رونالدو أم ميسي: من سيصل إلى 40 عامًا وهو بنفس الجودة؟
تُخصص جريدة «جارديان» قسمًا خاصًا باسم «المعرفة – The knowledge» من أجل الاجابة على الأسئلة المتعددة التي تصلها من جمهور القراء حول أشياء مختلفة في كرة القدم. وقت أن أعلن الكاميروني «إيتو» اعتزاله اللعب بعد أن بلغ الـ38 من عمره، تلقى القسم تساؤلاً حول أسماء اللاعبين الذين ما زالوا يمارسون اللعبة، في حين كان لهم نصيب في المشاركة بمنافسات كأس العالم 1998 الخالدة بفرنسا.
تُعد المناسبة المونديالية التي تصلنا كل 4 أعوام عبارة عن فواصل تاريخية بارزة، تستخدم في حساب أعمار اللاعبين، وكوحدة قياس منطقية ومتعارف عليها لتحديد مدى قدرة واستمرارية النجم أو الأسطورة.
وباقتراب النسخة المزمع إقامتها بقطر لعام 2022، فلا يمكن أن تجتمع أمنيات عموم المتابعين حول شيء أكثر من أن يلحق كل من «كريستيانو رونالدو» و«ليونيل ميسي» بتلك النسخة، لكن هذه الأمينة تواجه دائمًا شبح العُمر، حيث سيمتلك رونالدو بحلول عام 2022، 37 عامًا، بينما سيكون ميسي في الـ35.
واقعيًا، لن ينجح كلاهما في الوصول إلى تلك النقطة من العُمر وهو داخل الملاعب، وإن فعلاً، ففي الغالب لن يكونا بنفس الجودة المعهودة لواحد منهما على الأقل، فمن منهما سيتمكن من أن يصل إلى تلك النقطة في تاريخه، ودخول صفحة جديدة، وهو بنفس الجودة التي تسمح له بتسجيل سطور لها قيمة فيها؟ ربما نجد الإجابة في اليابان.
التجربة اليابانية
بالعودة إلى التقرير الذي أجابت به الصحيفة الإنجليزية على أسئلة متابعيها، فإن قائمة اللاعبين الذين حظيوا بفرصة المشاركة في مونديال 1998 ولم يعلقوا أحذيتهم حتى تاريخ نشر التقرير: سبتمبر/أيلول من عام 2019، ضمت 7 أسماء، يوجد بها 3 لاعبين من منتخب اليابان، هم: «تيرويوشي إيتو»، «شينجي أونو»، و«ماساشي ناكاياما»، والذين كانت أعمارهم 45 عامًا، 39 عامًا و52 عامًا، على الترتيب.
ما قد يحول الأمر من حالات عابرة إلى أشياء تستحق الدراسة، هو أن الثلاثي المذكور ليسوا الأوائل الذين يستمرون لآواخر الثلاثينات من أعمارهم في الملاعب اليابانية، وربما على رأسهم «شونسوكي ناكامورا» لاعب سيلتك الشهير، الذي ربما ستتذكره بقدمه اليسرى الخالدة.
يكفي أن أخبرك بأن الإسكتلنديين في ظل صراعهم الأزلي ضد نظرائهم الإنجليز، وبمبالغة معتادة، كانوا يضعون تقييمًا لقدم الياباني اليُسرى يفوق تقييم القدم اليُمنى للإنجليزي «بيكهام»، ولعل هدفيه في مانشستر يونايتد عام 2006 عززا تلك الفكرة.
إذا ما أخذتك حالة حنين إلى الماضي وقررت البحث عن اسم «ناكامورا» على موقع «Transfermarkt» لترى أي الفرق قد تولى تدريبها حاليًا بعد أن تقاعد، فلن تكتشف فقط أنه ما زال يلعب حتى الآن، بل أنه انضم كصفقة جديدة لفريق يوكوهاما الياباني من الدرجة الثانية هُناك، فقط في صيف عام 2019، وبالرغم من أنه كان في الـ41 من عُمره حينها. الجدير بالذكر أن ذلك الفريق تحديدًا يستطيع خلق تشكيلة كبيرة من اللاعبين الذين تتخطى أعمارهم الـ30 بفارق مُريح، حيث يملك مُعدل أعمار 36.5 عامًا، وهو مُعدل غريب على لعبة كرة القدم، لكنه طبيعي في اليابان.
