استنساخ ميسي: احذر، القنبلة النووية ستنفجر في وجهك
بدأت القصة بتلك الرسالة التي أرسلها أينشتاين في نفس العام الذي بدأت فيه الحرب العالمية الثانية، عام 1939 إلى الرئيس الأمريكي روزفلت، يحذره فيها من سعي ألمانيا النازية لامتلاك أسلحة نووية. وعلى أحدهم أن يسبق الألمان إلى ذلك الإنجاز، حتى لا يصبح العالم تحت سيطرة المجنون هتلر.
وفي آخر عام 1941، أطلقت أمريكا ما سميَ بمشروع مانهاتن لتطوير القنبلة الذرية. وأسهم المشروع بعدها ب4 سنوات في إنتاج قنبلتي هيروشيما وناجازاكي، والتي ساهمتا بشكل رئيسي في التعجيل باستسلام اليابان وإنهاء الحرب.
ورغم فشل ألمانيا في الوصول لمسعاها الذري، إلا أن مشروع مانهاتن لم يتوقف، لأن في عرف الأقوياء، الرغبة في الانتصار ستتطور إلى رغبة في الهيمنة واكتساح الجميع، ولكي تحقق ذلك عليك بامتلاك ما لا يمتلكونه. وإذا انتقلنا من عالم الحروب إلى عالم كرة القدم، لن تتغير القاعدة. لكن عوضًا عن السلاح النووي، عليك بامتلاك الموهبة الأعظم، وإن كنت لا تمتلكها، عليك إنتاج ما يوازيها.
ميسي النووي
الموهبة الأعظم في نظر الكثيرين هي «ليونيل ميسي»، لكن عند هذه النقطة، تختلط آراء المشجعين بالمحللين، لتجد نفسك وسط ذلك الصراع الذي لا طائل منه، صراع ميسي-كريستيانو وبرشلونة-ريال مدريد. ما سنقوله ليس تجاوزًا للقاعدة الأهم في اللعبة، وهي الجماعية، ولكنه محاولة لرصد تأثير امتلاك ميسي النووي.
إذا كنت تسعى لامتلاك سلاح نووي فعليك صناعته لا شراؤه، حتى تضمن الحصول على الأفضل. وإذا نظرت لميسي، فستجده يمثل منتجًا محليًا، تم صناعته وتطويره داخل جدران النادي الكتالوني. وبمجرد انفجاره موهبته وتصدره المشهد، بدأ الفريق يحقق هيمنة محلية غير مسبوقة.
بدأ ذلك في موسم 2008/2009، حينما تولى جوارديولا الإدارة الفنية لبرشلونة، ورحل نجم المشروع السابق رونالدينيو مفسحًا المجال للأرجنتيني الشاب. فاز برشلونة منذ ذلك الموسم بـ 8 ألقاب للدوري من أصل 11، واكتفى ريال مدريد بلقبين فقط، وأتلتيكو مدريد بلقب وحيد. وعلى صعيد كأس ملك إسبانيا، حصل برشلونة على 6 ألقاب، واكتفى كبير العاصمة بلقبين أيضًا.
حتى في دوري أبطال أوروبا، يعاني كل المدربين لمحاولة احتواء ميسي. ولعل جماعية كرة القدم هي التي حالت بين تطابق تأثير ميسي وتأثير السلاح النووي، لكن يبقى ما حققه اللاعب الملقب بالبرغوث كافيًا لدفع الجميع كالمهاويس لمحاولة استنساخه، والمفاجأة أن أول من أراد استنساخه هو من كان يمتلكه من الأساس.
هيروشيما وناجازاكي
سار برشلونة على نهج أمريكا في تلك الحرب، فأمريكا لم تكتفِ بقنبلة واحدة، ولكنها قصفت اليابان بقنبلتين: الأولى والمسماة بالولد الصغير فوق مدينة هيروشيما في السادس من شهر أغسطس/آب عام 1945، والثانية المسماة بالرجل السمين فوق مدينة ناجازاكي بعدها بثلاثة أيام.
قرر برشلونة أن يقذف خصومه بميسي آخر، رغم أن القديم لم ينفجر بعد. وكان سعيد الحظ – مؤقتًا – هو الإسباني «بويان كريكيتش»، الذي انضم لأكاديمية اللاماسيا عندما كان في التاسعة من العمر. وأظهر موهبة وجودة فائقتين، فأحرز في سبع سنوات ما يزيد عن الـ 850 هدفًا، وحظي سريعًا بفرصته مع الفريق الأول، وكان أصغر لاعب من البلوجرانا يشارك في دوري أبطال أوروبا في الـ 17 من عمره.
مسيرة بويان كانت تسير أسرع من المعتاد، إلى أن بدأت تداهمه نوبات القلق «Anxiety disorders» والتي جعلته يرفض دعوة المنتخب الإسباني للانضمام إلى تشكيلته في يورو 2008. الأمر أثر عليه جسديًا ونفسيًا، ومع عدم حجزه مكانًا أساسيًا في تشكيلة برشلونة، قرر الذهاب لروما لإنعاش مسيرته.
