ثورة مارتن لوثر كينج: 50 عامًا على «أبعد من فيتنام»
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
يعرف أطفال المدارس الأمريكيون أن د. مارتن لوثر كينج جونيور آمن بقدرة الحب المسيحي على افتداء عالم مليء بالكراهية، لكن قليلين جدًا يعرفون نقده الراديكالي للرأسمالية والحربين الأمريكيتين. يتميز كينج عن كل الشخصيات الأخرى في التاريخ الأمريكي؛ فهو المواطن العاديّ الوحيد الذي تم تكريمه بإجازة وطنية ونصب تذكاريّ في الناشيونال مول بالعاصمة واشنطن.
هذه شهادة على كلٍ من عبقرية كينج الشخصية وعلى أهمية إبقاء تلك العبقرية محتواة بداخل معايير مقبولة للرأسمالية الأمريكية. على طوابع البريد، وفي ثناءات السياسيين عليه، أصبح كينج مثالًا للخلاص الوطني، رمزًا لقدرة أمريكا على دحر العنصرية ونسيان تلك العبودية الشريرة وقوانين جيم كرو.[1]
خطاب مارتن لوثر كينج في كنيسة ريفرسايد بحيّ هارلم في الرابع من أبريل/نيسان 1967، ينسف تلك الأساطير ويجبرنا على تقبّل حقيقة أن أكثر الشخصيات السوداء بروزًا وشهرة في تاريخ الولايات المتحدة هو رجل تحدى الرأسمالية والوطنية والعسكرية وإيمان أمريكا المتعجرف بطهارتها الموروثة.
محاضرة ريفرسايد التي ستصبح معروفة باسم خطاب «أبعد من فيتنام»، كانت أيضًا تحديًا للإجماع الليبرالي السائد بأن نشطاء الحقوق المدنية يجب عليهم، بأيّ ثمن، الحفاظ على «تحالف» مع الحزب الديمقراطي والرئيس ليندون جونسون.
كان هناك منطق قوي وراء هذه الدعوى. فعمومًا، تمكّن جونسون بنجاح من تمرير الإنجازين التشريعيين الرئيسيين لحركة الحقوق المدنية: قانون الحقوق المدنية لعام 1964، وقانون حق التصويت لعام 1965.
إذا طلب جونسون من قادة الحريات المدنية الهدوء بخصوص فيتنام، كان عليهم الاستجابة – وقد طلب. حين عرف في 1965 أن كينج يعارض حرب فيتنام، طلب جونسون منه شخصيًا ألّا يعلن رأيه.
كرر كينج جملة «الحمامات»[2] في واشنطن: داعمًا لـ «السلام» و«المفاوضات»، مُدينًا طرفي الصراع، بلا استثناء لجونسون أو الأهداف المضمَرة للحرب. ويتني يونج، المدير التنفيذي للـ [ Urban League [3، صرّح بوضوح: «جونسون في حاجة إلى إجماع. إذا لم نكن معه في موضوع فيتنام، لن يكون معنا في موضوع الحقوق المدنية».
ماذا عن فيتنام؟
وهكذا، كان مخالفةً لنصيحة أقرب مستشاريه وحلفائه أن صعد كينج إلى المنصة في كنيسة ريفرسايد في الرابع من أبريل/نيسان، 1967. كانت المقاعد الـ 2700 مشغولة، بالإضافة إلى 1200 مقعد محمول، وهؤلاء الذين لم يتمكنوا من الدخول افترشوا الحجارة بالخارج. لم يكن أيّ من قادة الحقوق المدنية الوطنية على استعداد للمخاطرة بخصوص القضية الفيتنامية منذ عام 1966.
في الأسبوع الأول من تلك السنة، طالبُ جامعةِ توسكيجي وناشطُ الحقوقِ المدنيةِ وجنديُّ البحريةِ السابق، سامي يونج جونيور، قُتل لمحاولته استخدام محطة بنزين للبيض فقط. بعدها بيومين، أصدرت لجنة التنسيق الطلابية السلمية (SNCC) بيانًا مناهضًا للحرب، أول منظمة حقوق مدنية تفعل هذا، ولمدة طويلة ظلت الوحيدة.
تجاوز بيان الـ SNCC الدعوات من أجل «السلام». ساوى بين «عدو» حكومة الولايات المتحدة – الفيتناميين – والنشطاء الأمريكيين السود مثل يونج. قالت SNCC أن كلًا منهما يقاتل العدو نفسَه من أجل الحرية. أثار هذا عاصفة نارية من الاتهامات بالشيوعية وعدم الولاء والخيانة.
