اليمين الديني المتطرف والسياسة الخارجية لـ «إسرائيل»
أثَّرت سياسات الحكومة الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو على إسرائيل داخليًّا وخارجيًّا نتيجة لصعود اليمين الديني المتشدد، والذي يسعى لتطبيق أجندته المتطرفة؛ ليجد نتنياهو نفسه أمام العديد من التحديات التي من شأنها أن تطيح به مُجددًا، ولكن تلك المرة ستكون الإطاحة بلا رجعة للمشهد السياسي، مع التهديد بدخول السجن في حال سقوط الحكومة. لهذا سعى نتنياهو مؤخرًا لتمرير قانون الإصلاح القضائي، ضاربًا عرض الحائط باحتجاجات الشعب وتهديدات الجيش بالعصيان المدني، وتحذيرات الدول الحليفة من سياسات حكومته المتطرفة.
«الولايات المتحدة»: الحليف الأول والأخير
تميزت العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بطبيعة خاصة، قائمة على قيم الديمقراطية والمصالح المشتركة، ففي مايو/أيار 1948 كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي أول دولة تعترف بـ «إسرائيل كدولة» وحليف في المنطقة.
ولقد تجلت مظاهر تلك العلاقة من خلال حجم المساعدات الأمريكية السنوية، والتي تُقدَّر بـ 3.8 مليار دولار، وتوريد الأسلحة المتطورة، وأيضًا حصول إسرائيل على المزايا الاقتصادية، بالإضافة إلى حماية إسرائيل دوليًّا وتعزيز التعاون الإقليمي عن طريق عقد اتفاقيات السلام.
وعلى الرغم من هذا، فإن تلك العلاقة يشوبها أحيانًا بعض التوترات، فعلى سبيل المثال يوجد حاليًّا خلافات بين الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن وحكومة نتنياهو السادسة، ظهرت بوادرها مع إعلان نتائج الانتخابات الأخيرة، حيث أكَّدت الولايات المتحدة على احترام الانتخابات الديمقراطية في إسرائيل، ولكنها أبدت قلقها من شخصيات معينة ضمن الحكومة، في إشارة إلى وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، الذى تعتبره الإدارة الأمريكية نسخة من الحاخام مائير كاهانا، مؤسس حركة «كاخ» والتي تُصنَّف كجماعة ارهابية. كذلك الأمر بالنسبة لوزير المالية، بتسلئيل سموتريتش.
على الرغم من هذا، فإن واشنطن قلقة بشأن السياسات المتوقعة لتلك الحكومة، وخاصة فيما يتعلق بحماية حقوق الإنسان والأقليات، ودعم الديمقراطية، والقضية الفلسطينية (حل الدولتين)، حيث أكدت الإدارة الأمريكية على تمسكها بحل الدولتين، مع رفض أي سياسات لتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية، والإضرار بالوضع الراهن للقدس الشريف.
ازدادت التوترات حدة حين قام وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير باقتحام باحة المسجد الأقصى، بحجة حق اليهود في الصلاة في باحة المسجد (جبل الهيكل وفقًا لليهود)، لتُندِّد الولايات المتحدة بهذا الفعل، والذي من شأنه إثارة العنف في المنطقة، وقد اتضح عزوف إسرائيل عن تلك التنديدات، حينما صدَّقت الحكومة على ضم 9 بؤر استيطانية في الضفة الغربية، كما وافقت على بناء وحدات استيطانية جديدة، لتعلن الإدارة الأمريكية رفضها لتلك القرارات.
وعلى الرغم من عمليات الشد والجذب بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، فإن العلاقات بينهما لم تتأثر بصورة فجة، حيث إن ما يجمعهما هو البراغماتية المشتركة، فإسرائيل لن تخسر أقوى حليف لها على المستوى الدولي، ولن تغامر بأمنها القومي المتمثل في المساعدات السنوية الأمريكية. بالإضافة إلى دور الولايات المتحدة الأمريكية في حماية إسرائيل في المؤسسات الدولية المختلفة، خاصة في ظل القضايا المرفوعة عليها من قبل فلسطين في محكمة العدل الدولية، والتي ستُناقش قريبًا. وعلى الصعيد الأمريكي لن تخسر الولايات المتحدة إسرائيل التي تمثل بالنسبة لها ورقة ضغط على إيران في المنطقة، ولكن على نتنياهو أن يسيطر على حكومته قبل أن تتفاقم التوترات.
