تقدير موقف: قراءة في سياسات ومآلات حكومة نتنياهو السادسة
إعداد: د. عدنان عبد الرحمن أبو عامر [1]
أخيراً، خرج الدخان الأبيض من الكنيست الإسرائيلي، وحصلت الحكومة اليمينية الجديدة على ثقته، مما منح رئيسها بنيامين نتنياهو فرصة جديدة لتشكيل حكومته السادسة، وهو يجعله «ملكاً متوجاً» لدولة الاحتلال، وهناك من بالغ بوصفه «ملك ملوك إسرائيل»، لأنه قضى أطول فترة زمنية برئاسة الوزراء، بما فاق أسلافه.
يشكِّل هذا التطور الإسرائيلي فرصة مناسبة لقراءة جملة من المحاور الخاصة بالحكومة الجديدة، بدءاً بمدى اختلافها عن حكومات نتنياهو الخمسة السابقة، مروراً بسياساتها الداخلية المتوقعة، ومدى واقعية المخاوف من تحقق سيناريو الدولة الدينية في عهده، وصولاً لسلوكها المتوقع تجاه الشعب الفلسطيني مع تصاعد المقاومة في الضفة الغربية، واستئناف اقتحامات المسجد الأقصى، ومستقبل العلاقة مع غزة، بجانب تصاعد استهداف فلسطينيي 48، إضافة إلى مآلات علاقتها المتوترة مبكراً مع الإدارة والأمريكية والاتحاد الأوروبي، بجانب مستقبل التطبيع مع باقي الدول العربية الذي بدأه نتنياهو في 2020، وانتهاءً بتحديد سياسته المتوقعة تجاه الملفات الإقليمية والدولية في إيران وسوريا ولبنان وأوكرانيا.
أولاً: اختلاف الحكومات
صحيح أن نتنياهو الذي سيترأس حكومته السادسة، والتي تحظى بدعم 64 مقعداً من معسكر اليمين بشقَّيه الديني والقومي، هو ذاته الذي ترأس حكوماته الخمسة السابقة، بفترة زادت على 5 آلاف يوم من وجود إسرائيل البالغ قرابة 26 ألف يوم، بما نسبته 20% من تاريخها، لكن هناك جملة من التباينات الجوهرية التي تجعلها مختلفة عن سابقاتها، سواء بتكويناتها الداخلية، أم ببيئتها الخارجية.
لعل أول اختلاف جوهري أننا أمام الحكومة السادسة (وربما الأخيرة) لنتنياهو الذي دخل عامه الثالث والسبعين، وفي حال أتمت حكومته ولايتها الدستورية لأربعة أعوام، وهو أمر مستبعد بسبب الاضطرابات التي تشهدها الساحة الإسرائيلية منذ سنوات، فسنكون أمام زعيم يدخل عامه السابع والسبعين، وهو عمر متقدم نسبياً، وسيكون من الصعب عليه سياسياً وصحياً الدخول في جولة انتخابية جديدة لترؤس حكومة سابعة، لأنه حينها سيكون عشية دخوله عقده الثامن، على الرغم من أن هناك من سبقه من رؤساء الحكومات الذين تولوا مناصبهم وهم يناهزون هذا العمر مثل ديفيد بن جوريون، وإسحق شامير، وجولدا مائير، وشمعون بيريز.
هناك اختلاف ثانٍ لافت للنظر أننا أمام حكومة يقودها الليكود، الذي حصل على أعلى نسبة من مقاعد الكنيست الـ 120 بواقع 32 مقعداً، وحظي بـ18 وزارة، فيما توزعت باقي الحقائب الثلاثين على شركائه، فحركة شاس Shas التي نالت 11 مقعداً في الكنيست، حظيت بخمسة وزارات، وحزب يهودوت هاتوراه الذي نال 7 مقاعد حظي بوزارة واحدة فقط، كما حصلت الصهيونية الدينية على 7 مقاعد و3 وزارات، فيما نالت عظمة يهودية (عوتسما يهوديت) على 6 مقاعد و3 وزارات، ومقعد واحد لحزب نوعم.
لكن اضطرار نتنياهو للاستجابة لمطالب شركائه جعله يمنحهم وزاراتٍ مفصلية، ومنها المالية بالتناوب بين زعيم الصهيونية الدينية بيتسلئيل سموتريتش وزعيم شاس آرييه درعي، كما حصل الأول على منصب وزير بوزارة الحرب بصلاحيات واسعة، فيما حظي زعيم عظمة يهودية إيتمار بن غفير بحقيبة الأمن القومي الموسعة، أما الليكود فحصل على الجزء المتبقي من وزارة الحرب وكانت من نصيب الجنرال يوآف جالانت، ووزارة الخارجية حظي بها بالتناوب إيلي كوهين ويسرائيل كاتس.
