ضبط المعاملات والأسواق في ضوء القرآن والسنة
تقوم دورة النشاط الاقتصادي في المنهج الإسلامي في التنمية بالحض على الإنفاق بالضوابط الشرعية. والحض على الإنفاق هو حض على الإنتاج والكسب، وبالتالي دفع عجلة التنمية. ويتحقق النشاط الاقتصادي من خلال السوق الإسلامية.
ويتناول هذا المقال الضوابط الشرعية لضمان حرية المعاملات والأسواق، وقضية التسعير، وتحريم الاحتكار؛ في ضوء القرآن الكريم والسنة المطهرة.
حرية المعاملات والأسواق في القرآن والسنة
تقوم السوق الإسلامية على آليات المنافسة التعاونية؛ التي تدفع إلى إقامة العدل في التعامل، وزيادة الإنتاج وتجويده؛ وذلك في جو من البر والتقوى، والرقابة والتوجيه.
يقول الله عز وجل:
يُستنبط من هذه الآيات ما يلي:
- يقوم النظام الاقتصادي في الإسلام على مبدأ حرية البيع والشراء. ولم يستخدم القرآن الكريم لفظ الحرية الاقتصادية وحرية التعامل؛ ولكن استخدم مصطلح «التراضي».
- إن التعاون هو أساس العلاقات بين المنتجين والبائعين من ناحية، والمستهلكين والمشترين من ناحية أخرى.
- المنافسة بين المنتجين أو الموزعين أو البائعين منافسة تقوم على الجوانب القيمية، وليس منافسة «قطع الرقاب».
- لابد أن تقترن التجارة وحرية المعاملات بالإيمان والتقوى وأداء الأمانة. وعلى التجار والمتعاملين في السوق ألا يلهيهم البيع عن ذكر الله، وعن أداء الصلاة المفروضة.
- القيام بأداء حق الله تعالى -المالك الأصلي- في المال وهو الزكاة؛ لأن طاعة الله سبحانه وتعالى، وابتغاء ثوابه ومرضاته سبحانه هي الهدف من التجارة والمعاملات. وأن الله يرزق من يشاء بغير حساب؛ فهو سبحانه الرزاق ذو القوة المتين.
- يعتبر التطفيف في الميزان من الذنوب التي توجب إنزال العقاب؛ كما حدث مع قوم شعيب عليه السلام. وهو خلل في نظام حرية السوق.
- تقع مسئولية حماية المعاملات على الدولة، وتدخل ضمن وظائفها؛ لضمان عدم الجور، وإعطاء كل ذي حق حقه.
وفي السنة النبوية المطهرة، يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
ويُستنبط من هذه الأحاديث وغيرها ما يلي:
- تقوم التجارة على القيم الإيمانية والأخلاقية.
- إن التجارة من أهم الأعمال التي ترتبط بالمستهلكين والعملاء مباشرة، وتمس حياة واستقرار الناس، كما أن لها من الإغراءات التي يمكن أن تنحرف بالتاجر إلى الحرام. لذلك كان أجر التاجر الأمين والصادق في الآخرة أجرًا عظيمًا.
- لا بد من البيان والشفافية في التجارة، حتى يبارك الله تعالى في الصفقات التجارية، والبركة شيء أصيل في النظام الاقتصادي الإسلامي.
- تعتبر المواد الغذائية من أهم السلع التي يجب على ولي الأمر أو المحتسب أو الدولة أن تهتم بها؛ من حيث مراقبة الأسواق، ومتابعة التجار، حتى تصل إلى المستهلك النهائي بيسر ودون مشقة أو ظلم، وبالجودة والمواصفات الجيدة.
قضية التسعير في ضوء القرآن والسنة
إن سعر السوق هو السعر الذي يتحقق عنده التوازن Equilibrium Price، وهو السعر الذي يحقق الرضا بين طرفي التعامل في سلعة أو خدمة معينة. ويتحقق هذا عند تعادل قوى السوق [5]. وتقوم السوق الإسلامية على معايير القيمة العدل؛ التي تتحقق بتفاعل العرض والطلب، من خلال آلية الأسعار. وفي الإسلام؛ يسمى هذا السعر بثمن المثل؛ ويكون بالالتزام بالضوابط الشرعية، والحلال والحرام في المعاملات.
يقول الله تبارك وتعالى:
ويستنبط من الآيات السابقة ما يلي:
- أشار القرآن الكريم إلى الأسعار في إطار أنه سبحانه وتعالى الرازق القادر.
- إن تحرير الأسعار في السوق يكون على أساس القيمة العدل.
- إن تحريم التسعير يدخل ضمن عدم بخس الناس أشياءهم.
وفي السنة النبوية الشريفة: قد غلا السعر في المدينة على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال الناس: يا رسول الله غلا السعر، فسعر لنا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
إن أبعاد تحريم التسعير -كما جاء في الحديث الشريف- تتمثل فيما يلي:
- حماية صاحب المال من الظلم؛ لأن التسعير يبخس حقه بأن يعطيه ما لا يجزيه [الثمن الجبري]، ويخرج المنتج الجاد من الإنتاج، ثم تتدخل الدولة لسد الثغرة؛ فينشأ التسيب والسرقة، وينخفض الإنتاج ويحل الفقر.
