هل تسعى روسيا وأمريكا للحل السلمي، أم للسيطرة على سوريا؟
آن برنارد وإريك شميت21 يناير 2016 | موقع {نيويورك تايمز}
بيروت، لبنان – يوسّع الجيش الروسي وجوده العسكري في سوريا، حيث يستعد لتنفيذ عمليات في أنحاء البلاد من مطار في شمال الشرق، بمحافظة ذات أغلبية كردية. وفي محافظة مجاورة، يقول السكان المحليون إن الولايات المتحدة تكثف مساعداتها المقدمة إلى الجماعات الكردية المسلحة، بل واستحوذت على مطار زراعي صغير، وهو ما أنكره مسئولون بالبنتاجون. يقول بعض المقاتلين السوريين إن روسيا قد تواصلت مع العشائر السنية، وعرضت مساعدتهم في قتال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المتطرف، المتمركز في الشرق، بعد أن باءت جهود أمريكية مشابهة بالفشل.
وبينما يتعاون الدبلوماسيون الروس والأمريكيون لجمع الحكومة الروسية ومعارضيها المحليين على مائدة مفاوضات السلام الأسبوع المقبل، تتسابق دولتاهم على السيطرة على المزيد من الأراضي في سوريا، في معركة ستستمر بغض النظر عن أي محادثات سلام، إنها المعركة ضد تنظيم داعش. ومع ذلك، يبدو أن القوتيْن تفترضان مسبقًا فشل جهود السلام، وتستعدان للمرحلة المقبلة من الحرب. حيث تمثل جهودهما الجديدة المنفصلة، والمتنافسة، ضد تنظيم داعش جزءًا من معركة موازية حول هوية من سيقود الحرب ضد تنظيم داعش، وبشكل محتمل، سينال الإشادة بشكل منفرد لهزمه.
تطلع القادة الغربيون طويلًا إلى اليوم الذي تتحد فيه الحكومة السورية، المقاتلون المتمردون، وداعموهم الدوليون لهزيمة التنظيم. ولكن تلك الاحتمالية تبدو الآن أبعد من أي وقت مضى بسبب الخلاف الإستراتيجي الجوهري بين القادة الأمريكان والروس. فروسيا متحالفة مع حكومة بشار الأسد، ولا تعتبر التمرد المسلح المناهض للحكومة منفصلًا عن داعش، بينما تعتبر واشنطن حكومة الأسد وحملتها القمعية التي استهدفت المعارضة سببًا رئيسيًا لظهور داعش.
في باريس، وصف وزير الدفاع الأمريكي، آشتون كارتر، يوم الخميس الإستراتيجية الروسية بأنها «مخطئة إلى حد مأساوي»، وأنها ركزت بشكل كبير على «دعم قوات النظام ضد قوات المعارضة»، وأضاف، «آمل أن يتمكنوا من تصحيح مسارهم، وسنتعاون معهم بالتأكيد في هذه الحالة».
أنكر مسئول بارز بالبنتاجون الأمريكي، رفض ذكر اسمه، وجود أي تعاون عسكري حالي مع روسيا. وأوضح أن ذلك شأن خاص بالدبلوماسيين، مع المحاولة المحتملة من جانب وزارة الخارجية الأمريكية لتدشين التعاون في إطار اتفاق مع موسكو حول إستراتيجية خروج للأسد، إلا أنه في الوقت الراهن، يبدو أن القوتين العالميتين تتنافسان على ذات الحلفاء.
يقول الجانبان إنهما يدعمان المقاتلين الأكراد والسُنة في المنطقة، حتى مع إصرار المسئولين الأمريكيين على عدم وجود تنسيق مشترك، بخلاف عدم الاقتتال فيما بينهما، أو التأكد من أن طائراتهما لا يهدد بعضها الآخر. أكد شهودٌ في سوريا، وبعض المسئولين الأمريكيين أن الجيش الروسي قد اتخذ مواقع في قاعدة جوية قرب مدينة القامشلي شمال شرق سوريا، حيث قال أحد المقاتلين إن الجيش الروسي قد تواصل مؤخرًا مع مقاتلي المعارضة السنية بمحافظة دير الزور الشرقية، وهي ذات التنظيمات التي جندها البنتاجون في برنامجه للتدريب والتسليح، الذي باء بالفشل.
