الريال 4-2 البايرن: هل أخطاء التحكيم جزء من متعة كرة القدم؟
بعد هذه النوعية من المباريات التي تشهد جدلًا تحكيميًا حتى بأروقة الأستوديوهات التحليلية، ينقسم غالبًا عالم مشجعي الأندية لمعسكرين، الأول، يؤكد أن فريقه تعرض لظلم تحكيمي بيّن يرقى لدرجة التعمد، والآخر، سينتفض إما للدفاع عن صحة نفس القرارات أو الإتيان بأخرى خاطئة احتسبها الحكم لصالح الخصم، ربما يشتعل الخلاف وينطلق الأول لمعايرة خصمه بحالات تحكيمية أخرى شهدتها سنوات فائتة سواء بنفس البطولة أو أخرى، وينتهي لخلاصة حكمته، وهي أن تاريخ هذا الخصم مبنيّ أصلًا على مجموعة من المجاملات التحكيمية عبر التاريخ، المعسكر الآخر، لن ينصت أصلًا لإتهامات الأول ولكن سيبحث خلال ذلك الوقت علي مواقف تحكيمية استفاد منها خصمه الذي يتشبث الآن فقط بالعدل لأنه خسر، بالطبع لن يحتاج الموقف لدعم من مشجعي أندية أخرى لم تشارك أصلًا بالمباراة، لكن لا بأس بمزيد من اللامنطق.
المؤسف أن المعسكرين ربما لا يتفقان أبدًا إلا عند واحدة من أسوأ وأكثر الجمل تضليلًا بتاريخ الكرة وهي: «أخطاء الحكام جزء من متعة كرة القدم»!
والحق أن كرة القدم لعبة تقوم ابتداءً على المساواة، 11 رجلا ينافسون 11 آخرين، قوانين واحدة، أدوار إقصائية تشهد مباراة ذهاب وأخرى إياب، وحكم ينفق على تدريبه اتحاد اللعبة أموالاً طائلة للوصول لأفضل قرارات تقترب من العدالة بين الخصوم، هذا الضلع الأخير نشهد ترنحه خلال الموسم الحالي بسبب أداء كارثي للحكام بأغلب الدوريات الكبرى.
قد يظن البعض أن هذه المقدمة تدعو للتحلي بقيم مثالية، فيتخلى المشجع عن انتمائه ليتحلى بقدر كافٍ من الموضوعية تمكنه من الحكم على صحة أو خطأ القرارات، لكنها على العكس ربما تدعو للتأمل عن علاقة المشجع أو المتابع لفريقه، يظن البعض خطأً أن الأمر شخصي للدرجة التي يستوجب معها التغاضي عن حقائق طالما تضر بفريقه ليحصل على نوط المشجع المخلص، ومن هنا يبدأ كل شيء.
الدوافع حاضرة بقوة
لم تحتج المباراة لـ«فيكتور كاساي» لتكون حدثًا تاريخيًا، ببساطة لأن دوافع الفريقين كانت واضحة ومحددة بالفعل، فبتعاقد العملاق البافاري مع أحد أهم مدربي العالم وأكثرهم خبرة ببطولة دوري الأبطال «أنشيلوتي» استعد الألمان لاستعادة البطولة الغائبة منذ 2013 بكتيبة لا تقل ثقلًا عن تلك الخاصة بـ«زين الدين زيدان» الذي يخطو بالفريق العاصمي خطوات ثابتة بالليجا ويداعبه حلم الجمع بين البطولتين.
«مدريد» ،الذي وضع قدمًا بنصف النهائي يوم مباراة الذهاب، تأهل على حساب خصم عنيد لم يحضر للبرنابيو ليقدم بطاقة نصف النهائي على طبق من ذهب لكتيبة الميرينجي.
اختار الضيف الألماني أسلوب لعب 4/1/4/1، لم يدخل «أنشيلوتي» تعديلات على تشكيل مباراة الذهاب سوى الدفع بورقته الأهم «ليفاندوفسكي» بعد عودته من الإصابة بالإضافة لزميله المدافع «ماتس هوميلز»، أما «زيزو» فأبقى على 4/3/3 خاصته مفضلًا الدفع بـ«إيسكو» الذي يعيش أوقاتًا رائعة بدلًا عن «بيل» المصاب، تشكيل الريال يتحوّل لـ4/4/2 بالحالة الدفاعية بنزول إيسكو لتقديم الدعم لعمق الملعب.
الشوط الأول و23 دقيقة مع أنشيلوتي
لم يكن الإيطالي واضحًا بترتيب أولوياته، البداية كانت بانتزاع الكرة وتوسيع الملعب على خصمه عن طريق تقدم الأطراف الدفاعية «لام-ألابا» لدعم «روبين- ريبيري»، وهو الأمر الذي منحه ميزتين، الأولى: تعطيل أخطر ما في الريال حاليًا وهي أطرافه «مارسيلو-كارفخال»، والثاني: ضمان تواجد أكبر عدد من لاعبيه بمنطقة جزاء «نافاس»، فبجانب توغل «فيدال، وتياجو» فقد ظهر أكثر من مرة «روبين» أو «ريبيري» بجانب «ليفا».
