روسيا تهدد وأوكرانيا تتوسل: «ليوبارد-2» في الميدان
لم يكن الأمر طلبًا عابرًا، بل وصل إلى حالة الإلحاح المزعج للعديد من الدول. بعض الصحف العالمية وصفت الأمر بالتوسل الأوكراني للحصول على تلك الدبابات. أوكرانيا من جهتها فسرت توسُّلها للحصول على الدبابات أنه بدافع كسر حالة الجمود التي تشهدها الحرب الروسية الأوكرانية حاليًّا. فللمرة الأولى تعترف أوكرانيا بتفوق روسي في تدعيم خطوط الدفاع، وبقدرة الروس على صد أي هجوم أوكراني محتمل.
الدبابات عمومًا مطلب أوكراني مهم. فبعد قرابة العام من اندلاع المعارك تقلص عدد الدبابات التي يستخدمها الجيش الأوكراني في معاركه. هذا التقلص إما لاستهداف الروس بعضَها، أو لخروج الدبابات من الخدمة بسبب شح قطع الغيار الضرورية. لأن كل الدبابات الأوكرانية، قبل الغزو الروسي، هي أسلحة من مخلفات المرحلة السوفيتية، وروسيا هي المصدر الوحيد لقطع الغيار تلك.
قبل بداية الحرب كانت أوكرانيا تمتلك 900 دبابة من طرازات سوفيتية قديمة مثل تي 72 وتي 64. بينما دخلت روسيا الحرب بنحو 3000 دبابة معظمها من طرازات حديثة. لكن خسرت روسيا مئات من دباباتها بسبب الأسلحة المضادة للدبابات التي قدمها الغرب سريعًا لأوكرانيا. نتيجة لذلك فضلت روسيا تجنب أي مواجهة مباشرة مع القوات الأوكرانية البرية، واختارت أسلوب القصف المدفعي المركز على المدن والمناطق قبل دخول القوات البرية الروسية إليها.
لكن رغم ذلك يحتاج الأوكرانيون الدبابات لتأمين مدنهم، ولمحاولة التصدي لأي قصف بعيد المدى أو اقتحام بري. لهذا طلبت أوكرانيا 300 دبابة غربية حديثة لبدء هجوم مضاد يهدف إلى طرد الروس من المناطق التي احتلوها. ويتفق العديد من المحللين العسكريين مع هذا الطلب، فالدبابات هي الوسيلة الأكثر فعالية لاقتحام خطوط الدفاع الروسية المحمية جيدًا بالمدفعية.
الدبابات الإنجليزية: عبء يفوق الفائدة
المملكة المتحدة هي أول دولة استجابت للنداء الأوكراني وتبرعت لها بدبابات. وزير الدفاع بن والس أعلن أنه تم منح 14 دبابة من طراز تشالنجر 2 لأوكرانيا. ذلك الطراز تحديدًا قد يكون فعالًا في ساحة المعارك، لكن على الجهة الأخرى يمكن أن يكون عبئًا لوجيستيًّا كبيرًا على الأوكران. بسبب قلة العدد، وبسبب احتياج هذه الدبابة لذخائر خاصة لا تتوافق مع مواصفات الذخائر التي يمد بها حلف الناتو أوكرانيا، ولا حتى الذخائر الروسية التي تمتلكها أوكرانيا.
ما يعني أنه سيتوجب على الجيش الأوكراني إنشاء شبكة إمداد خاصة بهذه الدبابات لمدها بالذخائر أثناء المعارك. بجانب ضرورة توفير الصيانة الضروية لها أثناء وجودها في ميدان القتال، أو على الأقل تواجد فرق الصيانة قرب خطوط القتال الأمامية للتدخل إذا لزم الأمر. وبالطبع سيتوجب على بريطانيا فتح خط إمداد لا يتوقف ينقل ذخائر وقطع غيار تلك الدبابات إلى أوكرانيا. هذا الخط يجب ألا يتأثر بالمناوشات السياسية، أو اعتراضات بعض الساسة على استنزاف أوكرانيا لمخزونات الأسلحة الإنجليزية.
هروبًا من كل تلك التعقيدات تطلب أوكرانيا بإلحاح شديد الحصول على دبابات ليوبارد 2. تعتبر ليوبارد 2 الخيار الأفضل من جميع النواحي لأوكرانيا. لأنها الأكثر استخدامًا وانتشارًا في الدول الأوروبية. فأوروبا تمتلك منها أكثر من 2300 دبابة من طرازات مختلفة قيد الاستخدام الفعلي لهذه الجيوش. كما أن حركتها سريعة وسلسة، ويمكن بسهولة نقلها بريًّا إلى أوكرانيا، دون الدخول في تعقيدات أكبر للنقل والحماية.
كما أن ليوبارد 2 تستخدم الذخائر المتعارف عليها في حلف شمال الأطلسي، فيمكن الحصول عليها بسهولة من أي دولة من دول الحلف. بجانب أن الدبابة الأمريكية الأشهر، أبرامز 1، تستخدم نفس نوع الذخائر. فيمكن للولايات المتحدة إمداد أوكرانيا بها إذا تراجعت الدول الأوروبية عن إمدادها. كما أن أبرامز 1 نفسها دبابة شائعة الاستخدام لدى العديد من الدول الأوروبية، وذخائرها وقطع غيارها متاحة بكثرة لدى غالبية دول حلف الناتو.
