جمهوريات البنادق: متى ينقلب الجنرال على جنراله؟
يخرج الجنرال بتصريحات إعلامية يدعو فيها جميع الأطراف (السياسية) إلى كلمة سواء، يظن كل طرف سياسى أنه يسطيع هو توجيه بندقية العسكرى لتكون فى صفه وضد خصومه، تتحرك البندقية بالفعل لكن لا لتكون فى صف سياسى بل لتصوب تجاههم جميعا حيث تقف فى صف وحدها من البنادق
بعد عامين أو أكثر يخرج جنرال آخر بتصريحات إعلامية يدعوا فيها الجميع إلى (إعلاء مصلحة الوطن)، ينقلب البعض على قفاه من الضحك، وتداعب الأحلام البعض الآخر بأن هذه المرة قد تقف البندقية فى صفه، بينما يسود الترقب فى صف الجنرال الأول خشية أن يكون اليوم الذى يذوق فيه سُمه – الذى طبخه – قد بات قريبا.
(1) الزعيم على رأس سوريا
في تمام الساعة الثانية والنصف فجرًا، من يوم الأربعاء 30 مارس 1949، أعطى«حسني الزعيم» قائد الجيش السوري، أوامره لوحدات من الجيش بتطويق القصر الرئاسي ومبنى مجلس النواب والوزارات الرئيسية، كما حوصرت مقرات الشرطة والأمن الداخلي، واُعتقل رئيس الجمهورية شكري القوتلي في المشفى حيث كان يعالج من قرحة في المعدة ومرض في القلب، وقُطعت الاتصالات السلكية واللاسلكية مع العالم الخارجي وأُغلقت الحدود.قام حسني الزعيم بانقلابه العسكري ضد القوتلي في أعقاب تزايد حدة الانتقادات للجيش إثر هزيمة حرب فلسطين 1948، وحالة السخط الشعبي على المؤسسة العسكرية والطبقة السياسية خصوصاً والنظام القائم عموماً. وقد نجح الانقلاب، من دون إراقة قطرة دم، وقُبض على رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، وعدد من الوزراء والنواب، وقد وسمهم «الزعيم» بالساسة الذين لا جذور عميقة لهم بين الشعب.
(2) قاسم يُسقط الملكية في العراق
ازدادت أنشطة الحركات الشيوعية، ونجحت في تأليب الجماهير، وتغلغلت أفكارها بين صفوف الكثير من ضباط الجيش والمدنيين. وهو ما نتج عن سياسة رئيس وزراء المملكة العراقية حينئذ «نوري السعيد»، رجل بريطانيا القوي في العراق، والذي سمح لها بالتدخل في شئون البلاد بشكلٍ فج.وبالتوازي شهدت الحركة القومية العربية، صعود ملحوظ، بعد استيلاء اليهود على فلسطين عام 1948، وإسقاط الملكية في مصر في 23 يوليه 1952، وما أعقبه من شن العدوان الثلاثي على مصر، وقيام الوحدة بينها وبين سوريا عام 1958.كان هذا ملخص أسباب قيام التنظيم السري للضباط الأحرار العراقيين بحركتهم لإسقاط الملكية ورئيس الوزراء نوري السعيد، وإعلان تأسيس جمهورية العراقية.وقد قاد التنظيم عبد الكريم قاسم، وانخرط معه كلا من عبد السلام عارف وعبد اللطيف جاسم الدراجي في وضع خطة الثورة وتصفية العائلة المالكة.وبعد سبع محاولات تمكّن عبد الكريم قاسم وتنظيم الضباط الأحرار من إسقاط الملكية، حيث وصل العقيد الركن عبد السلام محمد عارف إلى دار الإذاعة في الصالحية، واحتلها دون إطلاق رصاصة واحدة، وانتظر حتى الساعة السادسة صباح يوم 14 يوليو 1958، موعد بدء البث، وأُذيع البيان الأول للثورة عدة مرات.