هذه التقسيمة أثارت غضب الليكوديين على زعيمهم الذي اتهموه بالتفريط بحقوقهم الوزارية المهمة، والنتيجة أننا لسنا أمام حكومة ليكود صرفة، سواء بسبب غياب رموزه الحزبية، وذهاب الحقائب السيادية لشركائه، أم انحراف برنامج الحكومة عن مبادئه الخاصة بالمجتمع الإسرائيلي من الداخل.
والاختلاف الثالث يرتبط بالبرنامج الخاص بالحكومة الجديدة، فعلى الرغم من توافقها في الخطوط العامة في الموضوع السياسي، لا سيّما المتعلق بالفلسطينيين، إلا أن البنود المتعلقة بالمواقف والسياسات الجديدة تجاه المجتمع الإسرائيلي مختلفة كثيراً عن حكومات نتنياهو السابقة، فهو وحزبه يصنّفان بأنهما من اليمين الليبرالي العلماني، ولا يتفقان مع معظم ما يدعو إليه شركاؤهم المتدينون في ما يتعلق بهوية الدولة الدينية، وتسهيل التهرب من الخدمة العسكرية، وزيادة الجرعة التوراتية في سلوكيات الإسرائيليين، لا سيّما تعطيل الرياضة وإنتاج الكهرباء في أيام السبت، ومحاربة الشاذين، وغيرها من القضايا التي تعزز مخاوف العلمانيين بشأن الدولة المحكومة بمنطق التوراة والتلمود.
أما الاختلاف الرابع، فيتمثل في عدم سيطرة نتنياهو على كل وزرائه، كما جرت عادته في حكوماته السابقة، على الرغم من أنها تشكلت من ائتلافات متنوعة، لكنها اتَّسمت بانضباط نسبي في المواقف والتصريحات، لكنه هذه المرة، وقبل أن يحوز على مصادقة الكنيست أطلقت عليه وسائل الإعلام لقب رئيس حكومة التوضيحات، حيث أصدر يوم 26/12/2022 لوحده أربعة توضيحات فقط، خصوصاً بتصريحات شركائه اليمينيين حول قضايا داخلية وخارجية.
لعل ما قد يمنح هذا الاختلاف وجاهة علمية تلك التركيبة الغريبة التي أنتجها نتنياهو لحكومته، ففي ثلاث وزارات سيتناوب وزيران، وهي المالية والرفاهية والخارجية، وثلاثة مثلها هي: الأمن والتعليم والرفاهية، تمّ تقسيمها لجزأين لإرضاء شركائه.
ثانياً: الدولة الدينية
بدا لافتاً أن يعلن نتنياهو على منصة الكنيست أن إسرائيل لن تتحول إلى دولة شريعة، وستحافظ على طريق اليمين الليبرالي، عقب تسريب مطالب المتدينين في المفاوضات الائتلافية، فيما حذرت المعارضة من سيطرتهم على مفاصل الدولة والوزارات الحيوية، لا سيّما التعليم الذين يسعون لجعله تلمودياً صرفاً، بعيداً عن الجغرافيا والرياضيات والحاسوب، ولعل تأخر نتنياهو عن إنجاز حكومته جاء بسبب هذه المطالب التي تقرّبه من الغرق في وحل مستنقعهم، على حدّ وصف خصومه، لأنهم ضغطوا عليه، وابتزوه، بل وهددوه بإمكانية انفراط عقد الائتلاف إن لم يستجب لهم.
لا يختلف إسرائيليان، لا سيّما المطَّلعون منهم على تفاصيل مفاوضات الائتلاف على أن القوى الدينية أظهرت رغبتها بـالتهام الحكومة، مما أدخل دولة الاحتلال نفقاً جديداً في خلافاتها الداخلية، بالانتقال من التباين السياسي حول مستقبل الصراع مع الفلسطينيين، إلى الاستقطاب حول هوية الدولة، بين كونها يهودية تلمودية أو علمانية ليبرالية.
لمزيد من التفاصيل، جرى الحديث بين أقطاب الائتلاف اليميني حتى الساعات الأخيرة التي سبقت إعلان الحكومة، حول النشاط التجاري يوم السبت، بزعم عدم تدنيسه، ودمج المفاهيم التلمودية في المناهج الدراسية الحكومية، وتوسيع الشواطئ المنفصلة بين الجنسين، ومنع إدخال الفطير في عيد الفصح للمستشفيات.
ووصل بعضو الائتلاف الحاخام آفي ماعوز الذي حاز على منصب تمّ تفصيله على مقاسه بوزارة التعليم لتعميق الهوية اليهودية لدى الأجيال الناشئة، لاتخاذ مواقف عدوانية ضدّ اليهود العلمانيين، ومعارضة خدمة النساء في الجيش، ورفض جلب الوثنيين إلى الدولة من يهود الاتحاد السوفييتي السابق، مما دفع أوساطاً إسرائيلية للتحذير من الدخول في عصر الظلام.
