روبرت أوبنهايمر: لهذا لم تعد هيروشيما كما كانت
كانت هذه الكلمات التي صرح بها «روبرت أوبنهايمر – J. Robert Oppenheimer» في أول لقاء صحفي له بعد أن شهد تجربة تفجير أول سلاح نووي، والذي أطلق عليه اسم «ترينيتي – Trinity» من قِبل الجيش الأمريكي في 16 يوليو/ تموز 1945 في ألاموغوردو، نيومكسيكو.
وفي صبيحة السادس من أغسطس/آب 1945، في أواخر الحرب العالمية الثانية، ألقت الطائرات الحربية الأمريكية قنبلتها الذرية على مدينة «هيروشيما» اليابانية، أتبعتها بقنبلة أخرى أكبر حجمًا بعد ثلاثة أيام في مدينة «ناجازاكي» اليابانية أيضًا، لتقتل بذلك أكثر من ربع مليون مدني في كلتا المدينتين في لحظات.
لا يعلم العالم ذنبًا ارتكبته هاتان المدينتان، سوى أنهما وقعتا جغرافيًا في اليابان التي رفض رئيس وزرائها آنذاك «كانتارو سوزوكي» قبول إعلان «بوتسدام» الذي ينص على أن تستسلم اليابان كاملًا لقوات الأعداء[1] دون إدراك حجم ما يخبئون لها من عقاب. اختيرت هيروشيما كهدفٍ أساسي لأنها بقيت دون أي تأثر بالغارات الجوية، ويمكن قياس آثار القنبلة الذرية فيها بوضوح، كما أنها ميناء رئيسي ومقر عسكري، بالتالي فهي تمثل هدفًا إستراتيجيًا.
أضاءت الأشعة الذرية سماء المدينتين، وراح الناس قتلى بالجملة شملت مساحة بلغت مئات الكيلومترات، وظل الناجون يعانون من تشوهات تغلغلت في جيناتهم، وورّثوها لأجيال تبعتهم لسنوات. لكن من أين أتت القنبلة الذرية؟ وما قصتها؟ ومن عَمِل على تحويل الفيزياء لأداة قتل بشعة بتلك الصورة؟
روبرت أوبنهايمر: البدايات
تحل علينا اليوم ذكرى ميلاد «يوليوس روبرت أوبنهايمر – J. Robert Oppenheimer»، في 22 أبريل/نيسان 1904. هو فيزيائي أمريكي (لوالدين ألمانيين)، عُرف بـ «أبو القنبلة الذرية»، وكان المدير العلمي لمشروع مانهاتن الأمريكي لتصنيع السلاح النووي، حيث كان كل هذا الألم من تنفيذه، وآخرين.
بالعودة إلى طفولة أوبنهايمر البريئة، كانت عائلته مهاجرين يهود فارين من ألمانيا، سكنوا نيويورك، ثم أصبحوا جزءًا من «مجتمع الثقافة الأخلاقية – Ethical Culture Society»، وهي جمعية تعد ثمرة عملية الإصلاح اليهودية الأميركية التي أسسها وقادها آنذاك الدكتور «فيليكس أدلر – Felix Adler».
ركز هذا المجتمع على أمورٍ قيّمة مثل العدالة الاجتماعية، المسؤولية المدنية، والإنسانية العلمانية. كما أسس أدلر أيضًا مدرسة الثقافة الأخلاقية التي التحق بها روبرت أوبنهايمر في سبتمبر/أيلول 1911. كان أوبنهايمر صاحب ذكاء أكاديمي في وقتٍ مبكر جدًا، وقبل أن يكمل عامه العاشر، كان قد درس علوم المعادن، الفيزياء، والكيمياء.
تلقى «نادي نيويورك لعلوم المعادن» كتابات علمية متقدمة جدًا من شخصٍ ما يدعى روبرت أوبنهايمر، وكانت هذه الكتابات على مستوى عالٍ جدًا مما اضطر النادي إلى دعوته لإلقاء محاضرة دون أن يدرك أن روبرت هذا كان يبلغ من العمر 12 عامًا فقط.
