لهذه الأسباب يدعم لاعبو المنتخب المصري «عمرو وردة»
هل شاهدت قبل ذلك فيلم «In time»؟ إن لم تكن شاهدته من قبل دعني أخبرك عنه سريعًا. هو فيلم صدر عام 2011 للنجم جاستن تمبرلك، تدور فكرته حول استبدال المال ب «وقت الحياة». فمبجرد بلوغك للخامسة والعشرين من عمرك فإنك تعمل لا لكسب المال، لكن لكسب مزيد من الوقت في حياتك. يوجد في ذراعك ساعة كلما زاد الوقت فيها كلما زاد طول عمرك، وحينما تصل للصفر فإنك تموت. يتعامل البشر عادة مع أخطاء غيرهم بمبدأ «الرصيد» ذاته، أو بمعنى آخر: ماذا فعلت حتى أتغاضى عن خطاياك؟
لكي تفهم الأمر بشكل أكثر وضوحًا، تذكر معي كم من تغريدة أو تصريح أغضب الجمهور المصري من هداف الدوري الإنجليزي الممتاز محمد صلاح، تعليقًا على قرار استبعاد عمرو وردة، لاعب المنتخب المصري، ولكن الجمهور يتغاضى. لماذا؟ فقط لأنه يمتلك ذلك الرصيد الذي بإمكانه السحب منه من آن لآخر، رصيد داخل الملعب وآخر خارجه، وهذه هي إحدى أكبر مزايا مجالي الفن والرياضة بالمناسبة.
ماذا قدم عمرو وردة حتى يكون هنا؟
الوضع مختلف تمامًا في حالة عمرو وردة. ينضم وردة لمعسكرات المنتخبات المصرية بانتظام بجميع مراحلها السنية منذ 7 سنوات، سبع سنوات كاملة لم ينجح خلالها وردة في شيء سوى تسجيل هدف يتيم وعمل تمريرتين حاسمتين فقط. نحن هنا لا نتحدث عن قلب دفاع أو لاعب وسط ملعب مدافع، نحن نتحدث عن جناح وصانع ألعاب يلعب في عصر انتهت فيه فلسفة المهاجم رقم 9؛ أي أن أرقامه في التسجيل وصناعة الأهداف يجب أن تكون أضعاف ذلك. لذا فالسؤال الآن: ماذا يفعل وردة في معسكر المنتخب المصري من الأساس؟
موقع ترانسفيرماركت.نحن الآن أمام حقيقة أن رصيد وردة في الملعب مع المنتخب المصري خالٍ تمامًا، فماذا عن رصيده الأخلاقي الذي قد يشفع له لدى الجمهور؟ قد تكون غاضبًا مني الآن عزيزي القارئ وتقول بداخلك: «ما هذا؟ الخطأ خطأ، يستوجب عقابًا فوريًا. لا تحدثني عن تلك السخافة المسماة بالرصيد فالناس سواسية». صحيح، هذا – نظريًا – ما يجب أن يحدث، لكن عمليًا وعند النزول على أرض الواقع هذا لا يحدث خاصة في عالمنا العربي؛ لذا دعنا نتحدث الآن عن رصيد وردة الأخلاقي.
عفوًا، إنها ليست الثانية
بمجرد البحث عن تاريخ عمرو وردة مع حوادث مشابهة، ستصل بسهولة إلى خمس حوادث مُعلن عنها، بداية من واقعة تحرشه بفتاة فرنسية أثناء تواجده مع منتخب الشباب في تونس عام 2013 وصولًا إلى الفيديو الذي كان سببًا في إعلان استبعاده من معسكر المنتخب المصري منذ يومين. وما بين الحادثتين العديد من الاتهامات الأخلاقية الأخرى سواء في فيرينسي البرتغالي أو باوك اليوناني.