بنهاية 1966، توصل كينج إلى وجهة نظر SNCC، لكن بصمت. اقتبس خطابُ كينج في ريفرسايد من بيانٍ مناهض للحرب: «يأتي وقت يكون فيه الصمت خيانة. قد أتانا هذا الوقت فيما يتعلق بفيتنام».
أقرّ كينج بـ «صعوبة» الإعلان عن رأيه ووصفَ كيف نُصح بألّا يفعل. أعاد ترديد ما قاله المحيطون به: «لماذا تتحدث عن الحرب يا دكتور كينج؟ لماذا تنضم لأصوات المعارضة؟ السلام والحقوق المدنية لا يختلطان»، ثم شرح كينج سبب تحديه لهذه النصيحة.
السبب الأول؛ – «واضح» و«بسيط» في رأي كينج –كان تأثير حرب فيتنام على الحرب ضد الفقر في الولايات المتحدة. قال كينج عن برامج جونسون الهادفة إلى محاربة الفقر إنها «لحظة مشرقة» من «وعد حقيقي للفقراء، سود وبيض».
ثم جاء الاستعداد للحرب في فيتنام، «ورأيت هذا البرنامج يُهشّم ويُستأصل كما لو كان لعبة فارغة لمجتمع جُنّ بالحرب»، كما قال كينج. «فاضطررت لأن أرى الحرب عدوًا للفقراء ولأن أهاجمها كنتيجة لذلك».
ثم شدّد كينج على أن الحرب في فيتنام يخوضها بغير تكافؤ الفقراء والسود. الناس أنفسهم الذين أنكروا وجود الديمقراطية والعدالة في الوطن تم إرسالهم كي يموتوا من أجلهما في الخارج.
«وهكذا صفعتنا مرارًا المفارقة القاسية لدى مشاهدة الفتيان الزنوج والبيض على شاشات التليفزيون، يُقتلون ويموتون معًا من أجل أمّة عجزت عن إجلاسهم سويًا في نفس المدارس». تكلم كينج عن مشاهدتهم، «في تضامن وحشيّ»، يحرقون الأكواخ في قرى فقيرة، «لكننا ندرك أنهم لا يكادون يعيشون في المربع السكني ذاته في شيكاغو»، قال كينج. «لم أستطع الصمت في مواجهة هذا التلاعب الوحشي بالفقراء».
ثم تطرّق كينج إلى ما تعلّمه من الشباب السود الذين، بدءًا من منتصف الستينيات، قاموا بانتفاضات في الولايات الشمالية والغربية، لا الجنوبية، غالبًا ما كانت تُنبذ كـ «شغب» لا معنى له.
تحدّث كينج مع الشباب المشاركين في تلك الانتفاضات وحاول تعليمهم أهمية مبدأ اللاعنف، لكنهم بدلًا من ذلك لقنوه درسًا عن النفاق الأمريكي. صاح الشباب: «ماذا عن فيتنام؟» قال كينج في ريفرسايد: «سألوا أولاً تستخدم أمتنا جرعات ضخمة من العنف لحل مشاكلها، لتحقيق التغييرات التي أرادتها!».
كرر كينج اتهام مالكوم إكس للنفاق الأمريكي: «أصاب سؤالهم الهدفَ، وعرفت أنني لن أستطيع أبدًا رفع صوتي من جديد ضد عنف المضطهَدين في أحياء الأقليات دون أن أوجه حديثي أولًا بوضوح لمتعهد العنف الأكبر في العالم اليوم: حكومتي».
مُحرِّرون في منتهى الغرابة
واصل، معرِّجًا على المبادئ المسيحية الكونية ليشرح ويدافع عن موقفه الدولي متحديًا مستمعيه ليفكروا في الحرب من وجهة نظر الفيتناميين. «بالنسبة إليّ، علاقة هذا الدين بتحقيق السلام واضحة للغاية حتى أنني أتعجب أحيانًا من هؤلاء الذين يسألونني عن سبب كلامي ضد الحرب».
وصف كينج دينه بأنه نداء يتجاوز الولاءات الوطنية. وبخصوص المسيحيين الذين أشاروا عليه بالصمت، أجاب: «أيكون هذا لأنهم لا يعرفون أن الكتاب المقدس كان مقصودًا به كل البشر –الشيوعيون والرأسماليون، أطفالهم وأطفالنا، السود والبيض، الثوريون والمحافظون؟».
