ريال مدريد 1-3 يوفي: مسمار «أوليفر» الأخير في نعش «بوفون»
تمكن ريال مدريد من المضي قدمًا في بطولته المحببة والأمل الأخير له هذا الموسم، دوري أبطال أوروبا، بعدما تمكن من الصعود إلى دور نصف النهائي بالرغم من خسارته في لقاء العودة ضد ضيفه يوفينتوس بثلاثة أهداف مقابل هدفٍ وحيد سُجل عن طريق ركلة جزاء في الدقائق الأخيرة من عمر المباراة، ولكن ضمن له فارق الثلاثة أهداف، الذي قد حصل عليه في مباراة الذهاب، فرصة الصعود نحو الدور التالي من البطولة، في أحداث -كالعادة – شهدت لغطًا تحكيميًا كبيرًا كان بطلها الأول هو الإنجليزي «مايكل أوليفر».
الشوط الأول: صورة أليجري الحقيقية
الطبيعي، هو أن نضع علامات تعجب فقط حينما تنتهي دقائق أي لقاء لا يكون فيه «ماكس أليجري» هو الطرف التكتيكي الأبرز والأكثر إبداعًا، أو على الأقل بالتساوي مع الطرف المعاكس. تلك الحالة يفترض أن تكن هي النادرة مع مدير فني بهذه القيمة التدريبية الكبيرة والتي يجب أن يثبتها في كل مرة تطأ قدمه الخطوط الجانبية لأي ملعب أيما كان اسمه. لذا فإنه كان من الغريب أن الإيطالي -تقريبًا- لم يتواجد في لقاء الذهاب إلا من خلال تفصيلة واحدة فقط، ومن بعدها فشل الفريق في الظهور تكتيكيًا بشكلٍ سمح لحامل اللقب بالحصول على نتيجة كبيرة جدًا بثلاثية نظيفة خارج الديار.
اقرأ أيضًا:كيف تستمتع دون الذهاب إلى السيرك؟ (تحليل لقاء الذهاب).
لكن لحسن الحظ، شهدت الـ45 دقيقة الأولى من مباراة الإياب صورة طبيعية ومعتادة من قائد اليوفي، حيث قرر التحول من 4-4-2 فاشلة كان قد اعتمدها ذهابًا، إلى 4-3-3 واقعية بعودة ملحوظة وكبيرة للارتكاز البوسني «ميرالم بيانيتش». حيث قرر أن يحمي «كيليني» و«بن عطية» الحارس بوفون، وأن يعود «أليكس ساندرو» إلى موقعه المفضل كظهير أيسر وأن يحافظ «دي تشيليو» – مؤقتًا – على مركزه على الرواق الأيمن. ثلاثية في منتصف الملعب ترتكز على العائد «بيانيتش» وتتحرك بتحرك كل من «خضيرة» و«ماتويدي» كقاعدة لمثلث بناء اللعب، كذلك حل «دوجلاس كوستا» كبديل للموقوف للطرد «ديبالا» واشترك «ماندزوكيتش» في مركز طال استخدامه فيه تحت ولاية «أليجري»: كجناح أيسر بأدوار دفاعية لبعض الدقائق وهجومية كرأس حربة ثانية بجانب «هيجوايين» لدقائق أخرى.
على الطرف المعاكس، حافظ «زيدان» على نفس النمط الذي دخل به لقاء الذهاب، بالرجوع التكتيكي إلى الـ«Diamond- ماسة» التي لطالما آتت ثمارها، ولكن بتغييرين فقط، الأول، اضطراري بدخول «خيسوس فاييخو» بديلًا للممنوع من اللعب «سيرجيو راموس» ليتعاون مع «فاران» في قلب الدفاع أمام «نافاس»، والثاني، بدخول «جاريث بيل» كأساسي بجانب «رونالدو» مع الاستغناء عن الفرنسي «بنزيما». بينما احتفظ «مارسيلو» وكارفاخال بمواضعهما على جانبي الملعب، واستمرت تشكيلة الوسط الرباعية بـ«كاسميرو»، «مودريتش»، «كروس» و«إيسكو».
عانى مدريد في فترات سابقة من ولاية «زيزو» من وجود معضلة في بناء اللعب الخلفي أو عن طريق قلوب الدفاع، تلك التي تعود في الأصل للضعف الفني عند الارتكاز البرازيلي فيما يخص العمل بكرة القدم، بالتالي كان الحل هو تأخير ثنائي المحور «توني كروس» و«لوكا» بالقرب أكثر من قلوب الدفاع وقت امتلاك الكرة على أن يتقدم «كاسيميرو» إلى المنطقة فوق الدائرة كمحطة لتوزيع التمرير فقط.