الغريب والتناقض بعينه أن هذا الائتلاف الذي يغلب عليه طابع المتدينين ينوون سنّ قوانين ضدّ ما يرونها سياسات مخالفة للتوراة، ومنها مسيرات الشاذين جنسياً، لكنه الائتلاف ذاته الذي منح الثقة لتعيين الليكودي أمير أوحانا رئيساً للكنيست، وهو أول شاذّ يتولى هذا المنصب.
من أجل توضيح أكثر، فإن مشهد أول اجتماع للحكومة الجديدة سيغلب عليه الطابع الديني اليهودي، سواء من الحاخامات ذوي اللحى الطويلة، أم أولئك الذين يرتدون الكيبا على رؤوسهم، ويشكلون 34 نائباً في الكنيست، بما يزيد على 25% من جميع أعضائه، وهو مشهد لم يتوقعه أكثر الإسرائيليين تشاؤماً، وسيجد نتنياهو نفسه الذي لا يخفي علمانيته محاطاً بهؤلاء.
ليس ذلك فحسب، بل إن تركيبة المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت)، الذي يقرر مسائل الحرب والعمليات وتجنيد الاحتياط واستدعاء القوات، سيكون فيه وزراء لم يخدموا يوماً في الجيش، بل إن توجّه الائتلاف بسحب صلاحية تعيين الحاخام الأكبر للجيش من هيئة أركانه شكَّل انقلاباً في عُرف مُتَّبَع منذ تأسيسه قبل أكثر من سبعة عقود.
هذه كلها أعراض يتوقع أن يكون ردّ فعل الإسرائيليين عليها كبيراً، ولعله غير متوقع، وقد تمثلت بداياته في رفض قطاعات واسعة لما بات يعرف بـالدولة الدينية، ودولة هالاخاه، أي الشريعة، وحكومة التلمود، وصولاً لدعوة عدد من كبار الجنرالات والمسؤولين بإعلان العصيان والتمرد رفضاً لحكم الحاخامات، ومن أبرزهم: إيهود باراك، وموشيه يعلون، ودان حالوتس، وعاموس جلعاد، ويائير جولان، ويوفال ديسكين، وأفيجدور ليبرمان، حتى أن غادي آيزنكوت قائد الجيش السابق لم يتردد بدعوة الإسرائيليين للنزول للشوارع، احتجاجاً على أخذ الدولة لحالة غير مسبوقة من الاحتراب الداخلي والعزلة الخارجية.
تعددت طرق الدعوة لهذا التمرد بين المطالبة بـانتفاضة مدنية تارة، ومخاطبة السلطات المحلية بعدم التزام قرارات الحكومة الجديدة تارة أخرى، وتارة ثالثة الدعوة لتطبيق سياسة الأرض المحروقة في محاولة لتقويض استقرار الحكومة.
أكثر من ذلك، فقد تصاعدت العرائض والدعوات التي تمثّل قطاعات واسعة من المجتمع، أبرزهم المعلمين، والقضاة، ورجال الأعمال، الذين حذروا جميعاً من مغبة تنفيذ الحكومة لسياساتها الداخلية، لأنها تحوِّل إسرائيل إلى دولة ظلامية، ولم يتبقَّ سوى مسافة قصيرة فقط من التدهور إلى الهاوية، بل إن خبراء الهايتك حذروا أن الحكومة القادمة وقوانينها وقراراتها ستشكل محفزاً للشركات العالمية للهروب من إسرائيل، مما يعني فقدان مليارات الدولارات من استثماراتها.
وقد بعث 105 من السفراء والدبلوماسيين برسالة لنتنياهو يعربون فيها عن قلقهم من إمكانية أن تلحق سياسة حكومته الضرر بعلاقات تل أبيب الخارجية، ومصالحها، وأعربوا عن مخاوفهم من تصريحات ردّدها الوزراء الجدد، بل إن سفيرة إسرائيل في فرنسا ياعيل غيرمان استقالت بعد لحظات فقط من المصادقة على الحكومة.
مع العلم أن مؤيدي الحكومة يخشون أن تكتسب دعوات العصيان والتمرد الداخلي خطورة إضافية لكونها موجّهة للخارج أيضاً، وتلقى استقبالاً جيداً حول العالم الذي لم يخفِ تخوّفه من الحكومة الناشئة، بزعم أن هذه الرسائل لا تشجع أعداء إسرائيل فحسب، بل حلفاءها الذين قد يُقدمون في مرحلة ما على حرمانها من الدعم الدولي، وقطع علاقاتهم معها، كما هدَّدت بذلك بعض العواصم الغربية، وإن بشكل ضمني.
ثالثاً: التحدي الفلسطيني
ليس من شكّ أن هذه الحكومة إضافة إلى تشكلها من جانب ظلامي على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، فإنها تعد الأكثر دموية وتطرفاً وفاشية تجاه الفلسطينيين، حتى إن عدداً من اتفاقاتها الائتلافية تضمنت بالتفصيل جملة من الإجراءات والسياسات العدوانية تجاه الأراضي المحتلة، مما يزيد من توقعات أن تكون الفترة القادمة زاخرة بالتطورات المتسارعة، بفعل شعور وزرائها أنهم في سبق مع الزمن لفرض مزيد من الوقائع التي لا تفسح المجال مستقبلاً لأي حلّ سياسي قد يُطرح.
