لهذه الأسباب تتفوق كرة اليد على الألعاب الجماعية في مصر
طالما وصلت إلى هنا، فلا بد أنك قد صادفت أخبار انتصارات منتخب مصر للناشئين في بطولة كأس العالم لكرة اليد في مقدونيا، إن لم تكن قد بدأت بالفعل في متابعة مباريات البطولة من الدور ربع النهائي.
في بداية الأمر دعني أوضح لك تقسيم المراحل العمرية لمنتخبات مصر في كرة اليد. تقسم منتخبات اللعبة كأغلب الألعاب الجماعية إلى ثلاث فئات: كبار، و شباب، وناشئين.
حصل المنتخب المصري الأول للكبار على المركز الثامن في بطولة كأس العالم للكبار في الدنمارك في يناير/ كانون الثاني الماضي، بعد غياب دام لسنوات طويلة منذ دخول مصر المربع الذهبي في كأس العالم بفرنسا 2001.
أما منتخب مصر للشباب فقد حصل على برونزية كأس العالم لكرة اليد في إسبانيا، في إنجاز تاريخي وعودة مصر لمنصات التتويج في لعبة كرة اليد، بعد 20 عامًا من الغياب.
ليأتي بعد ذلك منتخب الناشئين صاحب الإنجاز الأبرز بالتتويج ببطولة كأس العالم في مقدونيا، بمواهب شابة وواعدة تخبرك بمستقبل مميز للعبة في مصر.
ليصبح لدينا في عام 2019 فقط 3 منتخبات، حقق كل منهم مركزًا ضمن أفضل 8 منتخبات في العالم في مرحلته العمرية. رقم جديد لم تنجح في تحقيقه سوى 7 دول فقط في الجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة اليد.
إذا كنت من المتابعين الجدد، فدعني أؤكد لك أن ما تراه الآن في كرة اليد المصرية هو شيء مغاير تمامًا لما شهدته اللعبة في الفترات الماضية، وتحديدًا منذ عام 2001، وحتى 2018.
على مدى السبعة عشر عامًا لم تخرج مشاركات المنتخب المصري لكرة اليد خارج نطاق التمثيل المشرف. عاش متابعو اللعبة خلالها أوقاتًا كثيرة من احتراق الأعصاب؛ لأننا لم نكن نخسر بسبب سوء المستوى، أو عدم وجود الموهبة، بل في الحقيقة أننا كنا نلعب مباريات كبيرة بالفعل، ونجاري فطاحل وكبار مدارس اللعبة، ولكننا لا نعلم كيف نحقق الفوز.
تلك الفترة التي لم ينعم فيها مشجع كرة اليد المصرية بلحظات النشوة تلك، إلا في بعض المشاركات الفردية لمنتخبات الشباب والناشئين، ونجاحهم في الوصول في المربع الذهبي، ولم يكن هناك سوى تحقيق الميدالية الذهبية في أولمبياد سنغافورة الصيفية للشباب 2010، فكيف حدثت الطفرة الأخيرة في اللعبة الجماعية الأنجح في مصر مؤخرًا؟
انتخاب مجلس اتحاد جديد
كان ذلك أول تعليق من المهندس «هشام نصر»، رئيس الاتحاد المصري لكرة اليد، بعد فوزه رسميًّا بمقعد الرئيس في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 ولمدة 4 سنوات، بعد تفوقه على منافسه «هادي فهمي» بـ 53 صوتًا، مقابل 36 صوتًا، بالإضافة إلى نجاح قائمته بالكامل. وجوه جديدة وفكر جديد بعد مرحلة طويلة من الركود تحت شعار: مزق دفاترك القديمة كلها.
ما زاد من ثقل المهمة الجديدة لأعضاء الاتحاد هو استضافة مصر لبطولة كأس العالم للكبار في 2021، والتي تعقب أولمبياد طوكيو 2020، وهو ما يعلمه جيدًا رئيس الاتحاد ومجلسه الذين يحرصون على التأكيد عليه والتخطيط له في كل لقاءاتهم الإعلامية. مجلس آمن منذ اليوم الأول له أن لديه مهام صعبة، ويبدو حتى الآن أنهم أجادوا التخطيط لها.
تواصلت إضاءات مع الكابتن «هاني الفخراني»، المدير الفني الحالي لمنتخب مصر للشباب الذي يتم إعداد عناصره من أجل مونديال 2021.
