في أبريل/نيسان عام 2009، كان «مانشستر يونايتد» بقيادة «كريستيانو رونالدو» يواجه أرسنال في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، وفي النصف الآخر، كان برشلونة مع بيب جوارديولا يواجه تشيلسي بقيادة هيدينك. وبينما قفز إلى ذهنك عدد من الذكريات، وفي مقدمتها هدف انييستا بتعليق عصام الشوالي الشهير «غدارة غدارة»، كان هنالك حدث غير مهم على الإطلاق يحدث في ألمانيا.

نشأ نادي «لايبزيج» في دوري الدرجة الخامسة، وبعد 11 عامًا، شاهدناه في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا 2020. وهنا لا يتعلق الأمر أبدًا بمقارنة وضعه مع وضع الأندية السابق ذكرها، واستحضار عبارة «يعجبني الزمان حين يدور»، لأن ما أنجزه «لايبزيج» مبهر كفاية، لجعلنا نركز عليه بدلاً عن دوران الزمان.

مرحلة «بيراميدز»

لايبزج هو أحد أندية مجموعة شركة ريد بول، المنتجة لمشروب الطاقة، والتي تمتلك ناديًا في كل من: ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، والبرازيل وغانا، وناديين بالنمسا. وتقريبًا جميع هذه النوادي قدمت نفسها كنادي بيراميدز، المتواجد في الدوري المصري.

بالطبع نحن لا نقصد التشابه على مستوى السفه في الإنفاق أو تكريسه لكيد أحد الأندية، ولكن نقصد نظرة جماهير الأندية المنافسة إلى المشروع على أنه مجرد دخيل يحاول شراء النجاح بالأموال، واستغلال كرة القدم لهدف ليس على هوى المشجعين.

أحد مشجعي دورتموند المعارضين لوجود لايبزيج، قال: «دورتموند يستخدم موارده للعب كرة القدم، بينما تستخدم ريد بول كرة القدم لبيع سلعتها».

ولم يتوقف الأمر على كراهية المنافسين، بل نال أيضًا جماهير النادي. لأن عملية استحواذ ريد بول على الأندية، كانت بمثابة محو لتاريخ وهوية كل نادٍ منها، مما قطع الصلة بين عدد من المشجعين وبين النادي في ثوبه الجديد.

بدأت مجموعة ريد بول في عام 2005، بالاستحواذ على نادي «ريد بول سالزبورج» أو هكذا يعرف حاليًا، حيث استحوذت المجموعة على نادي «أوستريا سالزبورج» العريق، الذي خسر نهائي اليوروبا ليج في عام 1994 أمام إنتر ميلانو.

نام المشجعون ثم أفاقوا على تغيير اسم ناديهم، وتجديد شكل الشعار والقميص، وبعد عدة مظاهرات احتجاجية، قرروا إنشاء نادٍ جديد بنفس الاسم، ليبدأ مشواره من الدرجة السابعة، ويترقى حتى وصل حاليًا إلى الدرجة الثانية.

نفس المأساة تكررت مع «نيويورك ريد بول» بأمريكا في عام 2006، ثم مع «آر بي لايبزيج» في 2009. لكن في ألمانيا كان الأمر أكثر فداحة، حيث لم تكتفِ المجموعة بالاستحواذ على نادي «SSV Markranstadt» وطمس هويته، لكن قرروا معاداة جماهير ألمانيا كلها بضرب أكثر قاعدة تميز دوريهم.

قاعدة الـ 50+1 في البونديزليجا هي ما يميزه عن دوريات إسبانيا وإيطاليا وإنجلترا، حيث لا يمكن لأي نادٍ المنافسة في الدوري ويمتلك المستثمرون أكثر من 49% من أسهمه، مما يعني أن المشجعين سيحتفظون بأغلبية الأسهم دومًا. وكي يتحايل «لايبزيج» على الأمر رفع سعر العضوية السنوية، وأصبح عدد أعضائه 17 فقط – مقارنة بـ 140 ألف عضو بدورتموند – أغلبهم موظفون في الشركة.

من «بيراميدز» إلى «برشلونة»

ومع كل هذا التحايل والكراهية، كان من الطبيعي أن تكون بداية المشروع صعبة، خاصةً في ألمانيا. وفي المقابل كان على مسئولي شركة ريد بول أن يجدوا طريقة لمحاولة بناء شعبية انطلاقًا من مشاعر الكراهية تلك، وكان الحل هو التمسك بشعار منتجهم «ريد بول يعطيك جوانح».