يمكن الحديث عن الملف الفلسطيني وموقعه في الحكومة الجديدة من خلال المحاور التالية:
1. الضفة الغربية:
ساحة الصراع الأشد مع الاحتلال، وقد زاد جرعة إضافية باندلاع موجة عمليات المقاومة منذ آذار/ مارس 2022، ولا يتوقع الإسرائيليون أن تتوقف، بل قد تتصاعد وفق تناسب طردي مع تنصيب الحكومة، التي لم تتوانَ في إصدار التهديد والوعيد للفلسطينيين، واتفاق أقطابها على سنّ قانون الإعدام لمنفذي العمليات، واعتباره شرطاً لتمرير موازنة 2023، واقتراح ليكوديين استئناف سياسة الإبعاد لعائلات المقاومين، ومنهم حانوخ ميليفيتسكي وإلياهو رفيفو، اللذان دعيا لنزع الجنسية الإسرائيلية عن عائلات مقاومين من فلسطينيي 48، وترحيلهم إلى لبنان وغزة.
إضافة إلى هذه المطالبات الكفيلة بتفجير الأوضاع الميدانية، فإن تعيين سموتريتش وزيراً بوزارة الحرب، والإشراف على الإدارة المدنية بالضفة الغربية، وتسيير شؤون الاستيطان، نذير شؤم بتوسيعه في المستوطنات القائمة، وإنشاء أخرى جديدة، وشرعنة البؤر غير القانونية، وإمدادها بمشاريع البنى التحتية، لا سيّما في المنطقة ج، التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، وتخضع لسيطرة الاحتلال: المدنية والأمنية معاً.
صحيح أن هذا التعيين أثار إشكالاً داخلياً حول تقاسم الصلاحيات مع وزير الحرب جالانت، مما دفع وزير الحرب المنتهية ولايته بيني جانتس لوصف الأخير بأنه وزير من الدرجة (ب)، لكن الخطورة الأكبر على الفلسطينيين أنه سيجعل ضباط الجيش وجنوده ذوي ولاءات أيديولوجية حزبية أكثر من خضوعهم لاعتبارات مهنية عسكرية بحتة، أي أنهم سيطلقون العنان لدمويتهم باستهداف الفلسطينيين، وهم على ثقة أن هناك في المستوى السياسي من سيدعمهم، ويمنحهم الغطاء اللازم.
هناك استدراك مهم، أن نتنياهو استكمالاً لسياساته مع وزيرَي الحرب السابقين أفيجدور ليبرمان ونفتالي بينيت، فسيبقى هو وزير الحرب الفعلي، من حيث الصلاحيات الكاملة، بحيث سيمنع سموتريتش من ارتكاب أي حماقات قد تهدم المعبد على رؤوس أصحابه، ومن ذلك المحافظة على العلاقة القائمة مع السلطة الفلسطينية من حيث التعاون الأمني والسلام الاقتصادي، كي يصدّ عنه أي حملات دبلوماسية دولية من الخارج.
2. اقتحامات المسجد الأقصى:
جاء تعيين إيتمار بن غفير وزيراً للأمن الوطني، وهي وزارة موسَّعة عن الأمن الداخلي، ليصبّ مزيداً من الزيت على نار التوتر القائم أصلاً، فهو الذي قاد مسيرات الأعلام الاستيطانية، وتوسيع اقتحامات المستوطنين في الأقصى، وتسبب باندلاع أحداث حي الشيخ جراح في 2021، وأشهر سلاحه الشخصي تجاه أعضاء كنيست عرب، والمحرّض على إقامة الصلوات الدينية، والطقوس التلمودية، بما فيها قراءة التوراة، وذبح القرابين، والسجود الملحمي.
الخطورة هذه المرة أن هذه الإجراءات الاستفزازية ستأتي بموافقة حكومية رسمية، مع أن هذا قد يحمل خطورة سياسية تتعلق بتهديد الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية في القدس، وهذا يعني عودة التوتر من جديد بين تل أبيب وعمّان، مما ينذر باشتعال الأوضاع الميدانية حول الأقصى، الكفيلة بإمكانية نشوب حرب جديدة مع غزة على غرار سيف القدس، أو مواجهات شعبية واسعة مع المرابطين والمقدسيين.
