روي فيتوريا: «الإدارجي» الذي تحتاجه كرة القدم المصرية
منذ قدومه إلى رأس الإدارة الفنية لمنتخب مصر، يضرب البرتغالي روي فيتوريا في كل الاتجاهات، وما يبدو أن له صلاحيات لم يحصل عليها غيره، ليست إلا سلوكيات ارتجالية من البرتغالي الذي عرف أين هو وكيف يحصل على حقوقه في ظل هذه المنظومة.
عرف فيتوريا من كارلوس كيروش الكثير قبل أن يأتي إلى مصر، عرف كيف يدار الاتحاد الحالي ومن وراءه، عرف الآباء الروحيين للكرة في مصر خلال القرن الحادي والعشرين بمنتهى العشوائية.
عرف كيف تتأخر المستحقات وينتهك الحكام وتدار الماكينات الإعلامية. عرف أن كرة القدم نفسها ومستطيلها الأخضر ودقائقها التسعين تشغل المساحة الأقل على الإطلاق في أذهان المسؤولين والجماهير على حد سواء، فأتى مشحونًا بشحنة كبيرة، يبدو أنها ستكون الشحنة التي قد تمثل آخر بصيص أمل للكرة المصرية.
يملك فيتوريا الآن بؤر تواصل مع المنتخبات المصرية المختلفة، يعلم المقربون من الاتحاد المصري لكرة القدم جيدًا أن لديه العديد من التدخلات في جلب روجيريو ميكالي، وحين تم «تطفيش» مايكل كلاتنبرج من رئاسة لجنة الحكام المصرية، كان الخيار برتغاليًا بانتداب فيتور بيريرا.
انتظام المسابقة، ونظام المعسكرات الوطنية، واستغلال الفترات الودية، والتكريمات التي كان آخرها لمحمد صلاح والاهتمام بالجانب النفسي، كل هذه أشياء يحدثك عنها المقربون من المنتخب المصري حاليًا، التي يقف خلفها شخص فيتوريا.
تتبع بعض محطات هذا الرجل، والمواقف التي تعرض لها في مسيرته، ستجعلك تأخذ صورة أعمق عنه، وتدرك جيدًا أن رجلًا بهذا الانطلاق وهذه الطرافة، بالعنف البرتغالي وبعض الغرور، يستطيع أن يمنح عشوائية كرة القدم المصرية عشوائية مضادة في اتجاه قد يقود مصر إلى الاتجاه الكروي الصحيح.
ذبح القطة!
من البداية تمامًا، أتى هذا الرجل «ذابحًا القطة» للاتحاد المصري، لأنه يدري أنه إن لم يبادر هو، فسيكون موضوعًا للانتقادات وتعليق الشماعات.
لا يخفى على أحد وعلى فيتوريا تحديدًا، أنه أتى بإيعاز من حازم إمام، لاعب الكرة السابق الذي يأخذ على عاتقه إبداء المنظور الكروي في اتحاد الكرة.
هذا المنظور لا يلقى رواجًا كبيرًا لدى الكتلة الأكبر من أعضاء الاتحاد، الذين يؤثرون الدوران في نفس الفلك ولو كلفهم ذلك وكلف الكرة المصرية كل شيء، ولذلك لم تكن خيارات حازم إمام الفنية أبدًا مرحبًا بها خلال السنوات الأخيرة.
عرف فيتوريا من البداية هذه اللقطة، يبدو أن كيروش أخبره في حديث بينهما ان هناك في الاتحاد من يتعارض مع أي وجهة نظر فنية كروية، وأن رحيله في الأخير كان قرار الكتلة التي تدير هذه التوجهات.
أتى فيتوريا من البداية ليهاجم طريقة استدعاء المحترفين، وليقول علنًا إن «الكرة المصرية لا تملك العدد الكافي من المحترفين للمنافسة على أعلى مستوى».
