في الوقت الذي قرر فيه واحد من أعظم الرياضيين على الإطلاق «مايكل جوردان» إطلاق فيلم وثائقي، لعرض وتلميع مسيرته، التي لا تحتاج لأي تلميع من الأساس، كان واحد من أفضل لاعبي كرة القدم في تاريخ مصر «عصام الحضري» يحل ضيفًا على «إيناس الدغيدي» ببرنامج «شيخ الحارة والجريئة».

وفي الوقت الذي تعرض فيه الوثائقي للانتقادات من صحيفة «Wall Street Journal»، بسبب انتقائه للأحداث الداعمة لصورة البطل فقط – خاصةً بعد علمهم بإخفاء القناة المنتجة لاشتراك شركة الإنتاج الخاصة بـ «جوردان» في صناعة العمل – كان «الحضري» يتعرض لسؤال ساخن عن زواجه بإحدى الفنانات سرًّا، وكأن «جوردان» فقط هو من بحاجة لتلميع صورته.

نمط متكرر

قبل أن ننطلق، دعنا أولًا نزيح عن ذهنك عناء السؤال الأول، هل من المنطقي عرض اسمي «جوردان» و«الحضري» في نفس الفقرة؟ بالطبع يوجد فارق واضح، لسنا بحاجة لذكره، لذا دعنا نسأل بصيغة أخرى، هل من المنطقي إذا تحولنا من النطاق العالمي إلى المحلي، أن يتحول الرياضي من تلميع صورته إلى وضع سمعته على المحك بهذه الطريقة؟

يؤسفنا إخبارك أن «الحضري» لم يكن وحيدًا، بل جلس على نفس الكرسي «عمرو زكي» و«محمد زيدان»، والثلاثي هم من أبرز أعمدة منتخب مصر في حقبته الذهبية بين عامي 2006 و2010. جلسوا جميعًا ليستمعوا إلى شخص مجهول، يسألهم من وراء الستار بصوت أجش، عن السهرة التي قضاها أحدهم بعد إحدى المباريات، والآخر عن رفيقته التي عاش معها دون زواج.

ومن هذه المرحلة التي تضرب سمعة الشخص قبل اللاعب، إلى مرحلة أخف وطأة، يمكنك الاطلاع عليها بكل بساطة في البرامج الرياضية ومقاطع الفيديو المنتشرة على السوشيال ميديا. تصريحات نارية وآراء خزعبلية، وصلت إلى إلصاق مساعد مدرب منتخب مصر السابق «أسامة نبيه» بنفسه، تهمة التلاعب بالنتائج وقتما كان لاعبًا. وكأن مثل هذه التصريحات تحولت إلى نمط متكرر، يمكن أن نستنتج منه نظرة هؤلاء للجماهير.

لماذا أصبح قدوة؟

الجماهير التي مرت بعدة مراحل للتطور، بداية بكونهم متفرجين لأنهم كانوا أعضاء بالنادي، ثم تحولهم إلى مشجعين مع دخول ناديهم في المنافسات، وبالتوازي مع اختراع الأغاني والهتافات، تطوروا إلى شيء أشبه بالقبلية، التي ظهرت بشكلها الأكثر تطرفًا في جماعات الأولتراس والهوليجانز، والتي تعامل معها المسئولون بالكثير من الحزم، حتى وصلنا الآن إلى الصورة الأخيرة من المشجع، المشجع المستهلِك.

حيث لم يعد الاستهلاك قاصرًا على دفع مقابل مادي نظير تذكرة الدخول إلى الاستاد، بل أصبح متعلقًا بشكل مباشر بكون المشجع جزءًا أصيلًا من حملات الدعاية والإعلان. وفقًا لموقع «The Conversation»، فإن الأندية تحرص على بناء علاقة قوية مع المشجعين، لأن زيادة أعدادهم، سيقابله مزيد من التأثير الدعائي، والذي سيمثل نقطة قوة عند التعاقد مع الشركات الراعية.