رونالدو: خالٍ من الكوليستيرول
يهرب اللاعبون من مصير الشيخوخة الكروية المُبكرة ومطالبات الجماهير بالتقاعد بسبب الانخفاض البدني المعهود، فقط قليل منهم يتمكن من الاستمرار في ظل المعوقات التي تبدأ من انخفاض الحالة البدنية والتي تتأثر بالطبع من التقدم في العُمر.
تطرق موقع «These Football Times» في أحد تقاريره لشرح الظاهرة اليابانية في الاستمرار لما بعد الثلاثين، وحتى ما بعد الأربعين، والأهم أنه استمرار بجودة مقبولة، السبب الأوّلي: هو الحالة البدنية التي تتمتع بها الشعوب الآسيوية في المُطلق، وفي اليابان بشكل خاص.
تتبع اليابان نظامًا غذائيًا شبه خالٍ من الكوليستيرول، وهو السبب الأبرز في ارتفاع العُمر المتوقع للفرد الياباني إلى 84.2 عامًا، كأعلى رقم ممكن حول العالم. توفر تلك الطبيعة الحياتية لرياضييهم الأساس للعب فترات أطول مع عدم الشعور بالآثار المفاجئة لعملية الشيخوخة.
في ذلك الجانب، يمكن وضع رونالدو وميسي في خانات متقاربة، ما يعني أنها نقطة آمنة بالنسبة للطرفين مع تفضيل بسيط بالنسبة لكريستيانو. حيث تَعدل نظام ليو الغذائي منذ وجود «جوارديولا» بالفريق الإسباني في 2008 فقط، وأصبح السمك ضمن وجباته الأساسية في قائمة طعامه، وهو ما سمح له بضبط مُعدل إصاباته والحد منها لأقصى درجة ممكنة، وهو ما لم يكن موجودًا من قبل.
أما فيما يخص البرتغالي، فلا يمكن تأكيد الأمر بشيء أكثر من التحذير الذي تلقاه ميسي من تناول العشاء مع رونالدو، وكان ذلك التحذير من الفرنسي «إيفرا». يملك لاعب يوفنتوس الحالي وجبات يُطلق عليها زميله السابق اسم «وجبات تدريبية»، أثناء تناولها تشعر وكأنك لا زلت في التدريب، لا تحتوي على لحوم غير بيضاء ولا يوجد بها أي عصائر، فقط الماء وبعض السلطات وقطع الفراخ ليس إلا، تلك هي طبيعة حياة رونالدو منذ أن بدأ اللعبة.
يسمح ذلك للبرتغالي بالاستمرار حتى تلك السن دون الشعور بأي أثار للشيخوخة، حيث افتتح صفحته الجديدة مع كرة القدم بحلول كأس العالم الأخيرة بروسيا، بتسجيل أسرع عملية ركض بالبطولة «33.98 كم/الساعة». لن يستطيع البرتغالي الوصول لذلك دون أن أن يكون مُعدل العضلات في جسده أعلى من الطبيعي بـ4% على الأقل «كتلة العضلات بجسد كريستيانو 50% في حين تساوي 46% عند الرياضي العادي»، وهو ما يعتبر نتيجة منطقية لنظامه الغذائي الذي كرهه إيفرا وحذر ليونيل منه.
ميسي الكلاسيكي
يُعد كل ما مضى محاولات لتخفيف آثار التقدم في العمر على اللاعبين بعد تخطي الـ30، لكن بالضرورة ستنخفض اللياقة البدنية كرد فعل تلقائي من أي جسد بشري، مما يضع حتمية بجانب ضرورة الحفاظ على النظام الغذائي، وهي تعديل جزء من أفعال اللاعبين فيما يخص كرة القدم نفسها.
