روي كين: كان يجب عليّ قتل كيروش في تلك الليلة
حين قرر كارلوس كيروش المدير الفني الجديد لمنتخب مصر استبعاد الثنائي محمد مجدي أفشة ومحمد شريف من قائمة مباراة ليبيا الأولى الرسمية له مع الفراعنة في تصفيات المونديال، فتح البرتغالي على نفسه أبواب جهنم.
اللاعبان يحظيان بمستوى رائع طيلة الموسمين الماضيين. وعلى الناحية الرقمية كانا الأكثر فاعلية مع المنتخب خلال عامين، هذا إلى جانب قوة الأهلي الناعمة -والخشنة- في الكرة المصرية، وصعوبة استبعاد أهم نجمين به في مباراتين هامتين كمباراتي ليبيا.
الرجل أصر على عدم تبرير موقفه حتى والاحتفاظ بموقف القوة الذي أخضع مصر كلها له، وما هذا إلا بند في مدرسة السير أليكس فيرجسون، أهم مناهل عقلية كيروش.
تذكرة ذهاب وعودة إلى مدريد
كيروش هو المدرب المساعد الأول الذي ائتمنه فيرجسون على مشاركة دكة تدريب يونايتد بعد ستيف ماكلارين، والمدرب المساعد لفيرجسون كان ذا حظوة كبيرة تكتيكيًا وعمليًا وشخصيًا لديه، وبالتبعية كان لابد أن يملك قوته داخل غرف الملابس.
كان تأثير كيروش التكتيكي مثاليًا حين قدم إلى يونايتد في 2002، لم يغفله فيرجسون ولا اللاعبون رغم دخوله عديد المشادات مع لاعبين أفذاذ، لعل أكثرهم صخبًا كان روي كين، الذي كان ركنًا أساسيا داخل الملعب وخارجه حين بدأ البرتغالي مغامرته في أولد ترافورد.
مر موسم 2002-2003 الأول لكيروش مثاليًا. أثبت البرتغالي نجاحه مع فيرجسون بإضافات تكتيكية شهد بها الأسكتلندي نفسه، ليعود مانشستر يونايتد مجددًا إلى لقب البريميرليج، ويفرض كيروش نفسه اسمًا قويًا على الساحة التدريبية، ويجعل هذا عملاقًا كريال مدريد يبرم التعاقد معه خلفًا لديل بوسكي.
لم ينجح كيروش مع ريال مدريد في 2003-2004. حصد السوبر الإسباني فقط واكتفى بالمركز الرابع في الليجا وخرج على يد موناكو في التشامبيونز.
أقيل كارلوس من تدريب الميرنجي، وعاد أدراجه إلى يونايتد الذي تأثر تكتيكيًا بانسحابه من المشهد حين أنهى البريميرليج ثالثًا. فتح مدربه فيرجسون ذراعيه له ليعود مرة أخرى لمعقل الشياطين.
روي كين: عُذرًا لا نقبل الترانزيت
كانت العودة هذه المرة أكثر صخبًا، وبالتحديد في غرفة الملابس. لم يتقبل روي كين سنة «الترانزيت» التي قضاها البرتغالي في مدريد بسهولة.
الحق أن كين كان يعاني من مشكلات عديدة في مانشستر، حتى قبل عودة كيروش. كان الأيرلندي صانع المشاكل الأبرز داخل غرفة ملابس يونايتد، مع تقدمه في السن وكثرة إصاباته وعدم اعتماد فيرجسون عليه بذات الدرجة التي أنهى بها القرن العشرين واستقبل الحادي والعشرين.
علاقة فيرجسون بكيروش، و-تدليله- له من وجهة نظر كين كونت مجموعة من القش الكثير الذي قصم ظهر البعير، ودون فصلًا من أهم ما تعلمه مدرب مصر الحالي عن السيطرة على غرف الملابس.
بدأ كل شيء في الموسم التحضيري لموسم 2005-2006. فيرجسون كان قد وجه كيروش بترتيب كل ما يخص معسكر الإعداد. لم يجد البرتغالي أنسب من معسكر في بلاده لجلب كل لاعبي مانشستر يونايتد وعائلاتهم، وكان ذلك أمرًا مزريًا بالنسبة لكبار اللاعبين، وكين في مقدمتهم.
