ريال مدريد 3-1 باريس: كوابيس في باريس بسبب رهان «إيمري»
منذ أن خرجت قرعة دور الـ16 لدوري الأبطال هذا الموسم، وأنظار العالم تترقب المواجهة الأشرس بين ريال مدريد وباريس سان جيرمان، مواجهة تخرج نتيجتها بعيدًا عن حيز الحسابات، ولا توصف بأقل من «نهائي مبكر».
لكن تلك المواجهة، في عيون رجل بعينه، تبدو مختلفة كثيرًا عن مجرد مباراة قوية ومفاجئة، بل تساوي عند مالك النادي الباريسي «ناصر الخليفي» مشروعًا بذاته، فقد قضي الرجل شهورًا طويلة من المفاوضات لتدعيم صفوفه قبيل هذا الموسم، وتكلفت ميزانية ناديه أرقامًا يشهدها سوق كرة القدم للمرة الأولى في التاريخ، ولم يتوان رجل الأعمال القطري عن دفع رواتب خيالية للاعبيه، بعد أن جدد الثقة في مدربه «يوناي إيمري» موفرًا له كل متطلباته.
جاء كل ما سبق لهدف واحد تسعى إليه إدارة باريس، وهو التغلب على عمالقة القارة العجوز في سبيل تحقيق الطموح الأوروبي، الطموح الذي اغتالته برشلونة العام الماضي، وتحوّل إلى كابوس على عشب البرنابيو بعد خسارة أخرى، من عملاق إسباني آخر، دفعت كثيرين للظن أن الميرنجي وضع قدمًا في دور الثمانية على حساب كتيبة «نيمار».
خسر باريس بثلاثية مقابل هدف واحد في ذهاب دور الـ16، ليجد نفسه معرضًا لخروج مبكر لا يتناسب مع الصفقات الثقيلة التي أجراها أغسطس/ آب الماضي، وليكون أمام مهمة معقدة على ملعب حديقة الأمراء بعد ثلاثة أسابيع حينما يستقبل الريال مجددًا.
أما الملكي فقد دخل محبوه المباراة تراودهم بعض الشكوك حول قدرة الفريق بحالته الحالية على مجابهة نجوم باريس، وخرج ريال مدريد من المعركة منتصرًا بشخصيته، وتاريخه، وحضور لاعبيه بأوقات المباراة الأهم، بالإضافة لتدخلات فنية ناجحة من «زين الدين زيدان».
دخول مفاجئ
فاجأ «زيزو» البعض بدخوله المباراة بأسلوب لعب 4/4/2 «Diamond». فبينما ظن قطاع من جمهور الريال أن الفرنسي سيلجأ لنظام 4-3-3 ليعتمد على الأطراف الهجومية، ويستغل المساحة التي يخلفها أظهرة باريس بسبب صعودهم الهجومي، دخل «زيدان» المباراة برباعي في وسط الملعب مكوّن من «إيسكو» بالإضافة لثلاثي مدريد المعهود، راهن مدرب الملكي على «إيسكو» كعنصر مساند قادر على التحكم بالكرة في مناطق باريس، وعلى زيادة عددية تعيق «رابيو، فيراتي» من الخروج بالكرة وبناء الهجمة بسلاسة.
أما «إيمري» فدخل المباراة بنظامه المعهود 4-3-3، بلا أي تغييرات في خط الهجوم أو وسط الملعب، لكنه فضّل الدفع بـ«كيمبيمبي» إلى جوار «ماركينيوس» بخط الدفاع بدلًا من القائد «تياجو سيلفا»، يأتي ذلك بعد الأداء المتذبذب الذي يقدمه الأخير بالمنافسة المحلية، وافتقاد البرازيلي لكثير من صلابته بالرقابة وتوقع الكرة، وهو ما لا تحتمله مباراة بتلك الأهمية.
الشوط الأول: بداية ونهاية
لا تحتاج إلى أي جهد لتدرك أن باريس يعاني بشدة خارج ملعبه خصوصًا بدقائق المباراة الأولى، فلقد تلقت شباكه أهدافًا سريعة وبأخطاء ساذجة عندما استقبله «بايرن ميونيخ، أوليمبيك ليون، وحتى ستراسبورج» نجح بالتسجيل مبكرًا بل والفوز 2-1؛ لاعبو باريس يسقطون سريعًا أمام الضغط الجماهيري، هذه مشكلة لم يعالجها «إيمري» منذ الريمونتادا.
