استطاع «أنطوان جريزمان » أن يخطف هدفًا قاتلًا لصالح أتلتيكو مدريد قبل انتهاء المباراة بأقل من خمس دقائق فقط، ليُفرط ريال مدريد في راحة ولو لبعض الشيء قبل خوض معترك دوري الأبطال في ليلة الأربعاء المقبل في مواجهة العملاق البافاري، ويستغنى -برعونة تكتيكية- عن نقطتين مهمتين، ربما يمنحان الصدارة، ولو مؤقتة، لصالح الكتلان، بعدما ظفر بتعادلٍ مخيبٍ بهدفٍ واحد لكل فريق، في ديربي عاصمي يمكن وصفه بـ «العادي».

زيدان سيدخل في دوائر عدة بهذا التعادل الذي يحمل -هو نفسه- الجزء الأكبر من أسباب حدوثه بما قام به خلال إدارته للقاء. في حين نجح سيميوني بخبراتٍ واضحة في لقائات الديربي أن يقتنص نقطة مرضية جدًا لصالحه من داخل معقل «سانتياجو بيرنابيو»، حتى وإن كان الآداء يُعد سيئا لصالح الهنود الحُمر.


الشوط الأول: الريال نمطي وأتلتيكو سيئ

بدأ ريال مدريد المباراة بذات التشكيلة التي ظفرت باللقب الحادي عشر في نهائي دوري أبطال أوروبا الذي نشب في ميلان، إيطاليا. حيث قرر زيدان أن يعتمد على الثلاثي بيل، رونالدو ومن أمامهم بنزيما في خط الهجوم، مع خط الوسط شبه الثابت بكروس ومودريتش وكازميرو، في حين عاد بيبي للتشكيلة الأساسية بدلًا من فاران المصاب، ليتشارك مع راموس وكارفاخال ومارسيلو خط الدفاع الذي يحمي الحارس نافاس على خط المرمى. بالرسم التكتيكي المعتاد 4-3-3.

تشكيل الفريقين ريال مدريد (يسار) وأتلتيكو مدريد (يمين)، المصدر: www.whoscored.com

في حين قرر الأرجنتيني، دييجو سيميوني، الاعتماد على كُل من سافيتش وجودين في قلبي الدفاع، يمينًا خوان فران ويسارًا ديفد لويز. ورباعي في خط الوسط غير ثابت التكوين لكنه يلتف حول جابي كارتكاز، ومن جانبه كل من كوكي وبشكلٍ أكثر تقدم: كارسكو وساؤول نيجيز. خلف جريزمان وفيرناندو توريس. ليتكون الشكل 4-4-2 داخل أرض الميدان.

أوضح شيء يُمكن الخروج به من الشكل الذي بدا على ريال مدريد في الشوط الأول هو الاعتماد الجم على طرفي الملعب، كما لو كان لاعبو الفريق بالكامل يحفظون عن ظهر قلب تحويل الكرة على الأطراف، إما لمارسيلو وإما لكارفاخال. لدرجة تصل أنك لو شاهدت اللقاء بتجرد بعض الشيء، فستشعر بالشك أن ذلك الفريق الأبيض يملك في قلب وسط الملعب لاعبين بقيمة توني كروس ولوكا مودريتش.

السابق ذكره شيء يميز مدريد زيدان منذ بداية الموسم تقريبًا، اعتماد شبه كامل على الكرات العرضية والتقدم المستمر والدائم، وفي بعض الأحيان غير المبرر، لظهيري الطرف بتغيير أسمائهم. وبالتالي الاستمرار على ذلك شيء خلال أحداث الشوط الأول بانعدام التواجد تقريبًا في عمق الملعب، جعل مهمة أتلتيكو مدريد أكثر سهولة خلال أحداث الـ 45 دقيقة الأولى من عمر اللقاء.