يرى هاني الفخراني، الذي حقق مع منتخب 98 الميدالية البرونزية منذ أيام قليلة كمدرب عام مساعد، أن الاتحاد المصري الحالي يُعد أحد أهم أسباب الطفرة الأخيرة في اللعبة؛ حيث إنه يضم لاعبين دوليين سابقين في كرة اليد، ولديهم من الخبرات الإدارية والفنية ما يؤهلهم للتخطيط الجيد، والذي نرى ثمار نتائجه حاليًا.
وتابع الفخراني:
مؤكدًا أن كل ما نراه الآن ما هو إلا بداية مبشرة لأشخاص يعلمون كل خبايا اللعبة، ستظهر صورته الكاملة في بطولة العالم للكبار 2021. يؤكد الفخراني أن الخطة تسير بشكل أفضل مما كانوا يتمنون، مشيدًا بالدور الحيوي الداعم للمنظومة من قبل وزارة الشباب والرياضة في الفترة الأخيرة.
المهمة الأولى: استقدام المدرسة الإسبانية
لك أن تتخيل أن مدرب منتخب مصر السابق الذي حقق معه المركز الثامن في بطولة العالم الأخيرة، هو الإسباني «ديفيد ديفيز»، مدرب نادي فيسبريم المجري، وثاني دوري أبطال أوروبا. أما المدرب الحالي فهو الإسباني الآخر، «جارسيا باروندو»، وهو في الوقت نفسه المدير الفني لنادى فاردار المقدونى، بطل دوري أبطال أوروبا.
وإذا كنت متابعًا غير جيد للعبة فدعني أقرب لك المسألة. الأمر أشبه بتولي «بيب جوارديولا»، مهمة تدريب منتخب كرة القدم، ومن ثَم رحيله، ليحضر مكانه «يورجن كلوب»، مع الوضع في الاعتبار اختلاف الجنسيات بين الحالتين.
في هذا الصدد، يقول الفخراني في حوارنا معه: إننا ابتعدنا كثيرًا عن المنافسة خلال الفترات الماضية. كان لزامًا علينا، الاستعانة بإحدى المدارس الرائدة والناجحة في الوقت الحالي؛ كي نتعلم منهم أين وصلت اللعبة، وإلامَ انتهت، وحتى نستطيع بناء خطتنا وفق لأحدث طرق التدريب.
أضاف الفخراني أن اختيار المدرسة الإسبانية هو الأنسب – ويجب أن نضع أكثر من خط تحت كلمة أنسب – لأنهم الأقرب لنا في البنية الجسمانية، والمهارات الفردية، والأطوال، بعكس المدارس الأخرى التي تتميز عنا بمميزات مختلفة، وبالتالي الفكر التدريبي يكون مختلف كليًا؛ فتفشل التجربة.
المهمة الثانية: الاهتمام بالقاعدة
لا شك أن تحقيق أي تقدم في المجال، يبدأ من الاهتمام بقاعدة هذا المجال، خصوصًا إن كان هذا المجال لعبة رياضية جماعية. على ما يبدو أن هذا ما أيقنه القائمون على اللعبة منذ اليوم الاول، وهو السبب الرئيسي فيما نلمسه من إنجازات كبيرة هذه الآونة.
وفي هذا الإطار، اختارت لجنة المنتخبات القومية بالاتحاد الأجهزة الفنية للمنتخبات، حيث جاءت بـطارق محروس، مدرب فريق طلائع الجيش، مدربًا لمنتخب 98 للشباب، ويعاونه المدرب الواعد هاني الفخراني. أما في منتخب 2000، فجاءت اللجنة بـ«مجدي أبو المجد»، من نادي الزمالك، مدربًا للمنتخب، ويعاونه المدرب الواعد «حسين زكي».
وتواجد هاني الفخراني وحسين زكي ضمن جهاز المنتخب المصري الأول مع ديفيد ديفيز، ثم انتقل ذكي كمدرب مساعد في منتخب 2000، والذي يتواجد حاليًا في نصف نهائي بطولة العالم للناشئين، وانتقل الفخراني كمدرب مساعد في منتخب 98، والذي حصل على برونزية بطولة العالم للشباب؛ ليمثلا حلقة الوصل بين المنتخب الأول، وخبرات المدرسة الإسبانية في التدريب، والمنتخبات في الفئات العمرية للناشئين والشباب.
