خطوات الثورة للخلف: عودة رجال مبارك للمشهد السياسي في مصر
بهذه الكلمات حاولت المهندسة نادية عبده محافظ البحيرة الجديدة الدفاع عن نفسها، والتي تم تعيينها منذ أيام كأول سيدة مصرية تتولى منصب المحافظ، خلال حركة المحافظين المحدودة التي اعتمدها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والتي تبعها هجوم شديد على شخص نادية عبده لأنها كانت أحد قيادات الحزب الوطني المنحل، وأحد قياداته العائدين إلى المشهد السياسي في مصر خلال السنوات الأخيرة عقب 30 يونيو والإطاحة بحكم جماعة الإخوان.
لكنها لم تكن القيادة الوحيدة للحزب الوطني التي تعود للمشهد خلال هذه الفترة، فقد شهد التعديل الوزاري نفسه عودة علي مصيلحي وزير التموين الحالي إلى الحكومة، وهو أيضًا كان أحد قيادات الحزب الوطني وشغل منصب وزير التضامن في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك قبل ثورة 25 يناير، ولا تعتبر نادية ومصيلحي نموذجًا جديدة للسلطة الحالية التي تستعين برجال مبارك للحكم.
نادية عبده
كان من ضمن المحافظين الذين اختارهم رئيس الوزراء شريف إسماعيل، واعتمدها الرئيس عبد الفتاح السيسي، كمحافظ للبحيرة نادية عبده، وهي القيادية السابقة بالحزب الوطني والتي أثار تعيينها كمحافظ للبحيرة حالة من الغضب.
كانت نادية عبده رئيسًا لمجلس إدارة شركة المياه بإلاسكندرية منذ عام 2002 وحتى عام 2012، وفي عام 2012 نظم العاملون مظاهرات ضدها مطالبين بإقالتها من منصبها لوجود تجاوزات مالية في عهدها، وتركت نادية عبده هذا المنصب بعد موجة غضب العمال، ولعل من أحد أهم اسباب اعتراض العمال على بقائها في منصبها ليس فقط التجاوزات المالية، ولكن أيضًا انتماؤها للحزب الوطني فقد كانت عضوًا بأمانة المرأة في الحزب الوطني، وترشحت لمجلس الشعب في عام 2010، ضمن 64 سيدة رشحهم الحزب وفقًا لـ«كوتة» المرأة في ذلك الوقت، واتهمها العاملون وقتها بأنها استغلت موارد الشركة في دعايتها الانتخابية.
و فازت نادية عبده ضمن قوائم الحزب الوطني التي فازت بالكامل في أكبر عملية تزوير للانتخابات شهدتها مصر في ذلك الوقت، وكانت أحد أهم أسباب ثورة 25 يناير، وبعد حل مجلس النواب أثناء الأيام الأولى للثورة ظلت نادية عبده في منصبها بشركة المياه حتى إقالتها في 2012، لتعود للمشهد مرة أخرى عقب 30 يونيو.
وفي أغسطس/آب 2013 تم تعيين نادية عبده كنائب لمحافظ البحيرة في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور، ليعود الغضب ضدها مرة أخرى من أهالي رشيد، ففي عام 2014 رفض الأهالي دخولها مدينة رشيد بسبب إهانتهم ووصفها لهم بالبلطجية؛ مما دعا عددًا من الأحزاب لإصدار بيانات ضدها تطالب بالتحقيق معها، إلا أن الرياح قد أتت بما لا تشتهي السفن فبدلاً من عزلها من منصبها تم تعيينها كمحافظ للبحيرة، خلفًا للواء محمد سلطان المحافظ السابق، ليطلق عليها المرأة الحديدية، إلا أن اعتراضات بعض نواب البرلمان تجعل طريق دخولها المحافظة غير مفروش بالورود.
علي المصيلحي
واستمرارًا لاختيارات رجال مبارك في الحكومة والمناصب القيادية بالدولة، تم اختيار الدكتور علي السيد المصيلحي وزيرًا للتموين، وهو من مواليد 20 يوليو/ تموز 1949، بمحافظة الشرقية وخريج الكلية الفنية العسكرية عام 1971.
وضمن الاتهامات الموجهة لمصيلحي فشله في إدارة الهيئة القومية للبريد، التي تولى رئاسة مجلس إدارتها في 2002، حيث بدأت عمليات التطوير غير المدروسة، بالإضافة إلى فتح الباب للوساطة لتعيين موظفين من حملة الدبلومات والمؤهلات العليا غير المتخصصة، وهو ما جاء في البلاغ الذي قدمه 3 آلاف خريج كلية تجارة حلوان شعبة البريد من دفعات 2003 إلى 2010 للنائب العام يحمل رقم 3486، اتهموا فيه مصيلحي بأنه تعمد تضليل وخداع الرأي العام، وأضاع حقوقهم في التعيين لصالح محاسيبه ومؤيديه في انتخابات مجلس الشعب عام 2005، والتي كثرت خلال فترة إجرائها قرارات تعيين لغير خريجي الشعبة.