الخريطة الحرارية لفريق ريال مدريد التي توضح اعتماد زيدان على اللعب من الأطراف لا العمق، المصدر: www.whoscored.com

اعتماد ريال مدريد على التحركات النمطية والمحفوظة للاعبي الروخي بلانكوس استمر لمدة وصلت إلى النصف ساعة تقريبًا، قبل أن يقوم زيزو بتعديلة لم تتكرر كثيرًا ولم تدم، بدخول رونالدو في قلب منطقة الجزاء كرأس حربة ثاني جانب كريم بنزيما وتحرك بيني بعض الشيء لصالح مودريتش. هذه التفصيلة كانت صاحبة الفضل في اللقطتين الخطيرتين لصاحب الأرض في الشوط الأول. أما دون ذلك فكان الأمر عاديًا جدًا.

إحصائيات المباراة التي توضح نسبة اعتماد ريال مدريد على الأطراف، المصدر: www.whoscored.com


انضباط الروخي بلانكوس لم يكن على أكمل وجه

الوضع التكتيكي في أتلتيكو مدريد لم يختلف كثيرًا عن نظيره الملكي لكن مع اختلاف الاعتقاد؛ فسيميوني أيضًا قرر الاعتماد على الأطراف في المساحات التي يتركها كُل من مارسيلو وكارفاخال نتيجة تقدمهم الدائم. لكن بتفصيلة مفاجئة بعض الشيء بتواجد كارسكو على الجهة اليمنى بدلًا من التواجد يسارًا في حين تواجد جريزمان في قلب الملعب ومن على يمينه يتحرك ساؤول بشكلٍ شبه دائم.

كان هُناك تصريحًا للفرنسي، أرسن فينجر، في حديث تكتيكي مع مجلة «فور فور تو» ذكر خلاله أن 4-4-2 هي أكثر الخطط ملاً لنقاط الملعب. إذا ما تم تقسيم الملعب إلى ثلاثة أقسام بالطول، فإننا سنحصل على 60% في العمق و20% على كل طرف من الطرفين. الرسم التكتيكي السابق ذكره هو أكثر ما يضمن لك ذلك، وهو ما يعتمد عليه سيميوني في كل الأوقات تقريبًا؛ وعليه يمكنك القول يقينًا إنه في الجانب الخاص بالانغلاق الدفاعي فإن سيميوني نجح كثيرًا في حسن التنظيم الدفاعي بهذه الخطة لكنه فشل في إتمام خطته بجودة الارتداد الهجومي.

المرتدات التي خرج بها سيميوني لم تكون بالجودة المعهودة، وهذا يعود إلى سببين كانا واضحين جدًا خلال أحداث الشوط الأول. أولهما كان سوء التمرير الواضح جليًا من عناصر وسط الملعب للاعبي أتليتكو مدريد. حيث لم تصل كرات كثيرة لتوريس وجريزمان في العمق ولا حتى ساؤول وكارسكو على الرواق، وذلك لسوء عملية الخروج بالكرة من المناطق الدفاعية ووسط الملعب، وهو ما يدفعنا -دفعًا- للسبب الثاني. وهو نوعية الضغط المنظم الذي قدمه ريال مدريد خلال الشوط، وكذلك حسن التعامل عند فقدان الكرة الأولى في الكرات الثانية. لينتهي الشوط الأول بالتعادل السلبي بلا فوائد لأي طرف.


الشوط الثاني وازدياد سرعة النسق

دخل الفريق الملكي للشوط الثاني بسرعة لم تكن موجودة خلال أحداث الشوط الأول، وحاول أن يدك مرمى الفريق الضيف بأقصى سرعة ممكنة قبل أن يُحسن تنظيم صفوفه الدفاعية مرة أخرى. تمكن من الوصول في بداية الشوط بكرة عرضية مهدها رونالدو برأسه لكريم بنزيما المتواجد داخل منطقة الستة أمتار لكن تعامل أوبلاك معها بكل قوة أزاحها عن مرماه.

