السفير الروسي في أنقرة يمنع الأسد من التقدم إلى إدلب
قبل يوم واحد من اللقاء المرتقب في موسكو، والذي سيجمع وزراء خارجية ودفاع روسيا وإيران وتركيا لبحث مستقبل سوريا، تم اغتيال السفير الروسي في أنقرة «أندري كارلوف»، إثر إصابته بالرصاص أثناء مشاركته في معرض فني.
وتشير التقارير الأولية إلى أن مُنفِذ العملية هو «ميرت التينتاس»، ضابط تركي يبلغ من العمر 22 عامًا، عمل في قسم مكافحة الشغب في الشرطة التركية.
البداية كانت في بطرسبرغ
في 9 أغسطس/آب 2016 اجتمع الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في مدينة بطرسبرغ الروسية؛ وذلك بغرض استعادة العلاقات بين البلدين، وتسوية الخلفات والمشاحنات التي تطورت بين البلدين بعد حادثة إسقاط قاذفة «سو-24» الروسية في أجواء سوريا يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
ويبدو أن هذه القمة قد نجحت في وضع أسس جديدة للعلاقات بين البلدين، بل نجحت في تغيير خريطة التحالفات في المنطقة، وبالتبعية خريطة الأزمة السورية.
حيث رأى أردوغان أن محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/تموز 2016 قد وضعت نهاية التعاون السياسي (وربما العسكري) مع الولايات المتحدة، ناهيك عن القناعة التركية بضعف واشنطن وعدم قدرتها على التأثير مجددًا في مسار الأزمة السورية، فراحت تبحث عن مصالحها الخاصة في البيت الروسي.
وتذكر التقارير أن بوتين وأردوغان ربما يكونان قد وقّعا معاهدة عدم اعتداء عندما التقيا في سانت بطرسبرغ؛ ما يؤكد عمليًا تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ. وكان تطبيق هذه المعاهدة المفترضة قد حدث تدريجيًا:
1. انفصال الموالون لتركيا عن «جبهة فتح الشام»، وبذلك سهلوا تطويق شرق حلب من قبل نظام الأسد.
2. سيطر هؤلاء الموالون على الأراضي الواقعة بين أعزاز وجرابلس في وقت سابق من هذا العام بدعم من الجيش التركي؛ ومن ثَمَّ، ما إن تم ضمان انتصار قوات الأسد في حلب، نفذت تركيا هجومًا مباشرًا استهدف مدينة الباب.
التقاء المصالح الروسية التركية
أربعة مشاهد تعبّر بوضوح عن توافق كبير في المصالح بين روسيا وتركيا، سواء على مستوى العلاقات الثنائية ومواجهة إدارة أوباما، أو على مستوى الأزمة السورية:
1. في 1 ديسمبر/كانون الأول 2016، تراجع أردوغان عن موقفه السابق الذي أكد فيه أن القوات التركية دخلت سوريا لإنهاء حكم «الطاغية» الأسد، موضحًا أن العملية العسكرية التي تجريها تركيا دعمًا لمقاتلي المعارضة في شمال سوريا لا تستهدف أي بلد أو شخص وإنما تستهدف التنظيمات الإرهابية.
2. في 7 ديسمبر/كانون الأول 2016، صرح رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، في حديث لوكالة «سبوتنيك»، أن البنكين المركزيين الروسي والتركي، يعملان على حل المسائل التقنية للانتقال إلى استخدام العملات الوطنية في التعاملات التجارية الثنائية، والتخلي عن الدولار الأمريكي.
3. في 16 ديسمبر/كانون الأول 2016، أكد بوتين أن روسيا تجري مباحثات مكثفة مع المعارضة السورية بوساطة تركية، وتسعى لإيجاد تسوية سياسية، تكون الخطوة المقبلة فيها وقف كل عمليات القتال وإطلاق النار.
4. غدًا الثلاثاء، 20 ديسمبر/كانون الأول 2016، يجتمع في موسكو وزراء خارجية ودفاع روسيا وإيران وتركيا، لبحث مستقبل سوريا ومدينة حلب، وذلك دون استدعاء وزير الخارجية الأمريكي لأول مرة منذ بداية الأزمة. ويهدف الاجتماع إلى تبادل وجهات نظر الأطراف الثلاثة، ومناقشة مستقبل الوضع السوري. وهذه هي المرة الأولى التي تصطف فيها أنقرة رسميًا مع موسكو وطهران وأدارت وجهتها بعيدًا عن واشنطن.
من المستفيد؟
مما سبق، وبعد حوالي ست سنوات من انطلاق الثورة السورية، وتفجر الوضع الإقليمي، وتحول سوريا لساحة صراع إقليمي ودولي بالوكالة، وجدت تركيا نفسها في موضع تأثير أقل من نُظرائها الإقليميين في سوريا، رغم التجاور الجغرافي الذي يضع مصالحها على المحك مع كل تطور تشهده سوريا، خاصة وأنها أعلنت تأييدها في البداية -وحتى وقتٍ قريب- للثورة السورية، وأصرت على تنحية الأسد من المشهد.
فأردوغان شعر أن الولايات المتحدة هي من أضعفت موقفه في سوريا، بل ودعمت في نهاية المطاف انقلاب «كولن» عليه، وهو الأمر الذي نقل العلاقات التركية الأمريكية إلى مرحلة غير مسبوقة من التوتر الرسمي.
لذا قررت أنقرة، خاصة بعد انقلاب 15 يوليو/تموز، تغيير وجهتها الإستراتيجية في سوريا، بل وفي المنطقة ككل، فعضدت من تعاونها مع روسيا، بما يحتّمه ذلك من القبول باستمرار الأسد، والتخلي عن المقاومة السورية، وفتح قنوت الاتصال مجددًا مع إيران.
فأصبحت واشنطن هي أكثر الأطراف تضررًا من التحالف التركي الروسي الجديد، الذي أضعف موقفها في سوريا، وأبعدها عن الطاولة التي سيُرسم عليها مستقبل المنطقة.
وبذلك، يمكن القول إن أي توتر جديد في العلاقات التركية الروسية لن يخدم سوى مصالح واشنطن على الصعيد الدولي، وجماعة كولن على الصعيد الداخلي.
وهو ما يشير إلى احتمال تورط الولايات المتحدة الأمريكية مع جماعة كولن في تنفيذ عملية اغتيال السفير الروسي في أنقرة. فربما حاول أوباما تعقيد مهمة ترامب القادمة في سوريا، في نفس يوم اجتماع المجمع الانتخابي لتأكيد تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة.
فعلى أقل تقدير، إن لم تُسبّب هذه العملية توترًا جديدًا بين البلدين، فإنها ستحقق نتيجتين هامتين لواشنطن:
1. تقويض أي احتمال لنجاح اجتماع الغد في موسكو بين روسيا وتركيا وإيران.
2. توقف تقدم قوات الأسد نحو إدلب بعد الاستيلاء على حلب، فجميع التقارير تشير إلى أن الأسد إذا ما قرر مهاجمة إدلب كخطوة تالية، سيستفيد من الحيادية الطوعية للأتراك، الذين قد يحاولون من جانبهم الاستيلاء على منبج أو حتى على تل أبيض من الأكراد، لتقويض الحلم الكردي بوحدة الأراضي. ولكن بعد التوتر المحتمل بين تركيا وروسيا، ربما لن يسمح أردوغان لقوات الأسد بالتقدم مُجددًا نحو إدلب.