3. العلاقة مع غزة:
من باب التذكير فقط، فإن نتنياهو هو من وافق على تمرير المنحة القطرية إلى قطاع غزة منذ اندلاع مسيرات العودة في 2018، وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، وليس هناك ما يهدد استمرارها، طالما أن الوضع الميداني في غزة على حاله، إضافة إلى أن المسؤولية الأمنية المباشرة منوطة بوزير الحرب جالانت، الذي لا يشكك بولائه لرئيسه، وهو الذي قاد العدوان على غزة في 2008 حين كان قائداً للمنطقة الجنوبية في الجيش، وبالتالي فهما لن يُقدما على ما من شأنه استفزاز المقاومة في غزة، إلا إذا اضطرت الأخيرة لخوض مواجهة ترسيخاً لعدم ترك الأقصى يواجه حالة التهويد لوحده، أو أي تطورات ميدانية فلسطينية ساخنة تُصعّب عليها البقاء مكتوفة الأيدي.
4. استهداف فلسطينيي 48:
شكَّل ملف الداخل المحتل أولوية متقدمة لدى الائتلاف الحكومي الجديد، بزعم أن فلسطينيي 48 يمثلون تهديداً لـيهودية الدولة، خصوصاً بعد انخراطهم في أحداث هبة الكرامة في مايو/أيار 2021، واحتجاجاتهم التي عمّت مختلف المدن المحتلة، لا سيّما اللد والرملة ويافا وعكا، وتصاعد التحريض ضدهم من قبل عتاة اليمين وأجهزة الأمن، مما دفع إيتمار بن غفير لمنح جهاز الأمن العام (الشاباك) مسؤولية متابعة أوضاعهم الداخلية، بزعم محاربة الجريمة، وهو ما قابلوه بالرفض والإدانة لأنه يحولهم إلى ملف أمني بحت بنظر الحكومة، وهو ما سيترجم بمزيد من الضغط الأمني عليهم، وتصاعد الاعتقالات والاستدعاءات، ورويداً رويداً سيفرض عليهم الحكم العسكري الذي كان مفروضاً خلال السنوات الأولى من عمر دولة الاحتلال.
رابعاً: التوتر مع واشنطن وأوروبا
لم يعد سرّاً أن إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن دفعت بقوة، وحتى اللحظات الأخيرة، لفوز المعسكر الذي يقوده رئيس الحكومة المنتهية ولايته يائير لابيد، وبالتالي لم ينزل فوز نتنياهو برداً وسلاماً عليها، فالاثنان يعرفان بعضهما عن قرب، وكتب الإسرائيليون كثيراً في حالة الإحباط التي سادت البيت الأبيض فور الإعلان عن فوز الأخير، لما يعني ذلك من استشراف أمريكي بتوتر سياسي مباشر مع حكومته.
بدأ التوتر الأمريكي الإسرائيلي فعلياً بإرسال رسائل تلميحية وتصريحية، بدأت بالرجل الأول بايدن، وطاقمه القريب منه كوزير الخارجية أنتوني بلينكين ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، وصولاً لكُتّاب الأعمدة اليومية في الصحافة الأمريكية الكبار، لا سيّما توماس فريدمان الذي عنون مقاله بعد فوز نتنياهو على الفور بعبارة إسرائيل التي نعرفها فقدناها، مما ترك أجواء غاضبة في أوساط اليمين الإسرائيلي، الذي عدّه تدخلاً أمريكياً فظاً وسافراً في السياسة الداخلية.
صحيح أن التوتر الأساسي بين واشنطن وتل أبيب في عهد نتنياهو سيتركز في الموضوع الفلسطيني، لا سيّما توجهات الأخير بالضم الفعلي لبعض أجزاء الضفة الغربية، والتوسع الاستيطاني، مما يعني تعارضاً رأسياً مع توجهات إدارة بايدن نحو حلّ الدولتين، على الرغم من فشلها بعد عامين على تنصيبها على إحداث حراك على الأرض لتحقيقه، لكن ما صدر من اتفاقات ائتلافية بين الليكود وشركائه، دفعها للحديث علانية أنها قد لا تتمكن من الالتقاء مع بعض وزراء هذه الحكومة، قاصدة سموتريتش وإيتمار بن غفير، مما يعني مقاطعة جزئية لها، ولعل هذا إجراء أمريكياً غير مسبوق بعلاقاتها مع حليفتها الأولى في المنطقة.
في الوقت ذاته، هناك سياسات إسرائيلية متوقعة لا تقل إشكالية لدى واشنطن، وتتعلق بالوضع الداخلي، لا سيّما تجاه حقوق المرأة والشاذين والقوانين الدينية التي تثير خلافاً واضحاً مع طوائف يهودية أخرى في الولايات المتحدة، دفعت بثلاثمئة حاخام يهودي هناك لإعلان معارضتهم للحكومة، والعمل على عدم استقبال وزرائها في واشنطن، وعدم اللقاء باليهود الأمريكيين.