قال المقاتل، الذي طلب ذكر اسمه الأول فقط، أحمد، إنه قد حضر مؤخرًا اجتماعًا مع الروس، التنظيمات الكردية المسلحة، والمتمردين العرب في تل العبيد، وهي مدينة صغيرة قرب الحدود التركية، وأضاف أحمد إن تنظيمه قد دُعم قبلًا من قبل أحمد الجربا، وهو سوري معارض بارز له علاقات وثيقة بالمملكة السعودية، التي تعارض بشدة وجود الأسد والدور الروسي في سوريا – وقد أدى التواصل الروسي إلى تساؤل المقاتلين حول وجود تفاهم سري ما بين السعودية وروسيا. وتابع: «تفاجأنا بالفعل لمقابلة الوفد الروسي في مقر قيادتنا».
قال أحمد إن الروس قد عرضوا على عشيرته، الشويتات، الأسلحة والدعم في استعادة منطقتهم بدير الزور من سيطرة الدولة الإسلامية. ويعد الشويتات أعداءً ألِدَّة للتنظيم المتطرف، الذي قتل المئات من العشيرة بعد رفضها الخضوع لحكمه. وأضاف أحمد إن عشيرته قد شاركت ضمن صفوف القوات العربية المقاتلة إلى جانب وحدات حماية الشعب الكردية.
ولكن خطة الدعم عُلقت، وفق إيضاحه، بعد أن طلب الروس منه ورفاقه أن يجمعوا 300 مقاتل، ولم يتمكنوا في فورها من توفير أكثر من 200 مقاتل. وعلى أي حال، ظل أحمد متشككًا حول إن كان ما يعرضه الروس سيكون كافيًا ليؤثر على جهود استرجاع دير الزور. وعلق: «من الصعب للغاية تحرير دير الزور بذلك الكم من الأسلحة».
في الشمال الشرقي، بالقامشلي، ذكرت شبكة للنشطاء السوريين تحمل اسم «لجان التنسيق المحلي» خلال الأيام الأخيرة إنه قد تم نشر أكثر من 100 فرد عسكري روسي في مطار المدينة، وأن المسئولين الروس قد التقوا بكلّ من المسئولين الحكوميين وقادة التنظيمات الكردية المسلحة، لبحث نشر القوات بالمدينة، التي تمثل عاصمة إقليمية. أوضحت تلك التقارير إن الأكراد، الذين لديهم ما قد يوصف بالهدنة مع القوات الحكومية، ينسقون مع الجانبين؛ الأمريكان والمتمردين العرب من جانب، والحكومة وروسيا على الجانب الآخر. ولكن النشطاء أوضحوا أن الجنود الروس تم نشرهم في المناطق الخاضعة للسيطرة الحكومية، وليس مناطق الحكم الذاتي التي اقتطعها الأكراد، حيث يساعد الأمريكيون التنظيمات الكردية والعربية المسلحة.
أكد مسئولان بالبنتاجون تفاصيل نشر القوات الروسية، بما في ذلك النقطة الحاسمة المتعلقة بأن موسكو لا تبدو مركزةً على تقديم الدعم المباشر للمقاتلين الذين دعمهم الأمريكيون.
«لست متأكدًا حيال وصف الأمر بتقديم الدعم لنفس الأشخاص الذين ندعمهم»، حسبما علق الجنرال جوزيف إف دانفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة في مقابلة ببروكسل.
وبسؤاله حول تقارير النشطاء المحليين التي تذكر بناء الولايات المتحدة لقاعدة جديدة في محافظة الشمال الشرقي المجاورة، الحسكة، لتستقبل القوات الخاصة والإمدادات، أجاب: «بالتأكيد لن أتحدث عما تفعله قواتنا الخاصة». بينما قال مسئول عسكري أمريكي آخر: «الأمر ببساطة غير صحيح».