أغضبت هذه التصريحات اتحاد الكرة المصري، الذين بدورهم لم ينفذوا له كثيرًا من طلباته الأولى حول معسكر نوفمبر، وأيضًا حول نظام جدولة البطولة، فما كان منه إلا أن بدأ في إثارة الجلبة بين أروقة الاتحاد، كي يدير بنفسه ملف الكرة المصرية من الألف إلى الياء، وهي الوضعية الموجودة حاليًا بالمناسبة.
كما رفض فيتوريا من البداية تعيين مساعد مصري في جهازه، وهذه نقطة محورية في أي جهاز فني لمدرب أجنبي يدخل مصر، لأن المساعدين المصريين في كثير من الأحيان يكونون أدوات لمعرفة دولة الاتحاد المصري العميقة لكل شيء يدور في الأروقة، تمسك بجهازه المعاون كاملًا وهذه كانت نقطة أخرى فاصلة.
لن يسبّه مصطفى محمد بأمّه!
بدأت تجربة فيتوريا مع النصر بنجاح كبير ثم إخفاق كبير أيضًا، يبرر فيتوريا نفسه هذا الإخفاق بأنه بسبب التوقف الطويل لفترة فيروس كورونا والتي سببت التذبذب في مستوى الفريق النصراوي.
في النصر كان فيتوريا قويًا بما فيه الكفاية ليسيطر على اللاعبين الكبار، والسعوديين منهم على وجه الخصوص.
موقف جمعه باللاعب حمد آل منصور في إحدى المباريات يشرح لك عنفوانه على الخط، في إحدى المباريات كان الملعب يحتاج إلى تنشيط، فتحدث الثلاثي عمر هوساوي ووليد عبد الله وآل منصور بينما كانوا جميعًا على الدكة عن أن فيتوريا لابد أن يسحب عبد العزيز الجبرين خصوصًا أنه كان يعاني من إصابة في ذلك التوقيت.
طلب منهما آل منصور أن يخبراه بذلك «بصفتهما أكبر منه وأقدم» فآثرا السلامة، وطلبا منه بدورهما أن يذهب هو إن أراد.
«اذهب!». صيحة واحدة أعادت آل منصور إلى مقعده وأخبرته مع أي شخص يتحدث.
هذه الحالة يحتاجها بالتأكيد منتخب كان أهم رأس حربة فيه يتناول عرض والدة المدرب علنًا بلفظ خارج بعد إحراز هدف تعادل!
اقتناص اللقطة!
لا تنفصل الكرة المصرية أبدًا عن «صيد اللقطة» وهذا الرجل بارع للغاية في هذه الأمور.
كان لابد أن يكون أول شهر رمضان اختبارًا حقيقيًا له، والرجل من أول يوم لم يخيب الآمال.
إفطار رمضاني في حارة مصرية مع منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالعربية، طمأن متتبعي تلك اللقطات أن هذا الرجل يسير على نهج كيروش الذي كان واحدًا من أبرع صيادي اللقطات في تاريخ الكرة المصرية على قصر فترة إقامته.
كذلك ذكرنا بإعلان «الفتة» الشهير لهيكتور كوبر، الذي امتلك النجاح الأكبر في كرة القدم المصرية خلال آخر عقد وهو التأهل لكأس العالم 2018. هناك حد أدنى من «اللقطة» لابد أن يصل إليه المدرب الناجح في مصر، خصوصًا إن لم يكن من أبناء البلد.
بكل شيء يخص هذه البلاد، ندرك جيدًا أن ما يطلق عليه «الكاريزما» و«شراء الخواطر» يملك أهمية كبيرة في مصر، ويبدو أن فيتوريا لديه نسبة جيدة من فهم تلك المصطلحات، وسيستحق قريبًا لقب «بقى واحد منّنا» الذي يدمغ به المدرب الأجنبي بعد سلوكيات كتلك، خصوصًا لو حالفه الحظ بتحقيق إنجاز كروي قريب.