المسيح، كما ذكّر مستمعيه، كان هو الذي أحبّ أعداءه «بالكامل لدرجة أنه مات لأجلهم. إذًا فما الذي أستطيع قوله لـ الفيت كونج [4] أو كاسترو [5] أو ماو [6] كتابعٍ مؤمن بهذا الدين؟، هل أستطيع تهديدهم بالموت أم يجب عليّ مشاركتهم حياتي؟».
طلب كينج من مستمعيه أن يفكروا في الحرب من وجهة نظر الفيتناميين. حكى تاريخ الشعب الفيتنامي الطويل في نضاله من أجل الاستقلال السياسي ومحاولات الولايات المتحدة لإعادة فرض الاستعمار. «لابد أنهم ينظرون للأمريكيين على أنهم محرِّرون في غاية الغرابة، حتى الآن ربما نكون قد قتلنا مليونًا منهم، معظمهم أطفال».
لابد أن الفيتناميين قد لاحظوا أن الولايات المتحدة تبدو معادية للعدالة الاقتصادية في فيتنام، سأل كينج: «فيم يفكر الفلاحون ونحن نتحالف مع مالكي الأراضي ونرفض أن ننفذ شيئًا من كلماتنا الكثيرة عن الإصلاح الزراعي؟».
متحديًا الرأي المُعتمَد بخصوص جبهة التحرير الوطنية NLF (المنظمة الفيتنامية القائدة للمقاومة)، تساءل كينج عن صدق حكومة الولايات المتحدة في مهنة القتال من أجل الديمقراطية إذا استثنت جبهة التحرير الوطنية من أيّة تسوية دبلوماسية: «فيم يفكرون مع معرفتهم بإدراكنا لسيطرتهم على أقسام ضخمة من فيتنام، ومع ذلك نبدو مستعدين للسماح بانتخابات وطنية لن تشارك فيها هذه الحكومة السياسية الموازية المنظَمَة جدًا؟».
العلة الأمريكية
أعلن كينج عن قلقه بشأن مصير القوات الأمريكية المجبرة على المشاركة في هذا المشروع الفاسد. «قريبًا، سيدركون أن حكومتهم أرسلتهم إلى صراع بين الفيتناميين. بالتأكيد يدرك الأكثر ثقافة أننا على جانب الأغنياء، الآمنين، بينما نخلق جحيمًا للفقراء». دعا كينج إلى إنهاء فوري للقصف، لسحب القوات الأمريكية – مع تصفيق هادر – لدعم وتشجيع المعارضين ذوي الضمير اليقظ بداخل الولايات المتحدة.
في القِسم الأخير من الخطاب، طرح كينج اتهامًا أشد إدانة. فيتنام، كما جادل، «لم تكن سوى عَرَضٍ لعلةٍ أشد غورًا بداخل الروح الأمريكية»، كما صاغ كينج مقصده، «أفكار كهذه تأخذنا إلى أبعد من فيتنام».
كانت حرب فيتنام جزءًا من نمطٍ للتدخلِ العسكري «على الجانب الخطأ من الثورة العالمية». كانت هذه الحرب من أجل حماية الاستثمارات في جواتيمالا، على سبيل المثال. في حين كان العالم يتحرك في اتجاه الثورة، كانت الولايات المتحدة «مناهضة للثورة».
من أجل «اللحاق بالجانب الصحيح من الثورة العالمية»، قال كينج، «يجب أن تخضع الولايات المتحدة لثورة راديكالية للقيم، بدلًا من الاندفاع وراء حرب من أجل حماية الأرباح، يجب أن يعطي المجتمع الأمريكي الأولوية للبشر».
«التعاطف الحقيقي أكبر من مجرد إلقاء بعض المال للمتسولين، فهو يجعلنا نرى أن الصرح المنتِج للمتسولين في حاجة إلى إعادة بناء، سيستلزم صنعُ هذا التغيير إعادةَ توجيهٍ أساسيةٍ للتوائم الثلاثة الضخمة للمجتمع الأمريكي».
يجب أن نبدأ بسرعة، يجب أن نبدأ بسرعة التحولَ من مجتمع تسيّره الأشياء إلى مجتمع يسيّره الأشخاص. حينما تُعتبر الآلاتُ والحواسيبُ، محفزّاتُ الربح وحقوقُ الملكية، أهمَ من البشر، فلا يمكن هزيمة التوائم الثلاثة الضخمة للعنصرية والمادية المتطرفة والعسكرية.
