مسلسل «ريفو»: دراما النوستالجيا والأحلام غير المحققة
مسلسل عن حكايات الآباء غير المروية، عن الوحدة، والحزن، والفقد، وعدم الثقة، عن الصداقة التي تبدأ ثم تنتهي وتنتهي معها الحياة ثم تعود مجددًا، عن الأب والبنت والزوجة والحبيبة، عن البحث عن الهوية وطيش الشباب والذكاء والغباء وحلم الهجرة والطموح المقتول والحب الغائب.
حكاية عن «بطل كان مغمور، ومحدش سائل فيه، حلمه مشفش النور، لكنه مات بيحاول».
في أحد أندية المعادي يسير مروان سامي، الذي أدى دوره صدقي صخر، بالووكمان الخاص به والأحدث في حقبة التسعينيات، متوحدًا مع موسيقاه، منفردًا بالكلمات التي لم نسمعها ولكننا نرى انبعاثها من عينيه، نظارته وملامح وجهه البريئة وتوهانه كان مروان الأقرب إلينا، ولذلك استحق صدقي صخر الكثير من الإشادة على أدائه العميق.
الشخصية والشخصية المضادة
هل كانت شخصية مروان هي المحورية في الحكاية أم شادي؟
شادي الذي أدى دوره أمير عيد أعتقد أننا ما كنا لنحبه لولا مروان، في الحكاية رأينا شادي بعيني مروان، عين الصديق المحب المخلص، الصديق الذي التصق به بلاصق الإعجاب والانبهار، شادي هو الشخصية المضادة لمروان، شاب يعلم جيدًا ما يريده، جريء جدًا، واثق من نفسه جدًا، موهوب جدًا ويعلم أنه موهوب جدًا، قيادي جدًا واستطاع أن يجمعهم جميعًا ليصنع معهم «ريفو».
شادي ينتمي لأسرة مفككة فأراد أن يهرب من عالمه إلى الموسيقى، ومروان ينتمي إلى أسرة مترابطة حد القمع فأراد أيضًا أن يهرب، ملابس شادي سوداء غامضة، ولكن مروان ذلك الشاب الوديع بملابسه الوديعة الملونة والملتزمة بالمقاييس الاجتماعية المهذبة، مروان يرتدي نظارة شفافة وشادي يرتدي واحدة سوداء، شادي جريء في الحب ومروان حذر، شادي يقود أصدقاءه ومروان يحتاج إلى من يقوده، وحينما غاب شادي لم يستطع مروان أن يحيى على ما يرام وحاول عدة مرات القضاء على حياته، حتى جاءت ذكريات شادي القوية والجامحة مثله تمامًا لتجعله متمسكًا بالحياة مرة أخرى.
أنا نجم لكن مفيش سما
كتب محمد ناير سيناريو المسلسل وهو يرى شخصية شادي في أمير عيد، ربما لهذا السبب استطعنا تقبله كممثل، فالتفاصيل تليق به، ملابسه السوداء، غموضه، لا مبالاته، ثقته المفرطة، تناقضاته، صوته اللائق مع القصة والأحداث والحقبة، مكث السيناريو في مطبخ الكاتب اثني عشر عامًا ليخرج إلينا بهذا الشكل.
وإذا ما حصلنا على نص مكتوب بشكل جيد، هنا يستطيع المخرج أن يوجه الشخصيات بشكل جيد، تمكن يحيى إسماعيل أن يوحدنا بطريقة بارعة بكل شخصية، وبالرغم من أنه في الأساس مخرج إعلانات فإنه استطاع أن يخرج من كل ممثل أداءً مبهرًا، فلا أعتقد أن حسن أبو الروس قدم أداءً حقيقيًا كممثل كما حدث هنا!
هل ما فعلناه في عشرينيات أعمارنا لا يجب أن يلاحقنا في أربعينياتها؟
أعتقد أن كل ما سنعيشه في الأربعين يعتمد على ما عشناه في العشرين، وهذا ما عانت منه الشخصيات. مروان بعد أن فقد صديقه شادي وحلمه المرتبط بريفو حاول مرارًا أن ينهي حياته، مدحت الذي أدى دوره حسن أبو الروس متذبذب بين التعلق بالذكريات ومحاولة إنهائها، ربما ماجد الذي أدى دوره تامر هاشم هو الأكثر صدقًا ومواجهة لنفسه، ونعمان الذي أدى دوره مينا النجار يريد أن يظل مخلصًا لصديقه ولكنه أيضًا متردد بين هذا ومصلحته فيظل محبوسًا في المنطقة الوسط في الأربعين كما العشرين.
جميع الشخصيات نجدها هنا في «ريفو»، في حكايات الأحلام غير المكتملة، فعند عتبة الأربعين سينظر كل منا خلفه ويتذكر حلمًا لم يكمله في العشرين، ربما لهذا السبب تأثرنا بالحكاية، حكاية الشباب الحالمين الذين انفرط منهم الحلم حتى مات.
