الطريق إلى الثبات الانفعالي
نُحاط بالضغوط من كل مكان، ضغوط في البيت وضغوط في العمل وضغوط في الجامعة، وسط كل هذه الضغوط نسقط ضحايا انفلات الأعصاب والتوتر والانهيار والصراخ والاكتئاب، فالشخص لا يمكنه الصمود أمام الضغط طويلاً، سوف يصل لنقطة انفجار لكي يُفرِج عن هذا الغضب والمشاعر المكبوتة يوماً ما، ولكن كيف سيُفجِّر هذا الغضب؟ وتجاه منْ؟ يمكن أن يكون للضحية ضحية أخرى لا ذنب لها.
يُقال في المثل المعروف «واثق الخطوة يمشي ملكاً»، ويمكن أن نضيف عليه شقاً آخر، وهو: «ومالك زمام نفسه لا يشقى أبداً». ينتج عن سهولة الانخراط في الغضب خسائر فادحة، خسائر اجتماعية ونفسية وعضوية، وكلها خسائر لا تُعوَّض، منْ يتحكم في مشاعره حقاً ملك، ولا أقصد هنا أن يكون شخصاً حمولاً وكتوماً وصبوراً أمام الضغوط، لأنه سينفجر في مرة لا محالة، أنا أقصد الشخص الذي لا يسمح للضغوط أن تتحكم به من الأساس، شخص يعرف كيف يتعامل مع الموقف وكيف يرد الرد المناسب في الوقت المناسب، شخص قادر على تقدير حجم كل كلمة وكل مشكلة وكل موقف بالحجم الذي يستحقه، شخص لا يسمح لأحد أن يثير حفيظته، شخص من الصعب أن تستفزه.
الثبات الانفعالي أحد المؤشرات السبعة المهمة للصحة النفسية، يسعى الشخص الذي يتسم بالثبات الانفعالي إلى الاستقرار النفسي والعاطفي من أجل سلامته الجسدية والنفسية، الإنسان الثابت انفعالياً شخص سعيد وهادئ، راضٍ عن حياته وعن نفسه، فهو يتعامل مع الموقف كما يجب، ويعيش مرتاح البال.
على الصعيد الآخر، هناك العصبية، أو سرعة الانفعال، أحد السمات الشخصية الشهيرة، سمة مؤذية لصاحبها ولمن حوله، تتسع لتجلب له التوتر والقلق والضغط النفسي وكثرة التفكير والأرق والحزن الغالب على الشخصية، الشخص العصبي هو شخص لا يستطيع التحكم في غضبه، لا يستطيع التحكم في انفعالاته ومشاعره، ينساق معها لتنجرف به إلى مكان مُظلم يقف فيه قليل الحيلة، ضحية لجلد الذات والندم والانهيار العصبي وأحياناً سكتة قلبية، لماذا؟ لأنه لا يمتلك الثبات الانفعالي.
دراسات حالة
- «بيث»، فتاة تعاني من قلق دائم، تقضي أغلب يومها في مُراجعة حسابها البنكي وتفقد حالتها المالية، بالإضافة إلى التفكير في قدرتها على القيام بأعمالها المدرسية وكذلك صحتها وسلامتها.
- «مارتي»، يعاني من نوبات قلبية مُفاجئة (شعور الخوف يُصاحبه سرعة في ضربات القلب والعرق والرعشة والدوخة)، يُصاب مارتي بهذه النوبات تحديداً في المواقف التي يشعر فيها أنه محاصر أو عاجز عن الهروب (سواء حرفياً أو معنوياً).
- «أميرة»، فتاة تعاني من الرهاب الاجتماعي، تتصارع من أجل تكوين صداقة حقيقية، تخاف أن يظنها الآخرون خرقاء أو غريبة الأطوار، منذ بداية دراستها الجامعية، تمتنع عن سؤال أي أسئلة في الفصل، لأنها تخشى أن يظن المعلمون أنها غبية. طالما عانت أميرة من هذه المشاعر، ويصبح الأمر معها أسوء فأسوأ.