رد الفعل
حصل كينج على الاستجابة التي توقعها. «ما الذي يفعله بي هذا الواعظ الزنجي اللعين؟»، قال الرئيس جونسون مستشيطًا عندما عرف بمحتوى محاضرة كينج في ريفرسايد.
لم يكن الرئيس هو الوحيد في اعتباره خطاب كينج شنيعًا. حذّر طاقمُ موظفّي كينج من أن الإعلان عن رأيه سيتسبب في انخفاض التبرعات من الليبراليين الشماليين. استطلاعات الرأي التي أجريت قبل وفاة كينج، بعد الخطاب بعامٍ، أشارت إلى أن 72 بالمائة من البيض و55 بالمائة من السود استنكروا معارضته لحرب فيتنام. بلا شك، كانت الآراء متأثرة بالانهمار النقدي من وسائل الإعلام الذي تساقط فوق كينج.
في اليوم التالي لخطاب ريفرسايد، هاجمت كينج حوالي 168 جريدة. وصفت الواشنطن بوست خطاب ريفرسايد بأنه «إصابة معيقة» لحركة الحقوق المدنية: «لقد حطّ (كينج) من قيمته بالنسبة لقضيته، ولبلده، ولشعبه». وصفته النيويورك تايمز بأنه: غزوة للسياسة الخارجية «سفيهة ومدمرة للذات»، دَمجٌ لاثنتين من المشاكل العامة متمايزتين ومنفصلتين، ما تسبب في الإساءة لكلتيهما.
التايم، والنيوزويك، ويو إس نيوز، وورلد ريبورت، هاجمت كلها كينج. نشرت التايم مقالة بعنوان «إرباك القضية» قالت عن كينج إنه «ريفيّ متشدّق، جاهل لدرجة أنه لم يقرأ جريدة منذ سنوات، خرج هائمًا من مأواه البدائي مبتعدًا عن نداء طبيعته».
فيما عدا الـ SNCC، رفض كبار قادة ومنظمات الحقوق المدنية مساندة كينج. المنظمة التي أسسها قبل عشر سنوات، اتحاد القيادة المسيحية الجنوبية، أصدرت بيانًا يقطع صلتها بتصريحات كينج. روي ويلكنز، قائد الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين NAACP، قال إن «جماعات الحقوق الوطنية لا تملك المعلومات الكافية عن فيتنام، أو السياسة الخارجية، لتجعل منها قضيتها».
في شهر مايو/آيار، شبّه كينج نفسه بالزعيم الاشتراكي يوجين ديبس الذي دخل السجن لمعارضته الحرب العالمية الأولى. مكتئبًا ومهاجَمًا من الجميع، كثيرًا ما صرخ وحيدًا.
التزام كينج القويّ
في ذروة تأثيره، كان كينج يكتب ويلقي الخطابات بشكل مستمر –بوتيرة ما يقرب من حوالي ثلاثة آلاف كلمة يوميًا حسب أحد التقديرات. كانت أغلب خطاباته مقاطع ديناميكية ارتجالية دَمجت مواضيع وتركيبات مألوفة بطرق فريدة حسبما يقتضي الحال. خطابه الأخير، المعروف بعبارته الأيقونية «لقد صعدت إلى قمة الجبل»[7]-الذي ألقاه في الثالث من أبريل/نيسان 1963، الليلة التي سبقت اغتياله، هو مثال جيد لهذا.
محاضرته في مارس/آذار 1963 بواشنطن معروفة بتكرارٍ لمقطعٍ أضافه عفويًا، «أملك حُلمًا»، ومحتواها أكثر راديكالية مما هو مُعتَرف به غالبًا.
لكن محاضرة ريفرسايد مختلفة. كُتبت قبل إلقائها بعدة أيام، واتّبع كينج النصَ كلمة بكلمة تقريبًا. لمعرفته أنها ستتسبب في جدال وهجوم، أراد أن يكون دقيقًا وألّا يخطئ أحد في اقتباس كلماته.
لهذا يمثل خطاب «أبعد من فيتنام» بعضًا من أشد أفكار كينج راديكالية في نثر مغزول بعناية، به الكثير مما يمكن تعليمه للأجيال الجديدة عن أيقونة تاريخية، تنال كثيرًا من التقدير الرسمي، والتي مثّلت في الحقيقة تحديًا أكبر للوضع القائم مما هو مفهوم عادةً.
