تشغيل، حرية، كرامة وطنية: ما الذي يحدث في تونس؟
تسلق عمود كهرباء بمدينة القصرين حتى يلفت انتباه المارة والحكومة له بعد أن تم شطب اسمه من قائمة المعينين بوزارة التربية والتعليم، في السادس عشر من يناير، ولكن سرعان ما صعقته الكهرباء حتى سقط على الأرض متحطمة عظامه وقضى نحبه.
رضا اليحياوي شاب مشرف على الثلاثين، وواحد من ثلث الشباب التونسي الذي يعانى من البطالة، عبر والده عن وفاته قائلا: «ابني ضحية الفساد والتهميش والوعود الجوفاء، ولولا الفساد لما شُطب اسم ابني ولكان لا يزال حيًا».
ما وراء اليحياوي
كان اليحياوي سببا في إحياء ذكرى محمد البوعزيزي، الذي أضرم النار في جسده منذ خمس أعوام بسبب مصادرة الشرطة لعربة الخضار التي يكسب منها رزقه. فكانت صعوبة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في تونس، والتي أدت لوفاة البوعزيزي، سببا في ثورة الياسمين. واستمرت لتكون السبب في موجة جديدة من الاحتجاجات والتظاهرات انطلقت بوفاة اليحياوي من مدينة القصرين (يعيش بها أكثر من 80 ألف نسمة)، وتوسعت لتشمل 8 مدن أخرى حتى وصلت إلى تونس العاصمة.
عانت تونس مؤخرا بسبب عدد من الأزمات السياسية والاقتصادية، بداية من الانقسام الحاد داخل حزب نداء تونس، القائد للائتلاف الحاكم. كما تعيش تونس منذ نوفمبر 2015 حالة من الطوارئ التي فرضها الرئيس السبسي بعد الهجوم الإرهابي على حافلة للأمن الرئاسي راح ضحيته 12 رجلا من الأمن.
وفي سياق متصل قد تم إغلاق 70 فندقا على الأقل في نهاية العام نتيجة لأزمة قطاع السياحة والذي يعتبر من أهم القطاعات الاقتصادية بتونس؛ حيث يحوى أكثر من 400 ألف عامل. كما أن الوضع المأزوم في ليبيا دفع إلى رجوع عشرات الآلاف، من الشباب العاملين هناك، إلى ديارهم بتونس في ظل أزمة البطالة التي تعاني منها البلاد حيث تبلغ نسبة البطالة في أوساط الخريجين بتونس 62 في المائة وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
كما أعرب البنك الدولي في تقرير حديث عن تونس أن مُدنها الساحلية الكبرى (تونس وصفاقس وسوسة) مناطق في منتهي الثراء حيث يتركز فيها 85% من الناتج المحلي الإجمالي للبلد، على عكس المدن الداخلية. كما حذر الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل، حسين العباسي، في 14 يناير من ثورة اجتماعية جديدة بسبب عدم اهتمام الحكومة بملف التشغيل والتنمية.
تونس تحتج
خرجت المظاهرات في تونس مرددة هتافات تطالب بالتشغيل والحرية والكرامة الوطنية، كما قام أهالي منطقة القصرين بالهجوم على مقر حزب نداء تونس، التابع للرئيس التونسي قائد جابي السبسي، وأشعلوا النيران به في 19 يناير، غير مكترثين لحظر التجوال الذي تم فرضه من قبل الحكومة التونيسية في نفس اليوم.
وقابلت القوات الأمنية تلك الاحتجاجات الشعبية بالغاز المسيل للدموع في محاولة لتفريق المتظاهرين، مما أسفر عن إصابة 246 من المتظاهرين باختناق وإصابات أخرى طفيفة، كما توفي شرطي نتيجة لانقلاب سيارته.
كما هاجم عشرات المحتجين مقرا للشرطة وأحرقوه في حي الانطلاقة بالعاصمة تونس، مرددين شعارات “لاخوف لا رعب .. الشارع ملك الشعب”. كما حاول متظاهرون آخرون اقتحام مبانٍ حكومية محلية في بلدات مختلفة وسط هتافات تهدد بثورة جديدة. لتكون تلك الاحتجاجات التي تشهدها تونس هي الأقوى والأعنف منذ رحيل ابن علي في 2011.