بمرور الدقائق، بدا أن «بايرن» أكثر تماسكًا من أصحاب الأرض، بل وأكثر قدرة علي تنفيذ ما جاءوا لأجله، ربما يكفي الإشارة أن أول ظهور هجومي لـ«مارسيلو» جاء بالدقيقة 15 بل إن البرازيلي بدا محتفلًا مع جمهوره بصعوده الأول.
لكن بقي الرهان على قدرة خط وسط «البايرن» علي الارتداد الدفاعي السريع حين تفقد الكرة حاضرًا، بل ربما يكون ذلك هو السبب بالدفع بـ«إيسكو» الذي يجيد توزيع الكرات المرتدة بتحوله لصانع لعب كلاسيكي، فكان الظهور الأول له بالدقيقة 6 حصل على إثره على ركلة ثابتة.
23 دقيقة استطاع خلالها أطراف «البايرن» من التمركز وتوزيع العرضيات بأريحية، وعانى «لوكا مودريتش» من عدم قدرة على مجاراة تحركات «ألابا مع ريبيري» فكان لـ«إيسكو» أن يساند «كاربخال» لسد الثغرة.
22 دقيقة مع كاساميرو
علي الجانب الآخر، لم يتخلص المارينجي من الحصار الألماني إلا بتحرير أطرافه عن طريق التمركز الجيد ودقة التمرير، أرسل نجم المباراة «مارسيلو» عرضيته الخطيرة التي وجدت رأسية «بنزيما» ومرت قرب مرمى «نوير» بالدقيقة 23.
توالي حضور الأبيض بوسط ملعب الضيف بعد تلك الدقيقة، فمن قنبلة أطلقها «كاربخال»، لقنبلة أخرى للقائد «راموس» أنقذها «ألابا» من خط المرمى، لمرتدة نموذجية بالدقيقة 42 قام عليها «رونالدو»، «مارسيلو»، «بنزيما» لكن الأول لم يحسن إنهاءها.
وخلال القادم من الدقائق، ومع المساحة خلف «مودريتش»، بلّور «كاسميرو» دوره الذي برع فيه، كان البرازيلي موجودًا لسد ثغرات فريقه، التدخل لإفساد هجمات «البايرن»، تقديم الدعم للأطراف وقت بناء الهجمة، بجانب إضافة صلابة وقوة بعمق ملعب فريقه.
الأرقام وحدها جديرة بتأكيد دور البرازيلي الذي نجح بأربع تدخلات من أصل 20 لفريقه، وقام بـ7 عرقلات ناجحة من أصل 27، قام بإفساد 5 تسديدات للخصم، ولم يفقد الكرة سوى مرة واحدة فقط طوال المباراة، بالإضافة لـ3 انطلاقات ناجحة جميعها بوسط ملعب «بايرن» كانت ثمرة إحداها صناعة هدف «رونالدو»!
خريطة التدخلات الناجحة لكاساميرو تكشف إنتشاره بأرجاء الملعب لتقديم الدعم، المصدر: www.whoscored.com
المباراة لم تكن استثناء لأداء «كاسميرو»، أي متابع لليجا يمكنه الوقوف على أهمية الرجل بتشكيل «زيزو»، لكن المختلف نوعًا ما بالمباراة هو التأكيد على حضوره بالأوقات الكبرى أمام المنافسين الأصعب حتى وإن لم تكن أفضل مباريات «كروس-مودريتش» بالطبع.
الشوط الثاني والتسونامي الأحمر
دخل «أنشيلوتي» الشوط الثاني بثقله، كان يعلم أن الوقت والريتم الذي يلعب به خصمه لا يسيران بصالحه أبدًا، لذلك أخرج لاعبيه كل ما لديهم مطلع الشوط الثاني لتحقيق استحواذ خطير، استمر الإيطالي باعتماده على الأطراف، لكن تلك المرة أعطى تعليماته لـ«ليفا» بمزيد من التحرك داخل وخارج منطقة الجزاء لخلق مساحة للأطراف ولاعبي الوسط داخل منطقة جزاء «مدريد» بعيدة عن رقابة ثنائي دفاعه، رأينا الأمر للمرة الأولى بتسديدة «روبين» بالدقيقة 49 على حدود اليردات الـ6 أنقذها «مارسيلو»، ثم انطلاقة للهولندي بعد دقيقة واحدة أسفرت عن ضربة جزاء منحت البافاري هدفه الأول.
المثير أن مؤشر موقع whoscored للإحصاء يؤكد أن قبضة الألمان ازدادت قوة بعد هدفه الأول، فعلى مدار عشرين دقيقة قادمة امتلك البافاري تقييم أفضل من نظيره على مستوى الأدوار الهجومية بـ224 تمريرة صحيحة مقابلة 148 فقط، الحائل الوحيد أمام تفوق الألمان كان استبسال لاعبي «مدريد» الذين عرقلوا 6 تسديدات وقاموا بـ7 تدخلات ناجحة فقط بـ20 دقيقة.