فالأداء يجذب الجماهير أكثر من النتائج، ولن تجد أفضل من تحويل شعار الطاقة والحيوية والمغامرة، إلى شيء ملموس على أرض الملعب، عبر أفكار تدريبية ليست مجنونة ولكن ليست رزينة، تعتمد على الضغط والمخاطرة والسرعة والاستنزاف البدني، وكأن الخمس الدقائق الأولى هي الخمس الدقائق الأخيرة.

وتمكنت المجموعة أو على الأقل رأسا الحربة فيها، ناديا سالزبورج ولايبزيج من تطبيق ذلك عبر عراب الكرة الألمانية «رالف رانجنيك». انضم المدير الفني السابق لأندية شتوتجارت وهوفنهايم وشالكه إلى ناديي «آر بي لايبزج» و«ريد بول سالزبورج» كمدير رياضي في عام 2012.

وحمل «رانجنيك» على عاتقه توحيد فلسفة اللعب، وانتقاء المدربين الملائمين لأفكاره، واختيار الصفقات من المواهب التي تتراوح أعمارها بين 17 و23 عامًا، ليتحول النادي من «بيراميدز» إلى «برشلونة»، ليس ذلك االذي هزم بالثمانية، ولكن الآخر الذي اكتسب شعبية جارفة بفضل أفكار كرويف وأكاديمية لاماسيا.

سر العرَّاب

في عام 2006 وعندما كان «رانجنيك» مدربًا لهوفنهايم، كان من السباقين في استخدام الفيديو لتحليل المباريات. إلى جانب أنه واحد من المخترعين الأوائل للضغط العكسي المعروف باسم «gegenpressing»، ويعتبر «رالف» ثاني أكثر المؤثرين على أفكار مواطنه «يورجن كلوب».

أما بقية الخطوط العريضة لفلسفة «رانجنيك» يمكن تلخيصها في الآتي: إيقاع مرتفع بالكرة وبدونها، البحث عن التمريرات العمودية للوصول للمرمى في أسرع وقت، ضغط متقدم، محاولة ترك خيار تمرير متاح في المنتصف لنصب مصيدة الضغط وبمجرد استلام لاعب الخصم، يضغط عليه لاعبان على الأقل.

ويفسر ذلك السرعة المرعبة لهذه الفرق في التحولات، والتي انتقلت من لايبزيج إلى معظم الفرق الكبرى في ألمانيا، لأن رانجنيك كان من منح الفرصة في سالزبورج لكل من: ماركو روز (بوروسيا مونشنجلادباخ) وأوليفر جلازنر (فولفسبورج) وأدَّى هوتر (إنتراخت فرانكفورت)، بالإضافة إلى تأثيره الكبير على كلٍّ من ديفيد فاجنر (شالكه) ويوليان ناجلزمان (لايبزيج) أثناء عمله في هوفنهايم.

بالطبع، إن كنت أحد متابعي البونديزليجا هذه الأيام، فإنك ستلاحظ بعض التشابه بين أندية القمة بسبب ذلك الرجل، لكن دعنا نعود مرةً أخرى إلى ريد بول. فمشاركة جميع أندية المجموعة لنفس الأفكار، جعل المشروع أكثر تكاملًا، مع توفير شبكة كبيرة من الكشافة، وأندية متدرجة المستوى، ما عليك سوى اختيار المناسب، وسوف يتدرب اللاعب على نفس الأفكار حتى يحين وقته للانتقال لقمة الهرم في لايبزيج.

ولم يتوقف المشروع عن تقديم الأداء الجيد فحسب، بل سيحاول إقناعك، والتأكيد على قناعتك بأنه ليس بيراميدز. ففي موسم 2017/ 2018 على سبيل المثال، كانت رواتب لايبزيج أقل من أندية شالكه وفولفسبورج وليفركوزن. أما بالنسبة لريد بول سالزبورج، فقد حقق أرباحًا من بيع اللاعبين بين عامي 2014 و2019 وصلت إلى 200 مليون يورو.

صدقًا، لا أعرف إن كانت التفاصيل السابقة قد جعلتك من معجبي فريق ريد بول أم أن الفوز على أتلتيكو مدريد في دور الثمانية لدوري الأبطال 2019/2020 كان كافيًا لإعطائك انطباعًا جيدًا.

لكن الأكيد أنه سواء هذا أو ذاك، فإن التخطيط الذكي في عالم الرياضة بات يقود إلى نتائج مذهلة، حتى إن كانت غير كافية لإزالة مشاعر الكراهية الأولى. على الأقل، أندية ريد بول جزء من أكبر عملية تسويقية لمشروب طاقة، وليست ضمن أندية تغسل سمعة مالكيها لأسباب أبعد من الرياضة والتسويق.