ظاهريًا كان ذلك حلًا لفترات طويلة لكنه في تفاصيله البسيطة كان نقطة ضعف في عمق تشكيلة ريال مدريد قرأه «أليجري» جيدًا. تركز ضغط الفريق الضيف على نقطتين: الأولى هي تلك اللحظات التي يمتلك فيها ذلك الارتكاز الكرة، بفرص في الحصول على الكرة تزيد عن نظيرتها إن كان ذلك الضغط يقع على أحد ثنائي المحور باعتبار قدراتهما الكبيرة في الاحتفاظ بالاستحواذ وتدوير الكرة. نجاح ذلك الضغط في الدقيقة الأولى عن طريق السريع «كوستا» كان كافيًا جدًا لإحراز الهدف الأول من تمريرة محفوظة ومنضبطة على الطرف الأيمن، كانت هي النقطة الثانية لتركيز الضغط الهجومي من الـ«بيانكونيري».
أيًا كان الاسم الذي سيشارك في قلب الدفاع بدلًا من «راموس» لم يكن ليحقق نفس الجودة والشخصية اللتين يقدمهما الإسباني للفريق، بالتالي كان لا يمكن لأي فريق أن يُضيع فرصة الضغط من تلك الثغرة في دفاع أصحاب الأرض خاصة إن كان يرافقه من الرواق أحد أكثر الأظهرة تقدمًا وتركًا للمساحة في العالم، «مارسيلو»، بالتالي كانت الجملة محفوظة ومُتكررة، ضغط من وسط الملعب عن طريق الجناح الأيمن وأحد ثنائي المحور من قبل اليوفي، وفور الحصول على الكرة انطلاقة من «ماريو» و«جونزالو» و«ماتويدي» تترجم إلى عرضية خلف القصير «كارفاخال». 9 عرضيات من الجانب الأيمن إلى الأيسر تسبب اثنان منها في هدفي المقدمة لصالح الضيوف خلال 45 دقيقة أولى فقط.
الشوط الثاني: صراع الواقع والمفترض وقوعه
لم يتأخر «زيدان» كثيرًا في التغيير، أسرع في إدخال كل من «أسينسيو» و«فاسكيز» على الرواقين الأيسر والأيمن على الترتيب من أجل سد الثغرات التي ظهرت بشدة خلال أحداث النصف الأول. تحول شكل الفريق بعد ذلك إلى رباعي مسطح في وسط الملعب يعتليه «إيسكو» من مسافة ليست بالبعيدة ومن بعده «كريستيانو». هنا تتحول أدوار «كاسميرو» في تدوير اللعب إلى الإسباني «إيسكو» ويتولى «ماركوس» مهام الدفاع عن الجانب الأيسر رفقة البرازيلي، ويعود «لوكا» ورفيقه الألماني إلى مناطق متأخرة أكثر من وسط الملعب من أجل وأد فرص اليوفي في الضغط والاستخلاص من مناطق خطيرة. عدة مكاسب حصل عليها «زيزو» بتبديلاته المبكرة.
من هنا يبدأ الخيار التكتيكي الأهم في المباراة: هل يحتاج اليوفي للمزيد من الضغط في الدقائق الأولى من الشوط الثاني؟ أم فقط يحتاج إلى هدف وحيد يؤمن به التعادل ويرجئ به الحسم إلى دقائق إضافية، بالتالي الرجوع إلى مناطقه والانتظار أكثر؟ أظن أنني كنت سأتبع الخيار الثاني إن كنت في موضع «أليجري». محاولة الضغط الزائد على ريال مدريد طوال الـ45 دقيقة الثانية، في ظل أن الفريق يحتاج فقط إلى هدف واحد، كانت ستودي بكل المجهود الذي بذل خلال أحداث الشوط الأول. استقبال هدف كان سيقتل كل طموحات الفريق الإيطالي وكذلك كان من الطبيعي ألا يستطيع الفريق – بدنيًا – الاستمرار في الضغط طوال 90 دقيقة، مضاف إلى ذلك كله أنه كان على «ماسيمليانو» الرجوع ومحاولة التعامل مع تغييرات الفرنسي التي قتلت اللعبة التي بنى عليها كل عمله خلال أحداث ما مضى.
تحول الرسم الخططي للفريق الضيف إلى 4-5-1 بعودة الجناحين إلى الأدوار الدفاعية من أجل زيادة الكثافة على الأطراف لوأد الخطورة المفترض تكوينها بوجود «فاسكيز» و«أسينسيو». تأخرت مناطق إفتكاك الكرة في وسط ملعبهم وتحول الاعتماد الهجومي إلى الخروج بمرتدات ولمدد أقصر مع ترك كامل الاستحواذ -بصورة طبيعية- لأصحاب الأرض مع محاولة للضغط بين حينٍ وآخر. أقل من 15 دقيقة على هذا النمط، وكان الهدف المرجو مُسجلاً عن طريق تمريرة عرضية أخرى من الجانب الأيمن إلى نظيره الأيسر من جديد، تبعها خطأ فادح من حارس المرمى، لتبدأ المرحلة الأخيرة من المباراة، وهي محاولة الحفاظ فقط على النتيجة.