لذلك حاول «زيزو» استثمار الربع ساعة الأولى لتسجيل هدف الافتتاحية. انتشر لاعبوه بعرض الملعب لتحقيق الضغط على الباريسيين، واستثمار أي ثغرة بالثلث الأخير، الضغط الذي أسفر عن فقدان رفاق «رابيو» للاستحواذ 8 مرات، وارتكاب خمسة أخطاء، أسفرت عن أول إنذار بالمباراة لـ«نيمار» بعد تدخل عنيف ومستهتر على «ناتشو».
الربع ساعة الأولى شهدت أيضًا تقدمًا لوسط مدريد بهدف استخلاص الكرة من الخصم، وتقديم المساندة الهجومية للثنائي «رونالدو، بنزيما»، وهو ما تمثل بـ6 انطلاقات للملكي في مناطق باريس، بالإضافة لتسديدة قوية لـ«كروس» في الدقيقة الرابعة كادت تخادع «أريولا»، تسديدة «توني» جاءت عقب تسديدة أخرى لـ«رونالدو» بعد مرور دقيقتين فقط على صافرة البداية!
بكل تأكيد كان «زيزو» يدرك خطورة الثنائي «مبابي، نيمار» في قيادة ثلث باريس الأخير، وقد راهن الفرنسي على رقابة البرازيلي بالدفع بـ«ناتشو»، وبأدوار مساندة لـ«مودريتش»، وهذا لأن «نيمار» يميل دائمًا للتحول من الطرف لعمق الملعب عند استلام الكرة، وبالتالي حاول «زيدان» تحجيم خطورته بإسناد مهام في الضغط عليه من «مودريتش، وكاسميرو».
لكن رهان «زيدان» هذه المرة لم يكن في محله، فقد ظهر الكرواتي في واحدة من أسوأ مبارياته على مستوى الحضور البدني والذهني، ولم ينجح في التحام هوائي أو أرضي واحد خلال الشوط الأول كله، لم يطلق تسديدة واحدة على المرمى، وقد جاء هدف «رابيو» نتيجة خطأ فادح من «مودريتش» حين تسلل الأول تحت أنظاره لقلب منطقة الجزاء، قبل أن تصل الكرة إليه في غياب أي مدافع مسجلًا هدف باريس الأول والوحيد.
ينبغي أن نعي جيدًا حجم الإرهاق البدني والذهني الذي تعرض له «مودريتش، كروس» خلال السنوات الماضية. شارك الثنائي كضلع أساسي لا غنى عنه في إنجازات الميرنجي الأخيرة، ولعبا أغلب مباريات الدوري، التشامبيونزليج، السوبر الأوروبي والمحلي، وبالتالي الهبوط بليقاتهما البدنية تعد أمرًا مفهمومًا بل ومتوقعًا، والواجب على «زيدان» الآن إيجاد حل لتلك المشكلة، ربما بإشراك الثنائي «كوفاسيتش، سبايوس» في المباريات المحلية بهدف تخفيف العبء عن الثنائي الأساسي.
لم تستلم كتيبة «رونالدو» للنتيجة، بل انتفض الملكي بهدف تحقيق التعادل قبل نهاية الشوط، أولى المحاولات جاءت بعد ثلاث دقائق فقط من هدف باريس، عندما استخلص الدون الكرة داخل منطقة جزاء «أريولا» وأطلق تسديدة ابتعدت قليلًا عن المرمى، لكن قلة خبرة شديدة من «لو سيلسو» أهدت الريال فرصة ذهبية عندما تمركز بشكل سيئ جدًا تاركًا المساحة لـ«بنزيما» بالتصويب، ثم منح «رونالدو» ضربة جزاء بكل سذاجة بعد تدخل أهوج على «كروس».
أغرب مفارقات الشوط الأول كانت من نصيب «كافاني»، تخيل أن الأوروجواياني لمس الكرة 6 مرات فقط خلال 45 دقيقة، أقل حتى من حراس الفريقين، أرقام مهاجم باريس تعكس سوء مستوى وانعزال تام أراح دفاع الريال كثيرًا.
الشوط الثاني: رهان مخيب، رهان رائع
بهذا الوضوح، يفسر «طارق دياب» محلل بي إن سبورت أسباب تفوق ريال مدريد بالشوط الثاني، رؤية «دياب» تدعمها بالفعل أرقام المباراة، فبعد سيطرة باريس خلال العشرين دقيقة الأولى من الشوط الثاني على غمار اللقاء، واختراق رفاق «ماركينيوس» بسهولة وسط ملعب الخصم، أجرى «إيمري» تبديلات خاطئة للغاية كلفته نتيجة المباراة.