لا يملك وردة ذلك الرصيد الأخلاقي الذي قد يشفع له لدى الجماهير، بالرغم من محاولته لتصدير صورة طيبة عنه من خلال الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي كما نفعل جميعًا. فشل وردة في تصدير تلك الصورة كما فشل في تصدير صورة جيدة له كلاعب كرة قدم دولي.
لذا كان غريبًا للغاية بروز بعض الأصوات المنادية بعدم معاقبة اللاعب وأنه لن يفعل ذلك مرة ثانية، لكن المفاجأة أنها لم تكن الثانية، إنها السادسة. الأغرب من ذلك هو تصدر اللاعبين وإعلانهم دعمهم الكامل له والوقوف بجانبه حتى العودة للمنتخب مرة أخرى. والسؤال هنا: ماذا يملك هؤلاء اللاعبون حتى يطلبون هذا الطلب؟ أنتم لستم الضحية ولا تملكون حق العفو من الأساس! الأمر أشبه بالحرامي الذي يتهجم على منزل وبعد القبض عليه يتظاهر أبناء منطقته للعفو عنه دون النظر إلى صاحب المنزل الذي سُرق بالفعل.
We need to believe in second chances… we need to guide and educate. Shunning is not the answer.
— Mohamed Salah (@MoSalah) June 26, 2019
بشكل مُبسط هناك ضحية، وسواء كانت هذه الضحية تسعى للشهرة أو غيره فإن هذه الضحية وحدها هي من تملك حق العفو، وحتى في حالة العفو فإن هذا لا يعفي اللاعب من المساءلة الأخلاقية والعقاب، دون التشهير به أو السخرية بالطبع.
ولكن لماذا اعترض اللاعبون على استبعاد وردة بهذا الشكل في بلد عزّ فيها الاعتراض بشكل كبير في السنوات الأخيرة؟ لماذ دعمه صلاح «العالمي» بتغريدة ساذجة يطالب فيها بإعطاء اللاعب «فرصة ثانية» وكأنه لم يكن هناك خمس فرص من قبل؟ لماذا دعمه قائد المنتخب بعد إحرازه هدفًا أمام الكونغو ورفع زملائه القميص الخاص به؟
لماذا يدعمه اللاعبون؟
يجيبنا عن هذا السؤال تقرير لصحيفة التليجراف البريطانية نُشر ديسمبر/كانون الأول عام 2015 في عنوانه: لماذا يتلقى عدد قليل من لاعبي كرة القدم تعليمًا جيدًا؟ تدور فكرة التقرير عن عدم إكمال أغلب لاعبي كرة القدم حول العالم لتعليمهم بشكل جيد بسبب الجهد والوقت الذي تتطلبه اللعبة للتميز فيها وفقًا للقاء قامت به الصحيفة مع دونكان واتمور لاعب سندرلاند السابق والحاصل لتوه في ذلك الوقت على بكالوريوس الاقتصاد وعلوم الإدارة من جامعة نيوكاسل.
تقرير آخر لصحيفة الجارديان صدر في يناير/كانون الثاني من عام 2012 تحدث فيه الصحفي روب سميث عن القضية ذاتها قائلًا إن لاعبي كرة القدم لا يتمتعون بالذكاء الاجتماعي للسبب ذاته، لدرجة أنه بعد بحث عميق لم يجد لاعب كرة قدم في العصر الحديث حصل على درجة علمية حقيقية ومرموقة سوى ستيف بالمر لاعب كوينز بارك رينجرز وواتفورد السابق والذي حصل على بكالوريوس في علم الحاسبات من جامعة كامبريدج.
الشاهد في الأمر أن ما حدث من دعم غير منطقي أو أخلاقي من لاعبي المنتخب لعمرو وردة وحرصهم على عودته للمنتخب دون عقاب أو اعتبار للضحية، هو نتيجة للأمر ذاته الذي تم تناوله في التقريرين السابقين. هم ينظرون للأمر من منظور سطحي للغاية، منظور «الجدعنة» مع أحد زملائهم الذي وقع في ضائقة وعلينا أن نسانده بتغريدات ضعيفة للغاية لا تخلو أبدًا من الأخطاء الإملائية الساذجة؛ لذا لا تنتظر منهم أن يهتموا بأي اعتبارات مجتمعية أو أخلاقية تخضع للعقل والمنطق!