خلال ما تبقى من عمر المباراة سدد يوفينتوس مرتين فقط، واحدة تم منعها من قبل الدفاع والأخرى كانت خارج المرمى تمامًا، وهو شيء غير هام بالمرة طالما الفريق كان يملك فارق 3 أهداف الذي كان مستحيلًا من البداية، بينما كان ضروريًا أن يحافظ على مناطقه دون أهداف أو خطورة، وقد كان. الريال من 7 تسديدات في آخر نصف ساعة وصل بواحدة فقط بين الـ3 خشبات تم منعها عن طريق «بوفون»، بالتالي رقميًا يُعد ذلك نجاحاً ملحوظاً وحقيقياً لكتيبة الطليان، حتى لو كان الاستحواذ والضغط والمحاولات لصالح أصحاب الأرض لأن هذه هي الصورة الطبيعية للأمر وليس العكس.
تصويبات كل فريق في أخر نصف ساعة من المباراة
مايكل أوليفر رجل الصحافة الأول
تنقل بسيط بين الصحف العالمية عقب انتهاء أحداث المباراة، سيكشف لك أن الحكم الإنجليزي «مايكل أوليفر» قد تمكن من السطو على كافة العناوين والنقاشات التي دارت بعد المباراة. في الواقع سنعاني جميعًا إقناع الجماهير العزوف عن قرار حكم المباراة ورؤية أحداثها من نظرة نقدية لما دار في 92 دقيقة منها، لكن فعليًا، يصعب تخيل ذلك لأنه بصافرة واحدة منه قد تحولت الدفة من إيطاليا إلى إسبانيا في كسور ثوانٍ معدودة.
أنت هنا ليس بصدد قراءة رأيي الذي لا قيمة له في إحداث أي تغيير يذكر، وواقعيًا لن يغير أي رأي ما جرى في الماضي مهما كان مهمًا في ذاته أو في مُصدره، نحن فقط نحاول أن نضع آراءً تجتمع كلها لتصنع رأيًا عامًا ربما يُحتكم إليه فيما يلي ذلك من أحداث، ذلك عمومًا، أما شخصيًا فأظن أن «بن عطية» حاول أن يختبر «أوليفر» وقدرته على ضبط النفس في رفض احتساب ركلة جزاء مشكوك فيها في ظل تبقي أقل من دقيقتين على عمر المباراة.
تصريح «بوفون» هو الأبرز في تلك الحالة، وأظن أن الإيطالي بخبرة السنين قد وضع كل المعضلة التي دارت بعد المباراة في سطورٍ بسيطة: تحدث عن الأمل وظروف اللقاء والمجهود الذي قدمه فريقه خلال مباراة كاملة، هنا تقع المعضلة بالكامل على العواطف. مباراة كاملة تحكمها العواطف، بين انتظار كبير من الجماهير لانتهاء أحداث المباراة بثلاثية درامية وبين ارتفاع أدرينالين القلق عن جماهير مدريد من الدخول إلى أوقاتٍ إضافية وبين شعور حكم اللقاء على أرض الملعب وسط آلاف الحضور، وبين آمال الحارس الإيطالي في ألا تنتهي مسيرته بشكلٍ مخذل بعد كل هذا. كلها عواطف كان يجب أن تختار شيئًا ما في النهاية، إما ركلة جزاء أو لا، فقط لحظة واحدة أمامك من أجل الحُكم بين كل تلك المشاعر، وأعتقد أنه اختبار صعب جدًا على أي حكم أيما كان اسمه، لأنه في كل الأحوال كان سيتحول إلى مكروه، والحُكم عليه هنا ليس متوقفًا على جماهير كل فريق فقط.
تضارب التصريحات التحكيمية من الخبراء وحتى المتابعين عن كثب أو عن بُعد يؤكد أن اللغط كان سيثار مهما كان القرار على أرض الملعب، تتضاعف قيمته فقط حين يؤول الأمر إلى أي جانب، هنا أؤكد أن القرار كان عاطفيًا من الإنجليزي، والحكم عليه عاطفيًا من قبلنا ومن قبل بوفون وحتى من قبل كل الخبراء، فما من قاطع واحد -في رأي- يذهب بالكرة إلى أي قرار، فقط كلها شكوك وظنون، لكن ما جعل الأمر أكثر صعوبة، أن ذلك القرار كان طعنة حقيقية في قلب أحد أكثر اللاعبين قربًا إلى قلوبنا، الطرقة الأخيرة فوق آخر مسمار في نعش تلك الأسطورة، ذلك ما يجعلنا أمام معضلة حقيقية وقرار مميت وليس فقط صافرة ذهبت إلى الجانب الذي حمل من الصواب أكثر ما حمل من الخطأ.