فيرجسون ترك كيروش ليسيّر المعسكر التدريبي بالكامل، كين أخبر الأخير أن أجواء المعسكر كارثية، وأنه يطلب المكوث في مكان آخر مع عائلته على أن ينتظم في مكان المعسكر يوميًا ولكن لا يقيم في أماكن إقامة اللاعبين.
البرتغالي كان قد حدد بالفعل فيلا على بعد ميل تقريبًا من مقر المعسكر لعائلة كين –زوجته و5 أطفال- وما إن وصلها الأيرلندي حتى زاد الطين بلة، الفيلا كانت «غير مرضية» على الإطلاق في وصف كين المحترم آنذاك للشكوى، بعد 14 عامًا سيتحدث بالتفصيل عن حمام السباحة -الجليدي- الذي كان بها، وكيف أنه كان «مصممًا للغرق لا للسباحة»، وأنه وجد 3 أسرّة في فيلا من المفترض أنها مجهزة لأسرة من 6 أفراد.
عاد كل لاعبي يونايتد من هذا المعسكر ممتعضين، لكن كين كان قد «أضاف واحدًا آخر لقائمة ضحاياه» على حد تعبيره بعد 14 عامًا في لقاء مع «أوف ذا بول». ازدادت الأجواء توترًا مع بدء الحصص التدريبية الاستعدادية للموسم، والتي طرأت فيها أكثر من مشادة بين كيروش وكين.
كيروش وجه كين بالتدرب لأسبوع مع الفئات الأدنى لاستعادة لياقته بعد إنهاء الموسم السابق مصابًا، وحينما حاول كين مناقشته في الأمر كوّر ورقة بيده وألقاها في وجهه وقال له: «اذهب هناك!».
ليس من السهل أن تفعل هذا مع لاعب كان يمثل بالنسبة لفيرجسون -وفق مذكراته نفسه- أحد أهم أدوات سيطرته على غرفة ملابس مانشستر يونايتد، ولا مع لاعب مكث 12 عامًا حينئذ مع الفريق.
هل تظن أن ضربتين كهاتين يمكن أن تمرا على كين من دون رد؟ تهكم الأيرلندي على تكرار كيروش تدريباته في حصص مانشستر يونايتد قائلًا له: «أتفعل هكذا مع زوجتك؟»، وقبل أن يستفهم كيروش باغته كين بقوله: «أعني ألا تغير الوضع أبدًا؟».
بات الأمر سجالًا بين كين وكيروش في حصص مانشستر يونايتد التدريبية، وكلما طلب كين من فيرجسون أن يحبط سيطرة البرتغالي المطلقة كان فيرجسون يطالب كين بالهدوء -باختصار لأن سيطرة مساعده جزء من سيطرته نفسه.
شعرة معاوية
تفجر الوضع حين سقطت شعرة معاوية بين كل الأطراف، كان هذا في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2005 حين حل يونايتد ضيفًا على ميدلزبره وانقاد لهزيمة مدوية بأربعة أهداف لهدف.
لم يكن كين في قائمة الفريق ولكنه كان في أستوديوهات قناة النادي الرسمية. صب كين جام غضبه على الفريق. تم إيقاف إذاعة هذه الحلقة بناء على طلب من فيرجسون، وكان الكل ينتظر التدريبات الأولى عقب القنبلة.
اختلفت التأويلات حول ماهية ما قاله كين قائد الفريق آنذاك. ذكر فيرجسون في سيرته الذاتية أنه توجه بالنقد لريتشاردسون وويس براون قائلاً إن أداءهما لا يرتقي لمستوى يونايتد، كما عرج على دارين فليتشر قائلاً إن الناس في أسكتلندا يرون أن فليشتر لاعب عظيم لأن أسكتلندا ليس لها باع في كرة القدم -لا تنس أن فيرجسون أسكتلندي- كما تناول ريو فيرديناند قائلاً إن تقاضي 120 ألف إسترليني أسبوعيًا لا يعني أن ترتكب أخطاء ساذجة!
نفى كين كل هذا بالمناسبة، ومربط الفرس الذي قاله بعد ذلك، هو أن كيروش بدأ بتجهيز الضربة القاصمة له من خلال «تسخين» فيرجسون عليه. يقول جاري نيفيل، إنه في تلك اللحظة التي طلب فيها فيرجسون من كين وكيروش واللاعبين مشاهدة الفيديو، قد عرف أنها النهاية، مؤكدًا أن هذا الاجتماع كان كارثيًا.