(3) النميري ينقلب على الثورة الشعبية
شهد السودان في أكتوبر عام 1964 أول ثورة شعبية تحدث في العالم العربي والأفريقي، حيث انطلقت من جامعة الخرطوم، وغمرت شوارع العاصمة ضد نظام إبراهيم عبود، مما اضطر قادة القوات المسلحة السودانية الانحياز إلى الثورة الشعبية التي أطاحت بعبود. وقد جاءت هذه الثورة بعد محاولة انقلاب فاشلة في عام 1963 قادها صغار الضباط، الذين أطلقوا على أنفسهم الضباط الأحرار وكان من بينهم المقدم «جعفر النميري».ورغم غياب عبود عن المشهد إلا أن النميري أعاد الكرة مرة أخرى، وقام بانقلاب عسكري ناجح في 25 مايو 1969 على الديمقراطية الحزبية التي جاءت نتيجة انتخابات حرة عام 1965.واجه انقلاب النميري في بداية عهده معارضة من زعيمين بارزين لأكبر طائفتين دينيتين وحزبين سياسيين، هما: الإمام الهادي المهدي زعيم طائفة الأنصار، ورئيس حزب الأمة الشريف حسين الهندي رئيس الحزب الوطني الاتحادي الذي يمثل طائفة الختمية، إلى جانب حركة الإخوان المسلمين.
(4) الزعيم يبحث عن الشرعية
واجه حسني الزعيم صعوبات جمة دون شرعية نظامه، سواء في الداخل أو في الخارج؛ إذ كان انقلابه العسكري هو الأول في تاريخ الوطن العربي – وإن كان قد سبقه الفريق بكر صدقي في بغداد عام 1936 بانقلاب جزئي غير كامل.عمل الزعيم على تطهير الجهاز الحكومي، وعيّن محافظين جدداً، يتمتعون بالسلطتَين المدنية والعسكرية، وجهر برغبته في تحديد الثروات الطائلة، وإجراء إصلاح زراعي، ومنع استخدام ألقاب، كالباشا والبك، وندد بالشيوعية؛ لمعارضة مبادئها مع مبادئ القومية العربية، التي ينتمي إليها الشعب السوري.وقرر الزعيم في يونية 1949، ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، من خلال الاستفتاء الشعبي، الذي تم في 24 يونية 1949، وأسفر عن فوزه بأغلبية الأصوات. وسرعان ما سعى الزعيم، بعد انتخابه، إلى تدعيم الفردية المطلقة. فتنكر لرفاقه الذين شاركوه في الانقلاب، وقرّب الأقليات العِرقية والدينية، فعهِد بالمراكز المهمة في الجيش إلى أكراد وعلويين، ومنح نفسه رتبة مارشال. وأخضع الصحافة للرقابة، وعطّل نشاط الأحزاب.
(5) انقلاب قاسم على رفاقه
تولى عبد الكريم قاسم رئاسة أول وزارة بعد حركة الجيش عام 1958، إلى جانب توليه وزارة الدفاع، وأسند المناصب البارزة في الوزارة إلى العسكريين، فعُهد إلى عبد السلام محمد عارف بمنصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية.ورغم أن الجيش قد رفع شعار القضاء على الظلم السياسي والاجتماعي، وأدعى أنه أطاح بنظام الحكم الفاسد، إلا أن حكم عبد الكريم قاسم اتجه نحو الديكتاتورية والفساد، وظلت الأحكام العرفية سائدة بعد أن كان من المفترض أن تنتهي مع زوال النظام الملكي والنفوذ الأجنبي. وظل المواطنون محرومين من حقوقهم وحرياتهم العامة، ومُكممي الأفواه خوفاً من التعذيب الوحشي والقتل. وانتشرت المحسوبية في أجهزة الحكم. كما شرع قاسم في ملاحقة قادة أحزاب المعارضة وإغلاق صحفها.وتدريجياً ساءت علاقات عبد الكريم قاسم مع بعض زملائه من أعضاء تنظيم الضباط الأحرار، وذلك بسبب تخبطه وفرديته، والأخطاء التي ارتكبها بإعدام القادة والوطنيين، والخلاف مع المشير عبد السلام عارف الذي كان قيد الإقامة الجبرية، بعدما ازدادت شعبيته، وبعد ما تم إشاعته عن محاولة اغتياله لقاسم أثناء اجتماع اعتيادي ضمهما معاً بجانب بعض المسئولين الأخرين.