وبسبب عمليات التطوير غير المدروسة التى قام بها مصيلحي، نظم موظفو هيئة البريد اعتصامًا تحت شعار “اعتصام ضد الفساد” في مارس/آذار 2012 قاموا أثناءه بكشف العديد من المستندات حول فساد مصيلحي ومن خلفوه، إلا أن الاعتصام انتهى دون تقديم مصيلحي أو غيره للتحقيق.
وكان مصيلحي قد خاض انتخابات مجلس الشعب 2010 ليفوز بها، والتي شهدت تزويرها لصالح أعضاء الحزب الوطني، واختفى عقب ثورة يناير لمدة 4 سنوات، ليعود للصورة مرة أخرى بخوضه انتخابات البرلمان 2015 ليفوز بمقعد دائرة أبو كبير بالشرقية، واستقال من مجلس النواب فور تعيينه بمنصب وزير التموين في التعديل الوزاري الأخير، ليظل رجال الحزب الوطني نجوم المشهد.
أحمد زكي بدر
وزير التنمية السابق وابن وزير الداخلية الأسبق زكي بدر، والذي اشتهر أنه كان من أعنف وزراء الداخلية في مصر؛ هو أحمد زكي بدر، أحد أهم رموز نظام مبارك.
وعمل بدر نائبًا لرئيس جامعة عين شمس عام 2006، وأثناء عهده كنائب رئيس للجامعة شهدت جامعة عين شمس انتخابات ما سمي في هذا الوقت باتحاد الطلاب الحر، بعد تزوير انتخابات اتحاد الطلاب الرسمي للجامعة، لينزل بدر إلى الطلاب ويمنع استكمال الانتخابات ويهاجم الطلاب.
كما سمح في ذلك الوقت بدخول بلطجية تحت زعم أنهم طلاب بالجماعة وعن طريق إحدى الأسر الطلابية المعروفة بأنها منتمية للأمن، ويتم الاعتداء على الطلاب، وشهدت الجامعة عدة اشتباكات بين الطلاب والبلطجية، ثم أصبح رئيسًا للجامعة. وفي 2010 أصبح بدر وزيرًا للتربية والتعليم، وبعد ثورة يناير اختفى من المشهد ليعود في سبتمبر/أيلول من عام 2015 كوزير للتنمية المحلية قبل أن يتم الإطاحة به منذ أيام في آخر تعديل وزاري بحكومة شريف إسماعيل.
أحمد درويش
ولا يختلف الوضع كثيرًا من أحمد زكي بدر إلى أحمد درويش، والذي أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارًا بتعيينه رئيسًا للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس في عام 2015، والذي شغل منصب وزير التنمية الإدارية في حكومة الدكتور أحمد نظيف في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وشغل المنصب منذ عام 2004 حتى قيام ثورة يناير ورحيل حكومة نظيف بالكامل.
ورغم ظهور درويش في ثوب «محارب الفساد» إلا أن ملفات النيابة الإدارية تكشف عن تورطه في إهدار 15 مليون جنيه في صفقة توريد أجهزة حاسب آلي لمصلحة التسجيل التجاري تبين أنها غير مطابقة للمواصفات، وكان ضمن أعضاء اللجنة التي أقرت بأنها مطابقة للمواصفات دون فحص محتويات الأجهزة ونظم تشغيلها د.أحمد درويش بصفته أستاذًا بجامعة القاهرة في 2003، إلا أن القضية التي تحمل رقم 101 لسنة 2006 ماتت أثناء تولي درويش وزارة التنمية الإدارية.
وهو من وضع خطة برنامج الحكومة الإلكترونية، وبعد ثورة يناير ابتعد درويش عن الأضواء ليعاود الظهور مرة أخرى في 2015.
نماذج أخرى من نواب البرلمان
في 2015 شهدت مصر انتخابات برلمانية هي الأولى من نوعها عقب ثورة 30 يونيو 2013 التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان، إذ حصد نواب الحزب الوطني المنحل ما يقارب 30% من مقاعد البرلمان المصري الذي عقد أول جلساته في 10 يناير/كانون الثاني من عام 2016.
ولعل من أبرزهم اللواء سعد الجمال رئيس لجنة الشئون العربية في برلماني 2005 و2010 عن الحزب الوطني، وسحر الهواري المرشحة السابقة بكوتة المرأة في برلمان 2010، ورجل الأعمال فرج عامر عضو مجلس الشورى السابق، والشيخ عبد الهادي القصبي شيخ مشايخ الطرق الصوفية وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني.
ودخل جميعهم مجلس النواب عن طريق تحالف «دعم مصر» الذي نجح على مقاعد القائمة بـ 120 مقعدًا، بالإضافة لمحاولات البعض دخول البرلمان لكنها محاولات باءت بالفشل؛ مثل ما حدث مع رجل الأعمال وأمين تنظيم الحزب الوطني أحمد عز، الذي تقدم بأوراق ترشحه لكنها رفضت بسبب عدم وجود حساب بريدي وهو ما يعني عدم استيفاء أوراقه.
العائدون من نظام مبارك للمشهد السياسي سواء من خلال الحكومة أو البرلمان أمر طبيعي؛ لأن الثورة التي قام بها الشعب المصري خطت الكثير من الخطوات ولكن للخلف.