تخرج أوبنهايمر من المرحلة الثانوية عام 1921، وأصيب بعد ذلك بمرض «الزحار – Dysentery» أو التدفق الدموي، وهو التهاب يصيب الأمعاء خاصة في القولون، يؤدي إلى إسهال شديد يحتوي على الدم المتجلط. بسبب مرضه هذا اضطر إلى تأجيل دراسته في جامعة هارفارد بعض الوقت. بعد تعافيه، التحق أوبنهايمر بجامعة هارفارد في سبتمبر/ أيلول عام 1922، وتخرج منها بعد ثلاث سنوات فقط، متفوقًا في مجموعة واسعة من العلوم. وعلى الرغم من تخصصه في الكيمياء، إلا أنه أدرك أن شغفه الحقيقي هو دراسة الفيزياء.
بدأ أوبنهايمر عمله في الدراسات العليا في الفيزياء في مختبر «كافنديش» في كامبريدج، إنجلترا عام 1925. وافق البروفيسور «جوزيف جون طومسون – J. J. Thomson» الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1906 عن كشفه للإلكترون، أن يتولى الإشراف على دراسات أوبنهايمر.
أدرك أوبنهايمر في مختبر كافنديش أن موهبته العلمية كانت الفيزياء النظرية وليست التجريبية داخل المعامل. ومعنى أن تحب وتتعلم الفيزياء النظرية في هذه الحقبة الزمنية من القرن الماضي، يعني أن تكون أوروبا هي وجهتك الصحيحة، بسبب أنها كانت منطقة محورية في علوم الفيزياء، حيث انهمك علماء الفيزياء هناك في تطوير نظريات رائدة في ميكانيكا الكم. وعلى هذا الأساس، وفي عمر الـ22 عامًا، قبل أوبنهايمر دعوة من البروفيسور «ماكس بورن – Max Born» مدير معهد الفيزياء النظرية في جامعة «غوتنغن» للدراسة معه في ألمانيا.
نشر أوبنهايمر العديد من المساهمات الهامة في نظرية الكم التي تم تطويرها حديثًا، وأبرزها بحث علمي حول ما يسمى بـ«تقريب بورن أوبنهايمر – Born-Oppenheimer approximation»، الذي يفصل الحركة النووية عن الحركة الإلكترونية في المعالجة الرياضية للجزيئات، وحصل أوبنهايمر على درجة الدكتوراه أخيرًا عام 1927.
أصبح أوبنهايمر الأب المؤسس للمدرسة الأمريكية للفيزياء النظرية. وقام بأبحاث مهمة في مجالات متنوعة في الفيزياء مثل الفيزياء الفلكية، الفيزياء النووية، نظرية التحليل الطيفي، والحقل الكمومي. كما قدم مساهمات مهمة أيضًا لنظرية «شعاع الأشعة الكونية – Cosmic Ray Showers»، ووصف الأنفاق الكمومية. وفي ثلاثينيات القرن الماضي، كان أول من كتب أوراقًا بحثية تقترح وجود ما نسميه اليوم «الثقوب السوداء – Black Holes». تزوج أوبنهايمر من «كاثرين بونينغ هاريسون» في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1940، وأنجبا طفلهما الأول «بيتر» عام 1941.
خلف الستار في أورانفيرين
ارتبط اسم أوبنهايمر بالقنبلة الذرية، ومشروع مانهاتن المصنّع لها، لكن كان لألمانيا دور هام وبداية فريدة في ولادة القنبلة الذرية، حيث توفر لديها بعض أفضل العلماء في مجال الفيزياء، ووجود قاعدة صناعية قوية، ومواد كافية، ومصلحة ضباطها العسكريين. بدأت القصة بإنجازٍ علمي من شأنه تغيير مجرى التاريخ (وهو ما حدث فعلًا).
في ثلاثينيات القرن الماضي، تحديدًا عام 1938، اكتشف «أوتو هان، وفريتز ستراسمان»، عالمان ألمانيان، في مختبر برلين شيئًا ما، انشطارًا عن غير قصد، لقد قاموا بتقسيم ذرة اليورانيوم! حتى الآن لم ترتكب ذرة اليورانيوم أي ذنب في انشطارها، هذا إنجاز علمي بحت.
