن الرئيس السادات كان جزءًا من تلك المؤامرة، إلى جانب دعم الولايات المتحدة.
الوثيقة الثالثة
كما طالب وكيل وزارة الخارجية المصري أسامة الباز من واشنطن والرياض أن تضغطا على الملك حسين للانضمام للمفاوضات، مشيرًا إلى أن الضغط سيجبره على القبول. وأكد كارتر أن السعوديين يقومون بدور بناء، وأنهم لن يكونوا عقبة في طريق المفاوضات. هكذا عبر كارتر عن موقف الأول، مضيفًا أنه أجبر السادات على قبول التطبيع الكامل، بما في ذلك فتح الحدود والاعتراف بها وإقامة علاقات دبلوماسية، مع تبادل السفراء في غضون أسابيع من الانسحاب الإسرائيلي. بجانب تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين بما يخدم ديمومة التطبيع الكامل بينهما.أعرب موشيه ديان عن رغبة إسرائيل في استمرار بعض الترتيبات الخاصة بسيناء، وطلب من الولايات المتحدة المساعدة فيها، وهي بقاء خمسة مواقع تتضمن محطات رادار وأنظمة هاتفية وكذا مواقعها الاستخباراتية. طلبت إسرائيل استخدام المجال الجوي في سيناء لأغراض التدريب. أكد كارتر أن السادات سيوافق على هذه المطالب، بل ربما يكون أكرم من ذلك لو كان الانسحاب الإسرائيلي سريعًا. أخبر الأمريكيون الإسرائيليين أنه إذا بقيت أي مواقع لهم على الأرض المصرية، فإن السادات سيطلب نفس الشيء. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي وايزمان إن إسرائيل مستعدة لمناقشة التبادلية.
الوثيقة الثالثة
طالبت إسرائيل بوضعشرط السيطرة على أي أعمال عنف يشنها طرف ثالث من أراضي طرفي المعاهدة. حرصت إسرائيل على تأمين نفسها من استخدام المقاومة أراضي سيناء في دعم غزة أو توجيه ضربات انتقامية للأراضي المحتلة. فيما يخص حقوق الملاحة اتفقت الأطراف على استخدام إسرائيل لقناة السويس، لكن رفضت الإدارة المصرية ذلك في مسألة مضيق تيران وخليج العقبة. تريد إسرائيل أن تنص المعاهدة على أن الأطراف تعتبر هذه الممرات المائية مجاري مائية دولية لحرية الملاحة دون عوائق.وقال وايزمان إن إسرائيل سوف تنسحب بشكل أسرع مما كانت تتخيله. كان يجب أن يكون انسحابًا منتظمًا لكن إسرائيل أرادت أن تتحرك بسرعة لاستغلال حرص السادات على توقيع المعاهدة.سأل كارتر وزير الخارجية الإسرائيلي موشيه ديان عن التقدم الممكن في ملف الضفة الغربية وغزة، فرد: «لا يمكن تحقيق شيء، مع من سنتحدث؟ صدام والفلسطينيين! لدينا أيضًا أسئلة كثيرة للملك حسين، ولا نريد منه إجابات عامة». طالب كارتر بتوقف بناء المستوطنات الجديدة، لكن ديان رفض ذلك متعللًا بموقف رئيس الوزراء مناحيم بيغن الداخلي وخشيته من حدوث انتخابات جديدة تطيح به وهو أمر يمكن أن ينسف المفاوضات برمتها. وبخصوص الحكم الذاتي في الضفة وغزة أكد ديان أن هذا الأمر لا ينبغي أن يتُرك هكذا، بل إن إسرائيل ترغب في انتخاب ونجاح من تريد أن تتعامل معهم. طلب ديان من كارتر عدم مقابلة أعضاء من قادة منظمة التحرير الفلسطينية، وعده كارتر بذلك، لكنه أشار إلى أن السادات طلب منه مقابلة بعض الفلسطينيين عند زيارته القاهرة، وأخبر كارتر ديان أنه لا يعلم هويتهم، وأنه سيكون في موقف حرج من مقابلتهم. عرضت إسرائيل أن تختار هي بعض الأسماء التي يمكن أن يقابلها كارتر في القاهرة. واقترح الأخير أن يطلب من صدام حسين أن يختار له قائمة هذه الأسماء، حتى لا يظهر الأمر بأنه بتوجيه إسرائيلي. تطمئن تل أبيب أن صدام لن يضم أعضاء من منظمة التحرير.