بالانتقال للعلاقة الإسرائيلية المتوقَّعة مع الاتحاد الأوروبي، يمكن التذكير أن سنة 2012 شهدت تجميد مجلس شراكتهما بسبب غضب الأخير من سياسات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، ثم شهدت الاتصالات حالة من شبه التوقف باستثناء بعض الإجراءات البروتوكولية، لكن فوز اليمين في الانتخابات الأخيرة دفع الأوروبيين لاتخاذ مواقف متسارعة بتحسّسهم من تشكيل الحكومة الجديدة. ووصلت ذروة توترهما المبكر عشية تشكيل الحكومة الجديدة، في الضجة الإسرائيلية قبل أيام حول وثيقة أوروبية سرية لتفعيل البناء الفلسطيني في المنطقة ج من الضفة الغربية، مما دفع بثلاثين من أعضاء الكنيست اليمينيين والوزراء المكلفين بتوجيه خطاب احتجاجي غاضب لمكتب الاتحاد الأوروبي في القدس المحتلة، متهمين إياه بالتدخل لصالح الفلسطينيين.
كما رفض السفراء الأوروبيون في الأمم المتحدة القيام بجولة ميدانية عند حائط البراق في المسجد الأقصى بدعوة السفير الإسرائيلي الليكودي فيها جلعاد أردان، وأعلن الاتحاد الأوروبي وقف العمل بمسودة اتفاق التعاون الاستخباراتي مع شرطة الاحتلال، في رسالة واضحة لا تخطئها العين عن موقفه السلبي من تشكيل الحكومة الجديدة، وأعلن صندوق الثروة النرويجي وقف استثماراته بـإسرائيل لأن عدداً من شركاتها تدعم المشاريع الاستيطانية.
في منحى دولي ثالث يرتبط بالعلاقة مع الأمم المتحدة، فقد شهدت الأسابيع الأخيرة التي تلت إعلان نتائج الانتخابات الإسرائيلية، نشوب عدة أزمات متلاحقة سياسية وقانونية، تتعلق بتصويت المنظمة الدولية لصالح مطالب فلسطينية خصوصاً بطلب رأي محكمة العدل الدولية في مستقبل الاحتلال في الضفة الغربية، كان آخرها يوم 30/12/2022، وإحياء الذكرى السنوية الخامسة والسبعين للنكبة في مايو/أيار 2023، وإقامة معرض في بوابة المنظمة الدولية يشرح تطور القضية الفلسطينية خلال سبعين عاماً، واستعداد جهات حقوقية دولية لإدراج إسرائيل في قائمة الدول التي تقتل الأطفال الصغار، والهجوم الإسرائيلي ضدّ عدد من الموظفين الأمميين الكبار.
كل هذه التطورات تعطي انطباعاً أقرب للاستنتاج مفاده أن دولة الاحتلال على موعد من التوترات والخلافات المتصاعدة مع الأمم المتحدة، لا سيّما في ضوء نجاح الفلسطينيين في الحصول على تصويتات إيجابية لصالحهم، وإخفاقها بإبطال هذه القرارات، مع أن هذه الجبهة الدبلوماسية لا تقل خطورة عن جبهات أخرى أكثر اشتعالاً وسخونة.
خامساً: مستقبل التطبيع
قاد نتنياهو في أواخر عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مسيرة تطبيع مع عدد من الدول العربية، كالإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان، وربما لو استمر في منصبه آنذاك لواصل مسيرته، لكن عودته الجديدة قد تدفعه لاستئنافها، وهو مدفوع هذه المرة بحافز كبير يتمثل بالحصول على الجائزة الكبرى المتمثلة بالتطبيع مع السعودية، ولم يكن مفاجئاً أن يستبق إعلان حكومته بأيام بإجراء مقابلة تلفزيونية مع قناة العربية السعودية، بعث خلالها برسائل للمملكة طالباً منها الاستجابة لجهوده التطبيعية.
يدرك نتنياهو أكثر من غيره أن تشكيلة حكومته اليمينية التي استثارت المنظومة الدولية، قد تشكل عقبة كأداء أمام استئناف التطبيع، على الرغم من أن عدداً من الدول المطبّعة لم تجد غضاضة بالتواصل المبكر مع شركائه الفاشيين أمثال بن غفير وسموتريتش، بدعوتهما لاحتفالات رسمية، أو زيارتهم بمكاتبهم، لكن نتنياهو سيعمل على تجاوز هذه العقبة من خلال استغلاله لعدد من التطورات الإقليمية والدولية، التي قد تعد لباقي الدول العربية، لا سيّما السعودية، مفتاحاً أساسياً للتطبيع معها.
أول هذه التطورات، ذو طابع دولي، ويتعلق بالتراجع الجاري في العلاقات السعودية الأمريكية، مما قد يدفع نتنياهو لاستغلال حاجتهما لإذابة الجليد القائم بينهما، متأمّلاً أن ينجح بهذه المهمة، ليضرب عصفورين بحجر واحد، أولهما يستعيد ثقة واشنطن به، وهي المتخوفة والمتوجسة من سياسته القادمة، وثانيهما الحصول على مكافأة الرياض له على هذا النجاح، وليس أقل من تطبيع علاقاتهما التي قطعت أشواطاً مهمة خلال الفترة الأخيرة، ولم يتبقَ سوى القليل لإعلانها رسمياً، حيث يعلم نتنياهو حاجة محمد بن سلمان للعلاقة مع بايدن لاعتبارات داخلية متعلقة بإتمام تتويجه ملكاً للبلاد، وهي الخطوة التي لا بدّ من تحصيل المباركة الأمريكية عليها.