- إن حرية قوى السوق في الإسلام مرتبطة بالرقابة على الأسواق.
- إن تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي يكون لضمان التراضي بين الأطراف، وضمان السعر العادل؛ حيث يؤدي ذلك إلى كفاءة تخصيص الموارد، وعدم بخس الناس أشياءهم، وحماية المنتجين، مع مراعاة الاعتبارات الاجتماعية، وضمان عدم إلحاق الضرر بالمستهلكين. وتوجد ضوابط شرعية تمنع المنتجين من التحكم في الأسعار والغلو.
تحريم الاحتكار في ضوء القرآن والسنة
الاحتكار هو حبس الشيء انتظارًا لغلائه؛ حيث يتم حبس الأشياء؛ التي تشتد حاجة الناس إليها ويستعملونها كضرورة من ضروريات حياتهم؛ وذلك بهدف ارتفاع سعرها، ويستوي في ذلك السلع الاستهلاكية كالغذاء والدواء، أو السلع النصف مصنعة؛ الموجهة إلى الاستثمار والبناء والتعمير.
والاحتكار بأنواعه سواء احتكار فرد أو احتكار قلة يؤدي إلى خلل في توزيع الموارد، وفي النشاط الاقتصادي برمته، وبث روح العداء والأنانية وعدم الثقة في أي سياسات إنتاجية، أو تسعيرية، أو تسويقية.
يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
ويستنبط من هذه الأحاديث ما يلي:
- نهى الإسلام عن الاحتكار؛ لما فيه من إهدار للحرية الاقتصادية، وتحكم في الأسواق.
- نهى النبي (صلى الله عليه وسلم) عن المعاملات التي تضر بالناس، وتؤدي إلى العداوة والبغضاء بينهم، ومن ذلك النهي عن أن يبيع بعض المسلمين على بيع بعض؛ بمعنى أنه إذا اتفق المسلم على بيع سلعة للمشتري بسعر معين، فلا يجوز لآخر أن يبيع سلعة مماثلة لهذه السلعة لهذا المشتري بثمن أقل.
- أيضًا إذا اتفق المسلم على شراء سلعة من بائع بسعر معين، فلا يجوز أن يحاول مشتري آخر أن يشتريها من البائع بعد أن علم أن أخاه يريد شراءها، ولا يجوز أن يفاوض البائع على ذلك.
إن السوق الإسلامية من أسس المنهج الإسلامي الاقتصادي في التنمية، وهي تقوم على الجوانب القيمية، وأهمها قيم الأخوة. ويؤدي ذلك إلى القيمة العدل. وهي مسئولية الفرد والدولة. والتبادل بين الناس يكون في حدود العدل والقسط، ويجب أن يكون عن تراضٍ بين البائعين والمشترين، وذلك في كافة المعاملات التجارية. وهذه السوق بعيدة عن أي صور من صور الاستغلال، أو أكل أموال الناس بالباطل. فهي سوق نظيفة من كل الممارسات الخاطئة. وأيضًا فإن السوق الإسلامية خالية من «الربا» ولا يوجد فيها «اكتناز».
يقول الله عز وجل:
ويستنبط من هذه الآيات ما يلي:
- إن السوق الإسلامية خالية من الربا.
- يعتبر تحريم الاكتناز من سمات السوق الإسلامية، وإلا اكتوى المكتنز بكنزه في نار جهنم.
- إن للزكاة دورًا هامًا في محاربة كنز النقود وحبسها، وإخراج زكاة المال ينفي صفة كنز المال؛ في حالة حبسه عن أداء وظيفته.
وقد أكدت الدراسات المعاصرة أن الزكاة وسيلة رئيسة لنمو المال؛ على عكس الربا الذي هو محق. ولهذا مقال آخر إن شاء الله تعالى.
- جامع الترمذي برقم 1209.
- حديث حكيم بن حزام: رواه البخاري في صحيحه برقم 2079، ومسلم في صحيحه برقم 1532.
- صُبرة طعام: أي كومة مجموعة من الطعام.
- حديث أبي هريرة: رواه مسلم في صحيحه برقم 102.
- انظر: يوسف كمال محمد: فقه الاقتصاد الإسلامي: النشاط الخاص (الكويت: دار القلم، 1408هـ = 1988م)، ص 307.
- حديث أنس بن مالك: الترمذي برقم 1314، أبو داود برقم 3451، ابن ماجه برقم 2200، أحمد برقم 14057.
- حديث مَعمَر بنِ عبد الله بن نضلة: رواه مسلم برقم 1605، وابن ماجة برقم 2154، والترمذي برقم 1267.
- حديث عمر بن الخطاب: ابن ماجة برقم 2153.
- حديث عبد الله بن عمر: البخاري برقم 2165.