(6) غضب شعبي في السودان
دخل النميري في مواجهة عسكرية مع طائفة الأنصار، وقام بالتضييق على الحزب الشيوعي، فحظر نشاطه والمؤسسات التابعة له. وشهد حكم النميري ثلاث محاولات انقلابيه فاشلة؛ الأولى قادها الرائد هاشم العطا في 19 يوليو 1971 مع مجموعة من ضباط ينتمون للحزب الشيوعي السوداني. وقد استولى على السلطة لثلاثة أيام غير أن النميري استعاد السلطة بمساندة ليبية من معمر القذافي وحركة شعبية في الداخل. والثانية في 5 أغسطس 1975، وقادها المقدم حسن حسين ومجموعته وهو ينتمي إلى التيار الإسلامي وقد حكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص بعد اعتقاله خلال عملية إطلاق نار. والثالثة في 2 يوليو 1977، بقيادة العميد محمد نور سعد، وتم تنفيذ الانقلاب بالتحرك من الحدود الليبية إلى جانب تحرك مجموعاتهم الداخلية من طلبة وجنود في الجيش. وفشل الانقلاب، وتم إعدام قادة الانقلاب رمياً بالرصاص.وفي عام 1979، شهدت السودان أزمة اقتصادية طاحنة، أسهمت في تزايد الغضب الشعبي ضد نظام النميري، إلى جانب عوامل أخرى؛ كتشديد القبضة الأمنية لتطول كافة المعارضين، وتأييد النميري لاتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، وضلوعه وأجهزته في تهريب اليهود الفلاشا الإثيوبيين إلى إسرائيل سراً، وتنامي علاقاته السرية مع إسرائيل والولايات المتحدة.مع بداية عام 1984، اتجهت الأوضاع الاقتصادية إلى التدهور، مما أدى إلى ارتفاع معدل الانتفاضات والإضرابات والعصيان المدني بمشاركة مختلف الفئات الشعبية. وهو ما حاول النظام السياسي التقليل منه مُدعياً أن ما يتم مؤامرة يقودها البعثيون والشيوعيون والإخوان المسلمون.
(7) عام الانقلابات في سوريا
(8) إعدام قاسم
في الساعة التاسعة من صباح يوم الجمعة 8 فبراير عام 1963، تحركت القطع العسكرية بسهولة، وتوجه بعضها إلى دار الإذاعة، حيث بدأت في بث أناشيد ثورية ووطنية، وتم الإعلان عن حركة للجيش بقيادة عبد السلام عارف للانقلاب على حكم عبد الكريم قاسم. وقد أغارت طائراتهم الحربية على مبنى وزارة الدفاع، وحاصرت الدبابات وقوات المشاة مبنى الوزارة، فهرب الكثير من وزراء ومناصري قاسم وتواروا عن الأنظار.وقد تمكّن قاسم من مغادرة مبنى الوزارة إلى قاعة الشعب، تحت جنح الظلام، ومن هناك قام قاسم بالاتصال هاتفياً بدار الإذاعة وتحدث مع عارف، طالباً منه التفاوض للمشاركة في السلطة أو السماح له بمغادرة البلاد.
عبد الكريم قاسم مقتولاً على الأرض بالرصاص في مبنى الإذاعة ( الأول من اليسار ) 1963
وفي ظهر 9 فبراير 1963، سلّم قاسم نفسه حيث اُقتيد ورفاقه إلى مقر الإذاعة والتليفزيون، وبعد عقد محاكمة صورية لهم، صدر في حقهم أحكام بالإعدام، والتي نُفذت فوراً.وبعد ذلك تم تشكيل مجلس وطني لقيادة الثورة، من أعضاء تنظيم الضباط الأحرار لحركة 14 يوليو 1958، مع الضباط المساهمين بحركة 8 فبراير 1963. ثم تولى عبد السلام عارف منصب رئاسة الجمهورية.