أدرك العلماء أن الطاقة التي يتم إطلاقها عند انشطار الذرة هائلة، ما يكفي لصنع سلاح فريد، تزويد قنبلة ذرية بالطاقة مثلًا. لكن قبل أن يتم بناء هذه القنبلة -إذا فكر أحدهم في ذلك- سيتوجب عليه حل العديد من المشكلات الفنية. بعد هذا الاكتشاف بعدة أشهر في أبريل/ نيسان عام 1939، بدأت ألمانيا برنامجها النووي السري، الذي أطلق عليه اسم «أورانفيرين – Uranverein»، أو «نادي اليورانيوم»، هنا بدأت ذرة اليورانيوم تُستغل في أعمال شريرة قادمة.
علِم الفيزيائي الهنجاري «ليو زيلارد -Leo Szilard» بما يخطط له الألمان، وأدرك حجم الخطر الذي سيحدث في حال نجاحهم في حل المشاكل الفنية لتصنيع القنبلة الذرية، وأنهم على وشك فعل ذلك بنسبة كبيرة.
استعان زيلارد بآلبرت آينشتين في كتابة رسالة إلى الرئيس الأمريكي «فرانكلين روزفلت» عام 1939 وتوقيعها. حذر زيلارد من إمكانية إجراء ألمانيا لأبحاث أسلحة نووية، وأن العالم قد يشهد سلسلة من التفاعلات النووية الخطيرة، التي يمكن أن يستخدم فيها كمية كبيرة من اليورانيوم بشكلٍ غير مسئول، والذي سينتج عنه كميات هائلة من الطاقة تدمر كل شيء، كما سيتم توليد كميات كبيرة من الطاقة من عناصر جديدة تشبه الراديوم. ويقترح زيلارد في رسالته الموقعة من آلبرت آينشتين أن تبدأ الولايات المتحدة أبحاثها الخاصة في مجال الطاقة الذرية.
بهذا أصبحت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية على علمٍ بالبرنامج النووي الألماني، بعد أربعة أشهر فقط من بدئه، وفي أجواء الحرب، دخلت في سباق مع الألمان لتطوير قنبلة ذرية، معتقدة أن من يمتلك القنبلة الذرية الأولى سيفوز بالحرب.
مشروع مانهاتن
استلمت الولايات المتحدة الأمريكية الدفة، وجرى العمل على تصنيع القنبلة الذرية ببطء، وفي الفترة بين عامي 1940-1941، أظهر استنتاجان بشكلٍ قاطع أن نماذج تصنيع القنبلة كانت مُجدية، مما جعل تصنيع القنبلة أولوية قصوى بالنسبة للولايات المتحدة.
كان المطلوب هو تحديد «الكتلة الحرجة» من اليورانيوم، والتأكيد على أن عنصر البلوتونيوم يمكن أن يخضع للانشطار أيضًا، مما يساهم في صنع القنبلة. في ديسمبر/ كانون الأول عام 1941، أطلقت الحكومة الأمريكية «مشروع مانهاتن – Manhattan Project»، المشروع العلمي – العسكري لتطوير القنبلة الذرية.
استُدعي أوبنهايمر للعمل في المشروع، حيث يعتبر بالفعل فيزيائيًا استثنائيًا في الفيزياء النظرية. فقد درس بجدية إمكانية وجود قنبلة ذرية، وأجرى أبحاثًا على النيوترونات السريعة، وحساب كمية المادة التي قد تكون مطلوبة لصنع قنبلة، ومدى كفاءتها. بمعنى آخر، كان نموذجًا لما تريده الولايات المتحدة الأمريكية. في يونيو/ حزيران عام 1942 أصبح أوبنهايمر المدير العلمي للمشروع بأمرٍ من الجنرال «ليزلي جروفز». وبتوجيهات مباشرة من أوبنهايمر، تم بناء مختبرات في لوس ألاموس، وأحضر أفضل العقول في الفيزياء للعمل على حل مشكلة إنشاء قنبلة ذرية.
برر روبرت فورمان، مساعد الجنرال جروفز، ورئيس المخابرات الأجنبية في المشروع مانهاتن، أن المشروع مبني على الخوف، خوف الولايات المتحدة من أن يكون لدى العدو القنبلة، أو سيحصل عليها قبل أن تتمكن هي من تطويرها، حيث كان الألمان متقدمين علميًا، فهي تقود عالم الفيزياء المتحضر في كل جهة.
ربما لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية مضطرة لتصنيع القنبلة خوفًا من ألمانيا، أو اعتبارها المنافس الشرس لها في البرنامج النووي، وبعد بدء الحرب كذلك. فقد غادر العديد من كبار العلماء الألمان ألمانيا احتجاجًا على سياساتها، وبعضهم مهاجرون يهود فروا من القوانين الجديدة للاشتراكية القومية الألمانية.