كان الإرهاق قد ضرب وسط مدريد، ليلحق «كروس» بـ«مودريتش»، ويبقى «كاسميرو» وحيدًا أمام التقدم الباريسي، بينما كان «إيمري» يفكر بالتراجع بعد أن قام لاعبوه بعمل هجومي رائع أسفر عن تسديدتين، وتواجد كثيف بمناطق ريال مدريد الخطيرة، اكتفى المدرب الإسباني بنتيجة المباراة، وأحب أن يعود للعاصمة الفرنسية بالتعادل الإيجابي.
في الدقيقة 66 يشرك المدرب الإسباني الظهير الأيمن «توماس مونيه» بدلًا من «كافاني»، كان الهدف هو إعاقة تقدم «مارسيلو» بوجود الظهير البلجيكي وأمامه «داني ألفيش»، وهو التبديل الذي سمح لمدريد لاحقًا بقلب الطاولة وقتل المباراة.
التقط «زيزو» الخيط سريعًا، وراهن هذه المرة على الضغط الهجومي وتعريض الملعب، فأشرك «جاريث بيل» على حساب «بنزيما»، ثم دفع بالثنائي «ماركو أسينسيو، لوكاس فاسكيز» دفعة واحدة، وبدا أن «زيدان» سيعتمد على إرسال العرضيات لمهاجمه البرتغالي الذي تبرز فاعليته في مثل تلك الأوقات.
رهان «إيمري» المخيّب، ورهان «زيدان» الرائع، يتمثلان في أرقام البديلان «ماركو أسينسيو، وتوماس مونيه»، فقد لمس الأول الكرة 11 مرة فقط، نجح خلالها في صناعة هدفي التقدم لـ«رونالدو، ومارسيلو»، على النقيض فإن البلجيكي لم يقم بأي التحام ناجح، ولم يحاول عرقلة أي تقدم لـ«أسينسيو»، بل إن الأخير تمكن من التوغل والتمرير بدقة إلى حيث أراد!
الخريطة الحرارية لماركو أسينسيو، في مقابل تلك الخاصة بتوماس مونيه، تكشف عن نجاح اللاعب الأسباني بأغلب المواجهات التي دارت بينهما على الملعب.
حتى لو سلمنا أن التراجع الدفاعي الذي ذهب إليه «إيمري» قبل 25 دقيقة من نهاية اللقاء، وفي لحظة كان له فيها اليد العليا، كان خيارًا صحيحًا، فإن آليات تنفيذه كانت أبعد ما تكون عن الصحة.
فقد دفع بمن تسبب في هدفي الشوط الثاني على حساب تعديل مركز «ألفيش» الذي لم يكن ثغرة دفاعية أبدًا طوال المباراة، ثم أشرك «دراكسلر» في الدقائق العشر الأخيرة بعد أن فقد لاعبوه التركيز وخضعوا للضغط الجماهيري وتحكم الريال في الرتم، فلم يتمكن الألماني من صناعة أي شيء يذكر، بينما كان من الأولى له إشراك لاعب كـ«لاسانا ديارا» قادر على تقديم المساندة الدفاعية لوسط الملعب، والدفع بـ«أنخيل دي ماريا» على حساب «كافاني» حيث يمكن للأرجنتيني قيادة الهجمات المرتدة الخاطفة، لكن ذهب لحل آخر لم يكن متوقعًا، ولم يجد بالتأكيد أي نفع.
ماذا سيحدث في باريس؟
التأهل لم يحسم بعد للميرنجي، وهناك موقعة معقدة جدًا بعد ثلاثة أسابيع، هكذا يقول «زيدان» الذي أحسن في إدارة المباراة بشكل عام، على حساب إدارة متدنية من نظيره الإسباني.
ما يعز على الفهم أن كثيرًا من مشاكل باريس، والتي تسببت قبل عام من إقصائه على عشب الكامب نو، تكررت على أرضية البرنابيو، فمازالت أخطاء الدفاع الباريسي تتسبب في إهدار المباريات بكل سذاجة، بداية من التحامات غريبة ومتهورة داخل منطقة الجزاء، وحتى التمركز الخاطئ داخل منطقة الجزاء أمام مهاجم مثل «رونالدو»، وما زال أيضًا الفريق يفتقد التركيز خلال مراحل من المباراة، وبالتأكيد لاليزال «إيمري» يهدي خصومه هدايا مجانية بسبب تدخلاته الخاطئة.
عمومًا فإن «إيمري» أمامه فرصة أخيرة يوم السادس من مارس على ملعب حديقة الأمراء، فهل يقلب الآية وينجح بتحقيق عودة تاريخية أمام ريال مدريد؟ أم يتحول دور الـ16 لكابوس داخل أروقة باريس؟