إلا أن يمان، وهو ناشط سوري معارض من الحسكة ذكر اسمه الأول فقط حفاظًا على أمنه الشخصي، ذكر هبوط طائرتين محملتين بالذخائر الخفيفة مؤخرًا في قاعدة الحسكة، الواقعة قرب بلدة رميلان، على مهبط صغير استُخدم مسبقًا من قبل طائرات رش المحاصيل الزراعية.
وأوضح تواجد حوالي 150 فردًا عسكريًّا أمريكيًّا هناك، تحت حراسة الأكراد، الذين منعوا الجميع من الاقتراب. قُدمت ذات الرواية من جانب لجان التنسيق المحلية والمرصد السوري لحقوق الإنسان، وهي مجموعة بريطانية مراقِبة لها اتصالات على الأرض.
في واشنطن، قال مسئولون بالبنتاجون وآخرون إنهم قد راقبوا عملية النشر الروسية في مطار القامشلي، ولكنهم لم يعتبروها بالضرورة مؤشرًا سلبيًا. بينما حذر بعض المسئولين الأمريكيين من أن جميع الأطراف المشاركة – الروس، الأكراد، العرب السنة، والقوات الحكومية – يسعون إلى إحراز تقدم من خلال تحركات القوات.
وأوضح مسئول بارز بوزارة الدفاع الأمريكية: «يحاول الروس اللعب على الجانبين، حيث يخبرون الأكراد إنهم سيستخدمون القاعدة لمحاربة داعش، ويخبرون النظام إنهم سيستخدمون القاعدة لتحسين موقعهم في البلاد»، رفض المسئول ذكر اسمه لمناقشته التقديرات الداخلية الأمريكية، وتابع: «يمثل الأمر أيضًا محاولة من جانبهم لتنصيب أنفسهم كأبطال».
بينما شدد مسئول آخر بارز بالبنتاجون على أن تحريك 100 جندي روسي إلى المهبط الجوي في شمال الشرق، بعيدًا عن قواعدهم الساحلية في الغرب، حيث تتمركز أغلب القوات البرية والطائرات المقاتلة الروسية، كان عملية نشرٍ صغيرة نسبيًا، وتحمل أهمية جغرافية أكثر من أهميتها العسكرية.
كما سيدعم ذلك التحرك سردية أن روسيا تهاجم تنظيم داعش، مثلما تهاجم التنظيمات المدعومة من الغرب المعارضة لحكومة الأسد، وفق إيضاح المسئولين. وعلى الجانب الآخر، اتهم معارضو حكومة الأسد روسيا باستهداف مقاتليهم بشكل شبه حصري، متجاهلة داعش إلى حد كبير.
بالتأكيد يدرك المسئولون الروس أن التعاون بشكل معلن مع الجماعات الكردية المسلحة، خصوصًا القريبة للغاية من الحدود التركية، و وسط الاشتباكات العسكرية التركية الكردية الأخيرة، سيزعج الحكومة التركية، حسبما علق مسئولون أمريكيون. بينما تبحث موسكو السبل الممكنة لإهانة تركيا منذ إسقاطها للطائرة الحربية الروسية في شهر نوفمبر.
أصدر المسئولون العسكريون الأمريكيون ملحوظة تحذيرية هامة. حيث أوضحوا أن أي نشاط جوي روسي متزايد في شمال الشرق قد يتداخل مع عمل قوات العمليات الخاصة الأمريكية، التي بدأت مؤخرًا تقديم الاستشارات والمساعدة للمقاتلين العرب السوريين، المقاتلين في طريقهم نحو الرقة، العاصمة القائمة لتنظيم داعش.
وعلق مسئول عسكري أمريكي، رفض ذكر اسمه، قائلًا: «مع إرسال رجالنا إلى سوريا، يجب أن نتوخى الحذر للغاية بشأن المجال الجوي داخل و حول الشمال السوري».
كتبت آن برنارد التقرير من بيروت، و إريك شميت من واشنطن، وساهمت هويدا سعد فيه من بيروت، هيلين كوبر من بروكسل، و مايكل إس شميت من باريس.