بحلول الدقيقة 70 بدأت الكتيبة بالبيضاء فكّ الحصار عليها والتوغل بوسط الملعب مستغلين الحالة السيئة التي ظهر عليها «تياجو ألكنتارا» طوال المباراة كما انخفض المردود البدني للإسباني الآخر «ألونسو».
«كاسميرو» نجح بتنفيذ عرضية لم تكن متقنة بشكل كاف، لكن «رونالدو» اقتنص الكرة قبل تدخل «لام» لتسكن رأسيته كالعادة شباك «نوير» محققًا التعادل بوقت صعب، لكن لأن الجنون كان يبدأ فقط كان يجب على البافاري تسجيل هدف آخر بدون فاصل زمني يذكر ليشعل المباراة، الهدف الذي شكك خبير قنوات «بي إن» التحكيمي «جمال الشريف» بصحته لاحقًا بداعي التسلل على «ليفا»!
فيدال كناشئ وكاسميرو المحظوظ
الإمكانيات الفنية للاعب منتخب تشيلي أعلنت عن نفسها منذ سنوات «اليوفنتوس» ومنحته موقعًا مهمًا بتشكيل «البايرن»، لكن أفعال «فيدال» تبدو شديدة الغرابة، بل لا يقل عنها غرابة سوى عدم قدرة «أنشيلوتي» أو أي من لاعبي «بايرن» الكبار إثناءه عما يمضي إليه واثقًا… لماذا يلعب بكل هذه الشراسة التي اخترقت حاجز العنف؟ سؤال بالتأكيد ليست له إجابة سوى توريط فريقه، فلا كان يومًا لاعبًا للخصم اللدود للميرنجي «برشلونة»، ولا يمتلك أي من لاعبي «مدريد» عداوة مسبقة معه.
لم يكفه درس طرد زميله «مارتينز» بمباراة الذهاب، ولا إنذاره شخصيًا وتعريضه لخطر الإنذارين، بل ذهب بعيدًا وحصل على الإنذار الأول بالدقيقة 4 والثاني 83.
العجيب أن «فيدال» لم يؤد دوره على الإطلاق بمباراة العودة حصل على أقل تقييم فنّي بل وكان يستحق الخروج مبكرًا نتيجة لعنفه ليترك فريقه بحالة صعبة ويربك أوراق «أنشيلوتي»، مشهد يستحقه لاعب ناشئ أهوّج وليس لاعبا دوليا فائزا بالكوبا أمريكا.
على الجانب الآخر، لا يجوز لنا التغافل عن حجم التدخلات القوية التي قام بها «كاسميرو» دون عقوبة مناسبة، فبعيدًا عن الأداء الرائع للبرازيلي إلا أنه قام بثلاثة تدخلات متهورة، اثنين منهما كانا ضد «روبين» بشكل مباشر، لكنه كان محظوظًا إذ لم يشهر «كاساي» بوجهه الكارت الأحمر ويكلف فريقه كثيرًا.
+ 100 مع زيدان ورونالدو
هل كان «كريستيانو رونالدو» بحالته الجيدة طوال المباراة قبل تسجيل هدفه الأول؟ أرقام «الدون» لا تدعم الإجابة بنعم، وقد ظهر أكثر من مرة تفضيله للحل الفردي عن طريق التمرير لمن هم بوضعية أفضل.
لكن الإبقاء على البرتغالي بالمباراة يبدو واضحًا جدًا، فبعد انهيار اللياقة البدنية للفرنسي «بنزيما» خلال الشوط الثاني لم يجد مدربه سوى الدفع بمزيد من الديناميكية لأطراف الملعب بنزول الواعد «أسونسيو» و«فاسكيز» والحفاظ على لمسة «الدون» الأخيرة المرعبة أمام المرمى، وهي أكثر ما يميزه.
سعى «زيدان» لتكرار ما حدث بمباراة الذهاب بعد طرد «فيدال» ولكن «أنشيلوتي» بدا قادرًا على المقاومة، حتى اقتنص رونالدو عرضية راموس ليحولها لهدف التعادل من وضعية تسلل واضحة.
حاول بعدها البافاري التقدم بغيّة خطف هدف تقدم جديد، لكن الرائع الذي يقدم موسمًا من أعظم ما قدم «مارسيلو» كان له أن يرسم لنا لقطة فريدة عندما تلاعب بوسط ملعبهم وتقدم كالسهم باتجاه «نوير» ليمرر لزميله البرتغالي الذي سجّل الهدف الثالث ولكن أيضًا من وضعية تسلل واضحة.
أخيرًا وبعد ضمان التأهل تلاعب «أسونسيو» بالمدافع «ماتس هوميلز» قبل أن يسدد بمهاراة فائقة ليعلن عن الهدف الرابع.