روبيو: سقوط «الجمهوري الذي سيفوز»
هزيمة في عقر داره
بعد أدائه الضعيف في الولايات الأخرى، أتت الهزيمة المذلة التي تلاقاها روبيو في (فلوريدا) -ولايته التي يمثلها في مجلس الشيوخ-، والتي كانت أمله الوحيد للاستمرار في السباق الرئاسي، لتضع خاتمة لحلم ترشحه عن الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية بعد أن صار من المستحيل عليه -منطقيا- جمع العدد الكافي من أصوات مندوبي الولايات ليفوز بترشيح الحزب الجمهوري.
هزيمة روبيو الثقيلة أتت على يد (القطار المندفع) دونالد ترامب رجل الأعمال ذي التصريحات النارية ضد المسلمين والمهاجرين، وحتى النساء، والذي تمكن من الفوز على روبيو والظفر بجميع أصوات ولاية فلوريدا -الثقيلة انتخابيا- بحسب النظام الانتخابي في الولاية والذي يعطي المتصدر جميع أصوات مندوبي الولاية. وعلى الرغم من الدعم القوي الذي قدمته مؤسسة الحزب الجمهوري لروبيو، إلى الحد الذي دفعها لأن تطلب من جيب بوش -حاكم فلوريدا- الانسحاب لصالحه لتجنب تشتت أصوات الولاية الهامة بينهما، إلا أن رياح فلوريدا الدافئة أتت بخلاف ما تشتهي سفن قيادات الحزب الجمهوري ليحصل فتاهم المدلل -«روبيو الصغير» كما ينعته ترامب- على ٢٧٪ فقط من أصوات ناخبي فلوريدا، وليكون بذلك المرشح الجمهوري الوحيد الذي يخسر في ولايته التي يمثلها.
احتفال ديموقراطي بخروج روبيو
ترامب الذي ضم لأصواته ٩٩ صوتا غاليا موسعا الفارق بينه وبين ملاحقه تيد كروز، واللذان أضحيا في منافسة (رجل أمام رجل) الآن على ترشيح الحزب الجمهوري كما كان يتمنى ترامب – ليس هو الأكثر سعادة بانسحاب روبيو، بل هيلاري كلينتون. فهيلاري قد أمست اليوم على ثقة من اقتراب إعلانها رسميا مرشحة الحزب الديموقراطي للانتخابات الرئاسية لاسيما بعد الأداء المتميز الذي قدمته أمام ساندرز في انتخابات الأمس؛ إذ تمكنت هيلاري من إحراز العلامة الكاملة والفوز بجميع الولايات الخمس: فلوريدا، أوهايو، إلينوي، شمال كارولينا، ميزوري؛ موسعة فارق تقدمها على ساندرز إلى أكثر من ٧٥٠ مندوبا، لتتضاءل فرص الأخير في الفوز بالسباق لاسيما مع صعوبة التغلب على كلينتون في الولايات الهامة المتبقية كنيويورك – معقل هيلاري- وكذا كاليفورنيا الولاية ذات الكثافة العالية من اللاتينيين الذين يفضلون التصويت لهيلاري عادة.
في ظل هذا الواقع ، فالراجح أن هيلاري ستواجه في الانتخابات التي ستعقد مطلع نوفمبر القادم أحد المرشحين المتطرفين -ترامب أو كروز- مما يزيد من حظوظها في الفوز بصوت (الناخب الوسطي) الهام والمرجح للانتخابات.
انتخبوا المحافظ الذي سيفوز
في واقع الأمر ، وفي ظل المرشحين الحاليين، كان ماركو روبيو يمثل للجمهوريين الفرصة الحقيقية الوحيدة لنيل صوت (الناخب الوسطي) والفوز في الانتخابات المقبلة. ولئن كانت حملة روبيو مثالا للفشل الذريع إلا أنها كانت صادقة تماما في شعارها الذي دعت فيه الناخب الجمهوري ليتخلى عن تعصبه و «ينتخب المحافظ الذي بإمكانه الفوز» أمام مرشحي الحزب الديمقراطي الليبراليين. فروبيو وعلى مدار كافة استطلاعات الرأي أثبت أنه الأوفر حظا، من بين كافة المرشحين الجمهوريين، في التغلب على أي من المرشحين الديمقراطيين هيلاري أو ساندرز. فأصله الكوبي بداية يمنحه امتياز إمكانية سحب أصوات ذوي الأصول اللاتينية من الحزب الديمقراطي، الذي يصوت له اللاتينيون تقليديا، إلى «أول رئيس أمريكي من أصول لاتينية»؛ وسنه الشاب يعطيه لا شك أفضلية انتخابية أمام مرشح ديمقراطي يناهز السبعينات من العمر.
«أوباما الجمهوريين» كما كان يُلقَّب حرص دوما على الظهور بمظهر رب الأسرة المتدين المحافظ الذي تحترمه العائلات الأمريكية المحافظة، وعلى الرغم من مذهبه الكاثوليكي إلا أنه حرص دوما على زيارة الكنائس البروتستانتية خاصة المعمدانية الجنوبية التي ينتمي إليها العشرات من الملايين الميَّالين للحزب الجمهوري. بالإضافة إلى ذلك، فروبيو لم يقدم يوما خطاب كراهية تجاه المهاجرين او المسلمين أو المرأة؛ بل وحتى موقفه المعارض لزواج الشواذ مثلا هو موقف أقل حدة من مترشح آخر كـ تيد كروز.
إلا أن هذا كله لم يشفع لروبيو الذي حاول أن يقدم خطابا معتدلا نوعا ما، شبهه هو نفسه بخطاب ريجان، للناخبين الجمهوريين الذين أعمتهم حمأة خطابات ترامب وكروز النارية الرنانة عن فرص أي منهما الحقيقية في إعادة الجمهوريين إلى البيت الأبيض مرة أخرى بعد ثمانية أعوام من تركه. ليس هذا فحسب؛ بل حتى مستقبل السيطرة الحالية للجمهوريين على الكونجرس ستصبح محلا للتسؤال على إثر انتخابات التجديد النصفي التي ستعقد بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية؛ انتخابات قد يشارك فيها الناخبان: الوسطي والليبرالي، بكثافة ليحول دون وصول مترشح جمهوري متطرف للرئاسة، وليمنعه إن وصل إليها من التمتع بكونجرس ذي أغلبية جمهورية تسمح له بإطلاق يده في تنفيذ الرؤى التي يريدها للولايات المتحدة. هذه أخبار جيدة للديمقراطيين ولهيلاري.