ثاني التطورات، إقليمي، ويرتبط باستغلال إسرائيل للمخاوف السعودية من تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة، ونتنياهو صاحب خبرة طويلة في مفاقمة هذه المخاوف، والبناء عليها، وإشعار الدول الخليجية بالذات أن إسرائيل لا تترك حلفاءها لوحدهم، كما تفعل الولايات المتحدة، التي شكَّل انسحابها من المنطقة خبراً سيئاً لتلك الدول.
مع العلم أن هذه البضاعة الإسرائيلية قد تجد من يشتريها، وبناء عليها قد تمضي خطط التطبيع التي يتحضر لها نتنياهو قدماً الى الأمام، وفي الوقت ذاته، فإن هذه المخططات قد تصطدم بجدار حديدي يَحُول دون إتمامها في حال انفجرت الأوضاع الميدانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصاً على خلفية أحداث الأقصى، مما سيشكل مصدر إحراج لهذه الدول، في حال قررت الانضمام لمسيرة التطبيع مع الاحتلال.
سادساً: الملفات الإقليمية والدولية
تبدأ الحكومة الإسرائيلية السابعة والثلاثين عهدها، وسط تطورات إقليمية ودولية مشتعلة، بعضها تعايش معها نتنياهو في حكوماته السابقة، وبعضها الآخر يتعامل معها للمرة الأولى، مع التأكيد على أن هذه الملفات يعدها سيادية، ولا يسمح لأي من وزرائه بفرض أجندته أو مواقفه السياسية فيها، فهو الأكثر معرفة بها، وهذا صحيح، والأكثر انخراطاً في تفاصيلها، مما يفسح المجال لقراءة استشرافية لطبيعة السياسة المتوقعة إزاءها على النحو التالي:
1. النووي الإيراني:
الكل يذكر كيف تحدّى نتنياهو الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في 2015 في قلب واشنطن، حين ألقى في الكونجرس خطاباً نارياً هاجم فيه الاتفاق النووي الإيراني الذي سوّق له الأخير، وشكّل في حينه ذروة توترهما غير المسبوق، واعتُبر نتنياهو متجاوزاً لكل الخطوط الحمراء في العلاقات مع الحليف والراعي الأكبر عالمياً، وقد كان بايدن حينها نائباً لأوباما، ورأى بأمّ عينه وقاحة نتنياهو، مما يجعله أكثر حذراً في التعامل معه.
لكن ما قد يعفي نتنياهو من تكرار إهانته لسيد البيت الأبيض هذه المرة أنه يستلم مهامه الحكومية وقد صرف الأخير النظر عن اتفاق جديد مع إيران بعد توقف المفاوضات قبل أشهر، مما يفسح المجال للبحث في خيارات نتنياهو الأخرى تجاهها، خصوصاً الخيار العسكري، الذي كشف النقاب في الآونة الأخيرة كيف حاول مرتين شنّ هجوم عليها لولا رفض جنرالات الجيش، ومن يعلم؟ فقد يقدم على المحاولة الثالثة هذه المرة، وسط أوضاع إقليمية ودولية تجد في إيران عدواً حقيقياً ليس لإسرائيل فحسب، بل لعدد من الأنظمة العربية والمنظومة الغربية، ولكل أسبابه الخاصة.
فالدول العربية لا تخفي قلقها من توسع النفوذ الإيراني من حولها في عدة عواصم، والغرب لن ينسى لطهران دعمها لروسيا في حرب أوكرانيا، وهنا قد يحصل نتنياهو على مراده بتوفير غطاء إقليمي ودولي لمهاجمتها، شرط توفير الموافقة الداخلية بالأساس، لا سيّما القادمة من المؤسسة العسكرية.
2. سوريا:
منذ سنة 2013 صادق نتنياهو على الشروع في استراتيجية المعركة بين الحروب ضدّ الوجود الإيراني في سوريا، ونقل الأسلحة المتجهة عبرها إلى حزب الله في لبنان، وبموجبها شنّ الطيران الإسرائيلي آلاف الغارات الجوية على الأراضي السورية، دون التورط بحرب مفتوحة، مما يشي باستمرار هذه السياسة، وتصعيدها أو تخفيضها حسب التطورات الميدانية، مع الحرص الإسرائيلي على التنسيق الدائم مع روسيا، صاحبة القول الفصل في دمشق، لعدم الاصطدام بها، والحفاظ قدر الإمكان على بقاء الوضع السياسي داخل سورية كما هو، مع استمرار العمل لمنع تحولها قاعدة لإيران ومجموعاتها المسلحة لتهديد إسرائيل، لا سيّما من هضبة الجولان.