بعد النظر في حال كل شخص من المذكورين بالأعلى، سنجد أن «بيث» تعاني من اضطراب التوتر Anxiety، و«مارتي» يعاني من اضطراب الهلع ورهاب الأماكن المفتوحة، أمّا «أميرة» فتعاني من اضطراب التوتر الاجتماعي والاكتئاب.
يمكننا القول إن الحالات الثلاث يعانون من العصبية، وهو أحد أشهر السمات الشخصية كما ذكرنا، يتشابه كل من بيث ومارتي وأميرة في الشعور بالخوف والقلق والغضب وتأنيب الضمير والحزن، يتشابهون في امتلاكهم مشاعر سلبية متكررة طوال الوقت، لا يشعرون باستقرار عاطفي أو سلام نفسي وبالطبع هذا كله لأنهم لا يتمتعون بالثبات الانفعالي.
كل هذه الاضطرابات النفسية المذكورة، سواء أكان اضطراباً أو رهاباً أو مرضاً نفسياً، كلها بالأساس مرتبطة بشخصية المريض، فكيف أدت شخصيته وسماته إلى خلل في صحته النفسية؟
دعني أخبرك أولاً لماذا أسأل هذا السؤال، لكي نصل للعلاج، لكي نصل إلى الطريقة المناسبة للوصول إلى الثبات الانفعالي، يجب أن نُحدِّد المشكلة في البداية ونرسم ملامحها بكل وضوح.
أظهرت الدراسات أن ميول الشخص للمشاعر السلبية (سرعة التأثر والمبالغة في ردود الأفعال مثلاً) تُشكِّل عاملاً في احتمالية إصابته بالاضطرابات المذكورة بالأعلى، ولكنه ليس شرطاً، كما وضّحت الأبحاث أن الطريقة التي يتفاعل بها الشخص مع المشاعر السلبية ترتبط باحتمالية تطور هذه السمة إلى اضطراب أو مرض نفسي حقيقي.
هل يجب الهروب من المشاعر لكي ننجو؟
يجيب العلم على هذا السؤال ويقول إن عليك تقبل مشاعرك أولاً، فالهروب لن يقودك إلى النجاة، أبداً، إذا ذهبت إلى مُعالِج نفسي يتبع البروتوكول الموحد UP، فسوف يُعلِّمك كيف تتقبل مشاعرك وتعرف الفائدة منها لكي تصل إلى السلام الداخلي وتكف عن الصراع، دعني أخبرك بمثال على فائدة كل شعور من المشاعر السلبية المذكورة بالأعلى في القائمة التالية:
- أحياناً يحميك الخوف من الوقوع في مشكلة تسببها لك الجرأة الزائدة.
- أحياناً يدفعك التوتر إلى تجهيز نفسك وإعداد كل شيء بشكل دقيق.
وهكذا…
لنتجه معاً نحو الثبات الانفعالي، كيف نصل له؟
حدّدنا النقطة التي نقف عندها (وهي العصبية وملامح شخصيتنا) ثمَّ وضّحنا طبيعة المشاعر وتفسيرها، والآن الخطوة التالية هي: كيفية التعامل مع المشاعر السلبية لكي نتخطاها بسهولة.
لكي تتجاوز شعوراً سلبياً بسلام، يجب أن تتميز بالمرونة وتُعيد النظر في الموقف من جانب آخر إيجابي، وهذا ما يساعدك عليه المعالج النفسي. مثال: أرسلت لشخص رسالة ولم تتلق منه رداً، في العادة سوف يذهب تفكيرك إلى احتمالات سلبية تؤرق تفكيرك وتُشعِرك بالسوء، وربما تتحامل على الشخص، ولكن إذا قلت إن ربما هاتفه مغلق أو أنه مشغول، وهذا حقه، ولا تأخذ الأمر بشكل شخصي وتتفاعل مع الموقف بشكل مبالغ فيه.
بما أننا عرضنا حالات حقيقية في تسليط الضوء على الاضطرابات والمشاعر السلبية، لنسلط الضوء على التصرف الصحيح والتعامل السليم مع مشاعر أحد الأشخاص لنضرب به المثل: «بيث»، التي تعاني من توتر مُزمن، يمكن أن تتحدى نفسها ألا تفحص حسابها البنكي أبداً لمدة أسبوع، لكي تتعلم أن تكرار الفحص والمراجعة لن يحميها من أي مشاكل.