يقول نيفيل إن اللاعبين كانوا مستائين بعض الشيء لكن لم تكن لديهم مشكلة كبيرة مع ما قاله كين، في إشارة ضمنية إلى أن اللاعبين كانوا يشعرون أن هناك من يحاول تضخيم المشكلة، بل إن حديثًا صحفيًا لكين عقب مباراة بايرن ميونخ قبلها بأربع سنوات كان أكثر سوءًا -على حد تعبيره.
كانت نتيجة هذا الاجتماع رحيل روي كين بأسوأ طريقة ممكنة، تغريمه وعدم الاكتراث لاعتذاره ثم إنهاء عقده قبل أن ينتهي عامه الأخير، نهاية سيئة لمشوار دام أكثر من 12 عامًا بقميص الشياطين الحمر.
يرى كين أن كيروش تسبب بكل هذا، الأيرلندي كشف عن حوار ساخن دار بينه وبين البرتغالي كان سجاله كالآتي:-
كين كان عضوًا في أستوديو تحليل قناة «آي تي في» لمباراة إيران وإسبانيا في مونديال 2018، وأشاد بعمل كيروش التكتيكي قائلاً إنه مدرب جيد وهذا لا غبار عليه، لكنه لم ينس تناول كيروش ولاءه لمانشستر يونايتد في ذلك اليوم مشيرًا إلى أنه كان أمرًا «يستحق أن ينتزع رأسه من مكانه حيالَه» وأنه أخطأ بعدم فعل ذلك.
قال فيرجسون بعد ذلك إن مبرره في هذا القرار كان اقتناعه بأنه إن ترك سلوكًا كهذا يمر، فسيخسر احترام باقي اللاعبين في فترة إحلال وتجديد كان الأهم بالنسبة له فيها النجوم الصغار بقيمة واين روني وكريستيانو رونالدو على سبيل المثال.
السياق العام، تصريحات كين عن هذا الفيديو وكذلك تعقيبات جاري نيفيل تشير إلى أن ثمة تهويلًا مارسه شخص ما قريب من فيرجسون لتوجيه ضربة قاضية لكين، وتكتمل ملامح المؤامرة من تصريحات البرتغالي في الأيام التي أعقبت المباراة حين قال: «مانشستر يونايتد لا يستطيع تعويض رحيل كين»، وكأن أحدًا قد استدعى أمر الرحيل مبكرًا في حين أن مانشستر يونايتد لم يكن قد حسمه بعد.
أفشة: أخشى أن تبتلع الطعم!
على ضوء هذا الموقف يمكن استنباط نموذج مشابه حين خرج البرتغالي في المؤتمر الصحفي عقب إعلان قائمة مصر لمباراة ليبيا الأولى رسميًا له مع الفراعنة باسطًا سيطرته تمامًا على كافة عناصر اللعبة، الإعلام واللاعبين والمسؤولين، تستطيع أن تشتم من هذا السلوك بسهولة رائحة افتعال مشكلة عمدًا لبسط سيطرته على بلدٍ يدلي في أمور الكرة بها تعداد السكان بالكامل.
وإن كنت تظن أن شريف وأفشة لم يردّا، فأنت لم تفهم تصيّد كيروش بعد، ألم يتم تسريب أخبار للإعلام -الأهلاوي تحديدًا- عن صدمة اللاعبين لأنهما لم يبلغا بغيابهما عن القائمة قبل إعلانها، في حين أن هذا هو الشكل الاعتيادي بالأساس لإعلان القوائم، البرتغالي يمكن أن يجد متصيَّدًا سهلاً هنا لتوجيه ضربة قاصمة على غرار ضربة روي كين.
والأهم، أليس ما يذهب للإعلام مختلفًا قليلاً عن حقيقة الأمر؟ فالبعض يعزي الاستبعاد للقياسات البدنية، والبعض لطريقة لعب كيروش، والبعض الآخر لمستوى فني لا أكثر. ألا يذكر هذا التضارب بما ذكرناه عن المبالغة في موقف الفيديو الذي أنهى 12 عامًا لروي كين مع مانشستر يونايتد؟
البرتغالي هو الابن المطيع لمدرسة فيرجسون في السيطرة على غرف الملابس، وهو مستعد لدفع الضريبة إعلاميًا وجماهيريًا بل وحتى فنيًا كي يكرس تلك السيطرة، لا يقبل أنصاف الحلول، ولا يفرق أبدًا بين روي كين وأفشة، الأهم أن يحصل على غرفة ملابس لا ترى إلا كيروش.