حاول السبسي تهدئة الشارع، يوم الأربعاء الماضي، خوفا من انزلاق البلاد في أتون أزمة سياسية وأمنية؛ حيث أعلن عن عمل الحكومة على توظيف سبعة آلاف شاب عاطل من مدينة القصرين وغيرها من المدن التي تعاني من التهميش. كما عبر عن تفهمه لتلك التظاهرات إلا أنه لا يمتلك عصا سحرية لتُحل الأزمة بين ليلة وضحاها. وفي السياق ذاته تم إصدار تعليمات بضرورة ضبط النفس من قِبل قوات الأمن في مواجهة الاحتجاجات الشعبية.
وأعلنت وزارة الداخلية في بيان على صفحتها بموقع فيسبوك فرض حظر التجوال بتونس بدءا من الجمعة 22 يناير، ليكون من الساعة 8 مساء حتى 5 صباحا، خوفا على الممتلكات العامة والخاصة حيث شهدت تونس أعمال سرقة ونهب تزامنا مع الاحتجاجات وعبر بعض النشطاء عن كون تلك الأعمال هي من قبل عناصر مندسة. كما نوهت الداخلية على أن من يخالف الحظر سيعرض نفسه للخطر والمحاكمة.
هل من متضامن؟
أعلن منصف المرزوقي على صفحته الخاصة بفيسبوك، من خلال بيان لحزبه (تونس الإرادة) عن تضامنه الكامل مع مطالب الشباب التونسي والاحتجاجات في البلاد حيث أن تلك كانت وما زالت مطالب ثورة الياسمين. مما دعى إلى سخرية العديد من التونسيين معلقين على كلامه بأنه، هو ذاته، استمر رئيسا للبلاد ثلاث سنوات ولم يحقق أي من مطالب الثورة.
كما دعى المرزوقي في حوار مع فرانس 24، في 22 يناير، لمؤتمر وطني للإنقاذ يشارك فيه الجميع، وفي هذا الإطار يمكن طرح كل الفرضيات بما فيها انتخابات تشريعية مبكرة.
وعبر حزب الجبهة الشعبية المعارض أن حكومة الحبيب الصيد ما زالت غير قادرة على تحقيق المطالب الاقتصادية والاجتماعية للشباب التونسي، وأن البلاد على أبواب ثورة وانفجار اجتماعي. كما أشار رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، عبد الرحمن الهذيلي، إلى أن ما يحدث بتونس كان متوقعا منذ فترة طويلة حيث أن الحكومة، كما عبر الهذيلي، لا تملك رؤية أو برنامجا لحل أزمات المناطق الداخلية بتونس.
كما حذرت الباحثة ألفة لملوم من تنامي الغضب الشعبي تجاه أداء الحكومة، حيث أنه منذ 2011 والحكومات المتعاقبة على تونس لم تقدم جديدا للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس.
كما أوضحت لملوم أن مدينة القصرين، التي انتقلت منها شرارة الغضب إلى معظم أرجاء تونس، عانت لسنوات طويلة قبل ثورة الياسمين من التهميش السياسي والاجتماعي، أزمة بطالة ضخمة وضعف فادح في الاستثمار العمومي والخاص، بالإضافة إلى موقع مدينة القصرين الحدودي وانتشار مجموعات سلفية مسلحة بالجبال المحاذية بالولاية، مما جعل المدينة موطنا للاستغلال والفساد. واستمر الوضع خلال الخمس سنوات الماضية كما هو حيث التهميش لأهالي القصرين وغياب العدالة عن تلك المدينة التي مات منها الكثير خلال ثورة الياسمين عام 2011.