أدى هذا كله إلى تقليص عدد الخبراء المتاحين للعمل على القنبلة الألمانية، كما أن هتلر وقتها كان مهتمًا أكثر بصنع وتطوير «الصواريخ الباليستية» بعيدة المدى V-2. وبالفعل توقف العمل في المشروع الألماني في يونيو/ حزيران عام 1942. لم ينجح الألمان في إجراء تفاعلات نووية بسبب قلة الخبراء، ولم يكن لديهم علم بطريقة صحيحة لتخصيب اليورانيوم، ولم يعتبروا عنصرًا مثل البلوتونيوم بديلاً فعالاً. أيضًا ارتأت الحكومة الألمانية أنه يجب تخصيص الموارد التي ستنفق على البرنامج النووي للمجهود الحربي «الأكثر واقعية».
كان العمل على مشروع مانهاتن يتم في مختبر «لوس ألاموس – Los Alamos»، وفي أبريل/ نيسان عام 1943، بدأ العلماء والمهندسون يصلون إلى المختبر. وبحلول يوليو/ تموز، حصل الجنرال جروفز على بياناتٍ تجريبية مشجعة للمرة الأولى، فقد أعطى البلوتونيوم نتائج أكثر كفاءة من اليورانيوم 235.
وفي الـ16 من يوليو/ تموز 1945، حقق المشروع مهمته بتفجير قنبلة البلوتونيوم في عملية ترينيتي في نيو مكسيكو. ثم وقعت كارثة «هيروشيما وناجازاكي». بالنسبة إلى طاقم الطائرة التي ألقت القنبلة، ذهلوا باختفاء هيروشيما تحت رغوة كثيفة ومليئة بالنيران والدخان. وعلق مساعد الطيار الكابتن «روبرت لويس» على المشهد قائلًا: يا إلهي، ما هذا الذي فعلناه؟
بعد حوالي 30 دقيقة من الانفجار، بدأت الأمطار السوداء المليئة بالغبار والأوساخ والجسيمات المشعة في الهبوط على المدينة المتفحمة، وامتد التلوث الإشعاعي إلى المناطق البعيدة عن الانفجار.
النهاية: أمريكا لا تحبك للأبد
قبل تعيين أوبنهايمر مديرًا للمشروع، كانت الحكومة الأمريكية على علم بخلفيته السياسية، وارتباطه ولو من بعيد بالقضايا الشيوعية المرفوضة بالطبع، لكن الجنرال جروفز تجاهل ذلك، وأقر بذكائه العلمي الاستثنائي. وبعد ما حدث بعد إلقاء القنبلتين على اليابان، وصف مدير مختبر «لوس ألاموس – Los Alamos» أن ما حدث «أثبت أن أوبنهايمر كان اختيارًا رائعًا».
بعد انتهاء الحرب، شغِل أوبنهايمر منصب مدير معهد برينستون للدراسات المتقدمة، حيث أعطى محاضرات في البحث عن الفيزياء الكمومية والنسبية في كلية العلوم الطبيعية. كما تم تعيينه رئيسًا للجنة الاستشارية العامة التابعة لهيئة الطاقة الذرية (AEC) التي كانت تعمل من عام 1947 إلى عام 1952. ومن أنشطته بعيدًا عن الهيئة، وبالتعاون مع كل من «آلبرت آينشتين، برتراند رسِل، جوزيف روتبلات»، أسّس الأكاديمية العالمية للفنون والعلوم عام 1960.
أثناء عمله في الهيئة الذرية، كانت الخطوة القادمة للولايات المتحدة الأمريكية هي تصنيع وتطوير القنبلة الهيدروجينية. ربما شعر أوبنهايمر بالذنب تجاه ما حدث في اليابان، أو ربما أدرك حجم الخطر الذي سيحدث إذا أصبحت القنابل الذرية والهيدروجينية في متناول الجميع بسهولة؛ فعارض بقوة قيام المشروع، وأي مشروع في هذا المجال.
