بين ريال مدريد وبرشلونة: هل يستفتي صلاح قلبه أم عقله؟
في واحد من أكثر إعلانات رمضان 2021 التي لاقت استحسان الجماهير، ظهر هداف ليفربول «محمد صلاح» في إعلان لبنك إسكندرية وهو يتواصل بشكل كوميدي مع أحد المشجعين، الذي كان يقوم بدوره الاعتيادي بالتنظير على لاعبي ومدرب أحد أفضل الفرق على الساحة الأوروبية، أو هكذا كان قبل التراجع الأخير.
بجانب النجم المصري، ظهر أيضًا «تشامبرلين» وقائد الفريق «جوردان هندرسون»، اللذان أبديا غضبهما من تعليقات ذلك المشجع، ليوضح البنك فكرته في النهاية بأنه قادر على تقريب عملائه من صلاح ونجوم ليفربول.
لكن تخيل معي لوهلة نفس الإعلان مع أحد الفرق المرشحة لضم صلاح، ريال مدريد أو برشلونة مثلاً، وتخيل ذلك المشجع وهو يجادل «كروس» بدلاً من «تشامبرلين» أو «راموس» عوضًا عن «هندرسون»، بالطبع سيكون الأمر مغريًا سواء للجماهير أو للمعلِن.
لكن الأكثر إغراءً هنا أننا لا نتحدث عن محض خيال، بل نتحدث عن انتقال محتمل في صيف عام 2021، وحينها قد نرى للمرة الأولى- وقد تكون الأخيرة – لاعبًا مصريًا يجلس على الطاولة ليختار بين ريال مدريد وبرشلونة، ترى كيف سيختار بينهما؟
لماذا الرحيل؟
يظن كثيرون أن فكرة رحيل صلاح قد ظهرت لأول مرة بعد حديثه لصحيفة «آس» الإسبانية، عندما أبدى امتعاضه من عدم ارتداء شارة القيادة أمام «ميتيلاند» الدنماركي، في ختام دور المجموعات لدوري أبطال أوروبا، ثم زاد الطين بلة بوصف ريال مدريد وبرشلونة بالفريقين الكبيرين، وترك الباب مفتوحًا للرحيل صوب أحدهما.
ليرد المدرب «يورجن كلوب» بإجلاسه على دكة البدلاء أمام كريستال بالاس. ثم هدأت الأمور قليلاً لتعود للغليان مرة أخرى مع نقطة «رامي عباس»، وكيل أعمال صلاح، والتي غرد بها ردًا على استبدال صلاح أمام تشيلسي، رغم تأخر الريدز في النتيجة.
لكن تلك الأحداث ورغم أهميتها، فإنها لم تكن أبدًا طرف الخيط، لأن فكرة رحيل النجم الدولي المصري كانت مطروحة بشكل مغاير في موسم التتويج بلقب البريميرليج (موسم 2019/2020) عندما تحدث «جيمي كاراجر» عبر شبكة «سكاي سبورتس» عن عدم تقدير جماهير ليفربول لهداف فريقهم!
لا أحد يعلم إن كانت تلك النظرة قد وصلت إلى صلاح، أم أنه اكتفى بهتاف «Mo Salah Mo Salah running down the wing..Salah La La La La the Egyptian king»، لكن بالتأكيد تقدير الجماهير قد تغير بعد تراجع أداء معظم هذه الأسماء في موسم 2020/21، وهنا يأتي الدور على بقية طرح كاراجر وزميله جاري نيفيل.
أقصى الطموح
قد تكون كلمات «نيفيل» غير متناسبة مع النتائج الحالية، أو العروض المتذبذبة التي يقدمها ريال مدريد وبرشلونة، لكن الصورة الكاملة تفيد بأن قيمة الناديين والهالة المحيطة بهما، ما زالت لا تقارن بغيرهما من الأندية أو المشاريع الرياضية الصاعدة.
يحكي الرئيس السابق لريال مدريد «رامون كالديرون» (2006-2009) أنه التقى بعشرة رؤساء وزراء واثنين من الباباوات، أرادوا التقاط صور لهم مع قميص الفريق وعليه أسماؤهم والرقم واحد. وعلى نفس النهج، أخبر «بول كليمنت» المساعد السابق لكارلو أنشيلوتي شبكة «The Athletic» أن ما وجدوه في ريال مدريد كان أكبر من أي شيء في باريس سان جيرمان أو تشيلسي.
أوضح «كليمنت» أن الأمر لا يتعلق بجودة اللاعبين وعمق التشكيل فقط، لكنه امتد ليشمل كل شيء، المؤسسة وحجم الضغط، التغطية الإعلامية، حتى مباريات الإعداد خارج أوروبا، كان أمرًا غير مسبوق لدرجة أنه شبه تدريب ريال مدريد بالعمل في شركة مايكروسوفت.
الهالة الأقرب لطابع الملوك في مدريد، يقابلها في برشلونة هالة موازية، حيث أكثر نادٍ بالعالم لا يلتزم بفصل الرياضة عن السياسة، ويرى مشجعوه في ناديهم جزءًا من هوية الإقليم الراغب في الاستقلال، لكن لأنهم لم يحصلوا على مرادهم، يحاولون الاستقلال بما هو متاح، كهوية النادي وأسلوب لعبه.