أحد أبرز الأمثلة التي نجحت في الاستمرار في أوروبا حتى بلوغ الـ40 ويجب أن تؤخذ كمثال: هو «ريان جيجز». بدأ الويلزي حياته كجناح على الطرف يمتاز بسرعة كبيرة في الركض أعلى وأسفل الملعب، كان من الصعب تخيله يقوم بأي دور ثانٍ وفقًا لإمكانياته، لكن مع تقدمه في العمر نجح في تقديم دور جديد كوسط ملعب ثالث بضرورة ركض أقل، واستخدام غير مفرط للياقة البدنية، واستخدام مفرط للعقل في التحرك والتمرير.
بدأ رونالدو بالفعل في رحلة جيجز تلك منذ أعوام طويلة، على عكس ميسي الذي ما زال يؤمن بقدراته حتى بعد تخطيه الـ30، حيث تحول مركز رونالدو من الجناح إلى رأس الحربة، ثم إلى رأس الحربة الأكثر تمركزًا داخل منطقة الجزاء والأقل ركضًا خارجها وحولها، تحرك كل تركيزه إلى كيفية تسجيل عدد أكبر من الأهداف الحاسمة من أجل الحفاظ على مكانته عند الجماهير.
لكن مع أسبقية البرتغالي في السعي، يظل لدى ميسي أفضلية في تلك المنطقة، فوفقًا لما قد يتطلبه منك العُمر، فإن مدى اعتمادك على لياقتك ينخفض فقط باستخدام الذكاء الذي يظهر في التمريرات البينية أو في تنفيذ الكرات الثابتة أو في المراوغات البسيطة في مساحات محدودة.
وفي كل ما مضى يملك الأرجنتيني الأفضلية في الحفاظ عليه مع تقليل أدواره في أرض الملعب، على عكس رونالدو الذي سينخفض معدله التهديفي آجلًا أم عاجلًا بضعف عضلات قدميه وبالتالي ضعف التصويبات، بدأ ذلك بالفعل، أو بانخفاض مستواه في القفز وخسارة ميزة التسجيل بالرأس بالتدريج.. إلخ.
شبح صافرات الاستهجان
أطلق رونالدو تصريحات جدلية عن رغبته في الفوز بكرات ذهبية أكثر في المستقبل وحتى اعتزاله اللعبة. يسعى لاعب يوفنتوس للحفاظ على قيمته التسويقية كلاعب معتمدًا على تواجده في منصات التتويج.
أما في اليابان، فإن نظام الأجور يعتمد على زيادة قيمة الراتب للاعب الياباني كلما تقدم في العُمر. يعود ذلك إلى اعتمادهم على كرة القدم كوظيفة طبيعية مثل غيرها، فكلما زادت خبرتك كلما استحققت راتبًا أكبر. أما في أوروبا فإن الأمور لا تعتمد على قيمة ما تقدمه في الملعب بقدر قيمتك الجماهيرية والتسويقية.
ضرب موقع «These Football Times» المثل في تلك النقطة بالياباني الأعلى أجرًا على مستوى الدوري المحلي، «ياسوهيتو إندو»، البالغ من العمر 39 عامًا ويحصل على راتب سنوي قدره 150 مليون ين، يعادل 1.1 مليون باوند.
أما في إنجلترا، دعنا نضرب المثل بالإنجليزي «راشفورد» الذي يتحصل على 10.4 مليون باوند سنويًا، فقط لقيمته عند الجماهير الإنجليزية دون أي حاجة لتحليل أدائه أو شرح عيوبه.
أما بخصوص ليو، فإن قيمته عند جماهير برشلونة ستسمح له بتقديم أي أداء ممكن على أرض الملعب دون الحاجة لمزيد من المجهود، فقط تواجده يكفي، وطالما تواجد في كتالونيا سيجد الراتب الذي يتناسب مع قيمته عند تلك الجماهير، وبالتالي فرص أكبر في الاستمرار دون الحاجة إلى التفكير في الاعتزال بسبب انخفاض المقابل المادي، ودون الحاجة لكرات ذهبية كما هو الوضع عند منافسه الأزلي.