لكن ظِل ميسي – الحقيقي وليس ذلك الذي قصده نيمار – كان يطارده في كل مكان، وفي الوقت الذي تُكتب فيه هذه السطور، كان كريكيتش يدق آخر مسمار في نعش مسيرته بالانضمام إلى نادي مونتريال إمباكت الكندي المشارك في الدوري الأمريكي.
قائمة طويلة
محاولة الاستنتساخ الأولى باءت بالفشل، لكن لم يدرك أحد خطورة اللعب بالنار، عفوًا اللعب بالنووي. وظل الجميع يطارد هوس البحث عن خليفة ميسي دون وعي، حتى طالت القائمة، فقط عليك الذهاب إلى محرك البحث جوجل وكتابة: خليفة ميسي.
ستجد قائمة من الأسماء تبدأ بباولو ديبالا نجم يوفنتوس، والذي يحاول نادي السيدة العجوز التخلص منه في ميركاتو 2019/2020 بعد تراجع مستواه في أعقاب انضمام كريستيانو رونالدو، ثم الجناح التركي الأعسر لنادي روما، جينكيز أوندير، والذي قدم مستويات لافتة في حقبة المدرب دي فرانشيسكو.
ثم ستمر على مجموعة مختلفة من الجنسيات مجتمعة في أكاديمية برشلونة تبدأ بالكوري الجنوبي سونج وو لي، والذي تدرج في اللاماسيا ثم رحل وعاد، ثم رحل مرة أخرى صوب نادي هيلاس فيرونا الإيطالي.
والهولندي تشافي سيمونز، أحد أشهر اللاعبين في عمره. سيمونز كان قد صرح من قبل أنه يريد أن يكون خليفة تشافي هيرنانديز، لكن الأخبار التي ستقع عليها عينك ستخبرك أنه ميسي جديد. لكن في نهاية المطاف، وفر سيمونز عليهم تلك الحيرة، ورحل عن الفريق بمساعدة وكيله مينو رايولا.
ميسي الياباني
بإمكانك ملاحظة أن القائمة السابقة إما تحتوي لاعبين من أكاديمية برشلونة، أو لاعبين كانوا مرشحين للانضمام للفريق، وعليه يمكننا القول إن برشلونة كان أكبر المهاويس بصناعة خليفة ميسي. حتى بدأ المنافسون ينتبهون للأمر، فخطف باريس سان جيرمان تشافي سيمونز، ثم حضر ريال مدريد وخطف ميسي اليابان.
اللاعب الياباني البالغ من العمر 18 عامًا، كوبو تاكيفوسا هو آخر المنضمين للقائمة. كان كوبو قد انضم لأكاديمية لاماسيا في عمر الـ 10 سنوات، وقضى فيها 4 سنوات كاملة، إلى أن رحل رغمًا عنه في عام 2015. في ذلك العام تمت إدانة برشلونة بخرق قواعد الفيفا الخاصة بالتعاقد مع اللاعبين الصغار دون الـ 18 عامًا، وتم إجبار النادي على التخلي عن مجموعة من الناشئين، من بينهم كوبو.
عاد ميسي اليابان إلى بلاده وانضم إلى نادي إف سي طوكيو، وكان الجميع ينتظر مرور السنوات حتى يتم كوبو عامه الثامن عشر، ويعود إلى النادي الكتالوني. لكن نادي ريال مدريد فاجأ الكل واستطاع ضم اللاعب بعقد مدته 6 سنوات، على أن يلعب عامه الأول في فريق الكاستيا ثم يصعد للفريق الأول في العام التالي.
قدم كوبو أوراق اعتماده لجماهير النادي الملكي عبر مشاركاته القصيرة في فترة الإعداد، ولاقت مهاراته وسرعته إعجابهم. وأصبحوا يعيشون الآن حلم الحصول على نسخة ميسي الجديدة، بعد أن عانوا الأمرين من النسخة الأصلية.
لكن الأمر لن يسير بهذه السهولة، واحتمال تكرار تجربة بويان كريكيتش يبقى واردًا؛ لأن كوبو وغيره ممن حصلوا على لقب خليفة ميسي، عليهم الخروج من عباءة الناشئين سريعًا، والارتقاء إلى مرحلة أعلى على المستويين البدني والذهني، والأهم من ذلك، هو تحمل تبعات المقارنة مع أفضل لاعب في تاريخ اللعبة حسب تصنيف البعض.
وإذا لم تتحمل المقارنة، فإن عملية تجهيز ذلك السلاح النووي ستتحول من إنتاج قنبلتي هيروشيما وناجازاكي عبر مشروع مانهاتن، إلى تجربة تنفجر في وجه صاحبها كما حدث في مفاعل تشيرنوبل.