وبالنسبة للاعبين، فالأمر لا يختلف كثيرًا، لأن صورتهم من صورة أنديتهم في المقام الأول، ثم بعدها يأتي تربح بعضهم مباشرة من بعض تطبيقات التواصل الاجتماعي كـ «تيك توك»، و«انستجرام»، والإعلان لمنتجات مختلفة. وعليه، ينتهج كل من النادي واللاعب الحذر، للحفاظ على صورتهم. وحتى إن كانت العلاقة الحالية قائمة على المنفعة المتبادلة، لكنها ما زالت تحفظ لكل طرف في المعادلة حجم التأثير الخاص به، وبالتالي احتفظت الجماهير بتأثيرها.

لكن إن طبقنا ذلك على كرة القدم المصرية، فلن نجد نفس الاعتبارات التسويقية، وحتى دخول الاستاد بات حلمًا لجماهير الدرجة الثالثة. وكأن المنظومة الرياضية – مسئولين وإعلاميين – قد طردت الجماهير، وأغلقت على نفسها من دونهم، ومع قدرة هائلة على استيعاب كافة السقطات، لم يعد هناك داعٍ للتفكير في صورة أي أحد أمام الجماهير؟ لا اللاعبين القدامى أو الحاليين، وآخرهم حسام عاشور.

ضربة المسمار

ابن النادي الأهلي المشهود له بالوفاء والإخلاص، قرر في لحظة مفاجئة تجاهل تاريخه الطويل مع ناديه، وإعلان مساندته للمستشار تركي آل الشيخ، بعد لحظات من وصف الأخير لمجلس إدارة الأهلي بأنهم ليسوا رجالًا.

https://www.facebook.com/sheriftakhatif/videos/3453293351365536/

ورغم سذاجة وتكرار ذلك المسلسل بين الخطيب ورئيس نادي بيراميدز السابق، فإن اللاعب الملقب بالمسمار قرر أن يكون أحد حلقاته. بدلًا من ذهابه لأي نادٍ يريد، وتأمين مستقبله بما يرضيه من أموال، دون أن يمس علاقته بجماهير الأهلي بسوء، فضل التضحية بالماضي من أجل المستقبل، وإثبات أن الجماهير التي أمطرها بتصريحات الحب والوفاء فيما مضى، باتت شفافة.

كان ينقصه فقط إخبارهم بأن تلك التصريحات كانت وسيلته الوحيدة والمتاحة للتعبير عن الولاء للنادي نفسه وليس جماهيره، لأن هذا الولاء كان سيضمن له وظيفة مستقبلية في النادي. وبمجرد ظهور بديل أفضل، متمثل في أموال معالي المستشار، لم يتردد في رمي الشعارات خلف ظهره بعد استهلاكها على مدى 15 عامًا.

وبدون مقدمات، تحول عاشور من استغلال شعبيته لتحقيق جملة «الخروج كان ممكن يكون بطريقة أفضل وأشيك من كده»، إلى وضع مرتبك لم تفهم له الجماهير سببًا بعد.

قد يكون كابتن الأهلي السابق غير محظوظ بالتعبير عن ولائه بالتوقيع – دون مماطلة – على عقد سنوي بـ«11» مليونًا مثلًا، أو قد تكون حالته هي مجرد حالة فردية، وأن الانتماء ما زال حاضرًا بصدق لدى غيره من اللاعبين، لكن أغلب الظن أن ما فعله عاشور، يشبه ما فعله الحضري، وأسامة نبيه، وقائمة طويلة من اللاعبين والإعلاميين، التي صارت الجماهير غير موجودة بالنسبة لهم.

ورغم مخالفة ذلك لأبسط قواعد الرياضة والتسويق في أي مسابقة رياضية، فإن محاولة تفسيره في مصر ستنتهي على الأغلب بالفشل، ولن نستطيع سوى استنتاج ما تراه الآن. ولم يعد للجماهير سوى محاولة أخيرة للدخول عنوة داخل المعادلة، عبر الصراعات الإلكترونية الوهمية، التي صارت تنقل على التليفزيون عبر قناتي الأهلي والزمالك، وللأسف أصبحت الجماهير محاصرة داخلها دون أن تدري.