لا يسلم إلا وهو فائز: اسألوا سباليتي!
حين كان مدربًا لسبارتاك موسكو، وفي خضم منافسة مع نابولي في الدوري الأوروبي، حدث موقف غريب بين فيتوريا ولوسيانو سباليتي.
فاز سبارتاك موسكو بالمباراة، وبعدها توجه فيتوريا لمصافحة سباليتي الذي رفض فعل ذلك، ليقف فيتوريا ضاحكًا بسخرية.
ما قاله سباليتي عقب المباراة كشف سر السلوك، حيث أشار إلى أن فيتوريا لم يسلم عليه قبل المباراة بينما كان هو الطرف الذي يتعين عليه فعل ذلك لأن سباليتي وافد إلى ملعب سبارتاك موسكو.
قال سباليتي عقب المباراة: «أنا أحب تحية كل المدربين قبل المباراة وبعدها، لكنه لم يسلم علي بينما أنا ضيف إلى ملعبه، ما الذي يعنيه أن تسلم فقط وأنت فائز؟».
قطعًا لن يكون هناك أي مبرر لسلوك مثل عدم تحية مدرب إن صدقت رواية سباليتي، ولكن ألم تثر جملة «لا يسلم إلا وهو فائز» تلك أي جينات «حسام حسنيّة» لديك وأنت تبحث عن المدرب الذي سيشحن اللاعبين ويمنحهم الروح ويقاتل على الخط وهذه المصطلحات التي بها كثير من الشحن العصبي وقليل للغاية من كرة القدم؟!
«ابن نكتة»
يملك فيتوريا طقوسًا مرحة حتى أثناء المباريات، أشياء تكفي وحدها كي تجعلك مقبولًا عند شعب يقدس النكتة حتى لو أتت له في أي غلاف.
في إحدى المباريات مع بنفيكا، سجل فريقه هدفًا مهمًا، وفي الوقت الذي اشتعل فيه «ملعب النور» فرحًا بالهدف، سلطت الكاميرات على فيتوريا الذي كان يتقافز في مكانه بشكل كوميدي للغاية.
قُصّت هذه اللقطة واخترقت عالم الـ GIF وباتت من تفضيلات «ستيكرز» الواتساب لدى المستخدمين الكرويين على وجه الخصوص.
الضرب على الطاولة: فليحذر جاساما ونداي!
في مباراة بالدوري البرتغالي بين بنفيكا وسبارتا براج، رأى فيتوريا أن قرارات التحكيم كانت منحازة ضده، خرج في مؤتمر صحفي غاضبًا، ضرب على الطاولة أكثر من مرة، وطالب الحكام بـ«عدم سرقة كرة القدم التي يلعبها».
غضبه على الحكام يشبه كثيرًا ذلك الذي بدر من سابقه في المنصب، كارلوس كيروش، الذي كانت له صولات وجولات مع حكام إفريقيا في بطولة إفريقيا 2021، وبالذات مع الثنائي ماجيتي نداي وبكاري جاساما، حكمي مباراتي المغرب والكاميرون في الدورين ربع ونصف النهائي من البطولة.
هل نسبق الأوان؟
سؤال جيد، كل ما ذكرناه في السطور الماضية ليس إلا استشرافًا لطبيعة مدرب تتكشف يومًا بعد الآخر، يظهر فيها ذلك الرجل البرتغالي بثوب مانويل جوزيه العنيف تارة، وبحنان كارلوس كيروش مع لاعبيه تارة أخرى.
ولكن المؤكد أن فيتوريا ليس خيارًا سهل التعامل لدائرة منتفعي كرة القدم المصرية، وأنه على الأقل أبدى بعض الأمارات على أنه «المرقّع» الذي تحتاجه الكرة المصرية وسط شلال المنتفعين وغير المتخصصين الذين يديرونها.