اقتباسًا من ناشط راديكاليّ آخر ألقى خطابًا هامًا في شهر أبريل: «خلال حياة الثوار العظام، تواصل الطبقات الظالمة مطاردتهم، وتتلقى نظرياتهم بخبث وحشيٍ، بعد موتهم، تُبذل المحاولات لتحويلهم إلى أيقونات غير مؤذية، إلى قديسين، وفي الوقت نفسه تجريد النظرية الثورية من مضمونها».
تلك هي كلمات الثوري الروسي لينين، الذي عانى من تقديس تشويهي في ظروف متعددة. مارتن لوثر كينج، الذي كان في أثناء حياته يتم التنصت على مكالماته ومطاردته وسجنه والافتراء عليه، وفي النهاية تم اغتياله، تحول إلى قديس في المجتمع الأمريكي المعاصر لتجريد أفكاره من مضمونها.
ليس هذا بخصوص كينج كفرد، لكن بخصوص الحركة التي يمثلها، نضال السود طويل الأمد من أجل الحرية في الولايات المتحدة. يمثل خطاب كنيسة ريفرسايد القدرة الخطيرة لنضال السود من أجل الحرية على تفكيك نسيج الرأسمالية الأمريكية بكامله.
من دواعي الأسى، أنه بعد مرور نصف قرن على «أبعد من فيتنام»، لا زالت أمريكا متعهد العنف الأكبر في العالم، ولم تنهزم التوائم الثلاثة الضخمة؛ العنصرية والمادية المتطرفة والعسكرية. في الحقيقة، يبدو أنها المبادئ الموجهة للقيادة الحالية.
بينما لم تخضع النخبة السياسية لثورة القيم التي دافع عنها كينج، هناك دليل كبير على أن قطاعاتٍ معينة – ربما حتى غالبية السكان – تتحرك في ذلك الاتجاه. أكثر السياسيين شعبية في الولايات المتحدة اليوم هو اشتراكيّ ديمقراطي، وصارت الدعوات لإعادة بناء الصرح الأمريكي، كيلا يواصل إنتاج المتسولين، منطقيةً لأعداد متزايدة من الناس.
مناشدةُ مارتن لوثر كينج العاجلة في نهاية «أبعد من فيتنام» لا زالت مناسبة اليوم كما كانت منذ خمسين عامًا: «يكمن أملنا الوحيد اليوم في قدرتنا على استرجاع الروح الثورية والخروج إلى عالمٍ عدائيٍ أحيانًا لنعلن عداءنا الأبدي للفقر والعنصرية والعسكرية. بهذا الالتزام القوي سوف نتحدى بشجاعة الوضع القائم والأعراف الجائرة، وهكذا نعجّل بيومِ (كُلُّ وَطَاءٍ يَرْتَفِعُ، وَكُلُّ جَبَلٍ وَأكَمَةٍ يَنْخَفِضُ، وَيَصِيرُ ٱلْمُعْوَجُّ مُسْتَقِيمًا،وَٱلْعَرَاقِيبُ سَهْلًا)»[8]
[1] مجموعة قوانين حافظت على الفصل العنصري بين البيض والسود في الولايات الجنوبية حتى عام 1965.[2] قد يكون مقصودًا بهذا جملته التي صاغها عام 1963: يجب أن نجمع بين صلابة الأفعى ورقة الحمام، عقل حازم وقلب لين.[3] منظمة حقوق مدنية أمريكية، مقرها نيويورك، تدافع عن الأمريكيين الأفارقة، وتحارب التمييز العنصري.[4] الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام: حركة مقاومة مسلحة فيتنامية نشطت بين 1954-1976.[5] فيدل أليخاندرو كاسترو، رئيس كوبا منذ العام 1959 بعد إطاحته بحكومة فولغينسيوباتيستا بثورة عسكرية ليصبح رئيس الوزراء حتى عام 2008 عند إعلانه عدم ترشحه لولاية جديدة وانتخاب أخيه راؤول كاسترو مكانه.[6] ماو تسي تونغ: زعيم الحزب الشيوعي الصيني منذ 1935 حتى وفاته في 9 سبتمبر 1976.[7] يحيل إلى قصة توراتية عن النبي موسى وبني إسرائيل الذين اتبعوه كي ينال لهم أرضًا يأمنون فيها، لكن الرب أخبره أنه لن ينالها بنفسه، لكنه فقط سيصعد إلى الجبل وينظر إليها. ثم يموت موسى، ويخلفه جوشوا الذي يقود شعبه إلى الأرض الموعودة التي سبقت لموسى رؤيتها.[8] سفر إشعياء 40 الآية الرابعة.