في العام 1953، وفي ذروة مناهضة الولايات المتحدة الأمريكية للشيوعية، وبشكلٍ صادم، اتهم أوبنهايمر بالتعاطف مع الشيوعيين وسُحب تصريحه الأمني وانتهت مسيرته في الهيئة الذرية، وأغلق ملف وتاريخ عمله مع الحكومة الأمريكية، كل هذا بعد معارضته لمشروع القنبلة الهيدروجينية. حاول كثيرون بعد ذلك تبرئته من تهمة الشيوعية بتكريمه بجوائز علمية مختلفة. تقاعد أوبنهايمر من معهد برينستون عام 1966، وتوفي بسبب سرطان الحلق في الـ18 من فبراير/ شباط عام 1967.
أخيرًا: هل كان أوبنهايمر مُذنبًا؟
إذا أخذنا الأمر من البداية، ومن منظور شخص آخر مثل آلبرت آينشتين، لم يتمكن آينشتين – الذي وقّع رسالة التحذير الأولى – من العمل في المشروع حيث لم يكن مؤهلًا (من وجهة نظر الحكومة الأمريكية) بصفته من دعاة السلام الدائمين. رفض الجيش الأمريكي عمله في المشروع قائلاً: «إن وجهات نظره السلمية جعلته مخاطرة أمنية للمشروع».
وبعد الحرب العالمية الثانية، عمل آينشتين شخصيًا على السيطرة على الانتشار النووي. كما أعرب عن أسفه لتوقيع الرسالة إلى روزفلت قائلًا: «لو علمت أن الألمان لن ينجحوا في تطوير قنبلة ذرية، فإنني لم أكن لأفعل شيئًا».
شخصيًا، منذ أن قمت بتجميع وقراءة الكثير عن هذا المشروع، وبناءً على التسلسل الزمني للأحداث، لأول مرة أضع عالمًا في خانة الاتهام، بل يقترب من الإجرام في المقام الأول. كان ببساطة يمكنه رفض القيام بذلك، خاصة أنه تم اختبار القنبلة على نموذج تجريبي، ورأى الجميع حجم الضرر على نموذج مصغّر، أو كان يمكنه رفض الانخراط في ذلك مثلما فعل حين كانت تعتزم الهيئة الذرية الأمريكية تطوير القنبلة الهيدروجينية مثلًا. هناك أقاويل أيضًا تفيد بأن أوبنهايمر مسئولًا عن عرقلة جهود بعض العلماء الذين سعوا بشدة لمنع استكمال المشروع، واستخدام القنبلة.
لهذا من الواضح أن الجميع في هذا المشروع، تعاونوا بشكلٍ رئيسي لصنع شيء ما يُوقع أقصى ضرر على «الأعداء» الذين تغيّرت ماهيّتهم بالطبع من ألمانيا إلى اليابان. هنا أصبح الأمر مشينًا للغاية، إذ تغيّر هدف تصنيع القنبلة الذي كان الخوف من تهديدات نووية ألمانية، كما بررت أمريكا سابقًا، إلى إرغام اليابان على الاستسلام، وكسر أنفها وإذلالها بأبشع الطرق. كل هذا يعطيني أدلة كافية للنظر لأوبنهايمر، بأنه عالِمٌ مجرم، والمسئول الأول عما حدث في هيروشيما وناجازاكي من قِبل الحكومة الأمريكية.
الطاقة النووية التي قتلت الآلاف في اليابان، هي نفسها مصدر طاقة يستخدم في أغراض سلمية، رغم الضرر الذي تلحقه، مما اضطر بعض الدول لوقف استخدامها.
العلم ليس مسئولًا عن استخدامه واستغلاله بطرقٍ غير مشروعة، فإذا أتيحت لنا الفرصة في استخدامه بكافة أشكاله المتاحة مهما كانت خطيرة، فعلى الأرجح أننا لم نكن لنصمد حتى اليوم. المسئول الأول هو العالِم الذي يرى نتائج ما سيحدثه ابتكاره أو مشروعه من كوارث، ثم يوافق على إكمال المسيرة غير آبه بأي شيء، ولا بقيمة الإنسانية التي تعلّمها. واليوم نرى بعض النماذج المشينة لتواطؤ بعض العلماء مع حكوماتهم في إنتاج أسلحة خطيرة، بهدف إحداث أكبر ضرر بالآخرين، بغض النظر عن هل هم أعداء حقًا، أم صنّفتهم الحكومات بذلك.
اقرأ أيضًا: النفايات النووية: البيئة تحت رحمة الطاقة النووية