وفى سياق متصل اقترحت دولة الإمارات العربية المتحدة مشروع قرار في مجلس الأمن يُطالب إسرائيل بوقف تام لجميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقبل التصويت بيوم أعلنت أنها لن تقوم بمناقشة هذا المشروع في مجلس الأمن، ويرجع ذلك إلى الضغوط الأمريكية. يُذكر أن الولايات المتحدة قامت برفض هذا المشروع حين تم اقتراحه، حيث اعتبرت الإدارة الأمريكية أنه لن يُساهم في إحلال السلام بين إسرائيل وفلسطين، وعند انعقاد جلسة مجلس الأمن اكتفى المجلس بإصدار بيان غير مُلزم يدين الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في حين أعربت إسرائيل عن استيائها لمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في هذا البيان.
روسيا عدو أم حليف؟
على صعيد آخر، تغيَّرت سياسة الحكومة الإسرائيلية تجاه روسيا مؤخرًا. ظهر هذا عندما اتصل وزير الخارجية الإسرائيلي إيلى كوهين بنظيره الروسي سيرجى لافروف، ويعد هذا الاتصال هو الأول بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في العام الماضي، ناقشا خلاله عدة قضايا أهمها الحرب بين روسيا وأوكرانيا وموقف إسرائيل منها، حيث ألمحت إسرائيل إلى عدم إدانة روسيا في حربها مع أوكرانيا علانيةً، مع صياغة سياسة أكثر مسئولية بشأن تلك الحرب وعرضها على الكابينيت، في رسالة مفادها التودد إلى روسيا، وذلك بسبب التقارب الروسي الإيراني والذي من شأنه تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط إذا استمر بهذا الشكل.
يحاول نتنياهو تجنب خوض صراع مع روسيا، فهو يعلم أن روسيا طرف في الاتفاق النووي الإيراني، وعلى الرغم من اتباع حكومة إسرائيل نهج الدبلوماسية الذكية في علاقتها مع روسيا، فإنه من المُرجَّح حدوث توتر في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب نتيجة لهذا النهج. والجدير بالذكر أن العلاقات الروسية-الإسرائيلية توترت خلال العام الماضي، وذلك على خلفية إدانة وزير خارجية إسرائيل لروسيا في حربها على أوكرانيا، لتغلق روسيا مقر الوكالة اليهودية لديها، مُعلنة أن فرع الوكالة في موسكو قد انتهك القوانين الروسية.
التحالفات الإقليمية وحكومة نتنياهو السادسة
تذبذبت العلاقات الإسرائيلية مع الدول العربية المُوقِّعة على اتفاقيات السلام مع إسرائيل؛ لتُندِّد الأخيرة بأعمال العنف التي تحدث في الضفة الغربية وتحديدًا في قرية «حوَّارة»، وتوسيع الأنشطة الاستيطانية، وأيضًا الاقتحامات التي تحدث لباحة المسجد الأقصى.
ومن جانبها استضافت مصر قمة بشرم الشيخ لتهدئة الأوضاع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي برعاية أردنية-أمريكية، إلا أن تلك القمة تعرَّضت لانتقادات شديدة من قبل الجانب الفلسطيني، وذلك على خلفية الاعتقالات وعمليات القتل التي قامت بها إسرائيل، حيث هاجم رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتى إسرائيل، وقال إن الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى «محو حدود عام 1967، وحل الصراع من خلال احتلال آخر».
وفى سياق متصل قام وزير المالية المتطرف الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، بعرض خريطة لإسرائيل الكبرى تضم الأردن وفلسطين بالكامل في مؤتمر رسمي في باريس، كما صرَّح بأنه «لا يوجد شعب فلسطيني، ويجب على الإليزيه والبيت الأبيض أن يسمعوا هذه الحقيقة». ومن جانبها أدانت الخارجية الأردنية ما حدث، وعلى الفور نشرت إسرائيل بيانًا بأن العلاقات بين البلدين ما زالت قائمة.
وفى سياق منفصل، تم الإعلان عن عودة العلاقات السعودية-الإيرانية بعد انقطاع دام سنوات، ويُذكر أن إيران تُعتبر العدو الأكبر لإسرائيل في المنطقة، بينما تحاول إسرائيل توقيع اتفاقية للسلام مع السعودية في الآونة الأخيرة قبيل هذا الإعلان الذي كان ضربة استباقية من إيران للحكومة الإسرائيلية. وعلى الرغم من هذا فقد أكَّدت مصادر إسرائيلية أن هذا لن يؤثر على جهود التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل.
خلاصة القول، تمر إسرائيل بمرحلة فاصلة في ظل وجود انشقاق بين أعضاء الحكومة، وعلى رأسهم نتنياهو وبن غفير وسموتيرتش وليفين. انشقاق يهدد إسرائيل داخليًّا، بين طوائف المجتمع، مما يُنذر بحرب أهلية، فهل يسيطر نتنياهو على الأوضاع أم تتفاقم؟