هل تلعب يد الإمارات؟
أوضح السبسي خلال خطابه الموجه للشعب التونسي، أنه متفهم تلك التظاهرات بسبب الفقر والبطالة التي تعاني منهما بعض المناطق في تونس، إلا أن هناك أيادي خبيثة (لم يسمها) تعمل على هز الاستقرار التونسي سواء دولية أو محلية، كما أشار إلى داعش ورغبتها في زعزعة الأمن التونسي مستغلة أوضاع البلدان المجاورة.
كما أكد سامي الطاهري، الأمين المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل أن هناك مندسون قاموا بعمليات شغب وحرق ونهب بتونس بالإضافة إلى ورود معلومات، من رئيس إقليم الحرس تُفيد برصد قوات الأمن لأكثر من 10 سيارات رباعية الدفع على متنها مسلحون.
ما يحدث في تونس من احتجاجات تم ربطه أيضا ب تصريحات عدنان المنصر (الأمين العام لحزب حراك تونس الإرادة)، لصحيفة وطن في 30 ديسمبر 2015 حيث أشار إلى محاولات لإفشال التجربة الديمقراطية في تونس من قبل دولة الإمارات من خلال محاولاتها العديدة لإعادة سيناريو مصر و30 يونيو في تونس. وأرجع البعض أن ذلك الموقف الإماراتي هو بسبب رفض وجود حزب النهضة في الائتلاف الحاكم بتونس ورغبة في إزاحته من المشهد السياسي. مُدللين على ذلك بأن تونس قد شهدت مشاكل دبلوماسية شتى في العلاقات الإماراتية خلال العام الماضي حيث رفضت الإمارات منح التأشيرة للتونسيين بجميع أصنافهم المهنية والاجتماعية. وخلال مداخلة على قناة المغاربية في سبتمبر الماضي علق سمير عبد الله القرار، سفير تونس السابق في لبنان، على هذا الموقف قائلا: «إن كان ذلك القرار الإماراتي عقابا لتونس بسبب تشريك الإسلاميين في الحكم على إثر الانتخابات الأخيرة؛ فإن ذلك الموقف يعتبر تدخلا سافرا في الشأن الداخلي التونسي».كما صرح منصف المرزوقي (الرئيس التونسي السابق) في استضافة على قناة «فرانس 24» عندما سُئل عن الأطراف الخارجية التي تستغل المشهد، قال أن الإمارات هي «عدوة الثورات وتمول كل الانقلابات»كل هذه التصريحات انضمت إلى تقارير وشواهد تشير إلى إيفاد محمد دحلان القيادي السابق بحركة فتح والمستشار الأمني لولي عهد أبو ظبي للاجتماع بمجموعة من السياسيين ورجال الأعمال التونسيين خلال الاسابيع الماضي في منطقة البحيرة بقلب العاصمة التونسية تحت غطاء لقاءات اقتصادية وتجارية.
من يكتب النهاية؟
أصدر المعتصمون داخل مقر محافظة القصرين بيانا يوم الأربعاء الماضى أكدوا خلاله على سلمية تحركاتهم ورفضهم لتسيس قضيتهم بالإضافة إلى رفضهم لجميع الأجندات الحزبية التي تسعى لتوجيه مطالبهم، مما يفترض به أن يغلق أي فرصة محتملة أمام التدخلات الخارجية. كما أوضح البيان تمسكهم بضرورة فتح حوار مع السلطات المعنية للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف.
بعدها بيومين من أحداث الشغب المستمرة أصدرت الحكومة قرارا بحظر التجول في كافة أرجاء تونس، أعقب ذلك خطاب رئاسي اعترف فيه السبسي بأن الاحتجاجات «طبيعية» في ظل الأماكن المحرومة كالقصيرين، هدأت حدة الشارع قليلا بفضل الجيش والحكماء والمنظمات كما صرح رئيس الوزراء في اجتماعه العاجل أول أمس، ووعدت فرنسا على لسان رئيسها بمساعدات لتنمية تونس تصل إلى مليار يورو للسنوات الخمس المقبلة، تهدف خصوصا إلى «مساعدة المناطق المحرومة والشباب عبر التركيز على الوظائف».