رغبة مريم التي قامت بدورها الأردنية كرين سعد في التواصل مع والدها حسن فخر الدين هي المحرك الأساسي في الأحداث، بعد أن فقدت مريم والدها وجدت سيناريو غير مكتمل عن ريفو بين أوراقه، ومن هنا بدأت نقطة البحث على أفراد الفرقة وعن الحكاية غير المكتملة، عن تواصل البنت مع والدها بعد وفاته، عن التواصل مع الماضي والأسرار، عن تواصل كل فرد بصديقه.
شكرًا عالم التسعينيات
أضاف المخرج الكثير من اللمسات التسعينية الساحرة، بخلاف الملابس والمكياج وكشك المعادي وشرائط الكاسيت والسيارة الفولفو، فمشهد أمير عيد وهو يتناول الآيس كريم في ديسمبر في المعادي يأخذك إلى ذكريات شارع تسعة وآيس كريم في جليم وعمرو دياب بشكل سلس وجميل، أيضًا استضافة حسام حسني بشخصه في إشارة إلى كونه كان داعمًا ومساعدًا للشباب في تلك الفترة، فهو من لحن لهم أول أغنية أصلية قاموا بغنائها في النادي هاتفًا بحماسة «محدش هيلحن الأغنية دي غيري».
أعتقد أن أجمل حنين تسعيني في المسلسل هو أن يقوم محسن محيي الدين بدور حسن فخر الدين.
غاب محسن محيي الدين عن الساحة الفنية لما يقرب من عشرين عامًا ثم جاء إلينا بعدة أعمال أعتقد أن أجملها بالنسبة لنا هو دوره الرئيسي والمحوري في هذا المسلسل، أب حنون، مؤمن بالشباب، مؤمن بابنته، عجوز ولكن -من جواه شاب-، يأخذك إلى حنين والدك غير الموجود، وخالك الذي تلجأ إليه في بحثك عن ذاتك، وعمك الذي تركض إليه في محنتك، إلى المعلم الذي آمن بموهبتك وشخصيتك واحترمهما، وصوته التسجيلي الملائم للحكاية.
امتاز المسلسل أنه جمع بينك وبين والديك في مشاهدة عمل ما، فهو يأخذهما إلى حنين تلك الأيام، ويأخذك إلى عالم ساحر كشاب يبحث عن نفسه وربما يسمع فرقته المفضلة وهي تغني.
عبدة الشياطين سنة تسعين
تحمس شباب طبقة المدارس الأجنبية والنوادي الباهظة في فترة التسعينيات لموسيقى (الميتال)، فكوّنوا مجموعات موسيقية تشبه إلى حد ما قدم في المسلسل لغناء موسيقاهم المفضلة، وفي عام 1997 ألقي القبض عليهم بتهمة عبادة الشيطان!
يعزو الكثير من المثقفين والموسيقيين أن تلك الحادثة كان لها جانب سياسي بحت لقمع هؤلاء الشباب ليس إلا، فأثناء هوجة إلقاء القبض على الإسلاميين انتشرت علامات الاستفهام حول الشباب غير المنضبط الذي يرتدي الأسود ويغني في النوادي موسيقى صاخبة جدًا.
استطاع شباب ريفو في النهاية أن يغنوا أغنيتهم الخاصة وأن يغيروا وجه الموسيقى في هذا الوقت، مجموعة من الشباب أثاروا الجلبة والصداع وعالجوها بتحقيق الذات.
جيل 2011
ولدت عام 90 لذلك لا أتذكر الكثير من عالم التسعينيات فلم أكن شابة وقتها، ولكنني في كل مشهد من المسلسل كان يخطر لي ذكريات ما بعد 2011، عندما كنا نركض وراء فرق الأندر جراوند في مهرجانات الغناء الشبابية، أتذكر أنني حضرت عدة حفلات لكايروكي في ميدان الحرية بالمعادي وميدان عابدين وفي عدة أماكن في مصر الجديدة، ناهيك عن الحفلة الرسمية المكررة في ساقية الصاوي التي كان سعرها مناسبًا جدًا لطالبة جامعية تستطيع تدبير المال من مصروفها الشخصي.
رأينا هناك الكثير من مروان، ربما كنت مروان في إحدى المرات، اجتمعنا على حب الموسيقى الأقرب إلينا كشباب سئم كلمات الحب المكررة في ألبومات فناني الصف الأول، أردنا أغاني تعبر عنا وعن أحلامنا وقصص الحب المعقدة ومعافرتنا في الحياة، أغاني تخبرنا أن لا بأس بالسقوط والفشل فغدًا يوم أجمل.
كايروكي تعاون كثيرًا مع فنانين كبار مثل عايدة الأيوبي، استطاعوا أن يخرجوا شيئًا جميلاً إلينا بذكاء الحاضر وحنين الماضي، وبالرغم من أن ريفو ليس له علاقة بقصة كايروكي كفرقة مستقلة بنفسها فإنه وضعنا في نفس الحالة الوجدانية لما تعبر عنه كايروكي نفسها.
أستطيع أن أعبر كشابة ثلاثينية أننا نريد الكثير من الأعمال التي تشبه ريفو.