http://gty.im/666178722

السرعة التي بدت واضحة على أداء ريال مدريد جعلت هناك حالة من الغياب التكتيكي تبدو ظاهرة فوق أرض الميدان. لكن كالعادة، زيدان لا يحتاج إلا إتقان كرة ثابتة واحدة من أجل أن يقلب الأمور لصالحه، وقد كان. بيبي تمكن من التسلل بين مدافعي الهنود الحمر ليسجل الهدف الأول لصالح الميرينجي، لتكون نقطة تحول كبيرة في المباراة ومنها يتغير كل شيء. بداية من الدقيقة 52 من عمر المباراة، أي بعد الهدف الأول، تحول الاستحواذ لصالح الضيوف وقرر ريال مدريد التراجع إلى مناطقه الدفاعية والاعتماد على المرتدات فقط في مواجهة الضغط المتوقع من قبل روخي بلانكوس. هنا كان على سيميوني التدخل بالتغيير الأفضل طوال أحداث اللقاء بدخول أنخيل كوريا بدلًا من ساؤول نيجيز.


تدخلات زيدان غير الناجحة

دخول كوريا لقلب الملعب منح حرية أكثر لصالح جريزمان الذي تلقى أوامر بالتقدم أكثر داخل عمق دفاع ريال مدريد من أجل الابتعاد عن رقابة كاسميرو الرقيبة التي رافقته طوال ساعة من اللعب تقريبًا. لينتقل اهتمام وسط الميدان البرازيلي بالوافد الجديد كوريا الذي بدا أنه أكثر إزعاجًا ولياقة عن سابقه. كذلك خروج ساؤول سمح لكارسكو بالعودة إلى منطقته المفضلة على الرواق الأيسر لاستغلال التواجد الاضطراري لناتشو البديل الذي خلف بيبي المصاب في قلب دفاع ريال مدريد. كل التفاصيل السابقة كانت ربما تحدث مشكلة لريال مدريد لكن باحتمالات تظل ضعيفة برغم أهميتها؛ حتى تدخل زين الدين زيدان في التشكيل.

المدير الفني الفرنسي ظهر وكأنه يرغب في مساعدة سيميوني في تحسين الأمور، فقام -بعد أن قرر الارتكان للدفاع- أن يقوم بسحب توني كروس من أجل الدفع بالوسط الهجومي إيسكو. التغيير الذي منح مساحات أكبر في الوسط الدفاعي للفاينكغ، أحسن استغلالها كوريا وكوكي في التمرير والتحرك العرضي والبيني، فزادت جودة بناء الهجمة لأتليتكو وأصبحت هناك عوامل خطورة واضحة من جانب الضيوف تسبب عنها فيما بعد الهدف من كرة تحركت من ذات الجانب المفترض تواجد إيسكو فيه.

زيدان ضحى بالانضباط التكتيكي في وسط الملعب وخاصة الدفاعي من أجل محاولة غير مضمونة العواقب بضمان الاستحواذ على الكرة في وسط الملعب، والحقيقة أن تأخير التغيير إلى هذا الوقت كان يتطلب زيادة الصلابة الدفاعية بوجود كوفاسيتش على سبيل المثال بدلًا من كروس أو نزول إيسكو لكن على حساب أحد عناصر خط الهجوم، من أجل الفوز بالكرة وقت الإمكان وعدم خسارة المزيد من المساحات ستفيد الخصم بكل تأكيد.


أمور يجب إنجازها قبل ليالي الأبطال

إحصائيات المباراة التي توضح نسبة اعتماد ريال مدريد على الأطراف، المصدر: www.whoscored.com

على زين الدين زيدان في الوقت الحالي محاولة رأب الصدع التكتيكي الذي يضرب الفريق قبل الوقوف أمام العملاق البافاري تحت أنغام «الشامبيونزليج». العمق يجب أن يكون أكثر فاعلية فيما هو قادم، وكذلك الحفاظ على حال الفريق الدفاعية طالما كانت جيدة. ثم محاولة إيجاد حلول هجومية مغايرة عن التي اعتاد ريال مدريد تقديمها، لأنه بالتأكيد سيحتاج إليها في أي لحظة خلال ما تبقى من عمر البطولات التي ينافس عليها ريال مدريد.

بينما يبدو أن سيميوني يعلم جيدًا ما يريده من كل لقاء ويستطيع الحصول عليه، ومع سهولة مهمته في ليالي الأبطال إذا ما قورنت بمهمة نظيريه الإسبانيين، فإن سيميوني ورجاله لا خوف عليهم فيما هو قادم.