ذلك الصراع- حتى لو لم تدرك كواليسه – رفع مستوى التنافسية إلى حد غير مسبوق وجعل الناديين الأكثر قيمة وفقًا لمجلة «Forbes» الأمريكية، والأعلى شعبية بفارق شاسع عن ملاحقيهم، حيث يحظى ريال مدريد بـ 252.1 مليون متابع على منصات التواصل الاجتماعي، يليه برشلونة 250.3 مليون، ثم مانشستر يونايتد بـ 142 مليونًا.
أيهما أنسب؟
إن حاولت الرجوع بالذاكرة وتذكر أكثر الأسماء التي تركت أثرًا في كرة القدم منذ مطلع الألفية الجديدة، ستجد أغلبهم قد مر على ريال مدريد وبرشلونة، وإن حاولت البحث وراء الفائزين بالجوائز الفردية، فستنتهي إلى نفس الاستنتاج.
بالتالي، لا عجب أن يعتقد محمد صلاح أن الانضمام لأحد قطبي إسبانيا سيجعله أقرب للفوز بالجوائز الفردية، مثله مثل كريستيانو وبيكهام وفان نيستلروي الذين استعان جاري نيفيل بهم كأمثلة، لكن عندما تحين لحظة الاختيار كيف سيختار صلاح؟
الطريقة الأسهل للاختيار هي باتباع نصيحة «استفتِ قلبك»، وهنا سنعود لتصريح قديم في عام 2013، عندما كشف جناح بازل السويسري وقتها عن الثلاثة الأندية المفضلة له على الترتيب، ريال مدريد، ومانشستر يونايتد وتشيلسي.
وهنا يحصل ريال مدريد على أفضلية واضحة، لكن لأن صلاح سيصل لعامه التاسع والعشرين في عام 2021، فيجب أن يكون الاختيار أكثر منطقية وخاضعًا للعقل لا القلب. وبنظرة سريعة على الفريقين، سنجد أن ريال مدريد سيحصل على الأفضلية مرة أخرى بسبب الاستقرار الإداري مع فلورنتينو بيريز، والفني رفقة زيدان.
طريقة لعب مشابهة (4-3-3)، نظام ضغط أقل تعقيدًا سيريح صلاح بعض الشيء من دون الكرة، مهاجم مثل بنزيما هو الأبرع خارج منطقة الجزاء ويمكن اعتباره الأب الروحي لأمثال فيرمينو، خط وسط ميدان أكثر إبداعًا، يتوقَع أن يلعب فيه فيديريكو فالفيردي (المميز بدنيًا) دورًا رئيسيًا كلاعب وسط ثالث مائل ناحية اليمين، وهو ما سيضمن تغطية أفضل للمساحات خلف صلاح.
إضافة لما سبق، تبقى احتمالية استفاقة هازارد واردة، ليتحصل النجم المصرى على جناح يهتم بصناعة اللعب أكثر من منافسته على غلة الأهداف. دون أن ننسى حاجة الميرينجي لنجم شباك- بعد رحيل كريستيانو- يتصدر الإعلانات بجانب تصدر قائمة الهدافين، وبالصدفة يتفق صلاح وريال مدريد في العلامة التجارية؛ أديداس.
على الجانب الآخر، تبدو الأمور في برشلونة أكثر ضبابية، فالمدرب الهولندي رونالد كومان كان من اختيار الإدارة السابقة، وإن لم تسعفه النتائج فقد لا يستمر في منصبه. وإن استمر، فيبدو أنه استقر على طريقة 3-4-3، التي قد تريح صلاح دفاعيًا، لكنها ستفقده ميزة اللعب بجانب مهاجم صريح، وستدخله دوامة التدوير حول ميسي أو في ظله.
لكن يظل اللعب بجوار ميسي- إن استمر في برشلونة – أمرًا مغريًا، بخاصة إن كان صلاح يخطط للسير على خطى أحمد حسام ميدو بعد الاعتزال، حيث ستلقى حكايات صديقي ميسي رواجًا أكثر من حكايات صديقي زلاتان.
بناءً على التوقع الشخصي، يبدو صلاح أقرب ليصبح جلاكتيكوس جديد، لكن في زمن الكورونا وباعتبار جنون الانتقالات المعتاد، فيظهر احتمال آخر نجده غير مستبعد، أن يتجه محمد إلى باريس لمزاملة البرازيلي نيمار في سان جيرمان، في ظل العروض القوية التي يقدمها الأخير أوروبيًا.
لكن سخرية هذا الاختيار لن تكون التحول من الدوري الإنجليزي للفرنسي، لكنها ستكون حول تصدر لاعب مصري للمشهد في نادٍ مملوك لدولة قطر، ومن يدري قد يصبح صلاح آخر الوجود الدعائية لمونديال قطر 2022، حينها سيصبح المشهد مشابهًا للمنشورات التي تطلب منك عدم الخروج قبل أن تقول سبحان الله.