3. لبنان:
بعد الرفض الذي أعلنه نتنياهو في بداية الأمر لاتفاق ترسيم الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية، اضطر لاحقاً لتعديل موقفه بسبب الانزعاج الأمريكي، للحديث عنه كما يتعامل مع اتفاق أوسلو Oslo مع الفلسطينيين، مما يعني أنه لن يذهب بعيداً في رفضه، سواء لعدم زيادة مراكمة الغضب الأمريكي منه، أم كي لا يشكل ذلك سبباً لحزب الله للتحرش بـإسرائيل، على الرغم من أنه قد يوعز لقطعة البحرية قبالة السواحل اللبنانية ببعض الممارسات التي لا تظهره ملتزماً بالكامل باتفاق عدّه سابقاً خضوعاً لتهديدات الحزب.
في الوقت ذاته، قد تشهد العلاقة مع لبنان في عهد نتنياهو تطوراً ميدانياً متعلقاً بملاحقة قوافل الأسلحة الإيرانية التي تصل الحزب عبر الحدود والمعابر اللبنانية، واستهدافها، بعد ضرب الطيران الإسرائيلي للمطارات السورية في دمشق وحلب، مما يفتح الباب واسعاً أمام سيناريوهات ردود الحزب على هذا التطور الخطير والنوعي، وعلى الرغم من أن هناك رغبة لدى الجانبين بعدم الذهاب بعيداً في حرب عسكرية دامية يسميها الإسرائيليون حرب لبنان الثالثة أو حرب الشمال الأولى، لكن طبيعة تدحرج الوضع الميداني سيحدد شكل المواجهة المتوقعة بينهما.
4. حرب أوكرانيا:
استمراراً للنهج الذي سار عليها سلفاه نفتالي بينيت ويائير لابيد، فليس من المتوقع أن يمضي نتنياهو بعيداً في اتخاذ مواقف حادة من الحرب، فهو يمتلك صداقة وثيقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويحتاج إليه في سوريا لاستمرار النشاط العدواني في أجوائها، وفي الوقت ذاته يسعى لاستعادة ثقة بايدن والغرب به، الذين يتوقعون منه الانضمام بالكلية لموقفهم المعادي لروسيا، مما قد يبدو مستبعداً، لأن المصلحة الإسرائيلية كما يراها نتنياهو تتمثل في تحصيل فوائد وامتيازات من الجانبين، وعدم حسم الخيارات نهائياً تجاه أي منهما، على الرغم من أن خبرته السياسية قد تجعله يفكر في القيام بوساطة بين بوتين وبايدن، لأنه يعرفهما جيداً أكثر من غيره.
في الوقت ذاته، فإن الدعم الذي تقدمه إيران لروسيا خصوصاً الطائرات من دون طيار والصواريخ، قد ينقل المواجهة الإيرانية الإسرائيلية إلى أوكرانيا، وهنا قد تضطر إسرائيل لتزويد الأخيرة بمضادات تبطل مفعول المسيّرات الإيرانية، مما قد يغضب موسكو التي ترى أن ذلك الدعم يُسهم بإنقاذها من الوحل الأوكراني.
خاتمة
كشفت السطور السابقة عن واقع معقَّد بانتظار حكومة نتنياهو، داخلياً وخارجياً، مما سيجعلها منشغلة على مدار الساعة في سلسلة من عمليات إطفاء الحرائق. صحيح أن رئيسها ضليع في تدوير الزوايا، وخبرته كبيرة في استخراج الفرص من المخاطر، لكن ما بين يديه من حكومة إشكالية، قد تذهب الى ابتزازه، وعصره مثل حبة الليمون، قد تجعله في مواجهة الشارع الإسرائيلي العلماني بكليته، والمجتمع الدولي في سياساتها تجاه الفلسطينيين.
يمكن القول إن نتنياهو سيمضي فترة لا بأس بها في ترؤس هذه الحكومة، ويبذل قصارى جهده لاستقرارها، وبقائها، إلا إذا شعر أن ظهره للحائط، داخلياً وخارجياً، حينها يمكن الحديث عن ذهابه إلى الخطة ب، من خلال فرط عقد ائتلاف هذه الحكومة، والإتيان بشركاء أكثر انسجاماً معه، وأقل شغباً من الشركاء الحاليين، لكن مثل هذا الخيار قد لا يتحقق قبل مضي عام على الأقل، وفق عديد من التقديرات الإسرائيلية، بديلاً عن الذهاب لانتخابات سادسة مبكرة، قد تطوي صفحة نتنياهو للأبد عن المشهد السياسي.
- أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة سابقاً، قطاع غزة، فلسطين. حاصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ السياسي من جامعة دمشق. متخصص في الدراسات الإسرائيلية. نشر عدداً من الكتب حول السياسة الفلسطينية المعاصرة والصراع العربي الإسرائيلي. يعمل باحثاً ومترجماً لدى عدد من المراكز البحثية العربية والغربية. ويكتب بصفة دورية في عدد من الصحف والمجلات العربية.