ليوبارد تتفوق على الجميع
قد تبدو ليوبارد قديمة الطراز، فأول طراز دخل الخدمة كان منذ 40 عامًا. لكنها منذ لحظة ولادتها خضعت للعديد من التطوير ما أوصلها إلى أن تكون واحدة من أفضل الدبابات في العالم. دخلت الخدمة لأول مرة عام 1979. ومنذ ذلك التاريخ صُنع منها 3600 دبابة في نسخ مختلفة. وتُعلن عنها الشركة المصنعة، كراوس مافي، بأنها المزيج المثالي من الحماية والتنقل والقدرة على المناورة والقوة النارية.
فهي أكثر الدبابات خفة حركة وسرعة، كما تتميز بدقة الإصابة. وتعتمد عليها جيوش أكثر من 18 دولة حول العالم، قريبًا منا يستخدمها الجيش القطري، وتعتمد عليها كندا، وسنغافورة، وغيرهم. وقد أثبتت الدبابة كفاءتها القتالية وقلة أعطالها في الميدان مقارنة بأنواع الدبابات الأخرى. لهذا يتم تصنيعها في 3 دول أخرى غير ألمانيا، نظرًا لزيادة الطلب عليها.
يبلغ وزن الدبابة فارغة 52 طنًّا، و55 طنًّا حين تكون مجهزة للقتال. تبلغ سرعتها القصوى 68 كيلومترًا في الساعة. وفي حالة ملء خزانها بالديزل يمكنها السير دون توقف لمسافة 280 كيلومترًا. وتسع بداخلها طاقمًا من 4 أفراد، من ضمنهم قائد الدبابة.
قد عقدت اليونان اختبارًا لدبابات ليوبارد 2، وأبرامز 1، وتشالنجر 2، ولوكليرك الفرنسية، وتي 800 الروسية. وكشفت نتائج الاختبار أن ليوبارد وأبرامز أصابتا الهدف وهما في حالة الحركة بنسبة 100%، في عشرين رمية متتابعة أصابتهم جميعًا. بينما تي 800 الروسية أصابت 55% فقط من الأهداف المُطلق عليها.
كما أن ليوبارد تفوقت على أبرامز الأمريكية في نقطة الوقود. فالدبابة الأمريكية تستخدم محركًا نفاثًا، يعتمد على الكيروسين كوقود مثل الطائرات. وبجانب ارتفاع تكلفة هذا الوقود، فإن الدبابة تستهلك كمية ضخمة منه سريعًا. ما يجعل مدى عملها في الميدان قصيرًا مقارنة بليوبارد. رغم أن قوة محرك الدباباتين متشابه، 1500 حصان.
ألمانيا باتت شريكًا
ليوبارد مجهزة بمدفع عيار 120 مليمترًا، ورشاشين عيار 7.6 مليمتر. مدى إطلاقها يصل إلى 5 كيلومترات، لكن يمكن مضاعفته وقت الحاجة بتركيب نظام إطلاق خاص للذخائر. ويمكن له حمل 42 قذيفة من عيار الـ 120، و4750 طلقة من عيار الـ 7.6. هذه المنظومة محمية بهيكل الدبابة المصنَّع من مزيج الصلب والتنجستين النارد. وفي بعض النسخ تتوفر حماية إضافية لمنطقتي البرج والقاعدة بمعدن التيتانيوم.
كما أن ليوبارد أظهرت قدرتها على النجاة من هجوم مباشر بالعبوات الناسفة في ميدان القتال مثلما حدث في أفغانستان. لكن على الجهة الأخرى خسر الجيش التركي العديد منها في عملياته في سوريا جراء الهجوم عليها بصواريخ مضادة للدبابات وقنابل يدوية وعبوات ناسفة تقليدية.
نظرًا لكل هذه الإمكانيات الهائلة تنفست أوكرانيا الصعداء حين عرفت بموافقة الألمان على إمدادهم بالدبابات. على الجهة الأخرى تدرك روسيا أهمية تلك الدبابات وقدرتها على تحويل الدفة الهجومية لصالح الجيش الأوكراني. لهذا صرَّح رئيس مجلس الدوما الروسي أن تزويد أوكرانيا بأسلحة هجومية من شأنه تحويل المعركة إلى كارثة عالمية. وهدد الولايات المتحدة والدول الأوروبية أن هذا الإجراء سيؤدي لرد روسي عنيف بأسلحة أقوى.
وهو الأمر الذي يدركه معظم دول حلف الناتو. فقبل حصول ألمانيا على الضوء الأخضر لتزويد أوكرانيا بليوبارد كانت هناك معارضة دولية لهذه الخطوة؛ لأن برلين نفسها كانت ترى أن الاتفاق الأولي كان إمداد أوكرانيا بأسلحة دفاعية للدفاع عن نفسها. بينما تزويدها بأسلحة قتالية هجومية يعني أن ألمانيا، كعضو في حلف الناتو، تشارك رسميًّا في الحرب. كما يرفض الناخبون الألمان تلك الخطوة جملةً وتفصيلًا.
لكن في النهاية انتصرت الأصوات القائلة بضرورة تزويد الأوكران بهذه الدبابات؛ لأن الكل بات متأكدًا أن التصعيد لا بد قادم، وأن الحرب مع روسيا لم تعد حربًا بالوكالة أو حربًا باردة، بل حربًا حقيقية لا بد فيها من المواجهة المباشرة بين الجميع.