والآن الخطوة الرابعة والأخيرة، هي الطرق الواضحة للوصول إلى الثبات الانفعالي، لنعرف معاً ما الذي يجب عليك فعله.
9 خطوات نحو الثبات الانفعالي
1. خذ قسطاً كافياً من النوم: عندما تستيقظ وأنت لم تحصل على قسط كافٍ من النوم، تزداد قابليتك للغضب والانفعال، ومؤكد أنك لاحظت ذلك، فرغبة الشخص في النوم تؤثر على حالته المزاجية وتفاعله مع الأحداث، لذلك عليك توفير قسط مناسب من النوم لجسمك لكي تكون في مزاج جيد.
2. الرياضة: لا شك أن الرياضة تُحسِّن من الحالة الصحية للجسد والعقل، فالجسم النَشِط لا شك أن عقله نشط ويتمتع بالتركيز واليقظة والحيوية، وكل هذه الأمور تؤثر على استقرارك النفسي.
3. تناول طعاماً صحياً: يدفعك الغضب نحو تناول أطعمة غير صحية، يمكن أن تؤدي إلى زيادة وزنك أو التهاب القولون العصبي أو غيرها من الأمراض التي تؤثر على النفسية والحالة المزاجية، قرّر أن تتناول طعاماً صحياً، فهو يُحسِّن من الحالة الجسدية والنفسية ويؤثر على انفعالات الشخص وثباته أمام كثير من المواقف اليومية.
4. اعتن بنفسك: يجب أن تُقرِّر وتضع هدفاً واضحاً في أن تعتني بنفسك، عليك ألّا تُؤرِّق ذهنك في التفكير في ما لا يفيد، عليك الرفق بذاتك وألّا تجلدها مراراً وتكراراً، عليك أن تلتزم بسلامتك النفسية واعتزال أي شيء يؤذيك.
5. النظام: قبل أن تُحدِّد النظام المناسب ليومك، عليك تحديد موطن الألم. أين ومتى يقع الشعور السلبي؟ مثلاً: عندما تتراكم مسؤولياتي في نهاية اليوم، أكون عُرضة للانفعال، حسناً، عليك تأسيس نظام وروتين واضح لتوزيع مهامك كي لا تقع ضحية للظروف التي تجلب لك المشاعر السلبية.
6. كن واعياً: الوعي بحالتك النفسية وبمشكلتك وبالمحيطين بك وبالحالة التي تريد الوصول لها يساعدك في الوصول، الوعي الثقافي بالمشاعر السلبية ومصادرها وكيفية التعامل معها، الوعي بأهمية صحتك النفسية وبالحجم الطبيعي لكل موقف، كل هذا يؤثر في نسبة نجاحك في الوصول إلى الثبات الانفعالي.
7. جلسات التأمل: التأمل من أكثر الأشياء التي تساعد على تصفية الذهن والاسترخاء وهدوء الأعصاب وتقليل التوتر، حيث ترمي كل هموم الدنيا وراء ظهرك وتغمض عينيك وتستمتع بالسكون، مؤكد أن هذا الأمر سوف يُحسِّن من حالتك النفسية والمزاجية، ومع التكرار سوف تصل إلى قدر كبير من السلام النفسي والثبات الانفعالي.
8. شتِّت نفسك: عندما تتعرض لموقف سيئ وتقع أسيراً لشعور سلبي سخيف يؤرق ذهنك ويُشعِرك بالتوتر، وجّه تفكيرك إلى شيء آخر طبيعي، مثل صوت معين أو رائحة أو منظر معين، وركّز تفكيرك في هذا الشيء الآخر حتى تصرف فكرك تماماً عن ذلك الموقف السلبي.
9. اذهب للطبيب النفسي: لا تقلق، فمن الطبيعي أن نحتاج جميعاً إلى زيارة طبيب أو أخصائي نفسي، وسوف يساعدك على التعامل مع المشاعر السلبية بأفضل طريقة ويُدرِّبك على الخروج من أي موقف سيئ يحاصرك حتى تصل إلى الثبات الانفعالي الذي ترغب به.