وإذا كنت تتعجب من كون صلاح يشاركهم التوجه ذاته، صلاح الذي صرح منذ أشهر قليلة بحاجة المصريين إلى التطور «mentally» بالمناسبة، دعني أخبرك أن صحيفة الآس الإسبانية قد نشرت تقريرًا منذ عام تحدثت فيه أن لاعبين من الصف الأول أمثال تشابي ألونسو وسيسك فابريجاس لم يكملوا تعليمهم، وآخرين مثل أندريس إنييستا ليفاندوفيسكي وخوان ماتا قد حصلوا على شهادات صورية في التربية البدنية، يبدو أن التوجه عالمي!
اتحاد كرة القدم المصري
نحن الآن أمام صناع القرار، أو من المفترض أننا الآن أمام صناع القرار، اتحاد كرة القدم المصري بقيادة هاني أبو ريدة، عفوًا، بقيادة «المهندس» هاني أبو ريدة. صرّح إيهاب لهيطة مدير المنتخب المصري صباح يوم الأربعاء أنه بمجرد مشاهدته للفيديو صاحب الأزمة كان قد اتخذ هو وخافيير أجيري وأبو ريدة قرارًا جماعيًا باستبعاد اللاعب خلال عشر دقائق فقط. منتهى الحسم الذي وصل إلى تصريح مسؤول في اتحاد كرة القدم المصري لموقع فيلجول المصري بأن استبعاد عمرو وردة سيكون للأبد وأنه لن يرتدي قميص منتخب مصر مجددًا.
موقف جعل الجميع يشيد بموقف الاتحاد المصري لكرة القدم، قبل أن تنقلب موازين الأمور بعد تغريدات صلاح التي يطالب فيها بالعفو عن صديقه. تغريدات جاءت بالتوازي مع اعتذار وردة، وجعلت الجميع يتوقع أن الأمور ستنقلب رأسًا على عقب صباح اليوم نظرًا لثقل مركز صلاح أمام أعضاء الاتحاد، وهو ما حدث بالفعل.
حيث كشف موقع فيلجول صباح اليوم أن اجتماعًا قد حدث بين 5 لاعبين كبار على رأسهم صلاح مع مسؤولي المنتخب والجهاز الفني للعدول عن قرار الاستبعاد. هدأت النبرة، وتبدلت التصريحات التي جعلت لهيطة ذاته يتراجع عن تصريحاته ويقول: «إن الأمر ما زال قيد المناقشة وأنه قد يجدّ جديد بعد الاعتذار».
لا أحد يعلم حتى الآن كيف ستنتهي الأمور، ولكنها إذا انتهت بعودة اللاعب سنكون مع موعد جديد من مهازل اتحاد كرة القدم المصري التي لا تنتهي منذ توليهم المسؤولية، حيث لا قرارات حاسمة، ولا شخصيات على قدر الحدث، ولا مبادئ واضحة.
في شهر فبراير/شباط الماضي قامت شركة «EA sports» الأمريكية بحذف صورة كريستيانو رونالدو من على غلاف لعبة فيفا التي تقوم بإصدار نسخة جديدة منها سنويًا بسبب الاتهامات التي واجهها النجم البرتغالي باغتصاب عارضة الأزياء الأمريكية «كاثرين مايورغا»، أصدرت الشركة حينها بيانًا تقول فيه إنها تتوقع من الأفراد الذي يمثلونها أن يكونوا على نفس القدر من الالتزام بالمبادئ والقيم التي تتبناها الشركة. فهل حقًا لاتحاد كرة القدم المصري مبادئ وقيم حريص على أن يتبناها اللاعبون الذي يمثلون منتخب بلاده؟