الوثيقة الرابعة
أرسل السادات وفدًا مصريًّا إلى البيت الأبيض للتفاوض ووضْع اللمسات الأخيرة على معاهدة السلام. أكد بطرس غالي أن هيبة مصر على المحك، وأنها مهددة بعزلة عربية، أضاف أن هناك معارضة من بعض أطراف الحكومة للمعاهدة لأنها ستُفقد مصر دورها الريادي. أقر بريجنسكي بناءً على تقارير أعدتها السفارة الأمريكية أن السادات بحاجة إلى دعم حقيقي مكون من إجراءات ومساعدات وليس مجرد دعم رمزي. هناك بعض العسكريين غير راضين عن كثير من الأشياء، أهمها مستوى معيشتهم ورغبتهم في حياة أفضل لعائلاتهم. استغل الأمريكيون هذا الأمر في دعم الجيش المصري بما يحقق له جزءًا من هذه الرفاهية، وبما يضمن استمرار السادات في التفاوض من موقف قوة. قال بطرس غالي: «إذا كانت لدى واشنطن وتل أبيب رغبة في دعم الموقف المصري ليكون قائدًا لمحور الاعتدال، فيجب تنفيذ بعض المزايا للفلسطينيين».قال بريجينسكي إنه سيطلب من إسرائيل رفع الحظر المفروض على الاجتماعات السياسية في فلسطين، بحجة تأهيلهم للمشاركة في الحكم الذاتي، كمحاولة لذر رماد في العيون قبل التوقيع على معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية.
الوثيقة الخامسة
في تقرير أعدته وكالة المخابرات المركزية طلب السادات من الجنرال شوكت رئيس المخابرات العسكرية، التحقيق في آراء رئيس منظمة التحرير ياسر عرفات حول اتفاقية كامب ديفيد. نقل عرفات رسالة إلى شوكت في 12 أكتوبر/ تشرين الأول مفادها أنه لا يثق في الرئيس السادات ويفضل أن يتعامل مباشرة مع الأمريكيين بشأن مسألة السلام في الشرق الأوسط ودور منظمة التحرير.ونظرًا لطبيعة الرسالة اختار شوكت ألا ينقل الرسالة إلى السادات، وبدلًا من ذلك أرسل مبعوثه الخاص للاتصال بعرفات من أجل توضيح وجهات نظره ورغباته تحديدًا.قام شوكت بتغيير فحوى وجهة نظر عرفات بأن الأخير يعتقد أن حكومة الولايات المتحدة مخلصة في جهودها لإحلال السلام في الشرق الأوسط وترغب في أن تكون منصفة لجميع الأطراف. لذلك يعتقد شوكت أن ياسر عرفات يريد بالفعل اتصاله المباشر مع حكومة الولايات المتحدة.علّق سفير الولايات المتحدة في مصر على هذه الحادثة بأن شوكت أخبره برغبة عرفات في الدخول في حوار مباشر مع الولايات المتحدة قائلًا: «إنه ليس أمرًا جديدًا، بل هو استمرار لرغبة عرفات الطويلة في الارتباط المباشر معنا. لقد ذكّرت شوكت بشروطنا للمشاركة في حوار مع منظمة التحرير وهي قبولها علانية قرار الأمم المتحدة رقم 242، واعترافها صراحة بحق إسرائيل في الوجود. عرفات يوافق ويفضل الصيغة، لكنه فشل في الحصول على موافقة اللجنة التنفيذية للمنظمة».أصدرت منظمة التحرير الفلسطينية تعليمات لأمريكي من أصل عربي للاجتماع بهدوء مع وزير الخارجية الأمريكي سايرس فانس للسؤال عما إذا كان الوزير مستعدًا للاجتماع سرًّا مع شفيق الحوت – عضو وفد منظمة التحرير الفلسطينية في الأمم المتحدة – يبدو أن لدى الحوت تعليمات من عرفات لمحاولة الاجتماع سرًّا مع فانس لنقل وجهات نظر الفلسطينيين حول كامب ديفيد إلى كارتر، فضلًا عن رأيهم أن الدور الصحيح لمنظمة التحرير الفلسطينية يجب أن يكون في المفاوضات المستقبلية أو في تسوية سلمية. لم يعرف أعضاء وفد منظمة التحرير تعليمات عرفات للحوت.