وحسب ما أوضح لنا الفخراني، فإن استعدادات لجيل 98 الذي يتم تجهيزه لمونيدال 2021 قد بدأت منذ أكثر من عام ونصف، من خلال معسكرات دائمة، وشبه دائمة، في البرتغال وفرنسا والسويد والنرويج. احتك خلالها المنتخب المصري بمنتخبات قوية مثل: السويد، والدنمارك، وفرنسا.
انعكست تلك الاحتكاكات القوية بالإيجاب على هذا الجيل، الذي استطاع تعويض خسارته لبطولة أفريقيا، وفاز بها على حساب تونس، وأيضًا الحصول على البرونزية بعد احتلال المركز الرابع عشر في بطولة العالم السابقة.
أما بالنسبة لمنتخب 2000، فهي خير بداية للمشاركات الأفريقية والعالمية، حيث حصد بطولة أفريقيا هو الآخر، واستطاع الوصول للمربع الذهبي أيضًا، وهو قادر على حصد مركز أفضل من منتخب 98، والوصول للنهائي.
وعلى صعيد موازٍ بدأ تجهيز منتخب 2002، هو الآخر، من أجل الاستعداد لبطولة أفريقيا، وبطولة كأس العالم القادمة في المرحلة العمرية تلك، مشيرًا إلى أن تطوير المنتخب الأول يبدأ من الاهتمام بالقاعدة وليس العكس.
المهمة الثالثة: بناء منتخب مصر 2021
تدخل خطة المنظومة منعطفًا جديدًا، وهو الأهم في المشوار الذي بدأ منذ عام ونصف، بناء منتخب مصر الذي سيشارك في بطولة كأس العالم لكرة اليد عام 2021،.يؤمن القائمون على المنظومة الجديدة بقدرتهم على صنع إنجاز مشرف لكرة اليد المصرية والعربية والأفريقية.
والبداية من تدعيم المنتخب الأول بالعناصر الشابة،حيث أكد هشام نصر على تواجد ما لا يقل عن 6 أو 7 لاعبين من منتخب الشباب في قائمة منتخب مصر، الذي سوف يشارك في البطولة 2021.
فالأمر لا يتوقف عند حد دمج اللاعبين الشباب مع عناصر الخبرة فقط، بل يصل لحد الاهتمام بعروض الاحتراف التي يتلقاها اللاعبون في هذه المراحل العمرية، لضمان نجاح التجربة، لاسيما ونحن نتحدث عن لاعبين صغار يخوضون تجارب الاحتراف لأول مرة، حسب ما ذكره الكابتن علاء السيد، مدير لجنة المنتخبات القومية.
وهو ما أكده لنا أيضًا الفخراني موضحًا أن العديد من اللاعبين ظهروا بشكل مميز للغاية، وسوف يتلقون العديد من العروض من أجل الاحتراف، ونحن في كرة اليد، نختلف عن أي لعبة، حيث نقوم بدراسة تلك العروض، حتى نضمن نجاح اللاعب، وهو ما سيعود بالفائدة طبعًا على المنتخب الأول في النهاية.
وبسؤالنا للمدير الفني الحالي لمنتخب 98 عن توقعاته لمنتخب مصر في بطولة العالم 2021، قال الفخراني: «لا أستطيع إلا أن أقول إننا نسير بشكل أفضل مما خططنا له. ما زال أمامنا عام ونصف، بالطبع التحدي أصبح كبيرًا، والناس تنتظر منا الكثير، ولكن يجب أن نأحذ أهدافنا واحدًا تلو الآخر، التركيز منصب الآن على بطولة أفريقيا المؤهلة لأولمبياد طوكيو 2020 في يناير/كانون الثاني القادم».
وأكمل: عقب بطولة أفريقيا يتبقى لنا أولمبياد طوكيو في أغسطس/آب القادم، وهي البروفة الأخيرة قبل بطولة كأس العالم في مصر، وقتها سنجتمع مرة أخرى من أجل تقييم الفترة الماضية، ومعرفة ما حققناه من أهداف قد وضعناها سلفًا، وما نحتاجه في الفترة المقبلة، وعندها نستطيع أن نعلن عما نريد تحقيقه في بطولة العالم، فنحن نسير وفق أسلوب علمي قوي، ونستطيع البناء على المكاسب التي حققناها.